كتب أفلاطون منذ عصور أن المستبد يستولي على السلطة بالقوة ويمارسها بالعنف، بعد ذلك يسعى أولاً إلى التخلص من أخطر خصومه، ويكثر من الوعود ويبدأ بتقسيم الأراضي (الإصلاح الزراعي)مما يجعله شعبياً ومحبوباً، وهو ما ينفك يفتعل حروباً ليظل الشعب بحاجة دائمة إلى قائد(العدو الصهيوني أوالجماعات الإسلامية المتشددة)، وهذه الحروب تنهك كاهل المواطن من خلال ما يدفعونه من ضرائب باهظة، فيضطرون إلى زيادة ساعات العمل مما لا يبقى لديهم وقتاً للتآمر على المستبد. والحرب تساعده على التخلص من معارضي سياسته، حيث يقدمها إلى الصفوف الأولى في المعركة، إن ذلك كله يدعو إلى استياء الجماهير، حتى أعوانه الذين دفعوه إلى السلطة وهنا لا يجد أمامه إلا القضاء على المعارضة بما يملك من وسائل العنف والقوة فيزيد من تسلحه ومن حرسه الخاص من المرتزقة(الفقراء من أبناء طائفته أو مجتمعه) مانحهم حس السلطة. مما يتطلب نفقات طائلة فيلجأ المستبد إلى مزيد من نهب خزائن الشعب الذي يدرك بعد فوات الأوان أنه وضع في حالة استعباد مسيس. فالحكم بالقوة والإجرام مع قلة الصبر عن الآراء المخالفة طبيعة ملازمه للحكومة المستبدة، ولا تلبث أن تنشر هذه الطبائع في الدولة كلها وتعم العلاقات الاستبدادية المجتمع بهيئاته جميعها(كما يتم في شعب المخابرات وسلك الشرطة وموظفي الدوائر الحكومية). ويبدو هنا أفلاطون أنه قرأ واقع الأمة العربية في نهاية الألفية الثانية إي قبل ومع ذلك لم يخبر أحد الشعوب العربية وقد يكون سوء الحظ أن الشعوب العربية غير قارئة تنتعش بنسبة الأمية الكبيرة، فأتت الأنظمة الاستبدادية لتبدد الثروات الوطنية وتزيد من شراء الأسلحة وتكديسها وهي في الحقيقة لم ولن تستخدم إلا لقهر الشعوب وهذا ما لاحظناه في العراق وفي السودان وموريتانيا وغيرها من الدول العربية بشتى الأشكال، فاستهلكت أحلام الشعوب بالوحدة وبناء الدولة العربية القوية وأفرغتها من محتواها وجعلتها سراباً ملته الشعوب.
كما رفعت هذه الأنظمة شعار المقاومة وادعت أنها تحمل الهم القومي وأنها تواجه الخطر الأميركي الصهيوني وأثمر ذلك ضغطاً على الداخل واستنزافاً للثروات الوطنية صب في الحسابات المصرفية السرية في البنوك الغربية لأركان الأنظمة العربية فشكلوا طبقة طفيلية معزولة عن شعوبها المهمشة المسلوبة الإرادة الخانعة الخائفة من طغاة الأمة، ويظهر ذلك جلياً من خلال سؤ أحوال الشعوب الاقتصادية و الاجتماعية وبرغم ذالك تظهر محبة الشعوب لهم من نسب التصويت المرتفعة في انتخاباتهم الرئاسية والتشريعية رغم عزوف الشعوب عن المشاركة بها فتظهر كمسرحية سخيفة تعد من أشكال القهر الممارس عليه وتظهر في بنية الأنظمة العربية أشكال الطائفية و العائلية بشكل واضح وذلك لإرضاء المجتمع العربي المبني أساساً على عقلٍ طائفي وعائلي ومناطقي رغم إنكار هذه الأنظمة لهذه التقسيمات(في الظاهر) وإعلاء شعارات ضد هذه التقسيمات وإعلان المشاركة التامة لكل شرائح وفئات المجتمع.
واليوم تقف هذه الأنظمة عاجزةً عن مواجهة المشروع التفتيتي الأمريكي الصهيوني رغم ثروات وإمكانية هذا الوطن العظيم فأصبحت أوراقاً بيد اللاعبين الحقيقيين في المنطقة العربية، وذلك لعدم جدية هذه الأنظمة في اتخاذ إصلاحات جذرية وإقامة انفتاح سياسي واجتماعي حقيقي ومد أيديهم إلى شعوبهم والعمل على تحسين مستوى الحياة للشعوب ورفع الحضر عن حرية التعبير والرأي والتي تقتضيها مقومات المواجهة الداعية للتوحد بين الأنظمة والشعوب في وجه هذا العدو الشرس، وعلى العكس تقوم الأنظمة باستغلال هذه الأخطار لتزيد من سطوتها وتعسفها على شعوبها من جهة ومن جهة أخرى تقدم التنازلات للعدو لتحافظ على كراسيها وعروشها مع العلم أنه لم تقع مواجهة عسكرية مع العدو الصهيوني منذ سبعينيات القرن الماضي ورغم ذلك فما زالت الأنظمة العربية وخاصة ما تسمى بدول المواجهة تستخدم هذا العدو ومعركته الموعودة في إرهاب وقمع شعوبها بحجة المواجهة،ومع ترهل هذا الشبح أفرزت أحداث سبتمبر الأميركي شبحاً أخر لا يدري أحد متى يسقط فاستنفر النظام العربي عصاه وشدد القيد على الحريات والاجتماع والتعبير عن الرأي فكانت التهمة الجاهزة سابقاً هي العمالة والاتصال مع دولة أجنبية وأصبحت اليوم الانتماء إلى جماعات تكفيرية أو محظورة وهنا بالطبع لا ندافع عن هذه الجماعات ولكن نعترض على استغلالها من قبل الأنظمة حسب ما تتوافق مع مصالحها ونما ذلك كله في ضل الأحكام العرفية وقانون الطوارئ وهذه التهديدات هي الغول الذي ترهب به الشعوب، وكل مطالبة بإصلاح سياسي واقتصادي هي تهديد للأمن القومي وشكل من العمالة للمختطات الخارجية.
ومع ضمان الدساتير حقوق المواطنين إلا أن هذه الأنظمة الاستبدادية عطلتها في مناخ حالة الطوارئ فانتشر الفساد وخرب مفهوم الوطن وفسخ المجتمع وكثرة أمراضه فأصبح الدستور استثناء والاستثناء دستور، معتمدتاً هذه الأنظمة الاستبدادية سياسات تهدف إلى تدجين المواطن العربي وصولاً لجعله إنساناً سلبياً مفرغاً من محتواه الوطني لا يعنا بالشأن العام لاهثاً وراء مصالحه الشخصية، وقد نجحت بذلك فنعد أثر الشعوب العربية على القضايا العالمية والداخلية .
وربما يخطر ببال سائل أن يسأل ولماذا كل هذا؟؟؟
وهنا يجيبونا أرسطو أن الغاية النهائية للمستبد أن يحتفظ بعرشه لنفسه ولأولاده من بعده وذلك بتدمير إحساس المواطنة(تخطي راسي وتفوت) والقضاء على المثقفين والنظام التعليمي وهذا ما نلحظه اليوم من أوضاع الطلبة في الجامعات العربية وقلة فرز مثقفين جدد إلى الساحة يحملون هموم الشعوب العربية فتمنع المنتديات والصالونات الفكرية وتشكيل الأحزاب كي تمنع إعادة الثقة للمواطن بنفسه والعمل على تهميشه لقطع صلة المواطن بالوطن.
ومع كل هذا تبقى الشعوب العربية نائمة غارقة في أنينها مغرقتاً رؤوسها في الرمل فلا عين ترى ولا قلبٌ يتألم.
ملاحظة :الموضوع منقول .