الدور الأربعة بين الضيق و السعة..الدنيا - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام > أرشيف القسم الاسلامي العام

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الدور الأربعة بين الضيق و السعة..الدنيا

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-03-17, 22:59   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
sousou24
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية sousou24
 

 

 
إحصائية العضو










Flower2 الدور الأربعة بين الضيق و السعة..الدنيا

قال تعالى:
( الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد )







(1)




قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم -:
(ما لي وما للدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها)



الدنيا

قال الله تعالي :
( وللآخرة خير لك من الأولي )

قال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم:
مسند الإمام أحمد( مالي وللدنيا إنما مثلي و مثل الدنيا كمثل را كب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها)

وقال الشاعر:

ياطالب الدنيا الدنية إنــها
شرك الردى وقرارة الأقذار
دار متى ما اضحكت في يومها
أبكــت غداً تبا ًلها من دار

ونحن نقول :
الدنيا مال وولد وزوجة ووظيفة وسكن
المال يفنى ، والولد يموت ، والزوجة تهلك أو تفارق ، والوظيفة لاتدوم ، والسكن يخسف به أو ينهدم.

وصف الله للدنيا

قال تعالى :
(وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون)
(إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون)
( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)

(واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا)
(وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون)

تحذير الله للعبادمن الدنيا

(كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون)
(وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خيرلمن اتقى ولا تظلمون فتيلا)

(يامعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين)
(ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم)
(ياأيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل)
(زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب)
(وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون)
(ياأيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور)
(كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)
(ياقوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار)
(ياأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا)
(ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون)
(ياأيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور)
(المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا)
(فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق)
(ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين)
(أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين)
(وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين)
(من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا)
(من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون)
(بل تؤثرون الحياة الدنيا(16)والأخرة خير وأبقى)

فكما نرى من واقع الآيات الشريفة تبدو الدنيا مجرد حطام مهما تزينت لأهلها، والذي خلقها وزينها حذرنا منها، وما تزيين الله للدنيا إلا لاحتقاره لها وهوانها عليه، ولو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى منها الكافر جرعة ماء ، ولنعد على أسماعنا قوله تعالى :
(زين للذين كفروا الحياة الدنيا)
وزين الله – جل وعلا – شهوات الدنيا للناس كافة ليختبرهم فقال :
(زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطيرالمقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب)
لكنه جلت قدرته لم يتركهم دونما إرشاد حتي لا يضلوا ، فقال – وعز من قائل -: (قل أؤنبكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد)
و لا حرج بالطبع في حب النساء والبنين والأموال مادام ذلك وفق الشرع وقصد به إعفاف النفس وتكثير أمة محمد والإنفاق علي الفقراء والمساكين وفي كل نواحي البروخصوصا الجهاد في سببيل الله ، أما إذا قصد بذلك الفخر والكبرياء فالويل كل الويل لمن كان هذا هدفه وذاك مسلكه.
فالدنيا مهما طالت أوقصرت فهي فانية وأن نعيمها مهما قل أو كثر فهو إلي زوال قال الله – عز وجل - :
(كل نفس ذائقة الموت )
( قل متاع الدنيا قليل والأخرة خير لمن اتقي ولا تظلمون فتيلا . أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة )
والحصول علي الحياة الطيبة في الدنيا أمر وارد، وقد خط الله لنا السبيل إلي ذلك حين قال في كتابه الكريم :
( من عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة )
وعلينا أن نحذرمن أن يخدعنا ما يتمتع به الكفاروالعصاة من نعيم فلقد أصدر الله تعالى عليهم حكمه الألهي الذي لا مرد له فقال في محكم تنزيله :
( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد. متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد )
وأن نتذكر دائما أن الباقيات الصالحات خير من كل نعيم الدنيا، والباقيات الصالحات هي قول:
موطأ مالك(إنها قول العبد الله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله )
كماأخبرنا سيدنا سعيد بن المسيب في الحديث الذي رواه عن سيد الخلق عليه الصلاة والتسليم ، و قال آخرون إن الباقيات الصالحات هي الكلام الطيب وكل الأعمال الصالحة.
إن الحياة والمعيشة الضنك في انتظارمن يعرض عن ذكر الله كما حذرنا – سبحانه وتعالي – حين قال :
(ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمي)
والمعيشة الضنك يقصد بها ضيق الصدر وفقدان الطمأنينة فى الدنيا مهما ترفل المرء فى النعيم ، وقال آخرون أن ضيق الصدرهو ضيق القبر ، والقبر إما أن يكون روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
دخل رسول الله صلى اللهم عليه وسلم مصلاه فرأى ناسا كأنهم يكتشرون قال:
الترمذي( أما إنكم لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات لشغلكم عما أرى فأكثروا من ذكر هاذم اللذات الموت فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه فيقول أنا بيت الغربة وأنا بيت الوحدة وأنا بيت التراب وأنا بيت الدود فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر مرحبا وأهلا أما إن كنت لأحب من يمشي على ظهري إلي فإذ وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك قال فيتسع له مد بصره ويفتح له باب إلى الجنة وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر لا مرحبا ولا أهلا أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إلي فإذ وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك قال فيلتئم عليه حتى يلتقي عليه وتختلف أضلاعه قال قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم بأصابعه فأدخل بعضها في جوف بعض قال ويقيض الله له سبعين تنينا لو أن واحدا منها نفخ في الأرض ما أنبتت شيئا ما بقيت الدنيا فينهشنه ويخدشنه حتى يفضى به إلى الحساب قال قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار )
وفي حديث آخر يقول المعصوم صلوات الله وسلامه عليه :
مسند الإمام أحمد(يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنينا تلدغه حتى تقوم الساعة فلو أن تنينا منها نفخ في الأرض ما أنبتت خضراء )
وعلينا أن نقارن بين حال هذا الكافر في قبره، وحال المؤمن كما وصفه لنا المعصوم – صلوات لله وصلواته عليه – حين قال :
( المؤمن في قبره في روضة خضراء ويفسح له في قبره سبعون ذراعا وينورله قبره كالقمر ليلة البدر)
و علينا ألا ننظر إلي من هم فوقنا من العباد في أمور الدنيا، فقد قال الله لحبببه محمد – صلي الله عليه وسلم – في محكم آياته لإرشادنا :
(ولا تمدن عينيك إلي مامتعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقي )
و إن أنعم الله علينا برغد عيش فحذار أن يلهينا ذلك عن طاعة الله ، أو يطغينا علي عباده ، فقد يزيد الله لك الرزق ليمتحننا كما جاء في القرآن الكريم في الأية التي تقول:
( أيحسبون أن مانمدهم به من وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون)
كما يجب علينا ألا نقع في المحظور فنسأل معترضين لماذا فاوت الله في الأرزاق بين العباد! فنكون كالكفار الذين وصفهم الله في الأية التي تقول :
( وقالوا لولا نزل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم . أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا)
فلله – عز وجل – حكمته في ذلك كما تشير الأيات ، فما فاوت الله بين عباده في الأرزاق والأفهام إلا ليسخر بعضهم بعضا في الأعمال لاحتياج كل منهم للآخر.
وعلينا أن نعلم أنناسنغادر الدنيا لامحالة فهل استعددنا للموت ، أم أن حب الدنيا قد ألهانا؟ فإن كنت قد نسينا أو تناسينا فلنتذكر معي قول الله تعالى:
)يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلهِكُم أَموَلُكُم وَلاَ أَولاَدُكُم عَن ذِكْرِ الله وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ فَأْوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ. وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقنَكُم مِّن قَبلِ أَن يَأْتِي أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَو لاَ أَخَّرتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مّنَ الصَّالِحِينَ. وَلَن يُؤَخِّرَالله نَفساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَالله خَبِيرُ بِمَا تعملون )
ولنتذكر قوا الحبيب المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم :
الترمذي( أكثروا ذكر هادم اللذات الموت)
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه قال:
ص بخاري(ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده )
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا :
مسند الإمام أحمد(اثنتان يكرهما ابن آدم يكره الموت والموت خير للمؤمن من الفتنة ويكره قلة المال وقلة المال قلة الحساب)

تقسيم الأرزاق في الدنيا

ولقد قسم الله الأرزاق على عباده بحكمة لا يعلمها إلا هو ، قال تعالى :
(الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) الآية

وسن لذلك قانونا، قال تعالى :

1 ـ (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب)
قمة العدل الإلهي ، واختيارية للبشر لا محدودة ، بحيث لا يلوم الفرد إلا نفسه إذا أذا أورد نفسه موارد التهلكة .
وإعذار من الله لعباده ، وفي نفس الوقت تحمل الآية بشرى لمن يشتري الآخرة بدنياه ، فيعد الله تعالى هذا الصنف من البشر بزيادة الحرث ، ويقصد به التوفيق في كل أعماله ، وفتح مجالات متجددة للطاعة بغية مضاعفة الحسنات له ، حتى يكون يوم القيامة ممن يأخذون كتابهم بأيمانهم فضلا من الله ونعمة، وهذا يتطابق مع الآية الشريفة التي تقول :
(فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى* فسنيسره لليسرى )
وأما من اشترى دنياه بآخرته ، فسيؤتيه الله مايريد، دون أن يكون له رصيدا في ميزان حسناته يوم تتطاير الصحف .

موقف العباد
انقسم العباد الى ثلاثة اقسام:
القسم الاول

وهم الكفار والعصاة المصرين على المعصية ، وأولئك يؤتون يوم القيامة صفر اليدين من الحسنات، وتكون النار مثواهم ، وبئس المصير .
وقد قال الله تعالى في حقهم :
(فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق)

القسم الثاني

وهم المذبذبون بين الخير والشر ،من تتلاعب بهم أهواؤهم وشياطينهم ،لايملكون منحة الصبر ، ولا نعمة مجاهدة النفس ، ولذا فهم كالريشة في مهب الريح ، وقد ينتهي بهم الحال إلى الخسران المبين حين يخسرون دنياهم ولا يكسبون في آخرتهم شيئا .
ولقد وصفهم الله تعالى بقوله :
(ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين)

القسم الثالث

وهم المؤمنون الذين حباهم الله نعمة العقل واليقين ، فهم يعلمون أن مقاليد كل الأشياء والمخلوقات في كل الأكوان بيد الله العلي القدير، ولذا فهم يريدون حياة طيبة آمنة ، ويريدون خلودا في نعيم الجنة ، والبعد كل البعد عن النار ، ولذلك فهم لا يكفون عن الدعاءوالتضرع إلى المنعم الوهاب ،الذي يعدهم بنيل كل مايريدون .
ولقد أشار الله تعالى إليهم حين قال :
(ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار* أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب)
(وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنااغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين* فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين)
وقال تعالى مبشرا المؤمنين المتقين المؤدين للزكاة بالرحمة :
(ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون)
(فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين)
(وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين
(قل ياعباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)
2 ـ (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون)
وفي هذا تأكيد على أنه ـ جل في علاه ـ لم يحرم الدنيا على عباده المؤمنين تحت أي بند أو مفهوم، وبأنه أباح لعباده الطائعين التمتع بطيبات الحياة ،وإن شاركهم فيها غيرهم في الدنيا ، أما في الآخرة فهي لهم دون غيرهم لأن الله تعالى حرم الجنة على الكافرين .وعلى كل فرد أن يعيش ويستثمر حياته كما يشاء بقدر طاقته على التمتع أو الزهد مادام ذلك وفق منهج الله وسنة رسوله العظيم ـ صلى الله عليه وسلم .

3ـ (ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا(28)وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما)
تأكيد من الله على مبدأ خيارية البشر في نهج السبيل الذي يرتضيه كل فرد لنفسه
وكان توقبت ومكان صدور هذا المرسوم الإلهي من داخل البيت النبوي شيئا رائعا ليكون نموذجا يحتذى به في كل زمان ومكان.

4 ـ (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما)
هذا وعد صريح من قبل الله تعالى بالأجر العظيم لمن يشري حياته الدنيا بآخرته ، ويقاتل في سبيل الله ،فيقتل أو يغلب.

5 ـ (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)
(إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروابالجنة التي كنتم توعدون(30 )نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون)
آيات صريحة تحمل معان ومفاهيم بالنصر والبشرى لمن آمن واستقام .
نتائج الركون الي الدنيا

1 ـ دخول النار
(إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون * أولئك مأواهم الناربما كانوا يكسبون)
(فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين)
وآثر الحياة الدنيا(38)فإن الجحيم هي المأوى

2 ـ نسيان الله لهم
(الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون)

3 ـ الخذلان وتشديد العذاب عليهم .
(أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون)

4 ـ الحرمان من ولاية الله وشفاعته
(وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون)

5 ـ الحكم عليهم بالضلال
(الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد)
(ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين)

موجبات العذاب في الدنيا والآخرة

1ـ الكفر
قال تعالى :

(ومن يرتدد منكم فيمت وهو كافر ، فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)
(فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين)
(ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون)
عن أنس بن مالك رضي اللهم عنهم أن رجلا قال يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة قال:
ص.بخاري( أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة)

2 ـ البغي والظلم

قال تعالى :
(فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق ياأيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون)
يقول المعصوم ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ص.بخاري( اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين اللـه حجاب )
( إ ن اللـه ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته )
وقرأ النبى - صلى الله عليه و سلم - قول اللـه تعالى :
(وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ )
يروي أن النبى - صلى الله عليه و سلم - قال لأصحابه لما رجعت مهاجرة الحبشة عام الفتح إلى رسول اللـه قال لهم :
( ألا تحدثونى بأعاجيب ما رأيتم فى الحبشة )
فقال فتية منهم :
بلى يا رسول اللـه ، بينما نحن جالسون مرت بنا عجوز من عجائز رهابانهم تحمل قلة ماء على رأسها ، فمرت هذه العجوز على فتى منهم فقام الفتى ووضع إحدى كفيه بين كتفيها ودفعها وخرت على ركبتيها فانكسرت قلتها ، فلما ارتفعت وقعت التفت إلى الشاب وقالت له سوف تعلم يا غدر إذا وضع اللـه الكرسى وجمع اللـه الأولين والآخرين وتكلمت الأيدى والأرجل بما كانوا يكسبون .
فقال المصطفى - صلى الله عليه و سلم –
سنن.بن ماجة(صدقت ، صدقت ، كيف يقدس اللـه أمة لا يأخذ لضعيفهم من شديدهم)
وقال المعصوم ناصحا أمته في صحابته :
ص.بخاري( من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شىء منه فليتحلله منه اليوم من قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ، وإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه ، فحمل عليه ).
وهكذا يجب علي كل مسلم بل وعلي كل انسان أن يعرف جيدا ويتيقن من أن لحظة الحساب قادمة لا محالة ، وأن المظالم سترد الى أصحابها شاء الظالم أم أبي ، وان شئت العظة فاسمع معي قول المعصوم ـ صلي الله عليه وسلم ـ
( أتدرون من المفلس ؟ )
قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال :
مسند الإمام أحمد(المفلس من أمتي يوم القيامة من يأتي بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم عرض هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وضرب هذا فيقعد فيقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار)
ولنعلم جميعا أن هناك ربا عادلا ينصب ميزانا لايغفل شيئا حتي وان كان مثل الذرة
قال جل وعلا
{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }
فلا يلومن أحد إلا نفسه إن اخلدها في النار من جراء افتقاده لحسنة واحدة تثقل ميزانه في مثل هذا الموقف العظيم ، حسنة واحدة كان بإمكانه في الحياة الدنيا كسب الملايين منها لو رطب لسانه بذكر الله ، أو تصفح كتابه الكريم ، أو صلي علي الحبيب محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ أو بأى من الأعمال الصالحة ـ يقول الله تعالي
( فَإذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ(101)فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(102)وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ(103)تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ )
فعلينا ألا نستهين بمعصية واحدة ولو صغيرة فبكلمة واحدة نقاد إلى رضا الرحمن ، وبكلمة واحدة ننال سخط الجبار .
ولنذكربعضا من أحاديث رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ يمكننا عن طريقها كسب الملايين والملايين من الحسنات .
يقول المعصوم ـ صلي الله عليه وسلم ـ :
ص.بخاري( إن العبد ليتكلم بكلمة من رضوان اللـه لا يلقى لها بالاً يرفعه اللـه بها فى الجنة ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط اللـه لا يلقى لها با لا فيهوى بها فى جهنم ) .

ص.مسلم( لا تحقرن من المعروف شيئا ولو تلقى أخاك بوجه طلق )

الترمذي( ما من شىء أثقل فى ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق وإن اللـه يبغض الفاحش البذىء )

عن عبد الله بن عمرو أنه قال إن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال:
مسند الإمام أحمد(ألا أحدثكم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة ثلاث مرات يقولها قال قلنا بلى يا رسول الله قال فقال أحسنكم أخلاقا )

عن أبي مالك الأشعري قال قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم:
ص.مسلم(الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها )

ص.مسلم( لأن أقول سبحان اللـه والحمد لله ولا إله إلا اللـه واللـه أكبر أحب على ممن طلعت عليه الشمس ) .

