كنتُ دائما وسط الزّحام ، أختار الصّعاب ، وأشدّ على قلبي ولا أشدّ على عنق أحد ...أما وقد مالوا فإننا نميلْ ...
و إن أبقوا علينا وسط هذا الزّحام كان لدينا من الوقت والجهد فسحة .. وكنا استعنّا بهذا اللسان المبلل بالحروف ما يكفي لصنع آلاف التواقيع الخائنة ، وملايين الكلمات المخالفة ، وأطنان من الحروف التي لا تستحي نقاطُها ..
وإن أبقوا لنا من الحرية ما يكفينا فقط لاستنشاق شهيق عريض من الصّخب كان كافيا لطرح زفير هائج من الزّحام ، و سيكون والله أبلغ من أزرارهم ولو كانت بحمرة الفوقية المتعالية ، وإن كنا نحن الحفاة العراة الضعاف بين انامل وزرار، فإن في جمعنا غلبة وانتصار
إنهم لا يعلمون أن يومياتهم التي تصنع لنا الشرود بدل التفكير والدهشة بدل الإعجاب هي ذاتها من تشحن فينا الرغبة وتمدنا بزاد الصبرللمكوث قبالتهم سنين عددا
وهي نفسها التي تلد بيننا ألف زخم وألف صعاب ... فمن أين تولد لهم الهمّة .. وليس عندهم من الزاد الذي عندنا .. ولا شهيقَ لهم ولا زفير .. بل يسرقون من أنفاسنا ليتنفسوا .. ولو رحلنا عنهم لماتوا غيظا وحرقة إن الفرق الذي بيننا أن عقولنا واعية للمقصود وعقولكم قاصرة للموجود .. فلتجتهدوا في ضبط إيقاعكم ... على سُلّم الخزي والعار ... اما نحن فضمائرنا والحمد لله مطمئنة تتوسد الراحة .. وأنتم تشتاقون للوسائد