المبحث الأول:ماهية مبدأ المشروعية
المطلب الأول: تعريف مبدأ المشروعية ومظاهر احترامه
الفرع الأول:تعريف مبدأ المشروعية
يقصد بالمشروعية أن تخضع الدولة بهيئاتها وأفرادها جميعهم لأحكام القانون وأن لا تخرج عن حدوده، ومن مقتضيات هذا المبدأ أن تحترم الإدارة في تصرفاتها أحكام القانون، و إلا عدت أعمالها غير مشروعة وتعرضت للبطلان.
والأساس الذي يقوم عليه المبدأ مرهون باختلاف الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مختلف الدول.
وغالباً ما تتفق الدول على أن هذا الخضوع هو الذي يمنح تصرفاتها طابع الشرعية ويضعها في مصاف الدول القانونية وبخروجها عنه تصبح دولة بوليسية Etat de Police . ([1])
ولابد للدولة القانونية من مقومات وعناصر طبيعية جوهرية ومن هذه العناصر:
1. وجود دستور يحدد النظام ويضع القواعد الأساسية لممارسة السلطة في الدولة ويبين العلاقة بين سلطاتها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.
2. خضوع الإدارة للقانون: ويقتضي ذلك عدم جواز إصدار الإدارة أي عمل أو قرار أو أمر من دون الرجوع لقانون وتنفيذاً لأحكامه.
3. التقيد بمبدأ تدرج القواعد القانونية : ويستند ذلك إلى أن القواعد القانونية تتدرج بمراتب متباينة بحيث يسمو بعضها على البعض الآخر.
4. تنظيم رقابة قضائية: لكي تكتمل عناصر الدولة القانونية لابد من وجود تنظيم للرقابة القضائية على أعمال مختلف السلطات فيها، وتقوم بهذه المهمة المحاكم على اختلاف أنواعها سواء أكانت عادية أم إدارية، تبعاً لطبيعة النظام القضائي المعمول به في الدولة كأن يكون نظام قضاء موحد أم نظام القضاء المزدوج.
ويمثل القضاء الإداري في الدول التي تعمل به ركيزة أساسية في حماية المشروعية وضمان احترام حقوق وحريات الأفراد من جور وتعسف الإدارة، ويتسم هذا القضاء بالخبرة والفاعلية في فض المنازعات التي تنشأ بين الأفراد والإدارة لكونه ليس مجرد قضاء تطبيقي كالقضاء المدني وإنما قضاءً إنشائياً لا يتورع عن ابتداع الحلول المناسبة لتنظيم علاقة الإدارة بالأفراد في ظل القانون العام.
الفرع الثاني : مظاهر إحترام مبدأ المشروعية
يتزعم هذا الاتجاه العميد ديجي فيذهب إلي أن الأساس القانوني لحق الإدارة في سحب قراراتها المعيبة هو مبدأ المشروعية . وعلي هـذا المبدأ يجب علي الإدارة أن تلتزم فـي إصدار قراراتها باحترام مبدأ المشروعية , وان يكون هـذا المبدأ هو المهيمن على كافة تصرفاتها, فإذا هي خالفته بالخروج عليه وجب عليها الرجوع في قراراتها المخالفة للقانون , ولا تثريب عليها إن هي عادت إلي حظيرة القانون في أي وقت.
ويقول العميد ديجي أن هذا المبدأ ليس له , ولا يمكن أن يكون له , ولا يجب أن يكون له , أي استثناء وانطلاقا من هذا المبدأ , فلجهة الإدارة حق الرجوع في قراراتها أو تصحيح الأخطاء القانونية التي تقع فيها في كل وقت وانه ليس لأحد أن يشكو مـن سحبها لقراراتها الإدارية لان هذه السلطة إذا تقررت فـهي مقرره لمصلحه الأفراد , وانه إذا اضر هذا السحب بأحد فيكفي أن يقرر له الحق في التعويض.
وانتهي العميد ديجي إلي أن مبدأ المشروعية يجب أن يكون هـو الأعلى ومـن ثم له الأولوية والغلبة دائما, علي مبدأ المساس بالمراكز الفردية المكتسبة كلما حدث تعارض بينهما وحجته فـي ذلك , إن القرار الباطل لا يولد حقوقا , وبناء علي ذلك يري إمكان سحب القرار الباطل فـي كل وقت, تحقيقا لمبدأ المشروعية والقول بغير ذلك يعرض مبدأ المشروعية للخطر, وهو ما لا يمكن التسليم به.
إلا أن ما نادي به العميد ديجي لا يمكن التسليم به في كافه جوانبه, لأنه يغالي في الدفاع عن مبدأ المشروعية ويجعله أعلى من اعتبارات ضرورة استقرار الأوضاع والمراكز القانونية للإفراد, فهو يري أن من حق الجهة الإدارية الحق في السحب في أي وقت وغير مقيده بمده معينه مدام أن القرار معيب. فهذا أن كان من شانه أن يودي إلي احترام مبدأ المشروعية, إلا انـه سوف يؤدي إلي زعزعه استقرار المراكز والأوضاع القانونية للإفراد, ويؤدي إلي الإضرار بالصالح العام في النهاية.([2])
المطلب الثاني: مصادر مبدأ المشروعية
إذا كانت الإدارة تلتزم باحترام القانون وتطبيقه، فأن المقصود بالقانون هنا القواعد القانونية جميعها أياً كان شكلها .
ومصادر المشروعية هي مصادر القانون ذاته كالدستور وما يلحق به من قيمة قانونية عليا كإعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير ثم يلي الدستور القوانين ثم القرارات الإدارية التنظيمية و الفردية والعرف والقضاء .
وسنقسم هذه المصادر إلى نوعين : المصادر المكتوبة والمصادر الغير مكتوبة .
الفرع الأول :المصادر المكتوبة
تشمل المصادر المكتوبة الدستور والتشريع العادي (القانون) والتشريعات الفرعية أي اللوائح الإدارية .
الفقرة الأولى: التشريعـات الدستوريـة
تعد التشريعات الدستورية أعلى التشريعات في الدولة وتقع في قمة الهرم القانوني وتسمو على القواعد القانونية الأخرى جميعاً فهي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وعلاقته بالمواطنين وحقوق الأفراد وحرياتهم، والاختصاصات الأساسية لمختلف السلطات العامة في الدولة.
ومن ثم ينبغي أن تلتزم سلطات الدولة جميعها بالتقيد بأحكامه و إلا عدت تصرفاتها غير مشروعة، والإدارة بوصفها جهاز السلطة التنفيذية تلتزم بقواعد الدستور ولا يحق لها مخ
[1] د. ماجد راغب الحلو ، القضاء الإداري ، دار المطبوعات الجامعية بالإسكندرية ، مصر، 1995 ، ص 10 -11
[2]حسني درويش عبد الحميد، القرار الإداري عن غير طريق القضاء، مصر، ص306
يتبع ...........