ص.بخاري( من قال سبحان اللـه وبحمده فى يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه ه وإن كانت مثل زبدالبحر)

3 ـ اشاعة الفحشاء

(إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون)

4 ـ رمي المحصنات
(إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم)

5 ـ الرياء
عن أبي سعيد رضي اللهم عنهم قال سمعت النبي صلى اللهم عليه وسلم يقول:
ص.بخاري(يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة فيبقى كل من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا)
عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم :
مسندالإمام أحمد(قال إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول الله قال الرياء يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جزي الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء)

عن عبد الله بن عمرو أنه قال، قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم
مسند الإمام أحمد(من سمع الناس بعمله سمع الله به سامع خلقه يوم القيامة فحقره وصغره)

6 ــ الحلف بغير الله

عن ابن عمر لا يحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله صلى اللهم عليه وسلم يقول:
الترمذي(من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك )

7ـ النفاق
عن عبدالله بن عمرو أن النبي صلى اللهم عليه وسلم قال:
ص.بخاري(أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر )
حدثنا أحمد بن منيع حدثنا يزيد بن هارون عن أبي غسان محمد بن مطرف عن حسان بن عطية عن أبي أمامة عن النبي صلى اللهم عليه وسلم قال:
الترمذي(الحياء والعي شعبتان من الإيمان والبذاء والبيان شعبتان من النفاق)
والعي: قلة الكلام والبذاء: الفحش في الكلام والبيان : كثرة الكلام مثل هؤلاء الخطباء الذين يخطبون فيوسعون في الكلام ويتفصحون فيه من مدح الناس فيما لا يرضي الله.
عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم:
مسند الإمام أحمد( القلوب أربعة قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر وقلب أغلف مربوط على غلافه وقلب منكوس وقلب مصفح فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن سراجه فيه نوره وأما القلب الأغلف فقلب الكافر وأما القلب المنكوس فقلب المنافق عرف ثم أنكر وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم فأي المدتين غلبت على الأخرى غلبت عليه )
عن عتبة بن عبد السلمي وكان من أصحاب النبي صلى اللهم عليه وسلم قال، قال
رسول الله صلى اللهم عليه وسلم:
مسند الإمام أحمد( القتل ثلاثة رجل مؤمن قاتل بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل فذلك الشهيد المفتخر في خيمة الله تحت عرشه لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة ورجل مؤمن قرف على نفسه من الذنوب والخطايا جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يقتل محيت ذنوبه وخطاياه إن السيف محاء الخطايا وأدخل من أي أبواب الجنة شاء فإن لها ثمانية أبواب ولجهنم سبعة أبواب وبعضها أفضل من بعض ورجل منافق جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتل في سبيل الله حتى يقتل فإن ذلك في النار السيف لا يمحو النفاق)

8 ــ الغناء

عن عبد الله أنه قال :
سمعت رسول الله صلى اللهم عليه وسلم:
سنن أبي داود( يقول الغناء ينبت النفاق في القلب)

9 ــ الخمر

عن عبدالله بن عمر رضي اللهم عنه، أن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال:
ص.بخاري(من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة )

10 ــ التصوير

حدثنا عياش بن الوليد حدثنا عبدالأعلى حدثنا سعيد قال سمعت النضر بن أنس بن مالك يحدث قتادة قال كنت عند ابن عباس وهم يسألونه ولا يذكر النبي صلى اللهم عليه وسلم حتى سئل فقال سمعت محمدا صلى اللهم عليه وسلم يقول:
ص.بخاري(من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا)

11ـ الحلف على ملة غير السلام ، قتل النفس ، الرمي بالكفر

عن ثابت بن الضحاك وكان من أصحاب الشجرة أن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال :
ص.بخاري(من حلف على ملة غير الإسلام فهو كما قال وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة ومن لعن مؤمنا فهو كقتله ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله )

12ـ حب الدنيا وطول الأمل

عن أبي هريرة رضي اللهم عنهم قال سمعت رسول الله صلى اللهم عليه وسلم يقول:
ص.بخاري(لا يزال قلب الكبير شابا في اثنتين في حب الدنيا وطول الأمل)
يقول الله تعالى:
( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )
(ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون )
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
( ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل )
:
قال النبي صلى اللهم عليه وسلم:
عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى اللهم عليه وسلم غرز بين يديه غرزا ثم غرز إلى جنبه آخر ثم غرز الثالث فأبعده ثم قال:
مسند الإمام أحمد( هل تدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا الإنسان وهذا أجله وهذا أمله يتعاطى الأمل والأجل يختلجه دون ذلك )

13 ـ الأطماع

عن عوف عن أبي المنهال قال :
لما كان ابن زياد ومروان بالشام ووثب ابن الزبير بمكة ووثب القراء بالبصرة فانطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلمي حتى دخلنا عليه في داره وهو جالس في ظل علية له من قصب فجلسنا إليه فأنشأ أبي يستطعمه الحديث فقال يا أبا برزة ألا ترى ما وقع فيه الناس فأول شيء سمعته تكلم به:
( إني احتسبت عند الله أني أصبحت ساخطا على أحياء قريش إنكم يا معشر العرب كنتم على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة والضلالة وإن الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد صلى اللهم عليه وسلم حتى بلغ بكم ما ترون وهذه الدنيا التي أفسدت بينكم إن ذاك الذي بالشأم والله إن يقاتل إلا على الدنيا وإن هؤلاء الذين بين أظهركم والله إن يقاتلون إلا على الدنيا وإن ذاك الذي بمكة والله إن يقاتل إلا على الدنيا )
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال:
ص.مسلم(بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا )

عن عبيد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن سلام من أرباب العلم ؟ قال الذين يعملون بما يعلمون.
قال فما ينفي العلم من صدور الرجال؟
قال الطمع .
14ـ اضاعة المال

كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة أن اكتب إلي بشيء سمعته من النبي صلى اللهم عليه وسلم فكتب إليه سمعت النبي صلى اللهم عليه وسلم يقول :
(إن الله كره لكم ثلاثا قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال )

15ــ البخل

حدثنا سفيان قال سمع ابن المنكدر جابرا يقول قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم لو جاء مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا قال فلما جاء مال البحرين بعد وفاة رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال أبو بكر من كان له عند رسول الله صلى اللهم عليه وسلم دين أو عدة فليأتني قال فجئت قال فقلت إن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال لو قد جاء مال البحرين لأعطيتك هكذا وهكذا ثلاثا قال فخذ قال فأخذت قال بعض من سمعه فوجدتها خمس مائة فأخذت ثم أتيته فلم يعطني ثم أتيته فلم يعطني ثم أتيته الثالثة فلم يعطني فقلت إما أن تعطيني وإما أن تبخل عني قال أقلت تبخل عني وأي داء أدوأ من البخل ما سألتني مرة إلا وقد أردت أن أعطيك .
عن أنس بن مالك رضي اللهم عنهم أن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم كان يدعو:

ص. بخاري( أعوذ بك من البخل والكسل وأرذل العمر وعذاب القبر وفتنة الدجال وفتنة المحيا والممات)

عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم:
الترمذي( خصلتان لا تجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخلق )

عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم:
ص.بخاري (يتقارب الزمان وينقص العمل ويلقى الشح ويكثر الهرج قالوا وما الهرج قال القتل القتل )

عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال :
ص.مسلم( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم )

عن أبي هريرة أن النبي صلى اللهم عليه وسلم قال:
الترمذي(السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار ولجاهل سخي أحب إلى الله عز وجل من عالم بخيل )
قال تعالى :
(وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا)

16ـ الكبرياء

عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم:
سنن بن ماجة(قال الله الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما أدخلته جهنم )

17 ـ الفخر

عن أبي مالك الأشعري أن النبي صلى اللهم عليه وسلم قال:
ص.مسلم( أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة وقال النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب )

سبل النجاة

ولقد جاء في السنة المشرفة العديد من الأحاديث الشريفة التي حملت مفاهيم كثيرة تعد نبراسا ومنهاجا قويما يوفر الطمأنينة في الدنيا والأمان في الآخرة ، منها على سبيل المثال :

1ـ ما عند الله خيروأبقى

عن أبي سعيد الخدري رضي اللهم عنهم قال خطب رسول الله صلى اللهم عليه وسلم الناس وقال:
ص.بخاري( إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله)
قال فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى اللهم عليه وسلم عن عبد خير، فكان رسول الله صلى اللهم عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا فقال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم:
( إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر)

2ـ الإيمان

قال تعالى:
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير)
مر الرسول الكريم ـ صلى اللهم عليه وسلم مر عليه ـ بجنازة فقال :
ص.بخاري(مستريح ومستراح منه قالوا يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه قال العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب)

3ـ كلمة التوحيد

عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال
ص.بخاري( المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله :
(يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة )

4 ـ الصلاة

قال تعالى:
(الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور)
قالت أم سلمة زوج النبي صلى اللهم عليه وسلم:
استيقظ رسول الله صلى اللهم عليه وسلم ليلة فزعا يقول:
ص.بخاري( سبحان الله ماذا أنزل الله من الخزائن وماذا أنزل من الفتن من يوقظ صواحب الحجرات يريد أزواجه لكي يصلين رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)

5ـ السجود

عن أبي هريرة رضي اللهم عنه قال، قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم :
ص.بخاري(والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها)
ثم يقول أبو هريرة واقرءوا إن شئتم:
( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا )

6ـ الجهاد

عن أبي هريرة أن الحبيب محمد ـ صلى الله عليه وسلم قال :
ص.بخاري(قال لقاب قوس في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب وقال لغدوة أو روحة في سبيل الله خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب )
عن سهل بن سعد الساعدي رضي اللهم عنه أن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال:
ص.بخاري(رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها)
عن سلمان قال سمعت رسول الله صلى اللهم عليه وسلم يقول :
ص.مسلم(رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان)
قال عثمان على المنبر:
(إني كتمتكم حديثا سمعته من رسول الله صلى اللهم عليه وسلم كراهية تفرقكم عني ثم بدا لي أن أحدثكموه ليختار امرؤ لنفسه ما بدا له سمعت رسول الله صلى اللهم عليه وسلم يقول رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل)

7 ـ الصدقة

قال تعالى :
( إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم )
وعن أبي هريرة رضي اللهم عنهم قال جاء رجل إلى النبي صلى اللهم عليه وسلم فقال يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرا؟ قال:
ص.بخاري(أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان )
وعنه أيضا ،عن النبي صلى اللهم عليه وسلم قال
ص.بخاري( خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول )
وقال أبو هريرة رضي اللهم عنهم عن النبي صلى اللهم عليه وسلم :
ص.بخاري (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه )
عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم:
الترمذي( إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع عن ميتة السوء)

8ـ آل البيت

عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن أرقم رضي اللهم عنهما قالا قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم:
الترمذي ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما )
فرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يوصينا أن نخلفه خيرا في آل بيته ، وهم بلا شك جديرون بذلك
عن عائشةَ رضي الله عنها قالت:
ص.مسلم(خرج النَّبِيُّ r غداةً وعليه مِرْطٌ مُرَحَّل مِن شَعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثمَّ جاء الحُسين فدخل معه، ثمَّ جاءت فاطمةُ فأدخلَها، ثمَّ جاء عليٌّ فأدخله، ثمَّ قال:
( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).

عن يزيد بن حيَّان قال: (انطلقتُ أنا وحُصين بن سَبْرة وعمر بنُ مسلم إلى زيد بنِ أرقم، فلمَّا جلسنا إليه، قال له حُصين: لقد لقيتَ ـ يا زيد! ـ خيراً كثيراً؛ رأيتَ رسولَ الله r، وسمعتَ حديثَه، وغزوتَ معه، وصلَّيتَ خلفه، لقد لقيتَ
ـ يا زيد! ـ خيراً كثيراً، حدِّثْنا ـ يا زيد! ـ ما سَمعتَ من رسولِ الله r، قال: يا ابنَ أخي! والله! لقد كَبِرَتْ
سِنِّي، وقَدُم عهدِي، ونسيتُ بعضَ الذي كنتُ أعِي من رسول الله r، فما حدَّثتُكم فاقبلوا، وما لا فلا تُكَلِّفونيه، ثمَّ قال: قام رسولُ الله r يوماً فينا خطيباً بماءٍ يُدعى خُمًّا، بين مكة والمدينة، فحمِد اللهَ وأثنى عليه، ووعظ وذكَّر، ثم قال:
ص.مسلم(أمَّا بعد، ألا أيُّها الناس! فإنَّما أنا بشرٌ يوشك أن يأتي رسولُ ربِّي فأُجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثَقَلَيْن؛ أوَّلُهما كتاب الله، فيه الهُدى والنُّور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحثَّ على كتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: وأهلُ بَيتِي، أُذكِّرُكم اللهَ في أهل بيتِي، أُذكِّرُكم اللهَ في أهل بيتِي، أُذكِّرُكم اللهَ في أهل بيتِي)
عن عبد المطلب بن ربيعة قال دخل العباس على رسول الله صلى اللهم عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا لنخرج فنرى قريشا تحدث فإذا رأونا سكتوا فغضب رسول الله صلى اللهم عليه وسلم ودر عرق بين عينيه ثم قال:
مسند الإمام أحمد( والله لا يدخل قلب امرئ إيمان حتى يحبكم لله عز وجل ولقرابتي)

وأمر بالصلاةِ عليهم مع الصلاةِ على رسول الله r، فقال لنا:
(قولوا: اللَّهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ على آل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيدٌ، وبارِك على محمد وعلى آل محمد كما بارَكتَ على آل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيدٌ).
ولكن كيف سارت الآمور بعد ذلك ، هل وعي المسلمون وصيته الشريفة ونفذوهاكما يجب ، أم الشيطان والهوى تغلبا عليهم ؟
موقف أبي بكرالصديق رضي الله عنه :
أنَّ أبا بكر رضي الله عنه قال لعليٍّ رضي الله عنه:
(والذي نفسي بيدِه لَقرابةُ رسول الله r أحبُّ إليَّ أنْ أَصِلَ من قرابَتِي).
عن ابن عمر، عن أبي بكر رضي الله عنه قال:
(ارقُبُوا محمداً r في أهل بيته).
قال الحافظ ابن حجر في شرحه:
(يخاطِبُ بذلك الناسَ ويوصيهم به، والمراقبةُ للشيء: المحافظةُ عليه، يقول: احفظوه فيهم، فلا تؤذوهم ولا تُسيئوا إليهم).
موقف عمررضي الله عنه :
كان عمر بن الخطاب إذا قُحِطوا استسقى بالعباس بن عبدالمطلب، فقال:
(اللَّهمَّ إنَّا كنَّا نتوسَّل إليك بنبيِّنا r فتسقينا، وإنَّا نتوسَّلُ إليك بعمِّ نبيِّنا فاسقِنا، قال: فيُسقَوْن).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
((أنَّ عمر بنَ الخطاب رضي الله عنه لَمَّا وضع ديوان العَطاءِ كتب الناسَ على قَدْرِ أنسابِهم، فبدأ بأقربِهم فأقربهم نسباً إلى رسول الله r، فلمَّا انقضت العربُ ذكر العَجَم، هكذا كان الديوان على عهد الخلفاء الراشدين، وسائر الخلفاء من بَنِي أُميَّة ووَلَدِ العباس إلى أن تغيَّر الأمرُ بعد ذلك).
ولقد كان الحديث الشريف الذي قال فيه المعصوم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ
مسند الإمام أحمد(فاطمة شجنة مني يبسطني ما بسطها ويقبضني ما قبضها وإنه ينقطع يوم القيامة الأنساب والأسباب إلا نسبي وسببي )

هو الذي دفع عمر رضي الله عنه إلى خِطبَة أمِّ كلثوم بنت عليٍّ.
هكذا كان مجمل موقف الصحابة والتابعين وأهل السنة من آل البيت رضي الله عنهم، لكن حادث مقتل الحسين رضي الله عنه بكل ملابساته وتفاصيله يدمي القلب كلما لاح في أفق الذاكرة ، ولولا أنه ليس أوان مناقشة هذا الموضوع ولا مكانه لكتب القلم الكثير والكثير ، ولكننا لا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل .

9ـ الصبر

قال تعالى مشيرا إلى فضيلة الصبر:
(وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين)
(وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)
(الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين)
وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين)
فالصبر شيمة المؤمنين حقا ، لأنه يعني التسليم لله في كل شيئ ، والرضا بقضائه مهما كان مرا ، ولأن الصبر عادة يكون على المصائب والأمراض والأسقام وفقدان المال والولد ومصادر الرزق ، ولذا فقد ميز الله الصابرين يوم القيامة بميزة يغبطهم عليها كل أهل المحشر.
في هذا الموقف العظيم المهيب ، والذي من شدته يتمنى البعض الانصراف منه حتي ولو كان إلي النار .في هذا اللحظة الحاسمة يفتح باب الصبر من الجنة ويدخل منه الصابرون دون أن يحاسبوا ، وحين يندهش الخلق مما يرون ينادي منادي من قبل الله يقول :
( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال
ص.بخاري( يقول الله تعالى ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)
عن أنس بن مالك رضي اللهم عنهم قال مر النبي صلى اللهم عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال
ص.بخاري( اتقي الله واصبري)
قالت إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها إنه النبي صلى اللهم عليه وسلم:
فأتت باب النبي صلى اللهم عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت لم أعرفك فقال:
(إنما الصبر عند الصدمة الأولى )
عن أبي سعيد الخدري رضي اللهم عنهم إن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى اللهم عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده فقال:
ص.بخاري(ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر )
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جويرية عن نافع قال قال ابن عمر رضي اللهم عنهمما رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها كانت رحمة من الله فسألت نافعا على أي شيء بايعهم على الموت قال:
( لا بل بايعهم على الصبر).


10ـ الإجابة على الأسئلة الأربعة

قال الحبيب محمد ـ صلى الله عليه وسلم :
الترمذي(لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيم فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه )

صدق رسول الله فيما قال ، وفيمابلغ عن رب العزة حين قال تعالي في محكم تنزيله :
(ما فرطنا في الكتاب من شئ )
إن الله حين خلق الخلق بين لهم طريق الخيروطريق الشر، ورسم لهم بآياته وسنة رسولنا العظيم ـ الذي لاينطق عن الهوي ـ سبيل الوصول إلي برالأمان في الدنيا والسلامة في الآخرة .
ـ ولذا ، يجب أن نعلم جيدا أن وجودنا في هذا الكون ليس عبثا ، وأننا مسئولون لامحالة عن رحلتنا في هذا الكون الشاسع ، سواء كانت رحلة طويلة أو قصيرة . لقد أوجدنا العلي القدير في هذه الحياة لشيئ ومهمة محددة ، ألا وهي عبادته وحده ، واشترط علينا ألا نشرك به أحدا . ولنعلم جيدا أن ذلك لن ينقص من ملك الله شيئا ، وبأننا المستفيدون الوحيدون من هذا التكليف إن أديناه كما أراد الله , ولكي نقوم بذلك أمدنا الله بالصحة ، والرزق ، والعقل ،والعمر كما قدره لنا المحيي المميت ، ووعدنا بالخلود في جنات النعيم وبالنجاة من النار ان أفلحنا في الوفاء بما افترضه علينا .
قال جل وعلا :
{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )
{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ(115)فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}
{ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى(36)أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى(37)ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى(38)فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(39)أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى }
اذن فالمعادلة الالهية واضحة الأطراف ، وكأنه ـ في علاه ـ يقول لعبده ـ الذي أوجده من عدم ـ اعبدني بما منحتك إياه من عمر وصحة ورزق وعقل ، أدخلك جنتي ، لكنك مسئول عن كل ذلك , ولقد فهم هذه المعادلة كثير ممن هداهم الله وأرشدهم الى حديقة الايمان وواحة التوحيد .
قال الحسن البصرى رحمه اللـه تعالى :
( يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة فإن مضى يوم مضى بعضك وإن مضى بعضك مضى كلك )
ولذا كان الحسن رحمه اللـه يقول :
( ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وينادى بلسان الحال ويقول يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمنى فإنى لا أعود إلى يوم القيامة )
وكان عبد اللـه بن مسعود رضى اللـه عنه يقول :
(واللـه ما ندمت على شئ كندمى على يوم طلعت شمسه نقص فيه أجلى ولم يزد فيه عملى )
فعلينا أن نغتنم حياتنا ونقضها في طاعة الله حتى نجد ـ برحمة من الله ـ الإجابة السديدة حين سأل عن أعمارنا فيما أفنيناها . فلنكن حيث يريد الله تعالى أن يرانا ، فلنلزم المساجد وحلق الذكر ، نزور اخواننا في الله ، ونقض حاجة المحتاج منهم ، نعد المرضى ، ونمشي في حاجة اليتيم والأرملة ، ولا نبتغ من وراء ذلك الا رضا الله.
ولنننتهز وجود أبوينا ، أحدهما أو كلاهما ولنتذكرأن رضاهما من رضا الرب , و أن الجنة تحت أقدام الأمهات .
على كل منا أن يكون في خدمة أهله ، يحسن إلى زوجته ، ويلن جانبه لأولاده ، يعظهم ويعلمهم أمور دينهم ، يبث في عقولهم وقلوبهم حب الله ورسوله ، وحب اليتيم والا نفاق في سبيل الله ، يفهمهم أن الجلوس أمام التليفزيون ومتابعة المباريات والمسلسلات وأغاني العري والخلاعة أمر مرفوض من الله ورسوله ، ويغرس في أرواحهم بذور التقوي حتى تطاله ثمارها حيا وميتا . حيا ، بأداء ماكتبه الله عليك فيما يختص بأولاده ، وربما عاش ليرى في الدنيا نتيجة عمله هذا . أما بعد موته فقد فتح لنفسه رصيدا لاينفد من الحسنات في وقت لا يستطيع فيه العمل ، وذلك حين تحيطه دعواتهم لله بأن يتغمده برحمته ، فيوسع الله له في قبره ، ويوم الحساب يكون ممن ثقلت موازينهم .
ومن أجمل ما قيل فى قول اللـه تعالى فى حق نبى اللـه يحيى
{ وَأتينَاهُ الحكْمَ صَبِياً }
أن بعض قرنائه دعوه للعب ـ وكلهم صغار ـ فقال لهم بلسان الحكمة :
( ما للعب ولا للهو خلقنا)
قيل لإبراهيم بن أدهم طيب اللـه ثراه ، يا إبراهيم :
كيف وجدت الزهد فى الدنيا ؟!
فقال إبراهيم : بثلاثة أشياء ، قيل : وما هى ؟!
قال إبراهيم : رأيت القبر موحشاً وليس معى مؤنس ، ورأيت الطريق طويلاً وليس معى زاد ، ورأيت جبار السموات والأرض قاضياً وليس معى من يدافع عنى .
ويوم أن نام السلطان الفاتح محمد بن ملك شاه على فراش الموت ، وكان من السلاطين الأثرياء الأغنياء قال : اعرضوا عَلَىَّ كل ما أملك من الجوارى والغلمان ، والنساء ، والأموال ، والجواهر بل ، وليخرج الجند جميعاً ، فخرج الجيش عن بَكْرَة أبيه ، فنظر السلطان إلى هذا الملك العظيم وبكى وقال : واللـه لو قَبِلَ منى ملك الموت كل هذا لافتديت به !!
ثم نظر إلى جنوده وقال : أما هؤلاء واللـه لا يستطيعوا أن يزيدوا فى عمرى ساعة ثم أجهش بالبكاء وقال :
( مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ(28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ )
وهذا أخوه هارون الرشيد الذى كان يخاطب السحابة فى كبد السماء ، ويقول لها : أيتها السحابة فى أى مكان شئت أمطرى فسوف يحمل إلى خراجك إن شاء اللـه تعالى .
لما نام على فراش الموت بكى هارون وقال لإخوانه : أريد أن أرى قبرى الذى سأدفن فيه !!
فحملوه إلى قبره ، فنظر هارون إلى قبره وبكى ورفع رأسه إلى السماءوقال :
(يا مَنْ لا يزول مُلكه ارحم من زال ملكه )
وليعلم كل منا أنه مسئول عن أيضا عن علمه ، كيف ولماذا اكتسبه وما عمل به؟ ، هل اكتسبه ليتباهي به ويتكبر على عباد الله؟ هل اكتسبه ليحقيق منفعة شخصية دنيوية فقط دون ما اعتبارلأمور الآخرة ؟ وهل اكتسب هذا العلم بشرف وبحل ؟ أم اكتسبه بطرق شيطانية وراح يستخدمه فيما حرم الله؟ وماذا عن علم علمه وبخل به علي الآخرين ؟ وهل عمل بما علم ؟
ويكفينا فخرا أن أول ما نزل من وحي السماء الى الحبيب محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ آية تدعو الى القراءة والعلم , قال الله تعالي :
(اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الانسان من علق . اقرأ وربك الأكرم .الذي علم بالقلم . علم الانسان ما لم يعلم )
وقال تعالى :
( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ(2)كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ )
(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ )
(وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) .
(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)
(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)
(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.)
ويقول الحبيب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
ص.بخاري( إن اللـه لا يقبض العلم انتزاعاً – قال ابن حجر فى الفتح : أى محواً من الصدور- ينتزعه من صدور الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً – وفى لفظ رؤساء جهالا - فسئلوا فأفتوا بغير علم فَضَلُّوا وأَضَلُّوا ).
ص.بخاري( من يرد اللـه به خيراً يفقه فى الدين )
ص.بخاري ( لأن يهدى اللـه بك رجلاً واحداً خيرُُ من أن يكون لك حمر النعم ) .
قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم :
الترمذي( من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب إن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)
الترمذي( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية و علم ينتفع به ولد صالح يدعو له ).
عن اسامة بن زيد ان النبى - صلى الله عليه و سلم - قال :
ص.مسلم( يؤتى بالرجل فيلقى فى النار فتندلق أقتاب بطنه ( أى أمعاءه) ، فيدور بها كما يدور الحمار فى الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان مالك ؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول : بلى كنت أمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وأتيه ).
ص.مسلم( ... اللـهم إنى أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها ).
وكان على بن أبى طالب يقول :
( يا حملة العلم اعملوا به فإن العالم من علم ثم عمل ، ووافق علمه عمله ، وسيأتى أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف علمهم عملهم ، وتخالف سريرتهم علانيتهم يقعدون جلفاء يباهى بعضهم بعضاً ، حتى إن أحدهم ليغضب على جليسه إن تركه ، وجلس إلى غيره ، أولئك لا ترفع أعمالهم تلك إلى اللـه عز وجل)
كل هذه الأيات ، وكل هذه الأحاديث تبين لنا قيمة العلم في الإسلام ، وتركز بصورة خاصة علي أهمية العمل به . فعلينا أن نملأ عقولنابعلم يفيدناويفيد المسلمين ولنرفقه بالتطبيق السليم ، ولانبخل بعلمنا على أحد ، يقول الحبيب محمد ـ صلي الله عليه وسلم :
ص.بخاري( بلغوا عني ولو آية )
ويقول المعصوم أيضا ـ صلوات الله وسلامه عليه :
الترمذي( إن الدال على الخير كفاعله )
(فرب مبلغ أوعى من سامع )
وعلينا ألا نشغل عقولنا بأسماء الأفلام وتواريخ أبطالها ومخرجيها ، وأن نطهر جوارحنا من حفظ أسماء لاعبي الكرة ، وتواريخ مسابقات كأس العالم ودوراته الاوليمبية ، ونطهر أموالنا ونزكه بعيدا عن مسابقات الفن والكرة التي تلح على أسماعنا وأبصارنا ليل نهاربجوائزها المالية المشبوهة .
فما لاشك فيه أن هناك مخططا مرسوما من قبل أعداء الدين لإبعادنا وأولادنا عن أصول ديننا . مخطط مدروس ـ بعيدا عن نظرية المؤامرة المزعومة ـ التي يتهمنا بعضنا بها ليبرر لنفسه أسباب ضياعه ، ولينفي اتهامه بالتقصير في حق نفسه ووطنه ودينه . مخطط بدأ باغراقنا في مشاكل خارجية مع العدو الذي لن ولم يكن في يوم من الأيام صديقا لنا ، ومشاكل داخلية من صنعه وبأيدينا .
وبإعمال قليل من العقل وباستخدام القدر اليسير من العلم سيكتشف المرء منا أن عدونا الذي لم يعد يخفي نواياه قد أفلح بالفعل ـ حتى الآن فيما خطط ونفذ ـ فهاهو العالم الإسلامي المترامي الأطراف بات تابعا ذليلا لأعداء الإسلام ، علي الرغم من امتلاكه لكل مقومات الرقي والنهوض وامتلاك زمام الأمر والإمساك بدفة العالم من جديد وقيادته قيادة رشيدة نحو الأمن والسلام الذين يفتقدهما في ظل قيادة أمريكية متعصبة ، تمتلك قدرا من الغباء السياسي والتاريخي تحسد عايه ، وسيجني أبناؤها نتيجة هذا الغباء قريبا إن شاء الله ـ ثمرة ذلك الغباء السياسي والتاريخي لدي قيادتها التي أسلمت زمام أمرها الي حفنة من متعصبي اليهود ، تلك الحفنة التي ظنت بغبائها هي الأخري أن الظروف باتت مواتية لضرب الإسلام ضربة قاضية تسلمه إلي حتفه حتى لا تقوم لأهله قائمة .
وأرجو أخوة الإسلام ألاتدور برؤسكم الظنون وأنتم تقرأون هذا الكلام وتعدونه نوعا من التخاريف أو أوهام وأحلام اليقظة ! ولا يظن أحدكم أن حديثنا عن العلم قد انقطع ! فبالعلم ساد المسلمون العالم شرقه وغربه ، بالعلم سادت الحضارة الإ سلامية وراح العالم ينهل منها حتي ارتوي ، لكنه واصل المسيرة وأضاف ، بينما توقفنا نحن واكتفينا بأن نلوك بأفواهنا حديث الحضارة الممتدة جذورها الى أبعد من سبعة ألاف عام منذ الفراعنة .
أعداؤنا يعرفون جيدا أننا الأقوي بالعلم وبالإيمان ، أقوى من كل ترساناتهم المسلحة وقواعدهم الممتدة في كل مكان ، ولذلك يحاولون ضرب العلم والدين فينا ، ولابأس عندهم أن يصبروا العشرات من السنين فتحولات التاريخ تطهي عادة على نار هادئة ، باستثناء التغيرات التاريخية التي تأخذ شكل الطفرة .
ولكي يضربوا العلم يجب أن ينقي من ـ من وجهة نظرهم ـ من العنف والإرهاب ، وبذلة يندي لها جبين الحر استجاب الجميع جهرا وسرا ، فامتدت معاول الخزي تغير في مناهج التعليم
حتي يصير الكفاح ارهابا ، والإرهاب كفاحا ، امتدت معاول الذلة لتحذف صور البطولة في أسمى معانيها ليحل محلها قصص باهتة ومشاريع لتزييف كل شئ لصالح العدو الصهيوني المتربص لكل ما هو إسلامي .
وبدأت بعد ذلك الخطوة الأشد خطرا ألا وهي تنقية القرآن من آيات إرهاب ومعاداة اليهود والسامية ، وبالفعل عقدت العديد من المؤتمرات لهذا الغرض، وكان آخرها ذلك المؤتمر الذي عقد بيروت ضمن الحديث عن "التحديث والإسلام" في ندوة عقدت في 25-26 يونيو/2003 ولقيت صدى في تونس، والبعض عبرعنها بلفظ "تنقيح القرآن"، فأعداء الإسلام يريدون ـ بكل بجاحة وصفاقة ـ حذف بعض الآيات مثل:
(وأعدُّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم)
، أو (واقتلوهم حيث ثقفتموهم)
،وليست هذه هي المحاولة الأولي أو الأخيرة ، بل هومخطط تاريخي قديم ينتظر اللحظة التي يعتقدونها مناسبة ـ كتلك اللحظة التي نعيشها الآن ـ للنيل من قدسية القرآن في البداية ، وفصل الوعي ا لإسلامي عن قواعده القرآنية ، ثم ينتهي الأمر بإعدام النص المؤسس آخر الأمر، والتشكيك والهجوم علي شخص النبي الكريم ـ صلي الله عليه وسلم ـ بصفته المرسل التاريخي للصدام والعدوان علي الآخر، كما يعتقدون ويروجون .
غباء يحسدون عليه ، وجهل يغطيهم من شعور رؤوسهم حتي أخامص أقدامهم ، فرسولنا الكريم الذي قال الله في حقه :
( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )
رسول صدام وعدوان ، ونسوا أو تناسوا أن مجتمع المدينة الذي أسسه النبي العظيم ـ صلي الله عليه وسلم ـ استوعب كل الحضارات حتي المجوس ـ وبدا ذلك جليا ـ في المعاهدة التي عقدها صلي الله عليه وسلم مع اليهود تحديدا ـ وعدد فيها بطون القبائل اليهودية بطنا بطنا ، وقال فيها:
( لهم ما لنا وعليهم ما علينا ).
أي مساواة تلك التي ينادون به الآن ؟ وأي حرية أديان يتشدقون بها في مؤتمراتهم المشبوهة ؟ وأي مدنية تلك التي يسهرون الليالي والأيام من أجلها ومن أجل أن يضعون لها قوانينها ، وعن أي إرهاب يتحدثون ؟
إن الآيات الكريمة التي وردت في قرآننا العظيم، والأحاديث النبوية الشريفة التي تدعوا إلي المساواة والرحمة بين البشرلا تعد ولاتحصي ، بل تحتاج الي مجلدات ، ولعل الله يطيل في أعمارنا ونجعل لهذه النقطة بحثا منفصلا ـ إن شاء الله ـ ولكن يمكننا ذكر النذر اليسير ٍ للتدليل والإشارة ، فعل سبيل المثال ، يقول الله عز وجل في محكم آياته :
( ادع الي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ان ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين )
( ولاتجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن الا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزلٍ الينا وأنزل اليكم والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون )
( لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي )
ويقول رسولنا العظيم ـ نبي الرحمة رغم أنف الكافرين ـ صلي الله عليه وسلم :
سنن أبي داود( ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه من حقه أو كلفه فوق طاقته ، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس ، فأنا حجيجه يوم القيامة )
واذا نظرنا في سيرة الخلفاء الراشدين نجد ـ وعلي سبيل المثال أيضا ـ رجل مثل عمر بن الخطاب الذي اشتهر بالحسم والقوة في الحق ، نجده يوصي من يخلفه وهو علي فراش الموت بقوله :
( وأوصي الخليفة من بعدي بذمة الله وذمة رسوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ أن يوفي لهم عهدهم ، وأن يقاتل من ورائهم ، ولا يكلفهم الا طاقتهم )
فيا لجلال الله وعظمته ، ويالسماحة رسول الله ورحمته ، ولك الله ياعمر ياربيب مدرسة النبوة .
المتأمل لهذا النذر اليسير مما ذكرنا ، يبين الخط الالهي الذي رسمه الله لرسوله العظيم ـ صلي الله عليه وسلم ـ للدعوة ، ألا وهو الحكمة والموعظة الحسنة ، وألا يكره أحد علي الدخول في الاسلام ، وندرك بيسر كيف أن الحبيب محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ يحذربشدة كل المسلمين في كل مكان وزمان وحتي تقوم الساعة من ظلم أي شخص لا يدين بالدين الإسلامي بأي صورة من الصور، وان حدث هذا فالرسول العظيم سيقيم الحجة علي المسلم ويدينه يوم القيامة . وها هو الخليفة الراشد عمر بن الخطاب يوصي من يخلفه بأن يوفي لهم عهودهم وألا يكلفهم ما لايطيقون ، ويذكره بأن ذلك هو عهد رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ لهم .
هاهو الله ، وهاهو رسوله ، وهاهو خليفته بن الخطاب . مشكاة من الرحمة تمتد أصولها من السماء حتي غمرت الأرض بكل من فيها من انس وجن ومن طير وحيوان . وبعد ذلك يعقدون المؤتمرات لتنقيح القرآن لتطهيره من الإرهاب ، يحدث هذا في بلاد عربية إسلامية ويلقي لدي البعض قبولا . ان المرء لا يملك إلا أن يقول لهم خيب الله ظنكم ، ورد سهامكم الي نحوركم ، وأخزاكم كما أخزى الذين من قبلكم .
وحين بدا لهم أن هذه الخطوة ـ تنقيح القرآن ـ قد يطول أمدها لم يضيعوا الوقت وأظهروا ما اتفقوا علي تسميته ـ بالفرقان ـ، أعدوه للعالم الإسلامي ليكون بديلا لنا عن قرآن رب العزة !
شئ قميئ وان دل على شئ فإنما يدل علي حالة من الغباء تتسم بها العقلية الغربية في أغلبها فيما يختص بفهم الشخصية العربية عامة ،و الشخصية الاسلامية بصفة خاصة . فهل يمكن لأضعف المسلمين إيمانا أن يستبدل كلام الله ـ جل في علاه ـ بكلام بشخص تافه عدو له ولايحسن النطق بالعربية فما بالك بالكتابة بها ؟
كيف يمكن لأضعف المسلمين إيمانا أن يستبدل أمين الوحي جبريل ـ عليه السلام ـ بصحفي حقير نقل لنا هذه النفايات عبر وسائل إعلامه ؟
كيف يمكن لأضعف المسلمين إيمانا أن يستبدل خير البرية ورسول الهداية الإلهية ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ برجل مثل بوش يبدو للوهلة الأولي أنه لايصلح إلاا ليكون ألعوبة بيد آخر ؟
لاسيما إن أغراه هذا الأخربما يغذي عنده نزعة التسلط وامتلاك العالم وكسب المليارات من الدولارات ؟
كيف يمكن لأي انسان عاقل ـ ولا يشترط في هذه الحالة إسلامه ـ أن يعقد ولو مجرد بين ما ينادي به بوش وعصابته ، وبين ماجاء به الحبيب محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ؟
في واقع الأمر يجب علينا أن نشكر لهم غبائهم ، فهم من حيث أرادوا الإجهاز علي الإسلام أيقظوا في أهله ماكان قد تواري سنينا طويلة تحت ضغط ظروف داخلية وخارجية عديدة ، فأعداد الذين يدخلون الإسلام في ازدياد مستمر، والكتب والثقافة الإسلامية بدأت مرحلة من الانتشار لم يخطط لها أحد من المسلمين ، والدليل علي ذلك ماحدث في أمريكا بعد حادث الحادي عشر من سبتمبر مباشرة ، فقد دخل في الإسلام ما يزيد عن خمسة عشر ألفا في مدة تقل عن أسبوع !
نفس الشئ وإن اختلفت بعض تفاصيله حدث في بريطانيا مما أحدث عند البعض منهم هلعا شديدا لأن العديد من أبناء علية القوم تخلوا عن دين آبائهم ودخلوا في الإسلام عن رضا واقتناع .
وأهم من هذا كله أن صحوة في الأفق قد بدأت ، وبدأت معها الشعوب المكبوتة منذ عشرات السنين تتنفس الصعداء وتحاول التعبير عن نفسها ورفض ما تراه من تجاوزات للحكام ـ ويالغباء بوش وعصابته ـ فعل الرغم من ديمقراطيته المزعومة ، إلا أن الشعوب التى كانت تبحث عن متنفس ، وجدت فيها ضالتها ، وأصبح الوضع حرجا علي الحكام الذين شعروا لا محالة بأن البساط بدأ يسحب من تحت أقدامهم . فان حاولوا وأد تلك الروح الجديدة لدى شعوبها اصطدمت بتعاليم بوش وعصابته ، وهذا الأمر هو آخر ما يتمنوه ولا يستطيعونه ،وإن سمحوا للشعوب أن تعبر عن آرائها وأن تختار حقيقة من تريده ، سيفقدون كراسي الحكم في لمح البصر غير مأسوف عليهم .
بالطبع يعلم الجميع أن ديمقراطية بوش فضفاضة وحسب الطلب ، ٍوأنه لايريد أن يفقد عملاءه في أي مكان ، وأنه لاتهمه مصلحة أى شعب . يعلم الجميع ذلك بما فيهم الحكام بالطبع ، ولكن هذه القشرة المصطنعة من هذه الديمقراطية المزيفة لن تعيد الأوضاع إلي سابق عهدها ، ولن تجعل المارد الذي آن أوان خروجه من قمقمه أن يتراجع إلي محبسه ، والأيام كفيلة بإثبات صحة هذه النظرية أو خطأها .
ومازال حديثنا عن العلم كما أوصي به الإسلام موصولا ، فبالعلم نعرف أخطائنا ، ونعرف أعدائنا ، بالعلم نحدد الداء ونصف الدواء ، وبالعلم أيضا عرف بعض أعدائنا ومن يخططون لهم وينفذون في الداخل والخارج هذه الحقيقة عنا فراحوا يضعون الخطة بعد الأخري للقضاء علينا.
وكما أنه مفهوم أنه ليس هناك أبواب خلفية للتاريخ يمكنها أن تطمس الحقيقة أو تبدلها إلي الأبد ، لأن جدران التاريخ زجاجية مهما كابر المكابرون أو توهم المتوهمون ،مفهوم أيضا أن هناك سلة مهملات للتاريخ ،وأن كل محتوياتها من أمثال بوش وعصابته ، لكن الجرح الذي يخلفه بوش وأمثاله جرح سرطاني لاشفاء منه ولا تصالح معه ،جرح سيظل ينزف فينا حتي نأخذ بثأرنا ممن أهاننا وديننا ، وسيظل ينزف في أجساد من وافقوا بوش وعصابته علي ماقام به ومايقوم به حاليا وما يخطط له في المستقبل ، جرح سرطاني سينهش أجساد أمته وأمم من أيدوه وزينوا له أعماله . إنه الثأر التاريخي الذي لايمكن لأحد أن ينساه أو يتناساه ، فهم يبررون ما فعلوه في البوسنة والهرسك من هتك للأعراض وتطهير عرقي، شمل الذبح والتمثيل بأجساد الموتى وبقر بطون الأحياء ، يبررون ذلك بأنهم يأخذون بثأرهم من المسلمين حين نشروا الإ سلام فيها أيام الأتراك .
ويشهد التاريخ أنهم يزيفون الحقائق كدأبهم ، فدخول الإسلام الي أوربا كان فاتحة خبر عليها ، حيث تبدلت أحوالها، ونعمت بتسامح ديني شمل أتباع كل الأديان ، وتسربلت بثوب حضاري لم تكن تحلم به بعد أن كانت تغط في سبات الجهل والظلام .
من المنطقي أن تكون هناك بعض التجاوزات ـ فهي حرب شئنا أم أبينا ـ ولكن إلى أي مدي كانت هذة التجاوزات ؟ هذا هو السؤال الذي تجيب عليه صفحات التاريخ ، ولولا خوفي من الإطالة والوقوع في دائرة الملل لذكرت المزيد في هذا المجال .
وليتسع لي صدر قارئي العزيز قليلا ، فلا يمكنني ترك هذه النقطة دون أن أذكر نلك الرسالة، وهذه الشهادة ـ والحق كما يقولون ماشهد به العدوـ كما أنني لا يمكنني أن أحرم قارئي العزيز من معايشة لحظة من لحظات الماضي السعيد جاءت في خبر كانت أ مريكا طرفا فيه.
(وقع جورج واشنطون أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية معاهدة صلح مع بكلر حسن والي الجزائر في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، بمقتضاها تدفع إلى الجزائر على الفور 642 ألف دولار ذهبي، و1200 ليرة عثمانية، وذلك مقابل أن تطلق الجزائر سراح الأسرى الأمريكيين الموجودين لديها، وألا تتعرض لأي سفينة أمريكية تبحر في البحر المتوسط أو في المحيط الأطلسي).
كانت أسبانيا قبل وصول الإسلام إليها دولة متخلفة ، ثم عاشت أزهي عصورها وهي في ثوبها الإسلامي بعد أن ملأها المسلمون علما وأدخلوا عليها عدالة اجتماعية ونشاطا اقتصاديا ونهضة زراعية ، ونشروا التمدين في الثياب والمساكن وفي كل مظاهر الاحتفالات والاجتماعات، نهضة وثابة أذهلت الغرب الذي يتهمنا الآن بالتخلف ، نهضة سجلتها لنا صحف التاريخ والمؤرخون البعيدون عن التعصب .
ولنقرأ معا تلك الرسالة التي ترك لنا المقري صورة لها ، رسالة من ملك انجلترا جورج الثاني إلي الخليفة الإسلامي في قرطبة ، وسأترك لك أخي القارئ حرية الفهم والتعليق بما يليق حين تلح المقارنة بين ماكان وبين ما هو كائن الأن:
( من جورج الثاني ملك إنجلترا والغال والسويد والنرويج ، إلي الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس ، صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام ، ..بعد التعظيم والتوقير فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة ، فأردنا لأبنائنا اقتباس هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة ، وقد وضعنا أبنة شقيقنا الأميرة " دوبانت " علي رأس هذه البعثة ...ولقد زودت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص )
كانت الهدية شمعدانين من الذهب الخالص طول الواحدة ثلآثة أذرع ، وأربعة وعشرون قطعة ذهبية رصعت بالنقوش البديعة .وجاء في رد الخليفة علي طلب ملك انجلترا
(إلي ملك انجلترا وايقوسيا وإسكندناويا الأجل، لقد اطلعت علي التماسكم فوافقت ـ بعد استشارة أولي الأمرـ علي طلبكم ...)
هكذا أخوة الإسلام ، ملك انجلترا ـ أحد أجداد توني بليروأمثاله ـ يستجدي الزيارة ، ويلتمس العون والعلم من المسلمين ليخلص أمته من الجهل الذي يحيط بها من كل جانب. يقول جوستاف لوبون معلقا علي وضع أسبانيا قبل وصول المسلمين المسلمين إليها:
( إن رخاء أسبانيا القليل قبل أن يدخلها العرب ، وثقافتها الضحلة في العهد القوطي لم تكن تناسب غير الأجلاف )
ويقول جيبون ، معلقا علي معركة بلاط الشهداء والتي خسرها العرب :
(لو نجح العرب في معركة بلاط الشهداء ودخلوا فرنسا لتقدم وجود الجامعات الأوربية قرنين من الزمان ).
ولنعلم أخوة الإسلام أننا مسؤلون عن أموالنا من أين اكتسبناها وفيما أنفقناها؟


يقول الله تعالي في محكم آياته:
( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ )
{ ( يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ):
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}
ويقول الحبيب المصطفي ـ صلوات الله عليه وتسليمه :
ص.بخاري( لا حسد إلا فى اثنتين رجل أتاه اللـه القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار ، ورجل أعطاه اللـه مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار )
الترمذي(ثلاثة أقسم باللـه عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه : ما نقص مال عبد من صدقة ، وما ظُلِمَ عبد مظلمةً فصبر عليها إلا زاده اللـه عز وجل بها عزاً ولا فتح عبد باب مسألةٍ إلا فتح اللـه عليه باب فقر وأحدثكم حديثا فاحفظوه إنما هذه الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه اللـه مالاً وعلماً فهو يتقى فى ماله ربه ويصل به رحمه ، ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل ، وعبد رزقه اللـه علماً ولم يرزقه مالاً ، فهو صادق النية لله يقول لو أن لى مالاً لعملت فيه بعمل فلان ، فهو بنيته فأجرهما سواء ، وعبد رزقه اللـه مالا ولم يرزقه علماً فهو يخبط فى ماله بغير علم ، لا يتقى فيه ربه ولا يصل به رحمه ، ولا يعلم لله فيه حقاً فهذا بأخبث المنازل ، وعبد لم يرزقه اللـه مالاً ولا علماً فهو يقول لو أن لى مالاً لعملت بعمل فلان ، فهو بنيته ووزرهما سواء).
ص.البخاري(أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله )
قالوا : يا رسول اللـه ما منا أحد إلا وماله أحب إليه من ماله وارثه .
قال : ( فإن ماله ما قدم ومال ورثته ما أخر )
وفي حديث آخر يقول الحبيب المصطفي ـ صلوات الله عليه وتسليمه :
ص.مسلم( يقول العبد : مالى مالى ، وإنما له من ماله ثلاث : ما أكل فأفنى ، أو لبس فأبلى ، أو اعطى فأقنى ، وما سوى ذلك ، فهو ذاهب وتاركه للناس )
عن عائشة أنهم ذبحوا شاة فقال النبي صلى اللهم عليه وسلم:
الترمذي( ما بقي منها؟
قالت ما بقي منها إلا كتفها.
قال بقي كلها غير كتفها)
ص. مسلم( الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يَمُدُّ يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام - وفى رواية (وملبسه حرام ) - وغُذِى بالحرام فَأَنَّى يُستَجَاب لذلك )
هذه هي رؤية الدين الحنيف للمال ، مجرد وسيلة للوصول بنا إلي بر الأمان ورضا الله في الدنيا والآخرة ، ولنسأل أنفسنا هل يمكن للمرء أن يصل إلي أمان حقيقي تطمئن معه النفس في يومها وغدها مع اكتساب مال من حرام ؟ هل يمكن لعقل أن يهدأ وأن يستقر بعيدا عن أي منغصات والله تعالي غير راض عنه ؟
قبل أن تجيب علي هذه الأسئلة ، حاول أن تجيب علي سؤال آخر وهو لماذا تزداد أعداد المنتحرين في البلاد الأوربية الغنية ؟ ولماذا تكتظ العيادات النفسية في بلادناٍ بالعديد من الأثرياء ، وتمتلأ صفحات جرائدنا بأخبار حوادثهم هم وأبنائهم ؟
إنه الخواء الديني والبعدعن الله ، فلم تفلح ملايينهم في أن تمنحهم سكينة النفس وحكمة إتخاذ القرار . هذا بالطبع لا يعني أن حال كل الأثرياء علي هذا المنوال ، فأهل الخير كثيرون لكن حديثناٍ هنا الذين جمعوا المال من حلال ومن حرام فأعماهم وقذف بهم في أحضان الشيطان فأوردهم موارد التهلكة فخسروا دنياهم وآخرتهم .
أما حال المؤمن فعلي العكس من ذلك تماما ، فهو في حالة تصالح مع النفس ، ورضا مع الله ، سواء رزقه الله الكثير من المال أو قدره عليه ، وليس ذلك دأبه مع المال فقط ، بل في كل أمور حياته ، وإن شئت فاسمع معي قول رسولنا العظيم ـ صلي الله عليه وسلم ـ :
ص.مسلم(عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)
فلنحرص علي أن يكون جل مالنا من حلال ، ولنحرص ـ وبنفس الدرجة ـ علي أن ننفقه فيما يرضي الله ، في تربية أولادنا التربية الاسلامية الصحيحة ، ننفق عليهم ليحفظوا كتاب الله ، وليتعلموا أمور دينهم ودنياهم ٍ، لانبخل عليهم فخير درهم ننفقه درهم ننفقه علي عيالنا ،ويجب علينا ألا ننسى اليتامي والأرامل ، ولاننس إعمار بيوت الله والمستشفيات ودور تحفيظ القرآن ، ولاالإنفاق على الجيران و ذوي القربى ، نتصدق بما نستطيع ،ٍفالقليل عند الله كثير .
و لنحذرالشيطان وحبائله ، و إيانا ومصاحبة أصدقاء السوء ، فهم سبيل الشيطان إلي الخمر والزنا والمخدرات وكل ما يغضب الرب .
ولنحرص علي مصاحبة أهل العلم والدين فهم سبيلنا إلي الله ورضوانه . ولنتعفف عن حضور الأفلام والجلوس في مقدمة الصفوف في مسرحيات اللهو والعبث ، ، وليكن جلوسنا في مقدمة الصفوف في صلاة الجماعة وحلق الذكر. وحذاري من الجري خلف الموضة في المأكل والمشرب والملبس ، و إنفاق المال علي التدخين، و في إقامة حفلات التعارف وعقد الصفقات المشبوهة.
ولنحاول أن نجد الإجابة عن بعض الأسئلة المنطقية بخصوص هؤلاء الذين يبنون القصور والاستراحات في كل مكان ، هل إذا جاء الليل ونام أحدهم ، كم من الأمتار مساحة سيشغلها بجسده مهما كان ضخما ؟ وإذا أكل أحدهم ، كم بطن سيملأها حتي يشبع ؟
ولنعلم جميعا أننامسئولون عن أجسامنا فيماأبليناها .
قال تعالى :
(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)
(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )
(وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ(19)حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(20)وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
( وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ(97)وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ(98)حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ(99)لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )
يقول الحبيب محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ :
ص.مسلم(اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير واجعل الموت راحة لي من كل شر)
وقول المعصوم أيضا ـ صلوات ااه وسلامه عليه ـ:
( من كانت الآخرة همه جعل اللـه غناه فى قلبه وجمع عليه شمله وأتته الدنيا وهى راغبة ، ومن كانت الدنيا همه جعل اللـه فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر اللـه له )
هكذا تبدو القضية واضحة الملامح في عين وقلب المؤمن ، فكل نعمة أنعمها الله علي عبده لها ثمنها، ولها أجرهاٍ ، فجسده الذي يمشي به علي الأرض ليس من صنعه ، فقط هو أمين عليه ومسئول عنه ، وأيضا شاهدا عليه . فيوم القيامة ستشهد عليه أعضاؤه بنص الأية الشريفة التي تقول :
( ٍيوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون )
فلنحذر البطش باليد علي الآخرين دون وجه حق لاسيما علي من هو أضعف منا ، ولنحذرالسيرعلي أقدامنا فيما يغضب الله ، ولاننظر إلي ماحرم الله علينا ، ولا نتسمع إلي أخبار الأخرين بحثا عن زلاتهم وكشف أسرارهم وعوراتهم ، ولا نشغل قلوبنا بكل ما هو تافه من أمور الدنيا .
فلنسخر أجسادنا في طاعة الله ، في السير إلي المساجد وليس إلي دور السينما والمسارح وملاعب الكرة ، ولتكن أبصارنا طريقنا إلي الجنة حين نغض البصر عن كل ماحرمه الله علينا ، ولنتصفح كتاب الليل في كل أوان ، ولنحرص علي قيام الليل ، وصوم التطوع لله رب العالمين ، نسير في الجنازات ، وفي محاولات الصلح بين المتخاصمين ، ولا ننس زيارة الأهل واٍلأقارب وأصحاب الفضل علينا من أهل العلم.
قال ابن عباس :
( إن للطاعة نوراً فى الوجه ونوراً فى القلب وسعة فى الرزق وقوة فى البدن ومحبة فى قلوب الخلق ، وإن للمعصية سواد فى الوجه وظلمة فى القلب وضيق فى الرزق وضعف فى البدن وبغضاً فى القلوب ).
ذهب رجل إلى إبراهيم بن أدهم طيب اللـه ثراه فقال له:
يا إبراهيم ساعدنى فى البعد عن معصية اللـه ،كيف أترك معصية اللـه جل وعلا ؟‍
فقال له إبراهيم :
تذكر خمسا فإن عملت بها لن تقع فى معصية اللـه وإن زلت قدمك سرعان ما ستتوب إلى اللـه جل وعلا .
قال : هاتيها يا إبراهيم.
قال إبراهيم : أما الأولى إن أردت أن تعصى اللـه جل وعلا فلا تأكل من رزق اللـه .
قال : كيف ذلك والأرزاق كلها بيد اللـه؟
قال : فهل يجدر بك أن تعصى اللـه وأنت تأكل من رزقه .
قال يرحمك اللـه يا إبراهيم : هات الثانية .
قال إبراهيم : أما الثانية إن أردت أن تعصى اللـه جل وعلا فابحث عن مكان ليس فى ملك اللـه واعصى اللـه عليه .
قال : كيف ذلك والملك ملكه والأرض ملكه والسماء ملكه ؟!
قال : ألا تستحى أن تعصى الملك فى ملكه .
قال : يرحمك اللـه هات الثالثة .
قال : أما الثالثة إن أردت أن تعصى اللـه جل وعلا فابحث عن مكان لا يراك اللـه فيه .
قال : وكيف ذلك واللـه يسمع ويرى ؟!
قال ألا تستحى أن تعصى اللـه وأنت على يقين أن يراك اللـه .
قال : يرحمك اللـه هات الرابعة .
قال : إذا جاءك ملك الموت فقل له أجلنى ساعة حتى أتوب إلى اللـه وأدخل فى طاعته .
قال : كيف ذلك يا إبراهيم ؟! واللـه جل وعلا يقـــول :
{ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ }
قال : فهل يجدر بك وأنت تعلم ذلك أن تسوف التوبة وعمل الطاعات
قال : يرحمك اللـه هات الخامسة .
قال : أما الخامسة إذا جاءتك زبانية جهنم لتأخذك إلى جهنم فإياك أن تذهب معهم ، فبكى الرجل وعاهد اللـه عز وجل على الطاعة .
فلنتذكرهذه الخمس جيدا قبل أن نعصى اللـه ، ولنعلم يقينا أننا بشر فإن زلت أقدامنافى معصية اللـه فلنجدد الأوبة والتوبة إلى اللـه الذي يحب التوابين والمتطهرين فما من ليلة إلا والملك ينزل إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بكماله وجلاله كما فى الصحيحين من حديث أبى هريرة وينادى الحق سبحانه وتعالى ويقول :
( أنا الملك ، أنا الملك ، من ذا الذى يدعونى فأستجيب له ، من ذا الذى يسألنى فأعطيه ، من ذا الذى يستغفرنى فاغفر له ، فلا يزال كذلك حتى يضئ الفجر ) ()
.وهكذا أخوة الإسلام إن أعددنا الإجابة السديدة علي هذه الأسئلة الأربعة ، عن أعمارنا فيما أفنيناها ؟ وعن علمنا ماذا عملنا به ؟ وعن مالنا من أين اكتسبناه وفيما أنفقناه ؟ وعن أجسادنا فيما أبليناها ؟ سلمنا في الدنيا، وأمنا في الآخرة .

11ـ الهجرة

عن أبي بردة عن أبي موسى رضي اللهم عنهم قال بلغنا مخرج النبي صلى اللهم عليه وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم إما قال بضع وإما قال في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا النبي صلى اللهم عليه وسلم حين افتتح خيبر وكان أناس من الناس يقولون لنا يعني لأهل السفينة سبقناكم بالهجرة ودخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي صلى اللهم عليه وسلم زائرة وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها فقال عمر حين رأى أسماء من هذه قالت أسماء بنت عميس قال عمر الحبشية هذه البحرية هذه قالت أسماء نعم قال سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى اللهم عليه وسلم منكم فغضبت وقالت كلا والله كنتم مع رسول الله صلى اللهم عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة وذلك في الله وفي رسوله صلى اللهم عليه وسلم وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى اللهم عليه وسلم ونحن كنا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك للنبي صلى اللهم عليه وسلم وأسأله والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه فلما جاء النبي صلى اللهم عليه وسلم قالت يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا قال فما قلت له قالت قلت له كذا وكذا قال :
ص.بخاري(ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان)
تلك الهجرة كانت في بداية الإسلام وصار أصحابهابفضلها الأولى برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمن لنا نحن ، ومن سيأتون من بعدنا ؟ .يقول الحبيب محمد ـ صلى الله عليه وسلم :
ص.بخاري(لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا )
فاللهم يسر لنا هجرة ترضاها وتجعلنا بها في صحبة الحبيب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وممن يردون حوضه وممن يسقيهم بيده الشريفة شربة ماء هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبدا .

12 ــ الخشية من الله

وَسَمِعْه عليه الصلاة والسلام يقول أيضا:
ص.بحاري(ُ إِنَّ رَجُلًا حَضَرَهُ الْمَوْتُ فَلَمَّا يَئِسَ مِنَ الْحَيَاةِ أَوْصَى أَهْلَهُ إِذَا أَنَا مُتُّ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا كَثِيرًا وَأَوْقِدُوا فِيهِ نَارًا حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ لَحْمِي وَخَلَصَتْ إِلَى عَظْمِي فَامْتُحِشَتْ فَخُذُوهَا فَاطْحَنُوهَا ثُمَّ انْظُرُوا يَوْمًا رَاحًا فَاذْرُوهُ فِي الْيَمِّ فَفَعَلُوا فَجَمَعَهُ اللَّهُ فَقَالَ لَهُ لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ قَالَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو وَأَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَاكَ وَكَانَ نَبَّاشًا)
حدثني يحيى بن موسى حدثنا وكيع حدثنا إسماعيل عن قيس قال سمعت خبابا وقد اكتوى يومئذ سبعا في بطنه وقال:
( لولا أن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت بالموت إن أصحاب محمد صلى اللهم عليه وسلم مضوا ولم تنقصهم الدنيا بشيء وإنا أصبنا من الدنيا ما لا نجد له موضعا إلا التراب)
قال النبي صلى اللهم عليه وسلم:
( هذا المال خضرة حلوة )
وقال الله تعالى:
( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا )
قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ تعليقا على ذلك :
( اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه)
عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى اللهم عليه وسلم:
الترمذي( يقول عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله )

13 ــ الزهد

عن عمربن الخطاب رضي الله عنه ، حين ذهب ليستوضح موقف النبي الكريم من أزواجه حين سرت أقاويل تفيد أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد طلقهن ، راع الفاروق حالة التقشف التي يحياها الحبيب محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فقال ضمن ما قاله في هذا الحديث :
(ثم رفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاثة فقلت ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله وكان متكئا فقال:
ص.بخاري(أوفي شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا)
فقلت يا رسول الله استغفر لي.
وفي رواية أخرى يقول الفاروق :
(وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف وإن عند رجليه قرظا مصبوبا وعند رأسه أهب معلقة فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت فقال:
( ما يبكيك فقلت يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله فقال أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة )
عن أبي سعيد الخدري رضي اللهم عنه أن النبي صلى اللهم عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله فقال:
ص.بخاري( إني مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها )
حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال حدثني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة أنه أخبره أن عمرو بن عوف الأنصاري وهو حليف لبني عامر بن لؤي وكان شهد بدرا أخبره أن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قد صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافت صلاة الصبح مع النبي صلى اللهم عليه وسلم فلما صلى بهم الفجر انصرف فتعرضوا له فتبسم رسول الله صلى اللهم عليه وسلم حين رآهم وقال:
ص.مسلم( أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء قالوا أجل يا رسول الله قال فأبشروا وأملوا ما يسركم فوالله لا الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم)

ولقد أنجبت مدرسة النبوة أساتذة في الزهد ، نذكر منها على سبيل المثال :
1 ـ حدثنا أحمد بن محمد المكي حدثنا إبراهيم بن سعد عن سعد عن أبيه قال أتي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم بطعامه يوما فقال
( قتل مصعب بن عمير وكان خيرا مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة وقتل حمزة أو رجل آخر خير مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة لقد خشيت أن يكون قد عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا ثم جعل يبكي )
2 ـ عن الأحنف بن قيس أنه قال:
( جلست إلى ملإ من قريش فجاء رجل خشن الشعر والثياب والهيئة حتى قام عليهم فسلم ثم قال بشر الكانزين برضف يحمى عليه في نار جهنم ثم يوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتزلزل ثم ولى فجلس إلى سارية وتبعته وجلست إليه وأنا لا أدري من هو فقلت له لا أرى القوم إلا قد كرهوا الذي قلت قال إنهم لا يعقلون شيئا قال لي خليلي قال قلت من خليلك قال النبي صلى اللهم عليه وسلم يا أبا ذر أتبصر أحدا قال فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار وأنا أرى أن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم يرسلني في حاجة له قلت نعم قال ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير وإن هؤلاء لا يعقلون إنما يجمعون الدنيا لا والله لا أسألهم دنيا ولا أستفتيهم عن دين حتى ألقى الله)
3 ـ و حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ حَكِيمَ ابْنَ حِزَامٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى قَالَ حَكِيمٌ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم يَدْعُو حَكِيمًا إِلَى الْعَطَاءِ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهم دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ .
4 ـ حدثنا محمد بن بشار حدثنا جعفر بن عون حدثنا أبو العميس عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال آخى النبي صلى اللهم عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها ما شأنك قالت أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال كل قال فإني صائم قال ما أنا بآكل حتى تأكل قال فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال نم فنام ثم ذهب يقوم فقال نم فلما كان من آخر الليل قال سلمان قم الآن فصليا فقال له سلمان إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتى النبي صلى اللهم عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى اللهم عليه وسلم صدق سلمان .

5 ـ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل قال قال عبدالله رضي اللهم عنهم لقد أتاني اليوم رجل فسألني عن أمر ما دريت ما أرد عليه فقال أرأيت رجلا مؤديا نشيطا يخرج مع أمرائنا في المغازي فيعزم علينا في أشياء لا نحصيها فقلت له والله ما أدري ما أقول لك إلا أنا كنا مع النبي صلى اللهم عليه وسلم فعسى أن لا يعزم علينا في أمر إلا مرة حتى نفعله وإن أحدكم لن يزال بخير ما اتقى الله وإذا شك في نفسه شيء سأل رجلا فشفاه منه وأوشك أن لا تجدوه والذي لا إله إلا هو ما أذكر ما غبر من الدنيا إلا كالثغب شرب صفوه وبقي كدره .
6 ـ حدثني إسحاق بن إبراهيم أخبرنا روح بن عبادة حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي اللهم عنهم أنه مر بقوم بين أيديهم شاة مصلية فدعوه فأبى أن يأكل وقال خرج رسول الله صلى اللهم عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير .
7 ـ عن عبدالله بن عمر رضي اللهم عنهمما قال أخذ رسول الله صلى اللهم عليه وسلم بمنكبي فقال :
ص.بخاري(كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وكان ابن عمر يقول إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك )

حدثني يحيى بن موسى حدثنا وكيع حدثنا إسماعيل عن قيس قال سمعت خبابا وقد اكتوى يومئذ سبعا في بطنه وقال:
( لولا أن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت بالموت إن أصحاب محمد صلى اللهم عليه وسلم مضوا ولم تنقصهم الدنيا بشيء وإنا أصبنا من الدنيا ما لا نجد له موضعا إلا التراب)
قال النبي صلى اللهم عليه وسلم:
( هذا المال خضرة حلوة )
وقال الله تعالى:
( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا )
قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ تعليقا على ذلك :
( اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه)
14ــ صلة الرحم

عن أبي هريرة عن النبي صلى اللهم عليه وسلم قال:
الترمذي( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر )
منسأة في الأثر يعني به الزيادة في العمر .
عن عائشة أم المؤمنين قالت قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم:
إبن ماجه( أسرع الخير ثوابا البر وصلة الرحم وأسرع الشر عقوبة البغي وقطيعة الرحم)
عن عائشة أن النبي صلى اللهم عليه وسلم قال لها:
مسند الإمام أحمد(إنه من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة وصلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
ص.بخاري(خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَهُ مَهْ قَالَتْ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ قَالَ أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَذَاكِ )
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ:
( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ )

15ــ الدعاء

ما من باب فيه خير العباد إلا كان الحبيب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أول من يشير إليه ليرشدنا إلى ما فيه مصلحتنا في الدنيا والآخرة .
قال ـ صلى الله عليه وسلم ليلفت أنظارنا إلى قيمة الدعاء :
عن أنس بن مالك عن النبي صلى اللهم عليه وسلم:
(قال الدعاء مخ العبادة )
وفي حديث آخر قال صلى اللهم عليه وسلم:
عن النعمان ابن بشير قال قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم
( إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)
وماكان للدعاء كل هذه القيمة إلا لأنه يحمل اعتراف العبد بضعفه ، واحتياجه إلى خالقه ليلبي له مالايقدر عليه سواه ، وفي هذا أيضا اعتراف بالربوبية لله ، وبأنه القوي العزيز القادر والقاهر , وبأنه المانح والمعطي والغني المغني.
وتفاعلا مع هذا السياق كان الحبيب محمد صلى اللهم عليه وسلم يدعو دائما ويقول:
ص.بخاري(اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )
والحسنة هنا من قبل الكريم الجواد الذي يملك خزائن السموات والأرض ، وحسنة من قبل الله في الدنيا قيل هي الإيمان ، وقيل هي كل رزق الإنسان من مال وصحة وزوجة وأولادوعمل مع الإيمان بالطبع .
أما حسنة الآخرة فهى الفوز بالجنة والنجاة من النار.
عن أنس بن مالك رضي اللهم عنهم أن نبي الله صلى اللهم عليه وسلم يقول:
ص.بخاري(اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات )

عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم
ص.بخاري( إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم قال فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا قال فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم ما يقول عبادي قالوا يقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك قال فيقول هل رأوني قال فيقولون لا والله ما رأوك قال فيقول وكيف لو رأوني قال يقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا وتحميدا وأكثر لك تسبيحا قال يقول فما يسألوني قال يسألونك الجنة قال يقول وهل رأوها قال يقولون لا والله يا رب ما رأوها قال يقول فكيف لو أنهم رأوها قال يقولون لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا وأعظم فيها رغبة قال فمم يتعوذون قال يقولون من النار قال يقول وهل رأوها قال يقولون لا والله يا رب ما رأوها قال يقول فكيف لو رأوها قال يقولون لو رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة قال فيقول فأشهدكم أني قد غفرت لهم قال يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة قال هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم )

16ــ ذكر الموت


يروى أنه كان ملك كثير المال قد جمع مالاً عظيماً واحتشد من كل نوع خلقه الله تعالى من متاع الدنيا ليرفه نفسه ويتفرغ لأكل ما جمعه، فجمع نعماً طائلة وبنى قصراً عالياً مرتفعاً سامياً يصلح للملوك والأمراء والأكابر والعظماء وركَّب عليه بابين محكمين وأقام عليه الغلمان والأجلاد والحرسة والأجناد والبوابين كما أراد وأمر بعض الأنام أن يصطنع له من أطيب الطعام وجمع أهله وحشمه وأصحابه وخدمه ليأكلوا عنده وينالوا رفده، وجلس على سرير مملكته واتكأ على وسادته وقال يا نفس قد جمعت أنعم الدنيا بأسرها فالآن أفرغي لذلك وكلي هذه النعم مهنأة بالعمر الطويل، والحظ الجزيل، فلم يفرغ مما حدث نفسه حتى أتى رجل من ظاهر القصر عليه ثياب خلقة ومخلاته في عنقه معلقة على هيئة سائل يسأل الطعام فجاء وطرق حلقة الباب طرقة عظيمة هائلة بحيث تزلزل القصر وتزعزع السرير وخاف الغلمان ووثبوا إلى الباب وصاحوا بالطارق وقالوا يا ضيف ما هذا الحرص وسوء الأدب اصب إلى أن نأكل ونعطيك مما يفضل، فقال لهم قولوا لصاحبكم أن يخرج إليّ فلي إليه شغل مهم وأمر ملم فقالوا له تنح أيها الضيف من أنت حتى نأمر صاحبنا بالخروج إليك، فقال: أنتم عرِّفوه ما ذكرت لكم فلما عرَّفوه قال هلا نهرتموه وجرتم عليه وزجرتموه ثم طرق حلقة الباب أعظم من طرقته الأولى فنهضوا من أماكنهم بالعصي والسلاح وقصدوه ليحاربوه فصاح بهم صيحة وقال: ألزموا أماكنكم فأنا ملك الموت وطاشت حلومهم وارتعدت فرائضهم وبطلت عن الحركة جوارحهم فقال الملك قولوا له ليأخذ بدلاً مني وعوضاً عني فقال ما آخذ إلا روحك ولا أتيت إلا لأجلك لأفرق بينك وبين النعم التي جمعتها والأموال التي حويتها .
فلنستعد أخوة الإسلام للموت القادم لامحالة ، حتي لا نعض أصابع الندم بعد ذلك حين ينطبق عليك قوله تعالي :
)حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوُتُ قَالَ رَبِّ ارجِعُونِ. لَعَلّى أَعمَلُ صَلِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. فَإِذَا نُفِخَ فيِ الصَّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ).
وتذكروا معي أخوة الإسلام الحديث الشريف الذي يقول :
عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى اللهم عليه وسلم أنه خط خطا مربعا وخطا وسط الخط المربع وخطوطا إلى جانب الخط الذي وسط الخط المربع وخطا خارجا من الخط المربع فقال:
إبن ماجه(أتدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا الإنسان الخط الأوسط وهذه الخطوط إلى جنبه الأعراض تنهشه أو تنهسه من كل مكان فإن أخطأه هذا أصابه هذا والخط المربع الأجل المحيط والخط الخارج الأمل )


وقد أوصى الله تعالى عيسى بن مريم عليهما السلام:
( يا ابن مريم عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني)
قال الله تعالى:
)قُلْ إِنَّ المَوْتَ الذَّي تَفِرُّونَ مِنْهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادةِ فَيُنَبِئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلُونَ(.
وقال الله تعالى أيضا
)أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْناهُمْ سِنِينَ. ثُمَّ جَاءهُم مَّا كانُواْ يُوعَدُونَ. ما أَغْنَى عَنْهُم مَّا كانُوْا يُمَتَّعُوَن(.
قال يزيد الرقاشي كان في بني إسرائيل جبار من الجبابرة وكان في بعض الأيام جالساً على سرير مملكته فرأى رجلا قد دخل من باب الدار ذا صورة منكرة وهيئة هائلة فاشتد خوفه من هجومه وهيئته وقدومه فوثب في وجهه وقال له: "من أنت أيها الرجل ومن أذن لك في الدخول إلى داري فقال أذن لي صاحب الدار وأنا الذي لا يحجبني حاجب ولا أحتاج في دخولي على الملوك إلى إذن ولا أرهب سياسة السلطان ولا يفزعني جبار ولا أحد من قبضتي فرار فلما سمع هذا الكلام خر على وجهه ووقعت الرعدة في جسده وقال: أنت ملك الموت قال: نعم قال أقسم عليك باللّه إلا أمهلتني يوماً واحداً لأتوب من ذنبي وأطلب العذر من ربي وأرد الأموال التي أودعتها خزائني إلى أربابها ولا أتحمل مشقة عذابها، فقال كيف أمهلك وأيام عمرك وأيام عمرك محسوبة وأوقاتها مثبتة مكتوبة فقال أمهلني ساعة، فقال إن الساعات في الحساب وقد عبرت وأنت غافل وانقضت وأنت ذاهل وقد استوفيت أنفاسك ولم يبق لك نفس واحد، فقال من يكون عندي إذا نقلتني إلى لحدي فقال لا يكون عندك سوى عملك فقال ما لي عمل? فقال لا جرم يكون مقيلك في النار ومصيرك إلى غضب الجبار" وقبض روحه .
فلنحذر أخوة الإيمان والإسلام من قسوة القلب ، حتى لا نكون ممن قال الله فيهم :
)أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوَاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ اْلحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَالَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (
وعن أبي بن كعب رضي اللّه عنه قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلث الليل قام فقال:
الترمذي( يا أيها الناس اذكروا اللّه اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه)
وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : كان يهريق الماء فيتيمم بالتراب فأقول يا رسول اللّه إن الماء منك قريب فيقول :
(ما يدريني لعلي لا أبلغه)
وعن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم:
الترمذي(يهرم ابن آدم ويشب فيه اثنتان الحرص على المال والحرص على العمر)
وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم :
الترمذي(مثل ابن آدم إلى جنبه تسع وتسعون منية إن أخطأته المنايا وقع في الهرم)
فعلينا ألا ننسىسكرات الموت، والتي لم ينج منها خير البرية سيدنا رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ يقول اللّه تعالى:
)كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ(.
وقال تعالى:
)وََجاءت سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ(.
روي البخاري في صحيحه أن عائشة رضي اللّه عنها قالت:
"إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان بين يديه علبة فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول:
(لا إله إلا اللّه إن للموت لسكرات ثم نصب يديه فجعل يقول إلى الرفيق الأعلى حتىقبض)
لما ثقل عليه صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب فجعلت فاطمة رضي اللّه عنها تقول واكرب أبتاه. فقال صلى الله عليه وسلم :
سنن إبن ماجة(لا كرب على أبيك بعد اليوم )
قال بكر بن أبي شيبة عن جابر رضي اللّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج فإنهم كانت فيهم أعاجيب )
ثم أنشأ يحدث قال :
(خرجت طائفة فأتوا مقبرة من مقابرهم فقالوا لو صلينا ركعتين ودعونا اللّه يخرج لنا بعض الأموات يخبرنا عن الموت، قال: ففعلوا فبينما هم كذلك إذ أطلع رجل رأسه من قبر تلاشى بين عينيه أثر السجود فقال: يا هؤلاء ما أردتم إلي فواللّه لقد مت منذ مائة سنة فما سكنت عني حرارة الموت حتى الآن فادعوا اللّه أن يعيدني كما كنتُ)

وكان عمرو بن العاص رضي اللّه عنه يقول :
( لوددت لو أني رأيت رجلاً لبيباً حازماً قد نزل به الموت فيخبرني عن الموت فلما أنزل به الموت قيل له يا أبا عبد اللّه كنت تقول أيام حياتك لوددت أني رأيت رجلاً لبيباً حازماً قد نزل به الموت يخبرني عن الموت وأنت ذلك الرجل اللبيب الحازم وقد نزل بك الموت فأخبرنا عنه. فقال: أجد كأن السماوات انطبقن على الأرض وأنا بينهما وكأن نفسي تخرج على ثقب إبرة )

قال بن عباس رضي الله عنه، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم :
( الأمراض والأوجاع كلها بريد الموت ورسل الموت فإذا حان الأجل أتى ملك الموت بنفسه وقال أيها العبد كم خبر بعد وكم رسول بعد رسول وكم بريد بعد بريد أنا الخبر ليس بعدي خبر وأنا الرسول ليس بعدي رسول أجب ربك طائعاً أو مكرهاً فإذا قبض روحه وتصارخوا عليه قال على من تصرخون وعلى من تبكون? فواللّه ما ظلمت له أجلاً ولا أكلت له رزقاً بل دعاه ربه فليبك الباكي على نفسه فإن لي فيكم عودات وعودات حتى لا أبقي منكم أحداً)
ولذا فعلينا أن نتجنب طول الأمل ، فإنه إذا طال هاج أربعة أشياءكما
قال الإمام الغزالي رحمة اللّه عليه :

الأول

ترك الطاعة والكسل فيها يقول سوف أفعل والأيام بين يدي.
والثاني

ترك التوبة وتسويفها يقول سوف أتوب وفي الأيام سعة وأنا شاب وسني قليل والتوبة بين يدي وأنا قادر عليها متى رمتها وربما اغتاله الحمام على الإصرار واختطف الأجل صلاح العمل.

والثالث

الحرص على جمع الأموال والاشتغال بالدنيا عن الآخرة يقول أخاف الفقر في الكبر وربما أضعف عن الاكتساب ولا بد لي من شيء فاضل أدخره لمرض أو هرم أو فقر.
والرابع

القسوة في القلب والنسيان للآخرة لأنك إذا أملت العيش الطويل لا تذكر الموت والقبر.
وعن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه قال :
(أخوف ما أخاف عليكم اثنان:طول الأمل واتباع الهوى ألا إن طول الأمل ينسي الآخرة واتباع الهوى يصدك عن الحق فإذن يصير فكرك في حديث الدنيا وأسباب العيش في صحبة الخلق نحوها فيقسو القلب فبسبب طول الأمل تقل الطاعة وتتأخر التوبة وتكثر المعصية ويشتد الحرص ويقسو القلب وتعظم الغفلة فتذهب والعياذ باللّه إن لم يرحم اللّه فأي حال أسوأ من هذه وأي آفة أعظم من هذه، وإنما رقة القلب وصفوته بذكر الموت ومفاجأته والقبر والثواب والعقاب وأحوال الآخرة ).
ويروى إن ذا القرنين اجتاز بقوم لا يملكون شيئاً من أسباب الدنيا وقد حفروا قبور موتاهم على باب دورهم وهم في كل وقت يتعهدون تلك القبور وينظفونها ويزورونها ويتعبدون اللّه تعالى بينها وما لهم طعام إلا الحشيش ونبات الأرض، فبعث إليهم ذو القرنين رجلاً يستدعي ملكهم فلم يجبه، وقال:
ما لي إليه حاجة.
فجاء ذو القرنين إليه وقال :
كيف حالكم فأني لا أرى شيئاً من ذهب ولا فضة ولا أرى عندكم شيئاً من نعم الدنيا.
فقال:
نعم لأن الدنيا لا يشبع منها أحد قط.
فقال لم حفرتم القبور على أبوابكم؟
فقال :
لتكون نصب أعيننا فالنظر إليها يتجدد ذكر الموت ويبرد حب الدنيا في قلوبنا فلا نشتغل بها عن عبادة ربنا.
فقال :
كيف تأكلون الحشيش؟
فقال لأنا نكره أن نجعل بطوننا مقابر للحيوان ولأن لذة الطعام لا تتجاوز الحلق.
ثم مد يده فأخرج منها قحف رأس آدمي فوضعه بين يديه وقال:
يا ذا القرنين تعلم من كان هذا؟
فقال: لا.
قال: كان صاحب هذا القحف ملكاً من ملوك الدنيا وكان يظلم رعيته ويجور على الضعفاء ويستفرغ زمانه في جمع الدنيا فقبض اللّه روحه وجعل النار مقره وهذا رأسه.
ثم مد يده ووضع قحفاً آخر بين يديه وقال:
له أتعرف هذا؟
فقال لا.
فقال :
كان هذا ملكاً عادلاً مشفقاً على رعيته محباً لأهل مملكته فقبض اللّه روحه وأسكنه جنته ورفع درجته.
ثم وضع يده على رأس ذي القرنين وقال :
ترى أي هذين الرأسين يكون هذا الرأس ؟
فبكى ذو القرنين بكاء شديداً وضمه إلى صدره وقال:
له إن رغبت في صحبتي فإنني أسلِّم إليك وزارتي وأقاسمك مملكتي
فقال:
هيهات ما لي في ذلك رغبة .
فقال: لم ؟
قال : لأن جميع الخلق كلهم أعداؤك بسبب المال والمملكة وجميعهم أصدقائي بسبب القناعة والصعلكة .
قال اللّه تعالى:
)مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَهَا مَذْمُوماً مَّدْحُور( ،
( فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِالله آلْغَروُرُ(.
وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:
ص.مسلم(إن الدنيا حلوة خضرة وإن اللّه مستخلفكم فيها فينظر كيف تعلمون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل النساء)
وحكي أن رابعة العدوية رضي اللّه عنها كانت تقول
)لكل يوم ليلة وهذه ليلتي أموت فيها فلا تنام حتى تصبح وتقول للنهار كذا فلا تنام حتى تمسي)

17ـ الحياء

قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم:
موطأ مالك( لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء )
ص.مسلم(الحياء خير كله )
ص.بخاري(الحياء لا يأتي إلابخير)
مر رسول الله صلى اللهم عليه وسلم على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم :
ص.بخاري(دعه فإن الحياء من الإيمان)
الحياء بنص كلام المعصوم ـ صلى اللهم عليه وسلم هو خلق الإسلام والمسلم ، وهو من الإيمان، ولا يأتي إلا بخير في الدنيا والآخرة .


18 ـ اليقين بأن الله يضع كل ما ارتفع في الدنيا

حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا زهير عن حميد عن أنس رضي اللهم عنهم قال كان للنبي صلى اللهم عليه وسلم ناقة تسمى العضباء لا تسبق قال حميد أو لا تكاد تسبق فجاء أعرابي على قعود فسبقها فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه فقال صلى الله عليه سلم:
ص, بخاري(إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه )
ِ ولكي نصل إلى لحظة تصالح بيننا وبين أنفسنا ، لحظة نرضي بها ربنا ، علينا بالإخلاص في النية والعمل،والتوكل علي الله ، ولنلذ بالخوف ، ونتمسك بالرجاء.

أولا: الإخلاص

الإخلاص في الشرع فكما قال ابن القيم –رحمه الله -:
( هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة أن تقصده وحده لا شريك له.)
و الإخلاص هو لب العبادة وروحها.
قال ابن حزم:
( النية سر العبودية وهي من الأعمال بمنزلةالروح من الجسد)
وإن شئت فاسمع معي قوله تعالي :
( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء)
(ألا لله الدين الخالص)
(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء)
(قل الله أعبد مخلصاً له ديني).
( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).
وقال صلى الله عليه وسلم :
(إنما الأعمال بالنيات)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
(والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه فيغفر فيه كبائر، وإلا فأهل الكبائر كلهم يقولون لا إله إلا الله. كالبغي التي سقت كلباً فقد حضر في قلبها من الإخلاص ما لا يعلمه إلا الله فغفر الله لها.)
تنفيس الكروب لا يحدث إلا بالإخلاص ، والدليل على ذلك حديث الثلاثة الذين حبستهم صخرة ففرج الله همّهم حين سأل كل منهم ربه أن يخلصهم مما هم فيه بسر عمل عمله كل واحد منهم ، وكان مخلصا فيه لله .
وبالإخلاص يرزق الناس الحكمة، ويوفقون للصواب والحق
وبالإخلاص يدرك الأجر على
(إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا)
عمله وإن عجز عنه بل ويصل لمنازل الشهداء والمجاهدين وإن مات على فراشه وقال صلى الله عليه وسلم :
ص.بخاري(إن أقواماً خلفنا في المدينة ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا حبسهم العذر)

ثانيا :التوكل على الله

والتوكل علي الله من أفضل ما يتقرب به إلي الله من أعمال من أعمال وعبادات ،
ولقد وصف الرسول العظيم ـ صلى الله عليه وسلم ـ التوكل:
( بأنه السعي في طلب الرزق، والاعتمادعلي مسبب الأسباب.)
عن أبي تميم الجيشاني قال سمعت عمر يقول سمعت رسول الله صلى اللهم عليه وسلم يقول:
ابن ماجه( لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا)

وأصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد :
( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)
قال بن عباس رضي الله عنه :
( حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها النبي محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً)

ولقد جاءت بالقرآن الكثير من الآيات عن التوكل قال تعالى:
( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات الضر أو أرادني برحمته هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون).
( فتوكل على الله إنك على الحق المبين).
(فاعبده وتوكل عليه).
( وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيراً).
( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين).
ولقدكان المعصوم ـ صلي الله عليه وسلم ـ من أعظم المتوكلين.واسمع معي هذه القصة لتتأسي به عن جابر بن عبد الله الأنصاري وكان من أصحاب النبي صلى اللهم عليه وسلم أخبر أنه غزا مع رسول الله صلى اللهم عليه وسلم غزوة قبل نجد فلما قفل رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قفل معهم فأدركتهم القائلة يوما في واد كثير العضاه فنزل النبي صلى اللهم عليه وسلم وتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر ونزل رسول الله صلى اللهم عليه وسلم يستظل تحت شجرة فعلق بها سيفه قال جابر فنمنا بها نومة ثم إن النبي صلى اللهم عليه وسلم يدعونا فأتيناه فإذا عنده أعرابي جالس فقال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم :
(إن هذا اخترط سيفه وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا فقال من يمنعك مني فقلت الله فقال من يمنعك مني فقلت الله فشام السيف) وجلس فلم يعاقبه النبي صلى اللهم عليه وسلم وقد فعل ذلك
النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر في الغار, أبو بكر خائف على النبي أكثر من خوفه على نفسه يقول :
(يارسول الله لو نظر أحدهم إلى ما بين قدميه لأبصرنا، مابيننا وبين الهلاك إلا نظرة تحت!!.)
قال ـ صلى الله عليه وسلم :
(يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما )
هذا هو التفويض والتوكل يظهر فعلاً في أوقات الأزمات جلياً.
أما الرجاء فثمراته كثيرة، فهو يدفع المرء إلي كل أنواع المجاهدة في الأعمال، والمواظبة علي الطاعات كما أنه يعد إظهارا للعبوديةلله عز وجل .

ثالثا : الرجاء

والرجاء ثلاث أنواع :
النوع الأول: فلنعمل جاهدين على أن نكون من أهله ، وهو رجاء من يعمل بطاعة الله دوما ، لينال ثواب الله الجزيل .
والنوع الثاني: يجب ألا نغفل عنه إن ضعفت و زلت أقدامنا وارتكبنا اثما ، وذلك لننال عفو الله ومغفرته .
أما النوع الأخير، فهو رجاء كاذب لايفيد صاحبه الذي يفرط في المعاصي ولا يحدث لذ نبه توبة .

رابعا : الخوف

أما الخوف ـ وقانا الله شره وباعدنا عنه ـ فهو ضد الأمن .
ومن الآيات الدالة أو التي تحدثت عن الخوف في القرآن الكريم ما يلي :
( ولنبلونكم بشيء من الخوف )
( فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد)
( فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت).
(أو يأخذهم على تخوّف).
( يدعون ربهم خوفاً).
(وخافونِ إن كنتم مؤمنين) ( فلا تخشوهم واخشونِ) (إنما يخشى الله من عباده العلماء )
( يخافون ربهم من فوقهم )
قال بن رجب الحنبلي :
( والله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه ويخشوه ونصب الأدلة الدالة على عظمته وكبريائه ليهابوه ويخافوه خوف الإجلال ووصف لهم شدة عذابه ودار عقابه التي أعدها لمن عصاه ليتقوه بصالح الأعمال ).

ومن ثمرات الخوف من الله في الدنيا:

1 ـ التمكين في الأرض، وزيادة الإيمان والطمأنينة ، قال عز وجل:
( وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكنكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد)
2 ـ يبعث على العمل الصالح والإخلاص فيه وعدم طلب المقابل في الدنيا فلا ينقص الأجر في الآخرة
( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً* إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً)
( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال*رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار)

ومن ثمرات الخوف في الآخرة..

1ـ يجعل الإنسان في ظل العرش يوم القيامة:
( ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ) (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)
2ـ يؤدي إلى الجنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم :
(من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة)
أي الذي يخاف من إغارة العدو وقت السحر يسير من أول الليل(أدلج) فبلغ المنزل والمأمن والمطلب سلعة الله التي من دخلها كان من الآمنين.
3ـ يرفع الخوف عن الخائف يوم القيامة ، قال الحبيب محمد ـ صلى الله عليه وسلم محدثا عن رب العزة :
( وعزتي وجلالي، لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين، إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة).
قال أحد الصحابة:
( وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل إنها موعظة مودّع ماذا تعهد إلينا؟..
قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
الترمذي(إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله لوددت أني كنت شجرة )
فغطّىالصحابة وجوههم يبكون..!!
هكذا الصحابة العظام يسألون ويتحرون عن كل كبيرة وصغيرة في أمور دينهم ، وكانوا إذا علموا عملوا ، أما نحن فلم يعد للإخلاص أثرا في أعمالنا ، وخفنا البشر ونسينا رب البشر الذي بيده كل شئ , وتركنا التوكل الحميد واندفعنا اندفاع البهائم وراء التواكل الذميم ، وصار كل رجاؤنا أن يرضي رؤسائنا في العمل عنا .
ٍوالدليل علي ذلك ، ما وصل إليه حالنا ، هانت علينا أنفسنا فصغرنا في أعين الأعداء ورحنا نطلب السلام والأمن منهم ، وأقسم بالله ـ الذي لاإله إلاهوـ بأن أحوالنا لن تنصلح إلا بعد أن نصلح علاقتنا بالله ، الذي تركنا تعاليمه وهدي نبيه وارتمينا في أحضان أعدائنا ارتماء الذليل .أعداونا الذين يعدون الخطة تلو الخطة للإجهاز علينا تماما .
كيف بالله عليكم يمكن لأي امرئ عاقل أن ينتظر الخير ، وطعامنا وشرابنا وسلاحنا وتعليمنا وثقافتنا بيد أعدائنا؟ كيف نرجو النصر من الله ونحن نمد اليد لطلب المعونة من عدونا ؟ كيف يرضي الله عنا ونحن نري ديننا يهان ويحاصر ولانملك حق المعارضة ؟ فتارة تهان السنة المشرفة ـ بيد مسلمين باعوا دينهم بدنياهم ـ ادعوا أن سبيلهم الوحيد في الايمان هو القرآن ، ونسوا قول الحبيب محمد ـ صلي الله عليه وسلم :
(تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه)
هذا من جانب المسلمين أو المتأسلمين ، ولن نتوقف عند الشتائم وسيل الافتراءات علي الحبيب محمد ـ صلي الله علبه وسلم ـ من جانب الأعداء ، وكان آخر سفالاتهم تدنيس القرآن في ـ جوانتينامو ـ
وياأسفاه ،هناك جانب آخر من المتأسلمين تحت دعاوي حرية الفكر والرأي ، بإيعاز من الأعداء والشيطان وحب الهوي في الظهور والشهرة بأي ثمن ، راحوا يطعنون في القرآن ويطالبون أن يتعاملوا معه كنص أدبي يخطه أحدهم وهو يعاقر الخمر ويداعب النساء .
يالوقاحتهم وانعدام دينهم ، و يالغبائهم أيضا ، يتخيلون أنهم يملكون ناصية اللغة أكثرمن صناديد قريش والعرب وأصحاب المعلقات وحافظيها ، هؤلاء الصناديد الذين ذلت رقابهم للقرآن ورسوله بعد أن عجزوا في أن يأتوا بقرآن مثله ، بل فشلوا في أن يأتوا بعشر سور مفتريات كما يصفون سوره الشريفة ، وحين خاب مسعاهم في أن يأتوا بسورة واحدة مثل سوره الشريفة أذعنوا للحق.
والمتأمل لحالنا الأن لايسعه إلا أن يطأطئ الرأس احتراما للرسول العظيم محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ الذي لا ينطق عن الهوي ـ حين وصف الداء والدواء في الحديث الشريف الذي يقول :
سنن أبوداود(يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت)

قال أحد الحكماء حين قال :
( كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره ، وشهره يهدم سنته ، وسنته تهدم عمره وكيف يفرح من يقوده عمره إلي أجله ، وتقوده حياته إلي موته !)

وقد أوثر عن المسيح – عليه السلام – أنه قال لأصحابه :
( اعبروا ولا تعمروها )
وقال أيضا :
( من ذا الذي يبني علي موج البحردارا تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا )
قد دخل رجل علي أبي ذر وجال ببصره في البيت ثم سأله :
أين متاعكم ياأبا ذر ؟ فقال :
إن لنا بيتا نتوجه إليه .
فقال : إن لابد لك من متاع ما دمت هنا .
فقال أبو ذر : صاحب البيت لا يدعنا هنا .

وحتي لا تضل بنا السفينة ونغرق علينا أن نعي جيدا وصية رسولنا العظيم – صلوات الله وسلامه عليه – حين قال مرشدا الأمة :
( اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك )

فإن تلكأنا ودارت برؤسنا الأماني فلنذكر قوله الشريف – صلي الله عليه وسلم حين قال:
الترمذي(بادروا بالأعمال سبعا : هل تنتظرون إلا إلي فقرمنس أو غني مطغ أو مرض مفسد ،أوهرم مفند أو موت مجهز أو الدجال فشر غائب منتظر أو الساعة والساعة أدهي وأمر)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أخوة الإسلام والإيمان
وهكذا تنتهي رحلتنا مع الدنيا على الورق ، رحلة قد يقطعها أحدنا في نحو ساعة أو ساعتين ، يتصفح فيهما هذه الورقات .
والمتأمل لهذه الرحلة يكتشف بما لايدع مجالا للشك حقارة الدنيا بالنسبة للآخرة ، فخالقها وخالقنا بين لنا أنها مجرد لعب ولهو وزينة وتفاخر ، وأنها متاع الغرور ، ومتاع ليس بالكثير بل متاع قليل، وليس هذا فحسب ، بل إنها مجرد هشيم تذروه الرياح ، وبكلمة كن فيكون تصبح حصيدا كأن لم يكن.
وفي محكم تنزيله يخبرنا الواحد الأحد أن:
(كل من عليها فان )
وفي آية أخري يقول تعالى :
( كل شئ هالك إلا وجهه )
وفي مقابل ذلك ينبهنا العلي القدير أن الآخرة هي خير و أبقى ، وأنها دار القرار، وأن متاع الدنيا بالنسبة لها متاع قليل .
ولقد فهم الصحابة الأجلاء صحة هذه المعادلة والمقارنة بين الدنيا والآخرة فباعوا دنياهم واشتروا آخرتهم ومضوا إلى بارئهم وهم على خير حال ، ولاغرابة في ذلك فهم أنجب تلاميذ مدرسة النبوة.
إن صفحات التاريخ مليئة بالعديد من هذه المواقف المضيئة التي سطروها لنا ، والتي يجب أن تكون لنا منهاجا نمضي على خطاه حتى نفوز مثلما فازوا .
ولنبدأ بالخليفة العظيم أبي بكر

، ولنبدأ معه مبكرا، مع بدايات الإسلام ، ولنترك صفحات التاريخ تبوح بأسرارها :
(عن عائشة قالت لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشياً فلما ابتلى المسلمون خرج أبي بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال أين تريد يا أبا بكر فقال أبو بكر أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي فقال ابن الدغنة مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فارجع فاعبد ربك ببلدك فارتحل ابن الدغنة ورجع مع أبي بكر فطاف ابن الدغنة في كفار قريش فقال عن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وأمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره وليصل مهما شاء وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا ولا يشتغلن بالصلاة والقراءة في غير داره ففعل.
ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً في فناء داره فكان يصلي فيه ويقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلاً بكاء لا يملك دموعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا إنا أجرنا لك أبا بكر على أن يعبد الله في داره وأنه جاوز ذلك وابتنى مسجداً بفناء داره وأعلن بالصلاة وإنا خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد الله في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر بالاستعلان فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال يا أبا بكر قد علمت الذي قد عقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في عقد رجل عقدت له قال أبو بكر فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله ورسوله)
قمة الإيمان بالله وبرسوله، وقمة التصديق لكل ما يتفوه به الحبيب المصطفى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ترك أهله وماله ليعبد الله بعيدا عن كل مايشغله ، وحين رضي بجوار ابن الدغنة ، أبى وإلا أن يعبد الله بالطريقة التي يرضي بها الله ورسوله، حتى وإن تسببت في أذاه ، وحين عرض عليه من يجيره أن يعبد ربه بعيدا عن الأنظار ، أبى ورد الجوار ورضي بجوار الله ورسوله .
أين نحن من إيمان أبي بكر !
عن عائشة رضي الله عنها قالت أنفق أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألفاً. وعن عروة قال أسلم أبو بكر وله أربعون ألفاً أنفقها كلها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله.
عن عروة قال أعتق أبو بكر سبعة كانوا يعذبون في الله منهم بلال وعامر بن فهيرة
ومرة أخرى يطرح السؤال أين نحن من أبي بكر وإيمانه!

عمر بن الخطاب

صورة أخرى من صور الشجاعة والإيمان نراها في هجرة عمر بن الخطاب إلى المدينة ، فبينما الجميع يهاجرون سرا ، رددت البرية كلمات عمر وهويشق بها سماءها ورمالها وتردد الجبال صداها ، قال في ثقة وإيمان وفي شجاعة تسجل له بأحرف من نور مقولته الشهيرة ، ولنترك المجال مرة أخرى لصفحات التاريخ .
(عن ابن عباس قال قال علي: ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً إلا عمر بن الخطاب فإنه لما هاجر تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهماً واختصر عنزته ومضى قبل الكعبة والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعاً متمكناً ثم أتى المقام فصلى متمكناً ثم وقف على الخلق واحدة واحدة فقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن يثكل أمه أو ييتم ولده، أو يرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي)
عن طلحة بن عبيد الله قال: ما كان عمر بأولنا إسلاماً ولا أقدمنا هجرة، ولكنه كان أزهدنا في الدنيا وأرغبنا في الآخرة.
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمر العطاء فيقول له عمر أعطه يا رسول الله من هو أفقر إليه مني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ص.مسلم(خذه فتموله أو تصدق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك)
وعن ابن أبي مليكة قال: بينا عمر قد وضع بين يديه طعام إذ جاء الغلام فقال. هذا عتبة بن فرقد بالباب، قال: وما أقدم عتبة ائذن له، فلما دخل رأى بين يدي عمر طعامه خبزاً وزيتاً فقال: اقرب يا عتبة فأصب من هذا، قال فذهب يأكل فإذا هو بطعام جشب لا يستطيع أن يسيغه فقال يا أمير المؤمنين: هل لك في طعام يقال له الحواري? قال: ويلك: أو يسع ذلك المسلمين? قال لا والله، قال يا عتبة: أفأردت أن آكل طيباتي في حياتي الدنيا وأستمتع بها.
وعنه أنه اشتهى سمكاً طرياً وأخذ يرقي راحلة فسار ليلتين مقبلاً وليلتين مدبراً واشترى مكتلاً فجاء به، وقام يرقى إلى الراحلة يغسلها من العرق فنظرها عمر فقال: عذبت بهيمة من البهائم في شهوة عمر! والله لا يذوق عمر ذلك.
وعن حفصة قالت: دخل علي عمر فقدمت إليه مرقة باردة وصببت عليها زيتاً فقال: إدامان في إناء واحد، لا أذوقه أبداً حتى ألقى الله .
ماذا يمكن للمرء أن يقول فيك يابن الخطاب ، وقد بلغ من عظم شخصك ونوادر حكمك وأساطير عدلك ، أن أعداء الإسلام نفوا أن، يكون هناك شخص يدعى عمر بن الخطاب ..!
تلميذ ومعلم آخرمن مدرسة النبوة نلقي عليه ومضة ضوء بسيطة لعلنا نعي ما أدركه هو وأصحابه من علاقة الدنيا بالآخرة ، فربما تطهر من نفوسنا النذر اليسير .

عثمان بن عفان

نحن الآن مع عثمان بن عفان ، ثالث الخلفاء الراشدين ، وختن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ،والملقب بذي النورين .
عن عبد الرحمن بن خباب قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم. وهو يحث على جيش العسرة فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله على مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش فقام عثمان فقال: على مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش فقام عثمان فقال: على مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش فقام عثمان فقال: يا رسول الله على ثلثمائة بعير بأحلاسها في سبيل الله؛ فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عن المنبر وهو يقول: (ما على عثمان ما عمل بعد هذه ما على عثمان ما عمل بعد هذه).
وعن بشر بن بشير الأسلمي عن أبيه قال: لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكان لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القرية بمد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبيعها بعين في الجنة? فقال يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي عين غيرها، لا أستطيع ذلك. قال: فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال، اجعل لي مثل الذي جعلت له عيناً في الجنة قال نعم. قال: قد اشتريتها وجعلتها للمسلمين
نفوس تطهرت من أدران الدنيا , وعقول أدركت الحقيقة و آمنت أن ما عند الله خير وأبقى ، فلماذا لا تنفق ؟
علي بن أبي طالب
فإذا تركنا عثمان بن عفان ، وذهبنا إلى باب مدينة العلم ، إلى علي بن أبي طالب .ومهما حاولنا أن نرسم صورة لهذه الشخصية الجليلة ، فلن نجد أروع من تلك الصورة التي رسمها أحدأصحابه، وهو يتحدث أمام معاوية الذي سأله أن يصف له عليا.
مرة أخرى نعود إلى صفحات التاريخ :
(روي أن معاوية قال الضرار الصدائي: صف لي علياً. فقال: اعفني يا أمير المؤمنين. قال: لتصفنه. قال: أما إذ لا بد من وصفه، كان والله بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس إلى الليل ووحشته وكان غزير العبرة طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعان ماخشن، كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه وينبئنا إذا استبأناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم أهل الدين ويقرب المساكين ولا يطمع القوي في باطه ولا ييأس الضعيف من عدله؛ وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول: يا دنيا غري غيري، إلي تعرضت أم إلي تشوقت? هيهات! هيهات! قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها فعمرك قصير وخطرك قليل آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق! فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا حسن، كان والله كذلك؛ فكيف حزنك عليه يا ضرار? قال حزن من ذبح واحدها في حجرها)
قطوف من سير هؤلاء العظام ما أحوجناأن نتدارسها الأن نحن وأولادنا، لعل رحيقها يفلح في إزالة صدأ القلوب ويدفع الدماء في العروق كي نجد الجرأة لنعلن رأينا بلا خوف فيما نراه ونسمعه ، فلعل أصواتنا تصل إلى أعدائنا ليعرفوا أن الإسلام في القلوب والعقول مهما حاولوا هم وأعوانهم بالداخل.
عبد الرحمن بن عوف
ولنطرق برهبة وشوق باب الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف ، أحد العشرة المبشرين بالجنة ، لكنه يدخل الجنة حبوا..!
تقول بعض سطور سيرته العطرة ما يلي :
عن الزهري قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشطر ماله أربعة آلاف ثم تصدق بألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل عز وجل، ثم حمل على ألف وخمسمائة راحلة في سبيل الله؛ وكان عامة ماله من التجارة.. عن ابن عباس قال؛ تصدق بشطر ماله أربعة آلاف درهم ثم بأربعين ألف درهم ثم بأربعين ألف دينار ثم خمسمائة فرس في سبيل الله.
ثم وردت له قافلة من تجارة الشام فحملها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة فنزل جبريل وقال: إن الله يقرئك السلام، ويقول: أقرئ عبد الرحمن السلام، وبشره بالجنة.

وذات يوم رجت سبعمائة راحلة موقرة الأحمال شوارع المدينة رجّا
وسألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وقد ترامت إلى سمعها أصداء القافلة الزاحفة.
سألت: ما هذا الذي يحدث في المدينة..؟
وأجيبت: انها قافلة لعبدالرحمن بن عوف جاءت من الشام تحمل تجارة له.
قالت أم المؤمنين:
قافلة تحدث كل هذه الرّجّة..؟!
أجل يا أم المؤمنين.. إنها سبعمائة راحلة..!!
وهزت أم المؤمنين رأسها، وأرسلت نظراتها الثاقبة بعيدا، كأنها تبحث عن ذكرى مشهد رأته، أو حديث سمعته.
أما اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

مسند الإمام أحمد(رأيت عبدالرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا).

عبدالرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا..؟
ولماذا لا يدخلها وثبا هرولة مع السابقين من أصحاب رسول الله..؟
ونقل بعض أصحابه مقالة عائشة إليه، فتذكر أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث أكثر من مرة، وبأكثر من صيغة.
وقبل أن تفضّ مغاليق الأحمال من تجارته، حث خطاه إلى بيت عائشة وقال لها: لقد ذكّرتيني بحديث لم أنسه.
ثم قال:
" أما إني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها، وأقتابها، وأحلاسها، في سبيل الله عز وجل"..
وعن طلحة بن عبد الرحمن بن عوف قال: كان أهل المدينة عيالا على عبد الرحمن بن عوف، ثلث يقرضهم ماله، وثلث يقضي دينهم بماله، وثلث يصلهم.
وعن عروة بن الزبير أنه قال: أوصى عبد الرحمن بن عوف بخمسين ألف دينار في سبيل الله تعالى.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرض عبد الرحمن بن عوف فأوصى بثلث ماله، فصح فتصدق بذلك بيد نفسه ثم قال: يا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل من كان من أهل بدر له علي أربعمائة دينار، فقام عثمان وذهب مع الناس فقيل له: يا أبا عمر ألست غنيا? قال هذه صلة من عبد الرحمن لا صدقة وهو من مال حلال.
فتصدق عليهم في ذلك اليوم بمائة وخمسين ألف دينار، فلما جن عليه الليل جلس في بيته وكتب جريدة بتفريق جميع المال على المهاجرين والأنصار حتى كتب أن قميصه الذي على بدنه لفلان وعمامته لفلان، ولم يترك شيئا من ماله إلا كتبه للفقراء، فلما صلى الصبح خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم هبط جبريل وقال:
"يا محمد إن الله يقول لك أقرئ مني على عبد الرحمن السلام واقبل منه الجريدة ثم ردها عليه، وقل له: قد قبل الله صدقتك وهو وكيل الله ووكيل رسوله، يصنع في ماله ما شاء، وليتصرف فيه كما كان يتصرف قبل، ولا حساب عليه، وبشره".

سعد بن أبي وقاص

ومع صحابي جليل آخر نعيش هذه الومضة ، مع سعد بن أبي وقاص .
كان له يوم أن أسلم موقف عظيم مع أمه ، فحين فشلت كل محولاتها في منعه من دخوله الإسلام قررت أمه أمرا غريبا.قررت أن تمتنع عن الطعام والشراب حتي يعود إلى دين آبائه، ولقد أوشكت بالفعل على الهلاك .
كل ذلك وسعد لا يبالي، ولا يبيع إيمانه ودينه بشيء، حتى ولو يكون هذا الشيء حياة أمه.
وحين كانت تشرف على الموت، أخذه بعض أهله إليها ليلقي عليها نظرة وداع مؤملين أن يرق قلبه حين يراها في سكرة الموت.
وذهب سعد ورأى مشهد يذيب الصخر.
بيد أن ايمانه بالله ورسوله كان قد تفوّق على كل صخر، فاقترب بوجهه من وجه أمه، وصاح بها لتسمعه:
" تعلمين والله يا أمّه.. لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشيء.
فكلي إن شئت أو لا تأكلي"..!
وعدلت أمه عن عزمها.. ونزل الوحي يحيي موقف سعد، ويؤيده فيقول:
( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما)

مصعب بن عمير

ولنتأمل خطى مصعب بن عمير وهو يقبل نحو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومجموعة من الصحابة وهو يرتدي جلبابا رثا مرقعا.
حنى الصحابة رؤوسهم وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونهم دمعا ، حين تذكروا صورته القديمة قبل إسلامه وهو يرفل في الحرير .
تلقاه الحبيب محمدـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بنظرة حب لخصت في إيجاز وإعجاز ماحاك بصدور أصحابه فقال شهادة حق تدخل مصعب الجنة من أوسع أبوابها :
( لقد رأيت مصعبا هذا، وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه، ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله)

صهيب الرومي

وهذا صهيب الرومي ، وهذا هو موقفه من الدنيا حين قرر أن يشتري بماله آخرته يوم أن قرر الهجرة .
( فعندما همّ الرسول بالهجرة، علم صهيب بها، وكان المفروض أن يكون ثالث ثلاثة، هم الرسول.. وأبو بكر.. وصهيب.
بيد أن القرشيين كانوا قد بيتوا أمرهم لمنع هجرة الرسول.
ووقع صهيب في بعض فخاخهم، فعوّق عن الهجرة بعض الوقت بينما كان الرسول وصاحبه قد اتخذا سبيلهما على بركة الله.
وحاور صهيب وداور، حتى استطاع أن يفلت من شانئيه، وامتطى ظهر ناقته، وانطلق بها الصحراء وثبا.
بيد أن قريشا أرسلت في أثره قناصتها فأدركوه.. ولم يكد صهيب يراهم ويواجههم من قريب حتى صاح فيهم قائلا:
" يا معشر قريش..
لقد علمتم أني من أرماكم رجلا.. وأيم الله لا تصلون إليّ حتى إرمي بكل سهم معي في كنانتي ثم أضربكم بسيفي حتى لا يبقى في يدي منه شيء، فأقدموا إن شئتم.
وإن شئتم دللتكم على مالي، وتتركوني وشاني"
فقبلوا أن يأخذوا ماله قائلين له:
أتيتنا صعلوكا فقيرا، فكثر مالك عندنا، وبلغت بيننا ما بلغت، والآن تنطلق بنفسك وبمالك..؟
فدلهم على المكان الذي خبأ فيه ثروته، وتركوه وشأنه، وقفلوا إلى مكة راجعين.
واستأنف صهيب هجرته وحيدا سعيدا، حتى أردك الرسول صلى الله عليه وسلم في قباء.
كان الرسول جالسا وحوله بعض أصحابه حين أهل عليهم صهيب ولم يكد يراه الرسول حتى ناداه متهللا:
" ربح البيع أبا يحيى..!
ربح البيع أبا يحيى..!
وآنئذ نزلت الآية الكريمة:
( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله، والله رؤوف بالعباد).

أبو هريرة

نحن الآن مع أبي هريرة .
ولنرى كيف استقر الإيمان ببته وفي قلوب أهله .
تقول بعض سطور سيرته العطرة :
(وكان أبو هريرة رضي الله عنه من العابدين الأوّابين، يتناوب مع زوجته وابنته قيام الليل كله.. فيقوم هو ثلثه، وتقوم زوجته ثلثه، وتقوم ابنته ثلثه. وهكذا لا تمر من الليل ساعة إلا وفي بيت أبي هريرة عبادة وذكر وصلاة!
وفي سبيل أن يتفرّغ لصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عانى من قسوة الجوع ما لم يعاني مثله أحد.
وإنه ليحدثنا كيف كان الجوع يعض أمعاءه فيشدّ على بطنه حجرا ويعتصر كبده بيديه، ويسقط في المسجد وهو يتلوى حتى يظن بعض أصحابه أن به صرعا وما هو بمصروع..!

سلمان الفارسي .

كان يليس ثوبا قصيرا يصل بالكاد إلى ركبتيه، مع أن عطائه كان بين أربعة وستة آلاف في العام ، ومع ذلك كان يرفض أن ينال منه درهما واحدا ويوزعه بالكامل على المحتاجين، وكان يقول :
"أشتري خوصا بدرهم، فأعمله، ثم أبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهما فيه، وأنفق درهما على عيالي، وأتصدّق بالثالث.. ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عن ذلك ما انتهيت"!

أبو الدرداء

وهذا الصحابي الجليل الآخرأبو الدرداء
ولكن لندعه هو يكمل لنا الحديث:
" أسلمت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنا تاجر..
وأردت أن تجتمع لي العبادة والتجارة فلم يجتمعا.
فرفضت التجارة وأقبلت على العبادة.
وما يسرّني اليوم أن أبيع وأشتري فأربح كل يوم ثلاثمائة دينار، حتى لو يكون حانوتي على باب المسجد.
إلا إني لا أقول لكم: إن الله حرّم البيع.
ولكني أحبّ أن أكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله"..!
وعندما فتحت قبرص وحملت غنائم الحرب إلى المدينة رأى الناس أبا الدرداء يبكي. واقتربوا دهشين يسألونه:
" يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله"..؟
فأجاب أبو الدرداء في حكمة بالغة وفهم عميق:
ما أهون الخلق على الله إذا هم تركوا أمره.
بينما هي أمة، ظاهرة، قاهرة، لها الملك، تركت أمر الله، فصارت إلى ما ترى"..!
ودخل عليه أصحابه يعودونه وهو مريض، فوجدوه نائما على فراش من جلد.
فقالوا له:
(لو شئت كان لك فراش أطيب وأنعم)
فأجابهم وهو يشير بسبّابته، وبريق عينيه صوب الأمام البعيد:
إن دارنا هناك ، لهانجمع ، وإليها نرجع .
نظعن إليها. ونعمل لها"..!

أبو ذر الغفاري

وهذا هو أبوذر الغفاري ، الصحابي الثوري ، الذي قال في حقه الرسول صلى الله عليه وسلم:
ابن ماجه( ما أقلّت الغبراء، ولا أظلّت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر)
وكان شعاره الذي عرف به وهو يقف أمام الأمراء بعد أن تزينت لهم الدنيا واستمرأوها :
(بشّر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة".)
ثم يصرخ في الحافين حوله قائلا:
" عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الانس شاهرا سيفه"..؟
ولنعي جيدا مادار بينه وبين معاوية ذات يوم :
(وقف يسائل معاوية في غير خوف ولا مداراة عن ثروته قبل أن يصبح حاكما، وعن ثروته اليوم..!
وعن البيت الذي كان يسكنه بمكة، وعن قصوره بالشام اليوم..!
ثم يوجه السؤال للجالسين حوله من الصحابة الذين صحبوا معاوية إلى الشام وصار لبعضهم قصور وضياع.
ثم يصيح فيهم جميعا:
أفأنتم الذين نزل القرآن على الرسول وهو بين ظهرانيهم..؟
ويتولى الإجابة عنهم:
نعم أنتم الذين نزل فيكم القرآن، وشهدتم مع الرسول المشاهد.
ثم يعود ويسأل:
ألا تجدون في كتاب الله هذه الآية:
(والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم.. يوم يحمى عليها في نار جهنّم، فتكوى بها جباههم، وجنوبهم، وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم، فذوقوا ما كنتم تكنزون).؟
يرد عليه معاوية قائلا: لقد أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب.
ويصيح أبو ذر: لا بل أنزلت لنا ولهم.
ويتابع أبو ذر القول ناصحا معاوية ومن معه أن يخرجوا كل ما بأيديهم من ضياع وقصور وأموال.. وألا يدّخر أحدهم لنفسه أكثر من حاجات يومه.
وحين عرضت عليه الإمارة بالعراق فقال:
" لا والله.. لن تميلوا عليّ بدنياكم أبدا"
ورآه صاحبه يوما يلبس جلبابا قديما فسأله:
أليس لك ثوب غير هذا..؟! لقد رأيت معك منذ أيام ثوبين جديدين..؟
فأجابه أبو ذر: " يا بن أخي.. لقد أعطيتهما من هو أحوج إليهما مني"..
قال له: والله إنك لمحتاج إليهما!
فأجاب أبو ذر:
"اللهم اغفر.. إنك لمعظّم للدنيا، ألست ترى عليّ هذه البردة..؟ ولي أخرى لصلاة الجمعة، ولي عنزة أحلبها، وأتان أركبها، فأي نعمة أفضل مما نحن فيه"..؟
ولقد بلغ الأمر بأبي ذر لى تجنّب اخوانه ان لم يكن مقاطعتهم،لأنهم ولوا الامارات، وصار لهم بطبيعة الحال ثراء وفرة..
لقيه أبو موسى الأشعري يوما، فلم يكد يراه حتى فتح له ذراعيه وهو يصيح من الفرح بلقائه:" مرحبا أبا ذر.. مرحبا بأخي".
ولكن أبا ذر دفعه عنه وهو يقول:
" لست بأخيك، إنما كنت أخاك قبل أن تكون واليا وأميرا"..!
كذلك لقيه أبو هريرة يوما واحتضنه مرحّبا، ولكن أبا ذر نحّاه عنه بيده وقال له:
(إليك عني.. ألست الذي وليت الإمارة، فتطاولت في البنيان، واتخذت لك ماشية وزرعا)..؟
تلك كانت ومضات سريعة لبعض من الصحابة الأجلاء أردت أن أذكرها لنرى الفرق الشاسع بين رؤيتهم ورؤيتنا للدنيا والآخرة ، فلعلنا نجد فيهم القدوة ، وفي أنفسنا المقدرة لحسم هذه المعادلة قبل فوات الأوان .









 


قديم 2010-03-17, 23:13   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
ب.علي
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية ب.علي
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاكِ الله خيراً أختى
sousou24

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال










قديم 2010-03-17, 23:18   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
sousou24
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية sousou24
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك اخي ابو حسين وجزاك الله عنا كل خير










قديم 2010-03-18, 21:05   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
sousou24
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية sousou24
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيكم










قديم 2010-03-19, 01:14   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
ب.علي
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية ب.علي
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء 
إحصائية العضو










افتراضي

وفيك بارك الله أختنا sousou24










 

الكلمات الدلالية (Tags)
الأربعة, الخور, السعة..الدنيا, الضيق


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 21:42

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc