اهتمام بالسيرة النبوية
فإن أحق ما اعتنى به المسلم العمل على اقتفاء آثار النبي صلى اللهعليه وسلم وتجسيدها في حياته مااستطاع إلى ذلك سبيلاً ، وذلك لأن الغاية التي يسعىالمسلم لأجلها إنما هي تحصيل الهداية التي توصله إلى دار السعادة وقد قال اللهعزوجل : { وإن تطيعوه تهتدوا } وقال تعالى { واتبعوه لعلكم تهتدون } وقال تعالى { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر
وهذهالآية أصل كبير في التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم بأقواله وأفعاله وجميع أحوالهوحركاته وسكناته ، وهذه الأسوة إنما يسلكها ويوفق إليها من كان يرجوا الله واليومالآخر ، فإن مامعه من الإيمان وخوف الله ورجاء ثوابه وخوف عقابه يحثه على التأسيبرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وشرف المؤمن ومنزلته إنما تقاس باتباعهفكلما كان تحريه للسنة أكثر كان بالدرجات العلى أحق وأولى ، ولذا كان السلفالسابقون من التابعين رحمة الله تعالى عليهم يجعلون معيار الذي يؤخذ عنه العلمتمسكه بالسنة ، كما قال إبراهيم النخعي : (( كانوا إذا أتو الرجل ليأخذوا عنه العلمنظروا إلى أشياء، نظروا إلى صلاته نظروا إلى سننه وإلى هيئته ثم يأخذون عنه((
ويقول أحد العلماء (( إن من علامات المحب لله عزوجل متابعة حبيب الله صلىالله عليه وسلم في أخلاقهوأفعاله وأوامره وسننه وهذا حق مأخوذ من كتاب الله سبحانهوتعالى فيقول الله عزوجل : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكمذنوبكم والله غفور رحيم
وقال الحسن البصري أو غيره في هذه الآية : (( جعل الله علامة حبهم إياه إتباعهم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ))
ولقدتوافرت النصوص من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين على الترغيب في العملبالسنة والحث على التمسك بها ، ومن أشهر الأحاديث حديث العرباض بن سارية أنه قال (( وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوبفقلنا : يارسول الله إن هذه موعظة مودع فأوصنا، قال : تركتكم على البيضاء ليلهاكنهارها لايزول عنها إلا هالك ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتيوسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ))
وقوله صلىالله عليه وسلم : (( فعليكم بسنتي )) أي طريقتي التي أنا عليها مما فصلته لكم منالأحكام سواء كان اعتقادية أو عملية ، واجبة أو مندوبة ، وأما تخصيص الأصوليينللسنة بأنها المطلوب طلباًغير جازم ، هذا اصطلاح طارىْء، إنما قصدوا به التمييزبينها وبين الفرض أو الواجب ، فالسنة بلفظ الشارع إذا أطلقت يراد بها الطريقةالشرعية التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم في عباداته ومعاملاته وأخلاقهوحركاته وسكناته يقول عروة ابن الزبير
( السنن السنن - أي الزموا السنن السنن - فإن السنن قوام الدين ))
وكان ابن عمر رضي الله عنه يتبع أمر رسول الله صلىالله عليه وسلم وآثاره وحاله ويهتم به حتى كان خيف على عقله من أهتمامه بذلك (( أخرجه أبو نعيم وغيره ))
ويقول الزهري (( كان من مضى من علمائنا يقولون : الإعتصام بالسنة نجاة ))
وللاهتمام بالسنة فوائد كثيرة لا تحصى منها تحصيلالملتزم بها درجة المحبوبية التي قال الله عزوجل فيها كما في الحديث القدسي : (( ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع بهوبصره الذي يبصر به ورجله الذي يمشي بها ويده التي يبطش بها وإن سألني لأعطينه وإناستعاذني لأعيذنه ))
ومن فوائد التمسك بالسنة أنها تجبر الفرائض لقول النبيصلى الله عليه وسلم (( إن أول ما يحاسب به الناس يوم القيامة من أعمالهم الصلاةفيقول الله تعالى للملائكة انظروا في صلاة عبدي أتمها أم أنقصها فإن كانت نقص منهاشيء قال الله : انظروا هل لعبدي من تطوع فإن كان له تطوع قال أتموا لعبدي فريضته منتطوعه ))
ومنها أن للمتمسك بالسنة في آخر الزمان أجراً كبيراً لحديث عتبة بنغثوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهنيومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم ، قالوا يا نبي الله أو منهم قال بل منكم ))
وقد كان السلف رحمة الله تعالى عليهم يشددون في ترك بعض السنن ويلومونتاركها مطلقاً الذي يتركها مطلقاًيلام لأنه قد يتناوله عموم قوله صلى الله عليهوسلم (( فمن رغب عن سنتي فليس مني )) ولذلك قال الإمام أحمد : (( إن من ترك الوتررجل سوء لا ينبغي أن تقبل شهادته ))
فنحن نعتني بالسنة ، فكل ما اثبت من سنةالرسول صلى الله عليه وسلم نسعى سعياً حثيثاً لتطبيقه وإحيائه بين الناس لعل اللهسبحانه وتعالى أن ينيلنا أجر من أحيا السنن.
.......ابو هناء........