موضوع الدستور - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

موضوع الدستور

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2009-10-08, 23:03   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










B18 موضوع الدستور

موضوع الدستور :

المقصود بالدستور كقانون وما هي خصوصيته ومن أين جاءت هذه الخصوصية وما أدت إليه هذه الخصوصية من التوصل إلى قانون متميز عن غيره من القوانين. وتأتي خصوصية الدستور من كونه يعد قانونا حاله حال القوانين الأخرى من حيث توافر فكرة وفلسفة القوانين فيه، لكنه مميز عن بقية القوانين من حيث الأشخاص المخاطبين بأحكامه ، حيث إنه يخاطب الحكام. وقد ترتب على ذلك اتصافه بشكل خاص يميزه أكثر عن بقية القوانين ويفعل الفلسفة التي يقوم عليها، أي إن مخاطبته لفئة الحكام هي التي تعطيه هذه المكانة، ولكن ماهي الموضوعات التي يخاطب الدستور الحكام بصددها؟
تختلف موضوعات الدستور من دستور دولة إلى أخرى (باختلاف الدساتير وتعدد الدول) حيث إن التنظيمات الدستورية تختلف وتتباين من دولة إلى أخرى، ولكن على الرغم من التباين في الدساتير بين الدول نجد أن هناك قواعد تنظيمية عامة وشاملة نابعة من فلسفة الدستور بشكل عام والهدف الذي يسعى إلى تحقيقه، وتحدد هذه القواعد موضوعات معينة للدستور بشكل عام( [34]).
وعند تفحص الدساتير نجد أن هناك موضوعات معينة تعنى بها الدساتير، وهذه الموضوعات منها ما تجمع الدساتير على الاعتناء بها ومنها ما تعنى بها غالبية الدساتير دون الأخرى، وهناك موضوعات لا تعنى بها إلا القليل من الدساتير. وبالمقارنة مع ما تقدم نجد أن الفقه الدستوري بدوره يجمع على موضوعات معينة كموضوعات للدستور وتختلف في موضوعات أخرى، وتتجسد هذه الموضوعات في ثلاث نقاط اختصاص، الأولى هي تنظيم السلطة وما يتعلق بها، والثانية حقوق وحريات الأفراد وضمانها، والثالثة تتعلق بالتعبير عن فكرة القانون الموجهة لنشاط الدولة.

أولاً- تنظيم السلطة :
يعد تنظيم السلطة الموضوع الأساس للدستور، وان مضمون هذا الموضوع يتفق مع فلسفة الدستور كقانون ، حيث إنه من المعروف أن فكرة القانون بشكل عام تقوم على أساس التنظيم ، ويختلف محل هذا التنظيم من قانون إلى آخر. والتنظيم الذي يعنى به الدستور هو تنظيم السلطة الذي له دور كبير في النظام القانوني للدولة بشكل عام حيث تعد عنصراً أساسيا ومهما لوجود الدولة. ويكون هذا التنظيم ابتداءً بتنظيم السلطة بحسب مفهومها العضوي ، أي هيكليتها وتكوينها، ويكون ذلك بتقسيم السلطة إلى عدة سلطات بحسب الاختصاص وتحديد اختصاصات كل منها ومن ثم تحديد ورسم الكيفية التي تمارس بموجبها هذه السلطات اختصاصاتها وتنظيم ذلك فضلاً عن تنظيم العلاقات القائمة بين هذه السلطات( [35]). أي إن الدستور يعنى بتعيين الحكام وممارستهم لاختصاصاتهم بشكل منظم إذ انه من المعروف انه ليس لأي شخص في الدولة أن يصدر أمرا أو يقوم بعمل قانوني إلا إذا كان مخولا بالقيام بذلك بشكل نظامي. أي انه لابد لمن يحكم من صفة قانونية تخوله مباشرة مهمة الحكم، والدستور هو الذي يحدد هذه الصفة.
حيث إن الدستور يتولى مهمة تحديد الأشخاص الذين تمثل إرادتهم إرادة الدولة أو بتعبير أدق إرادة السلطة ويكون هذا التحديد بشكل قانوني يختلف عن الصور الأخرى التي يمكن من خلالها تحديد هذه الإرادة، حيث انه من المعروف انه يمكن لهذا التحديد أن يتخذ من الناحية السياسية أشكالا وصورا مختلفة. وأيا كان الشخص الذي ينصب عليه التحديد فانه يكتسب صفة عضو في السلطة أو هيئة من هيئاتها. وعلى سبيل المثال عندما يقرر الدستور إن السلطة التشريعية يمارسها مجلس النواب فإنه بذلك يعني أن إرادة الأفراد المنتخبين لمجلس النواب تنوب عن الدولة فيما يتعلق بالشؤون التشريعية. أي إن الدستور كان هنا هو الأساس في امتيازات الحكام المسؤولين عن مهمة التشريع في الدولة( [36]) . أي إنه هو الأساس في مشروعية قيامهم بهذه المهمة ضمن الحدود المقررة فيه. وعلى هذا الأساس أيضاً يكون الدستور هو الحد لمشروعية ممارسة الحكام لنشاطهم بحيث يكون أي خروج عن الحدود المرسومة خروجاً عن المشروعية الممنوحة ودخولاً في اللامشروعية.
وكنتيجة لما تقدم يمكن من خلال الدستور التعرف على طبيعة الدولة أو أنواعها من حيث كونها دولة موحدة أو مركبة، وكذلك التعرف على نظام الحكم من حيث كونه نظام حكم جمهوري أو ملكي وكذلك فيما يتعلق بالنظام من حيث كونه ديمقراطياً أو دكتاتورياً أو برلمانياً أو رئاسياً( [37]).

ثانياً - حقوق الأفراد :
يذهب غالبية الفقه إلى أن حقوق الأفراد وضمانها تعد من موضوعات الدستور فضلاً عن تنظيم السلطة( [38]). لا بل هناك من يذهب إلى إن هذه الحقوق تعد من صميم هذه الموضوعات( [39]). ويتناول الدستور هذه الحقوق كوسيلة قانونية لتحقيق غاية ألا وهي ضمان إعمال هذه الحقوق وصيانتها من الاعتداء والانتهاك ، وقد تطور تناول الدستور لهذه الحقوق مع تطور فكرة هذه الحقوق ومدى الاهتمام بها ، فقد كان تناول الدساتير لهذه الحقوق على أساس تحديد مجال معين لهذه الحقوق لا يجوز للسلطة أن تتجاوز عليه ، أي تحديد مدى سلطان الدولة على الأفراد( [40]).
وتطور الأمر إلى فرض قواعد معينة يجب على السلطة التقيد بها في عملها ويمثل ذلك ضمانات لهذه الحقوق. ومن ثم تطور الأمر فيما بعد إلى إيراد قواعد يجب على الدولة الإسهام في إعمالها في سبيل تطبيق وتفعيل هذه الحقوق . أي إن إيراد حقوق الأفراد في الدستور ليصبح مبررا للتدخل الإيجابي في سبيل إعمالها بعد أن كان مجرد قيد أو حد فاصل يمنع الدولة من التدخل ضد هذه الحقوق. وبحسب هذا المفهوم تطور الاهتمام أكثر لكي يصبح النص على هذه الحقوق في الدستور يعني ترتيب واجب على الدولة للتدخل الإيجابي لتحقيق وتفعيل هذه الحقوق( [41]). وتتضح العلاقة بين تطور الاهتمام بحقوق الإنسان وإيرادها في الدساتير باعتبارها من موضوعاتها الأساسية من خلال التطور في كيفية تناول الدساتير لهذه الحقوق. حيث إن المرحلة الأولى كانت قد شهدت تناول الدساتير لهذه الحقوق على شكل إعلانات خاصة أو في مقدمات الدساتير أو في الديباجة ، وتطور الأمر بعد ذلك ليدخل في صميم متن الدستور أسوة بالمواد الدستورية المتعلقة بتنظيم السلطة. ويتأكد كون هذا التحول يمكن أن يعتبر تطوراً بأن المواد المتعلقة بحقوق الأفراد والواردة خارج متن الدستور كانت محل خلاف فقهي حول مدى اعتبارها ضمن الدستور أم إنها تتعلق بموضوع من موضوعات الدستور. أما المواد الداخلة ضمن متن الدستور فإنه ليس هناك مجال أصلاً للاختلاف القانوني بصددها من حيث كونها غير داخلة في المتن أو كونها ليست من موضوعات الدستور.

ثالثاً- بيان الإيديولوجيا التي تقوم عليها فكرة القانون في الدولة :
من المعروف أن القانون ليس غاية بحد ذاته بل هو وسيلة لتحقيق غاية، وهو بهذا المعنى يتخذ عدة صور من ضمنها صورة الدستور. وهذه الوسيلة يتم إيجادها في سبيل تفعيلها من أجل تحقيق أهداف معينة تهم المجتمع ، وتختلف كيفية الإيجاد والتفعيل بحسب الأفكار العليا للدولة أو فلسفتها في كيفية الوصول إلى تحقيق الأهداف التي تهم المجتمع والتي وجد القانون في سبيل الوصول إليها، وهذه الأفكار أو الفلسفة يطلق عليها تسمية إيديولوجيا( [42]). التي تتعلق بأهم المجالات في حياة مجتمع الدولة وهي المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ولأهمية الإيديولوجيا ودورها في إقامة وتوجيه فكرة القانون في الدولة وبالتالي توجيه نشاط السلطة وتنظيمه وهي المهمة الأساسية للدستور نتساءل حول كون هذه الإيديولوجيا تعد من موضوعات الدستور؟.
لقد اختلف الفقه في إجابته لهذا التساؤل بين مجيب بالإيجاب وبين مجيب بشكل سلبي . حيث يذهب جانب من الفقه إلى حصر موضوعات الدستور بحسب طبيعتها أو جوهرها بتلك الموضوعات التي تتعلق بتنظيم السلطة وكيفية ممارستها وحقوق الأفراد وحرياتهم، ويخرج الموضوعات التي تتعلق بالتنظيم الاجتماعي والاقتصادي للدولة من ضمن هذه الموضوعات وذلك على اعتبار أن هذه الموضوعات حسب وجهة نظرهم لا تتعلق بالتنظيم السياسي أو السلطات العامة، ومن ثم فإنها تخرج من عداد موضوعات الدستور بطبيعتها أو جوهرها، وإنها ليست إلا عبارة عن أهداف سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية يوجهها المشرع الدستوري إلى المشرع العادي كي يلتزم بها الأخير ويتقيد باتجاهها عند القيام بعملية سن وإصدار تشريعات اقتصادية أو اجتماعية. أو إن هذه الأهداف توجه السلطة للتقيد بها عند رسم السياسة العامة للدولة( [43]).
في حين يذهب جانب آخر من الفقه إلى أن تحديد الاتجاهات الإيديولوجية السياسية والاقتصادية والاجتماعية يعد من موضوعات الدستور وذلك بحسب طبيعتها وجوهرها، لا بل يذهب بعضهم إلى إن هذه الموضوعات من صميم الموضوعات الدستورية من حيث الطبيعة والجوهر( [44]). حيث يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى إن هذه الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تؤثر بشكل كبير في مسألة تنظيم وتوجيه السلطة بشكل يؤدي بها إلى تحقيق الأهداف التي وجدت من أجلها . وممن ذهب بهذا الاتجاه الأستاذ (Georges Burdeau ) حيث تطرق عند حديثه في موضوع الدستور إلى (إن الدستور إنما يبين بصفة عامة كيفية ممارسة السلطة، وهذا التنظيم إنما يتمثل في مجموعة القواعد التي تبين وضع السلطات الحاكمة في الدولة وطبيعة وأهداف نشاطها السياسي. وإن الدستور يكون له مضمون مزدوج ، فهو يحدد أولاً الأشخاص والهيئات الحاكمة التي يكون لها القدرة على التصرف واتخاذ القرارات باسم الدولة،ويحدد لهم اختصاصاتهم وكيفية ممارستها. وثانياً يحدد مذهب التنظيم الاجتماعي والسياسي الذي تمثله السلطات الحاكمة وكذلك الاتجاه القانوني أو الإيديولوجي الذي ينبغي أن تعمل في إطاره منظمات وسلطات الدولة)( [45]). ومما تقدم يبدو إنه غالباً مايتم الإتيان بدستور جديد عند وجود الرغبة بتغيير الأوضاع العامة في الدولة بشكل شامل، ويكون ذلك بالإتيان بأفكار وإيديولوجيات جديدة لتنظيم المجتمع وتحديد أهداف معينة يسعى إلى تحقيقها، وتكون الوسائل الطبيعية المعروفة لخلق اتجاه معين من التنظيم في المجتمع عن طريق القوانين التي تتعلق بنواحي الحياة كافة وتشملها بالتنظيم، وإن ما يسير القوانين كافة لتحقيق أهدافها ويوجهها هو الدستور، أي إن الدستور هو الوسيلة الأساسية العليا التي تسير الوسائل الأخرى كافة للتنظيم باتجاه تفعيل الإيديولوجيا الجديدة وتحقيق الأهداف. لذلك نجد أن صياغة هذه الوسيلة يتم على أساس الإيديولوجيا الجديدة أو الإيديولوجيا السائدة والمراد لها التطور والترسيخ والبقاء. وإذا كانت صياغة الدستور كما تقدم فإن هذا يعني إن مواد الدستور سوف تكون محققة للإيديولوجيا وإنه يتجه في تحقيق وظائفه الأساسية المعروفة (تنظيم السلطة، وضمان حقوق الأفراد) في ضوء الإيديولوجيا التي يتأثر بها، وإن لهذه الوظائف نصوصاً صريحة ومباشرة تخص أداء هذه الوظائف وإنه من خلال أدائها تتحقق أهداف الدستور المبتغاة التي حددت الإيديولوجيا كيفية الوصول إليها. والسؤال الذي يثار هنا هو حول وجود مبرر لإيراد إشارة إلى الإيديولوجيا بشكل مباشر وصريح بين مواد الدستور؟ ، والسؤال الثاني حول ما إذا كانت مثل هذه الإشارة تعني إن تحديد هذه الإيديولوجيا في الدستور يعد من وظائف الدستور؟
كما يختلف الفقهاء حول اعتبار تحديد الإيديولوجيا التي تقوم عليها فكرة القانون في الدولة من موضوعات الدستور، وتختلف الدساتير في النص على ذلك، فهناك دساتير تنص على ذلك صراحة في حين هناك دساتير لا تنص على ذلك، وبناء على ما تقدم بخصوص كون الدستور هو أداة لتحقيق أهداف معينة وإن تحقيق هذه الأهداف يتم بموجب أسلوب إيديولوجيا معينة تسعى إلى تحقيق هذه الأهداف ، فإن هذا الدستور بموجب ذلك سوف لن يكون بعيداً عن تحديد هذه الإيديولوجيا ، ولكن هذا التحديد قد يختلف حيث إنه إما أن يكون صريحاً ويكون ذلك عند الإشارة الصريحة في نصوص الدستور إلى الإيديولوجيا التي تقوم عليها فلسفة الدستور، ومن ثم الخط العام لفكرة القانون والتنظيم في الدولة. وقد لا يشير الدستور صراحة إلى ذلك ولكن يمكن التعرف على الإيديولوجيا بشكل ضمني من خلال قراءة مواد الدستور التي تكون متجهة إلى تحقيق أهداف الدستور بموجب إيديولوجيا مشار إليها ضمناً، حيث إن الأثر الأول للإيديولوجيا في الدستور يكون في مرحلة صياغة نصوصه، إذ إنها تصاغ بشكل يحدد بموجب الإيديولوجيا الفكرية والفلسفية الجديدة أو القائمة والمراد لها البقاء والترسيخ والتي تؤسس فكرة القانون في الدولة من خلال الدستور.
ويصار إلى الإشارة الصريحة إلى تحديد الإيديولوجيا في الدستور في سبيل تحقيق ضمانة أقوى للسير في تأسيس فكرة القانون في الدولة على أساس الإيديولوجيا المطلوبة وضمان السير في تطبيق القانون على هذا الأساس، ويكون ذلك عند وجود خشية من إمكانية الانحراف عن الإيديولوجيا أو عدم تطبيقها بشكل جيد. وتظهر الحاجة بشكل ملح إلى الإشارة الصريحة عند تطبيق إيديولوجيا جديدة أو عند وجود الرغبة في الاستمرار بتطبيق إيديولوجيا يخشى من احتمال التراجع عنها.ولكن وأمام هذه الأهمية لتحديد الإيديولوجيا نتساءل، هل إن تحديد الإيديولوجيا في الدستور يعني كون ذلك يعد من موضوعات الدستور؟
إن تحديد فكرة القانون في الدولة والإيديولوجيا التي يقوم على أساسها يعد من موضوعات الدستور وهذا تحصيل حاصل بالنسبة إلى الدستور. ويستوي في ذلك عند الإشارة الصريحة أو الضمنية. ولكن هذا الموضوع الذي يعالجه الدستور يختلف عن بقية الموضوعات وذلك لإمكان معالجته ضمناً فضلاً عن الإشارة الصريحة، ومن ناحية أخرى حتى عند الإشارة الصريحة فإنه لا يتضمن مجموعة نصوص قانونية تطبق بشكل مباشر بخصوص هذا الموضوع . حيث إن الأمر يكون على أساس إيراد نص أو أكثر يحدد هذا الموضوع ويشير إليه صراحة دون أن يتضمن آليات تطبيق مباشرة كما هو الحال في موضوعات الدستور الأخرى. بل إنه يتضمن محتوى يفيد بوصول تطبيق أحكام الدستور على النحو الذي تقضي به الإيديولوجيا المؤسسة لفكرة القانون، وتتحقق هذه المهمة بشكل أكثر وضوحاً عند الإشارة الصريحة إلى ذلك، والتي تعبر عن روح الدستور وما يجب السير عليه عند تطبيق أحكام الدستور كافة. حيث إنه إذا كانت الإيديولوجيا تؤثر في الدستور عند التأسيس والصياغة فيكون ذلك بأن تكون مهمتها في حينه رسم الخطوط العريضة لمسار الدستور أو القانون في الدولة، أما عند تحديد الإيديولوجيا صراحة في الدستور فتكون مهمتها تحديد كيفية السير في هذا المسار.
ونستنتج من كل ما تقدم أن الموضوعات التي تقدم ذكرها تعد موضوعات للدستور وترتبط بشكل مباشر بطبيعته وفلسفته والغاية من وجوده، وحتى إذا فرضنا إن موضوع الدستور يقتصر على تنظيم السلطة فنجد أن الموضوعات الأخرى ليست ببعيدة عن هذا الموضوع بل إنها مرتبطة به بشكل وثيق، حيث إنه لو افترضنا إن الموضوع هو تنظيم السلطة فقط، فنتساءل لماذا تنظيم السلطة ولمصلحة من هذا التنظيم؟ ألا يعني تنظيم السلطة تقييدها وتسييرها على نحو معين يقضي به الدستور؟ ولما كانت الإجابة بالإيجاب فلمصلحة من هذا التقييد ؟ حيث إنه من المعروف إن تقييد طرف معين لابد وأن يكون لمصلحة الطرف الآخر الداخل معه في العلاقة، حيث أن زيادة التزامات أحد الأطراف لابد وأن يكون لمصلحة زيادة حقوق الطرف الآخر، ولما كان الطرف الآخر في المجتمع هو الأفراد فإن تنظيم السلطة أو تقييدها يعني زيادة حقوقهم أو بمعنى أدق الحفاظ على حقوقهم من مساس السلطة بها. ولكي تترسخ هذه الحقيقة بشكل أكثر صراحة تأتي الدساتير بنصوص خاصة بحقوق الأفراد لضمان تحقيق ما تقدم وتعد ذلك من موضوعات الدستور. وكذلك الحال لبيان الإيديولوجيا التي تقوم عليها فكرة القانون في الدولة حيث إن تحديدها أمر مهم يعكس الكيفية أو الروحية التي توصل إليها المجتمع كأسلوب للوصول إلى تحقيق أهدافه القريبة التي من خلالها يتم الوصول إلى تحقيق الأهداف العليا.

- محتوى الدستور :
تتكون الدساتير بشكل عام من مجموعة من القواعد تختلف بحسب موضوعات الدستور، حيث إن الدستور يتناول عدة موضوعات في سبيل تحقيق الهدف الذي وجد من أجله. ويكون تناول الدستور لهذه الموضوعات من خلال مجموعة من القواعد التي يحتويها ووجدت لتحقيق أهداف معينة توصل إلى تحقيق الغاية العليا للدستور( [46]).
إذ نجد أن الدساتير تحتوي على مجموعة من القواعد تتعلق بأول موضوعات الدستور ألا وهو موضوع تنظيم السلطة أو نجد هناك قواعد تحدد من له الحق في ممارسة السلطة العامة وكيفية الحصول على ذلك الحق، وكذلك قواعد تتعلق بتحديد الاختصاصات وتوزيعها على الهيئات وكيفية القيام بذلك( [47]). أما فيما يتعلق ببيان فكرة القانون في الدولة فقد وجدنا أن هناك في بعض الدساتير نصوصاً مباشرة تشير إلى ذلك فضلاً عن الإشارة الضمنية من خلال اتجاه وروح نصوص الدستور بشكل عام. أما فيما يتعلق بحقوق الإنسان، فنجد أن الدساتير غالباً ما تتطرق إلى ذلك من خلال مجموعة من القواعد التي تحدد الحقوق وتحدد الضمانات القانونية لها وآليات تحقيق ذلك.
ولكن السؤال هنا هو هل إن القواعد التي يحتويها الدستور تكون دائماً هي قواعد تتعلق بموضوعاته الأساسية أم يمكن أن يحتوي الدستور قواعد أخرى لا علاقة لها بموضوعات الدستور؟
إن حقيقة الأمر أن الدستور كقاعدة عامة يكون مخصصاً لتناول قواعد مخصصة لتفعيلها ضمن موضوعات الدستور ولتحقيق أهدافه الأساسية، ولكن الاستثناء على ذلك نجد أن هناك بعض الدساتير تتناول فضلاً عن القواعد الموضوعية للدستور قواعد قانونية أخرى ليس لها علاقة بالموضوعات الأساسية للدستور بل إنها قد تكون غريبة كثيراً عن الطبيعة العامة لقواعد الدستور والمرتبطة بموضوعاته الأساسية. وعلى سبيل المثال النصوص الواردة في الدستور الفرنسي لعام 1789والمتعلقة بتنظيم صيد الأسماك وصيد الحيوانات وحمل السلاح( [48]). حيث إن مثل هذه النصوص نجدها لا تمس الموضوعات الأساسية للدستور، ولكن تذهب هذه الدساتير إلى تناول مثل هذه القواعد ليس لعلاقتها بموضوعات الدستور بل إنها تتناولها في سبيل إدخال هذه القواعد في إطار قانوني خاص يمنحها طبيعة خاصة هي طبيعة نصوص الدستور وذلك في سبيل إضفاء صفة العلو والحصانة على هذه الحقوق وذلك لتكون في وضع لا يسمح بانتهاكها كما تنتهك القواعد القانونية العادية( [49]).


المطلب الثالث
طبيعة الدستور

من المعروف إن الدستور يتمتع بأهمية كبيرة في حياة الدولة بشكل خاص والمجتمع المنظم بشكل عام، ويرجع ذلك بالتأكيد إلى عدة عناصر وعوامل مرتبطة بالدستور وبطبيعته الخاصة، ولكن ما يهمنا في هذه الدراسة وبالدرجة الأولى الإجابة عن التساؤل عن كون الدستور قانوناً بالمعنى الدقيق ؟
اختلف الفقه في النظر إلى الدستور كقانون ، فمنهم من شكك في مدى انطباق صفات القانون عليه وذهب قسم منهم إلى إنكار قانونية الدستور وهم لا يرون في القواعد الدستورية قواعد قانونية لعدم توفر عنصر الجزاء الذي تمسك به السلطة العامة فيها، وان الدستور في الواقع ليس إلا خطاب من السلطة إلى السلطة ولا يتصور أن يكون الإكراه مصدره إرادة المكره نفسه. وعلى هذا الأساس يذهب الفقيه(Austen) إلى إن القواعد الدستورية ليست إلا قواعد أخلاقية إيجابية تحميها مجرد جزاءات أدبية والسلطة عندما ترتكب عملاً مخالفاً للدستور يجوز أن ينعت هذا التصرف بأنه غير قانوني. حيث إن القواعد الدستورية ليست قواعد قانونية على وفق هذا المفهوم بل إنها مجرد قواعد أخلاقية( [50]). ويذهب (Austen ) بهذا الاتجاه في وصف الدستور متأثراً باتجاه المدرسة الشكلية التي تذهب إلى تحديد القاعدة القانونية في الأمر أو التكليف الذي تصدره السلطة العامة صراحة أو تقره ضمناً ويكون له جزاء تكفله السلطة العامة بما يمكن أن توقعه من أذى على من يعصي ذلك الأمر أو يخالف ذلك التكليف( [51]).
ولكن على الرغم من هذا التشكيك والإنكار لقانونية الدستور يذهب غالبية الفقه إلى إقرار قانونية الدستور ولكن هذا الاتجاه نجده قد يختلف فيما بينه في كيفية إثبات كون الدستور قانوناً . ويرجع ذلك إلى ما يختلف ويتميز الدستور به عن بقية القوانين العادية، فهناك من يؤسس قانونية الدستور على أساس طبيعة قواعده وما تمتاز به من صفة الاعلوية على بقية القواعد القانونية وما يترتب على ذلك من خضوع بقية القواعد إلى الدستور على وفق نظام تدرج هرمي يقوم عليه البناء القانوني في الدولة، حيث يجب أن تخضع القوانين كافة للدستور وليس من المنطق أن تخضع هذه القوانين لشيء لا يتصف بصفة القانون( [52]). في حين يذهب الأستاذ (Marcel Waline ) إلى تأسيس قانونية الدستور على أساس فكرة إرادة الأفراد في الدولة ، إذ إن الأفراد يقبلون الدستور كقانون وذلك إيماناً منهم بضرورة ذلك من أجل مصلحة الأمة( [53]).
وهناك من يذهب إلى تأسيس قانونية الدستور على الدستور نفسه باعتباره قانوناً تتوافر فيه صفات القانون بالأصل، ويكون ذلك من خلال المقارنة الدقيقة والعملية بين القاعدة القانونية بشكل عام والقاعدة الدستورية، حيث نجد إن عناصر القاعدة القانونية متوافرة في القاعدة الدستورية من حيث محتوى القاعدة أي الأمر أو التكليف وصدوره من سلطة معينة ، وأما فيما يتعلق بالجزاء وهو الذي استند إليه بعض الفقهاء في إنكارهم لقانونية الدستور فإن حقيقة الأمر هي إن مخالفة القاعدة الدستورية قد يرتب جزاءً من السلطة العامة، وإذا لم يكن الأمر كذلك أحياناً نجد في حالات أخرى إن هناك رد فعل اجتماعي عنيف يترتب على السلوك المخالف للدستور، وقد يصل رد الفعل هذا إلى حد الثورة ضد مخالفة القاعدة الدستورية، ويتزعم هذا الاتجاه العميد (Duguit) صاحب نظرية التضامن الاجتماعي التي تذهب إلى الربط بين السلطة والقانون على أساس الربط بين السبب والنتيجة،وإن القانون قد يسبق في وجوده وجود السلطة العامة، وإن هذه النظرية لا تنكر إن الجزاء هو عنصر من عناصر القاعدة القانونية ولكنها لا تربط بين الجزاء وفكرة القهر الذي تفرضه السلطة، بل إنها تذهب إلى إن الجزاء موجود أساساً على شكل رد الفعل الاجتماعي ضد مخالفة القاعدة القانونية التي هي إفراز اجتماعي في الأساس( [54]). وفضلاً عما تقدم يذهب الدكتور يحيى الجمل إلى إن عنصر الجزاء في القاعدة القانونية يجب أن ينظر إليه نظرة أكثر اتساعاً وعمقاً من مجرد كونها تعبيراً عن القهر المادي الذي تفرضه السلطة العامة. وإن فكرة الجزاء تختلف بين فروع القانون المختلفة، وهي لا تختلف مجرد اختلاف في الدرجة بل إنها تختلف في الطبيعة أيضاَ، إذ إن فكرة الجزاء في القانون المدني لاتحركها في الأغلب الأعم إلا إرادة الأفراد في واجهة بعضهم ، في حين إن الجزاء في قانون العقوبات تحركه الإرادة العامة ، ونوع الجزاء في الحالة الأولى يختلف عنه في الحالة الثانية. كما إن الجزاء في الحالة الأولى قد يكون تعويضاً بمبلغ من المال أو إعادة الحال إلى ما كان عليه، أما في الحالة الثانية فقد يكون سجناً أو حكماً بالإعدام ، أي إنه ليس للجزاء صورة واحدة أو طبيعة واحدة في فروع القانون المختلفة، وعلى هذا الأساس يذهب الدكتور (يحيى الجمل) إلى إن الجزاء في القانون الدستوري ليس بالضرورة أن يتخذ صورة الجزاء أو شكله في فروع القانون الأخرى بل إنه يمكن أن يتخذ شكلاً آخر ومثال ذلك الرأي العام( [55]).
ونرى إنه ليس هناك حاجة للإطالة فيما يتعلق بإثبات قانونية الدستور، حيث إن الأمر يعد متحققاً ويمكن أن نلمس ذلك من خلال تفحص طبيعة الدستور من الناحية المادية، حيث نجد إنه عبارة عن مجموعة قواعد تهدف إلى تحقيق تنظيم معين لعلاقات معينة ذات خصوصية وهذا وصف يتفق وطبيعة القانون بشكل عام المتمثلة بالتنظيم. ومن ناحية أخرى إذا تفحصنا طبيعة القاعدة الدستورية نجد إنها تتفق وطبيعة القاعدة القانونية بشكل عام ، حيث إن القاعدة القانونية يجب أن تكون قاعدة تتضمن الأمر بالقيام بعمل معين أو الامتناع عن القيام بعمل معين وأن تكون هذه القاعدة صادرة عن جهة أو سلطة قادرة على العمل على أن تسير القواعد التي تصدرها نحو التطبيق. وإذا كان هناك رد على كون ما تتضمنه القاعدة الدستورية من الأمر بالقيام بعمل معين أو الامتناع عن القيام بعمل معين بأن هذا الأمر سواء الإيجابي أو السلبي صادر عن الحكام وموجه إليهم، أي ليس أمراً صادراً عن جهة معينة وموجهاً إلى جهة أخرى وهو ما يشترط في القاعدة القانونية العادية، حيث تكون هذه القاعدة صادرة عن الحكام وموجهة إلى المحكومين، فإن الأمر بالنسبة إلى القاعدة الدستورية أصلاً ذات طبيعة خاصة قياساً على كون القاعدة الدستورية أصلاً ذات طبيعة خاصة، حيث إن الظاهر يفيد بأننا أمام قاعدة صادرة عن الحكام وموجهة إليهم في نفس الوقت سواء بخصوص تنظيم السلطة أو حقوق الأفراد أو تحديد فكرة القانون في الدولة، حيث إن الحقيقة ذات الخصوصية قائمة على أساس طبيعة الدستور القائمة على أساس فكرة الدستور الأساسية المرتبطة بفكرة سيادة القانون التي تفيد بخضوع كل من في الدولة وكل ما فيها من علاقات للقانون. أي كون الدستور يتخصص بإخضاع الحكام وتصرفاتهم للقانون، ولكن الكيفية بالنسبة إلى الدستور تكون على أساس تقييد الحكام لأنفسهم ولمن يأتي بعدهم إلى الحكم وذلك تحقيقاً للمصلحة العامة للدولة، حيث إن فكرة الأمر الإيجابي أو السلبي الموجهة من السلطة إلى الغير(المحكومين) ترتب في حقيقة الأمر التزاماً على عاتق الغير بالقيام بعمل معين أو الامتناع عن القيام بعمل معين ، أي إن الأمر الإيجابي أو السلبي يرتب التزاماً على المحكومين ويقيد من إرادتهم بإرادة السلطة تحقيقاً للمصلحة العامة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحكام المخاطبين بأحكام الدستور إذ يتضمن ترتيب التزامات على عاتقهم ولكن مصدر هذه الالتزامات يكون إرادتهم تحقيقاً للمصلحة العامة، وهذه الخصوصية في التقييد تقتضيها القاعدة الدستورية .
وإذا كان الدستور قانوناً، وإذا كان هذا القانون ذا خصوصية فلماذا هذه الخصوصية لقانون الدستور؟ يمتاز الدستور كقانون بطبيعة خاصة تمنحه أهمية مميزة عن غيره من القوانين الموجودة في البناء القانوني للدولة، ونستطيع أن نلتمس ذلك فيما يعنينا في هذه الدراسة من خلال استذكارنا ما تناولناه سابقاً عند الحديث عن موضوعات الدستور، حيث وجدنا إن الدستور يتناول موضوعات ذات أهمية كبيرة ومؤثرة في حياة الدولة إذ إنه من المعروف إن موضوعات تنظيم السلطة وحقوق الأفراد وتحديد فكرة القانون في الدولة تعد من أهم الموضوعات في الدولة وإن النصوص التي تتناولها تعد من أهم وأخطر النصوص القانونية. حيث إنه من المؤكد إن تناول مثل هذه الموضوعات له أهمية ويحتاج إلى خصوصية تختلف على سبيل المثال عن تنظيم علاقات معينة بين الأفراد كالعلاقات الاجتماعية أو المالية ، أو إن العلاقات التي ينظمها الدستور تكون لها صلة بالدولة ككل بخلاف علاقات أخرى قد تكون ذات تأثير بسيط أو غير ملموس على الدولة بشكل عام .
فضلاً عن ذلك فإن الاختصاص الموضوعي للدستور يترتب عليه إن الأشخاص المخاطبين بأحكامه يختلفون عن الأشخاص المخاطبين بأحكام القوانين العادية، حيث إن أحكام الدستور تخاطب فئة الحكام في الدولة، ومن المعروف إن هذه الفئة لها أهمية ودور كبير في تنظيم نشاط الدولة والعلاقات المهمة فيها بشكل عام.
وأمام هذه الخصوصية والأهمية لقانون الدستور نتساءل عن الخصوصية القانونية للقاعدة الدستورية أو الخصوصية القانونية للدستور بالمقارنة مع بقية القواعد القانونية أو القوانين في البناء القانوني للدولة؟
يترتب على خصوصية الدستور نتيجة قانونية مفادها إن قانون الدستور يتمتع بالسمو على بقية القوانين الأخرى في الدولة، وهو ما يعرف بسمو الدستور( [56]). أو أولوية الدستور( [57]). أو علو أو أعلوية الدستور( [58]). أو سيادة الدستور( [59]). ويقصد بهذا المفهوم إن الدستور يتمتع بمكانة خاصة تسمح له بأن يعلو على مجموع القواعد القانونية الأخرى سواء كانت تشريعية أو ترتيبية، بحيث تكون هذه القواعد خاضعة للدستور على مستوى الأصل وعلى مستوى الشكل( [60]). ولكن ماهو الأساس القانوني لهذا العلو أو هذه المكانة القانونية الخاصة بالدستور؟

- علو الدستور :
لقد ظهرت العديد من الافكار لتبرير قانونية علو الدستور على بقية القوانين ، وقد كان التبرير التقليدي الاول لذلك مؤسساً على الفكرة التي كانت سائدة لدى فلاسفة القرن السابع والثامن عشر في أوربا ، والذين ذهبوا إلى كون الدستور عقداً اجتماعياً أو ان العقد الاجتماعي تبلور ويتجسد في الدستور ، وان هذا العقد هو الذي يخلق الدولة بعد اتفاق اطراف العقد على ذلك ووجود الرغبة في الانتقال من العيش في حالة الطبيعة إلى العيش في تنظيم يسمى الدولة ، حيث ان الافراد كانوا يعيشون في بداية الامر في حياة الطبيعة دون وجود الدولة ودون وجود الحكام ، في حين جاء بعد ذلك العقد الاجتماعي والمتجسد في الدستور كي ينشأ الدولة ويخلق وينظم السلطة فيها ، حيث انه يحدد من يقوم بوضع القوانين ومن يقوم بتنفيذها ومن يقوم بتطبيقها على الافراد . ويترتب على ذلك ان الدولة والسلطات فيها تكون مدينة للدستور في وجودها ، وعلى هذا الاساس يجب عليها احترام الدستور وعدم مخالفته والخضوع له . ولما كانت السلطات خاضعة للدستور خضوعاً قائماً على اساس علاقة الخضوع بين الخالق والمخلوق فان على المخلوق أي (السلطة) التقييد باحكام الدستور عند سن القوانين ، وبذلك تكون كل القوانين أيضاً خاضعة للدستور وغير مخالفة له ، حيث يترتب على مخالفتها له بطلانها . وبذلك يكون الدستور على قمة الهرم القانوني في الدولة ، ولما كان كل ما في الدولة خاضعاً للقانون ، ولما كانت كل القوانين مقيدة بعدم مخالفة الدستور ، فان هذا يعني سمو الدستور على كل القوانين في الدولة وخضوع كل شيء في الدولة لأحكامه.
وبعد هذه النظرية التقليدية ظهرت نظرية أخرى مؤسسة لقانونية سمو الدستور ، وتقوم هذه النظرية والتي جاء بها الأستاذ (Georg Burdeau) على أساس ان وجود الدولة لا يقوم على مجرد التمييز بين الحكام والمحكومين ، أي أن الدولة لا تقوم بمجرد وجود أشخاص معينين قابضين على السلطة ويتصرفون بها ويمارسون اختصاصاتها بارادتهم المطلقة دون وجود أي قيد او تنظيم ، بل ان قيام الدولة يحتاج إلى انتقال السلطة من يد الاشخاص العاديين القابضين عليها والذين يتصرفون بها بمحض ارادتهم إلى كيان مجرد يسمى (الدولة) بحيث يصبح وجود هذا الكيان غير الملموس مادياً مالكاً للسلطة ، وبهذا المعنى تصبح السلطة ملكاً للكل بعد ان كانت ملكاً لأشخاص معينين . ولكي تتم عملية انتقال السلطة من الحكام القدامى إلى الكيان الجديد (مؤسسة الدولة) ، ولكي تقوم الدولة على اثر ذلك فان الامر يحتاج إلى وسيلة تقوم بعملية الانتقال وهذه الوسيلة تتجسد بالدستور الذي يقوم بعملية الانتقال ويأتي بالسلطة إلى أيادٍ جديدة هي ايادي الدولة ويقيدها كمؤسسة وممارستها بتنظيم معين يكون له الفضل في خلق الدولة ككل والسلطة فيها وبذلك تكون الدولة والسلطة مدينة بوجودها إلى الدستور وبذلك تتحقق من جديد علاقة الخضوع القائمة على أساس العلاقة بين الخالق والمخلوق( [61]).
وفضلاً عن النظريات السابقة لتبرير سمو الدستور والتي كانت قد تعرضت إلى بعض الانتقاد( [62]) نجد ان سمو الدستور لا يأتي من الاعتبارات التي ساقتها النظريات سابقة الذكر فحسب بل انه يأتي من طبيعة القانون بشكل عام حيث انه من المعروف ان القانون يوجد في الدولة في سبيل تحقيق اهداف معينة وان طبيعة أي قانون واهميته ترتبط بطبيعة الموضوعات التي يعالجها واهميتها ، فضلاً عن الهدف المراد تحقيقه من وراء تناول هذه الموضوعات . وبما ان الدستور يعالج موضوعات ذات طبيعة خاصة تختلف عن الموضوعات التي تعالجها بقية القوانين وان هذه الموضوعات تمتاز باهمية خاصة وعالية ولما كان الهدف من وجود الدستور هو ان يكون معالجاً لهذه المسائل والموضوعات وان تحقيقه لهذه المعالجة يقتضي ان يكون في قالب وطبيعة خاصة تقتضي منه ان يكون بدرجة اعلى من القوانين العادية وذلك لعلو الموضوعات التي يعالجها من حيث الاهمية والخطورة ، فان تحقيق الدستور لهدفه يقتضي منه كقانون ان يكون بهذه المكانة وبهذه الطبيعة من حيث السمو والخضوع له من قبل الغير.
وبعد ان علمنا الاساس القانوني الذي يقوم عليه مبدأ سمو الدستور نتساءل هل ان هذا التأسيس للمبدأ يعني ان جميع الدساتير تقوم عليه وتأخذ به ؟
ان مبدأ سمو الدستور يفترض وجود (دستور) وان يتصف هذا الدستور باحترام خاص ومميز عن بقية القوانين قائم على اساس السمو والعلو لهذا الدستور . وان هذا الافتراض يفترض وجوده في جميع الدساتير وذلك انطلاقاً من فكرة وفلسفة الدستور القائمة على هذا الاساس ، ولكن الواقع العملي لا يتفق مع ذلك اذ نجد ان ذلك قد يكون متحققاً في دساتير معينة وغير متحقق في دساتير اخرى ، وان مدى تحقق ذلك يختلف ايضاً من دستور إلى اخر وذلك تبعاً لاعتبارات معينة مادية وظرفية خاصة بكل دستور.
حيث لا يتصور وجود السمو للدستور في النظم الديكتاتورية سواء كانت ظاهرة بشكل صريح ام كانت مقنعة ، حيث ان الاحترام المقصود في المبدأ يقتضي من الحكام تفعيله قبل غيرهم ممن يخضعون للدستور ، بشكل غير مباشر ، في حين ان النظم الديكتاتورية تكون قائمة على اساس العنف والاستبداد وعدم احترام القوانين وعلى رأسها الدستور الذي يخاطبهم باحكام مباشرة للتقييد من سلطاتهم . أي ان مبدأ سيادة الدستور هو في حقيقته مبدأ خاص بالنظم الديمقراطية لذلك نجد ان النظم الغير ديمقراطية تبتعد عنه وتحاربه ولا تقبل به لان الدستور هو المظهر الاساسي لشريعة الحق ، والفوضوية تنكر الحق( [63]).
اضافة إلى ما تقدم فان مبدأ سمو الدستور لا يظهر بشكل واضح الا في الدساتير الجامدة ، وهي تلك الدساتير التي يلزم لتعديلها اجراءات معقدة تختلف عن الاجراءات اللازمة لتعديل القوانين العادية( [64]) حيث ان هذا النوع من الدساتير يعطي خصوصية للدستور تسهم في تفعيل مبدأ السمو ، بحيث تكون ميزة الدستور في العلو واضحة وذلك من حيث انه لا يعدل او يلغى بذات الاجراءات الشكلية التي يعدل او يلغى بها القانون العادي .
وعلى اساس وجود العلاقة بين سمو الدستور وجمود الدستور نستطيع ان نعرف مدى اتصاف الدستور بالسمو من خلال معرفة ان جمود الدستور لا يكون دائماً جموداً مطلقاً بل انه يمكن ان يكون كذلك كما انه يمكن ان يكون جموداً نسبياً ، ويكون الجمود مطلقاً اذا كان هناك حضر مطلق على تعديل الدستور جزئياً او كلياً ، اما الجمود النسبي فيكون عندما لا يكون هناك حضر مطلق بل ان الامر يقتصر على كون تعديل الدستور جزئياً او كلياً يحتاج إلى اجراءات شكلية تختلف عنها بالنسبة إلى القوانين العادية( [65]) وعلى هذا الاساس وبالنسبة إلى درجة السمو يمكن القول انه كلما ارتفع مستوى جمود الدستور كلما تكرس ذلك لمصلحة مبدأ سمو الدستور .
ولكن ما هي النتائج القانونية العملية المترتبة على الاخذ بمبدأ سمو الدستور وكيف يتم تفعيل ذلك من خلال الاخذ بالدساتير الجامدة ؟
ان الاخذ بمفهوم الدستور الجامد بنوعيه المذكورين آنفاً يقود إلى نتائج عملية تتمثل بما يأتي :
1- ثبات القوانين الدستورية :
حيث ينتج عن جمود الدستور ثبات للقوانين الدستورية ، ويكون ذلك من خلال كون المشرع العادي وبالاجراءات العادية لا يتمكن من تعديل النصوص الدستورية ، ويقصد من تحقيق هذا الثبات تحقيق نوع من الاستقرار لهذه القواعد وليس مجرد التجميد غير الهادف( [66]) حيث ان الشطط في الجمود لنصوص الدستور قد يتسبب في ايجاد بون شاسع بين احكام الدستور والواقع العملي ، بحيث يصبح الدستور غير قادر على مواكبة تطورات المجتمع والتكيف معها ( [67]) لذلك نجد ان هذا الثبات لابد وان يكون نسبياً وبالقدر الذي يحقق التوازن بين هدف تحقيق الاستقرار المتفق مع سمو الدستور وتحقيق المواكبة والتفاعل مع تطورات المجتمع ، ولهذا نجد ان الفقهاء ذهبوا إلى جواز التعديل وفقا لاجراءات معينة ، حيث ذهب البعض إلى كون ذلك يحتاج إلى الموافقة الإجماعية للشعب ومن انصار هذا الرأي الفقيه ( Vattel ) في حين ذهب راي اخر إلى امكانية تعديل الدستور ومواكبة التطورات في المجتمع وذلك باتباع الاجراءات التي ينص عليها ذات الدستور ومن قبل السلطة المحددة فيه ، ومن انصار هذا الراي الفقيه (Rousseau)( [68]).

2- التفرقة بين السلطات المؤسِسة والسلطات المؤسَسةَ :

بحيث تكون وظيفة السلطات المؤسسة سن القوانين الدستورية المنظمة لعمل السلطات وبضمنها السلطة التشريعية ويظل هذا الاختلاف قائما حتى عندما يخول الدستور أعضاء السلطة التشريعية حق تعديل القوانين الدستورية ، اذ تصبح هذه السلطة مقيدة بشروط خاصة غير الشروط الخاصة بسن القوانين العادية( [69]).

3- لا يفسخ القانون الدستوري إلا بقانون دستوري :

تعد القاعدة التي تفيد بان القانون الدستوري لا يفسخ او يلغى الا بقانون دستوري من القواعد ذات الاهمية البالغة لتأكيد مبدأ سمو الدستور ، وقد كانت هذه القاعدة من القواعد المهمة التي قررها رجال الثورة الفرنسية الشهيرة وذلك لتدعيم وتفعيل مبدأ سمو الدستور( [70]) وبموجب هذه القاعدة لا يمكن إلغاء او تعديل القاعدة الدستورية الا بقاعدة قانونية تكون بمستواها من حيث القوة الالزامية ومن المعروف ان مفهوم تدرج القوانين يقضي بان لا يكون بمستوى القاعدة الدستورية من حيث الالزام والعلو الا قاعدة دستورية اخرى ، ولذلك فالقاعدة الدستورية التي تستقر عن طريق العرف تستطيع إلغاء قاعدة دستورية مدونة والعكس صحيح ( [71]) في حين لا يكون الأمر كذلك بالنسبة إلى القاعدة القانونية العادية حيث يمكن تعديلها بقاعدة دستورية جديدة في حين لا تستطيع هي ان تعدل قاعدة دستورية سابقة عليها وذلك انطلاقا من قاعدة تفيد بكون القانون الادنى لا يستطيع ان يعدل او يلغي القانون الاعلى منه ( [72]).

4. دستورية القوانين :

وتعد دستورية القوانين من أهم النتائج المترتبة على سمو الدستور ، وذلك بان تكون كافة القوانين العادية متفقة مع الدستور ، بحيث انه يجب أن تصدر القوانين العادية من السلطة التشريعية في نطاق ما تتضمنه القوانين الدستورية من قواعد وأحكام وبذلك يمتنع على القوانين العادية ان تخالف القوانين الدستورية ، وان أي قانون عادي يكون مخالف لقانون دستوري يكون قانونا باطلا وذلك لكونه قانون غير دستوري ، او مخالف لاحكام الدستور( [73]) .
وتعد دستورية القوانين نتيجة منطقية لسمو القوانين الدستورية . اذا لما كانت القوانين الدستورية اسمى من القوانين العادية فان هذه الاخيرة لا يصح ان تخالفها ويجب عليها ان تسير ضمن اطار الدستورية( [74]) .
ويتضح تأثير سمو الدستور وفاعليته لتحقيق الغاية من وجود الدستور في كونه يتجسد في هذه النتيجة بشكل مباشر من حيث التأثير في انه وبموجب هذا الاثر تحكم قواعد واحكام الدستور جميع اوجه النشاط المنظم في الدولة ، ويكون ذلك من خلال سريان اثر احكام الدستور على اوجه النشاط الاخرى في المجتمع والتي لا يحكمها الدستور بشكل مباشر ، والتي يجب ان تكون خاضعة له طبقا لفكرة الدستور وفلسفته في الوصول إلى اهدافه حيث انه من المعلوم ان الدستور يحكم مسائل معينة بشكل مباشر ، الا وهي تلك المسائل التي تدخل ضمن موضوعاته التي تطرقنا اليها فيما تقدم، ولكنه وبموجب مفهوم ( دستورية القوانين ) سوف يحكم وبشكل غير مباشر جميع اوجه النشاط الاخرى التي تحكمها القوانين العادية وذلك من خلال حكم هذه القوانين نفسها وتسيرها على نحو يتفق مع احكامه وبذلك يصبح الدستور حاكما لكل ما موجود في الدولة من حكام ومحكومين وذلك في جميع اوجه النشاط والعلاقات التي تنظم بموجب القانون . وتكون هذه الامكانية للدستور فعالة من خلال الاثر المترتب على مخالفة الدستور الا وهو بطلان الانشطة والقوانين المخالفة . ولكن السؤال الذي يثار هنا هو ، هل ان تفعيل دستورية القوانين يحتاج إلى نص صريح في الدستور يشير إلى ذلك ؟
على الرغم من كون بعض الدساتير تذهب إلى الاشارة الصريحة إلى البطلان بالنسبة إلى القوانين التي تصدر مخالفة لاحكامها ، فان اتجاه الفقه يذهب إلى ان تقرير هذا البطلان لا يحتاج إلى وجود مثل هذا النص ، حيث انه امر يتقرر ضمنا وكنتيجة منطقية لفكرة جمود الدستور المرتبطة بفكرة السمو ( [75]) .
واذا علمنا ان نتيجة البطلان المترتبة منطقيا على مبدا سمو الدستور هي الاثر المترتب على حالة عدم الدستورية سواء تم اقرار ذلك صراحة ام ضمنا ، نتساءل عن كفاية هذا الحكم لتفعيل دستورية القوانين ؟ وكيف يتم تقرير هذا الحكم ؟
ان حقيقة الامر ان الكثير من الدول لا تكتفي بجزاء البطلان كنتيجة على عدم دستورية القوانين ، بل انها تذهب إلى ايجاد الية معينة لتفعيل ذلك وضمان الدستورية ويكون ذلك بالأخذ بالية الرقابة على دستورية القوانين والتي تتخذ اكثر من صورة او شكلية باختلاف الدول التي تأخذ بها .
وتتلخص فكرة الرقابة بإيجاد آلية معينة لحماية احكام الدستور ومراقبة مدى اتفاق القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية ، ويكون ذلك من خلال هيئات سياسية او قضائية وقد تكون هذه الرقابة سابقة على صدور القوانين او قد تكون لاحقة على اصدارها ، أي انها اما ان تكون وقائية او علاجية . وتعد الية الرقابة هذه بأنواعها وأشكالها من الوسائل الناجحة لإعمال الدستور . ويختلف مدى نجاحها وفاعليتها بحسب نوعها وإجراءاتها ، ومن الدول التي أخذت بها فرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا ومصر والكويت والسودان( [76]).
ونخلص من كل ما تقدم ان الدستور قانون ، وانه قانون ذو خصوصية ، وتنبع هذه الخصوصية من اهمية احكامه من الناحية الموضوعية والشخصية ، حيث انه من الناحية الموضوعية ينظم مسائل معينة في غاية الاهمية بالنسبة إلى الدولة ومن الناحية الشخصية فانه يخاطب باحكامه كل ما موجود في الدولة من اشخاص وعلى راسهم الحكام وان هذه الخصوصية لقانون الدستور جعلت احكامه تمتاز بالسمو والسيادة على كل ما موجود في الدولة وضرورة تفعيل ذلك اعطته شكلية معينة لتفعيل ذلك باعتباره الاطار التنظيمي العام لكل ما موجود في الدولة من انشطة وعلاقات تحتاج إلى تدخل القانون لتنظيمها .









 


قديم 2010-03-28, 11:11   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
أسامة حمزة
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكراااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا










قديم 2010-03-29, 01:15   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
ب.علي
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية ب.علي
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء 
إحصائية العضو










افتراضي










 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 14:57

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc