لي خالة حتّـت التجارب و سنون الحياة كاهلها ، قصت عليّ قصتها منذ الولادة حتى ساعتنا هذه ، فصغتها في شكل قصيدة متواضة :
إمـرأة الأقــدار
ســــل عنّـــي إن أردت جـــــوابــــا ** قــاصٍ و دانٍ تجـد عنـدهـم أخبار
مــن نســل شـريف الكــــل يعرفــه ** بخصالهــم و هُــم السـادة الأطهار
آبــائي و أجـــدادي جــلّ ذكــرهـــم ** مــن شعـــب النمــامشـــة الأحرار
و إن أردت فـــي هــــذا تفصيــــلا ** أولاد بــوقصــــة عــــرش الأخيار
فيهــم رجــال أشــاوس لله درّهــم ** بنــي وهــّـــــاب الفـحـــول الأبرار
زد شـــرحــــا لهـــــــذا و تبيينــــا ** آل سعــــــداوي رمـــــــز الإنتصار
فيهـــم بيـت قــد بـــانت محــاسنـه ** للـــــورى و ليـــس عليــــــه غبار
من ُصلــب الجــــــواد لـزهـــــاري ** هــو أبــي و بـــه عـــــز و افتخار
و الأم هـــي خيــــرة أنعــــم بهــــا ** خيـرهـــا علــــى النــــاس كالثمار
أنا ظــريفــة و لا فخـــر في هـــــذا ** إمــــــرأة قــــــد صقلتهــــا الأقدار
حبـــاني الله بالصبـــر عنـــد كــــل ** كريهـــة ، و هــل تخفـــى الأقمار
هــذا كلام منّي ســـــوف أســــرده ** لكـــم ، في قـــالب نظـــم و أشعار
قد كـــان مولــــدي فــــي الثـــورة ** ثـــلاث سنيـــن خلــت منهــا أذكار
بــأرض بن نجـــوع بنــــي عمّــي ** كــانوا لنــــا حسنــــا فـــي الجوار
حينهـــا ابتلــى المـــولى والـــدتي ** عنــد رؤيتــــي للحيــــاة و الأنوار
لو تــدرون كــــم لحقهــــا عنــــــد ** ولادتـــــي مــــــن ألـــــم و أضرار
و حفـّــت مـــن حولهـــا نائبـــــات ** و صـــالت و جــــالت بهــــا أخطار
فلـولا رأفـــة الله الـــرؤوف بنـــــا ** لَـكٌـنّا حينهــــا مـــن أهــــل الإقبار
حتى كــادت حينهــا أن تجفــــانـي ** و نفـــرتني أشهــرا شــديـد الإنفار
و كــانت كفيلتـــي وقتهـــا أختـــي ** خضـــراء الطـُّهــر كـاتمـة الأسرار
رضعـــتُ خــلالهـا و كـانت عوني ** حليـــب الضـــــــأن و كــــذا الأبقار
حتى شفـــى الـــرحمــان والـــدتي ** مـــــن سقمهـــــا و نلــــت الأوطار
و لــــم أسْـلَـــم رغـــــم صغـــــري ** مـــن بطــــش فـــرنســا الإستعمار
يوم قتــل بعض الحـــركــى ، على ** أيـــدي المجــــــاهديـــــــن و الثوار
فنـــالنــــا نحــــن مـــن هـــذا كلـه ** تشــــريـــــدا ، و لحــق بنــا الدمار
و كـــان نصيبي ركلــــة عنــدهـــا ** مــن جنـــدي مدجـــج حـــاقـد غدار
إنجرّ عنهـــا مـــرضــي بسببهــــا ** و لا زلــــــت أحمــــــل منهـــــا آثار
فهــــل كُـتــــــب علــيّ العيــــــش ** فــــي الشقــــاء أم مشيئــــة القدار
أم أنــــه إجتبـــــــاء و امتحـــــان ** لــي فــــي الدنيـــا أو أنــــه إختبار
في ســــن الســــادســة كـــان لـي ** مـــوعـــدا مـــع محنــة فـي النهار
يـــوم لدغنــــي ثعبــــان بـــــوادي ** المشـــرع يجـــــري كمثـــل الأنهار
و بــرحت فــي غيبـوبــــة ثــــلاث ** أيـــــــام و مثلهـــــــــا فـــي التكرار
ِمن علـــى ظهـــــر البعيـــر كـــان ** سقـــوطــي ، في بـركــة ذات غمار
كـــدت أمـــــــوت فيهــــــا غـــرقـا ** لــــولا إرادة الــــــواحـــــــد القهار
حتى الحـــريـــق لـــم أسلـــم منـه ** و لحفـــت جســـــــدي كلــــــه النار
و انهمــــر المـــــاء علـــى قدمـي ** و بقيــــت زمنـــــا أتجــــرع المرار
زد علـــى ذلك وقـــــــع القنــــابـــل ** فــي حنيــــش يــوم كـــان الإنفجار
و كــــدت أمــــوت مـــــن وقعهــــا ** حتــــى أنقـــذنــي المـــولى الستار
و فجعـــت بعدهــــا بمـــــوت أمـي ** فتـــركتْ فـــيّ جــــرحــــا قــد غار
زادنــــي مـــــوت أبــــي بعـــدهـــا ** بثــــلاث سنيــــــن ليســـــت قصار
و غــــدى جـــرحي صعب الإندمال ** كمــن بــــه ضربـــة صــــارم بتار
فكـــان أخــــي زمّال خيــــر عـون ** و كفيــــــــلا لـــــي بتـــلك الأمصار
لــــن أنســـــى فضلــــه مـــا حييت ** إنــــه لــزبـــرجــــد خـــالص العيار
حتى كبـــرت وصــــرت نـــاضجـة ** زوجــــة كنـــت لمحســــن الإختيار
فـــي العشــــريـــن مــــن عمـــري ** صــــرت سيــــدة و عمّــــرت الدار
و زادنـــي الدهـــــر عندهــا محنة ** بـــأن فقــــــدت بــاكـــــورة الصغار
ثـــم رزقــــت ببنتيـــــن تـــوأميـن ** العطـــــــرة و بــــدرة بـــــدر الديار
قضـــت إحداهمــا فصبـــرت صبرا ** تعجـــــز عنــــه ســــاكنـــــة البوار
زادنــي مـــوت ابنتي رفيقـة أسى ** و أمســـى حــــــالـــــي في انحسار
يا نـــاس لا تنســــوا رب العبـــاد ** المعـــوّض لكــــل مـــن بـــه افتقار
على صبــــري جـــــازانـــي ربـي ** بذرّيـــــة كمثـــــــــل غيــــث مدرار
مُـنْيـــة ملأت الدنيــا عليّ ، يـــوم ** أطلّـت و الكــــل فيهــــا قـــد احتار
كـــذلك إبنيّ ثـــــابــت و سليــــــم ** هُـــــــم الآن فـــــي صـــــف الكبار
حتــــى عـــــاودنـــي الألــم بعدها ** إذ سجــــن زوجـــي خلـف الأسوار
في مكيـــدة دُبّــــرت لـــــه بليـــل ** مــــن طــــــرف أنــــــــــاس أشرار
فوجـــدت نفســــي بعــده وحيـــدة ** و حملـــت علـــى عـــاتقــي بإجبار
و لـــو كــــانت مكــــانـي امــــرأة ** أخــــرى ، لفكــــرت فـــي الإنتحار
إلا أننـــي قــــابلـــت هــــذا بعـزم ** و زدت إصـــــــرارا علــــى إصرار
و ركبـــت صعــابا رافعـة التحدي ** كَمَنْ يـــرفــع علــى كـاهله الأحجار
أعمــــل ليلا نهــــارا و أضحــــي ** بجهـــدي و أقــــارع حتــى الأوزار
و كنــت الـــرجـــل و المرأة معــا ** أكـــافـــح و ليـــس لـــــي أي خيار
ســـاعدنـــي في هـــذا ابن أختــي ** محمـــــد ، لــــه أدعــــو باستمرار
حتــــى أنعــــم الله علــيّ بــــرزق ** و قطعــــت بعـــدهـــا حلــــو الثمار
و شيّـــدت بيتــــا لا مثيـــــل لــــه ** في شســـاعــــة الأمتــــــار و الآر
بـــه جنـــــان متنـــــوع غـــــرسه ** مـــن نخــــل و ريحـــــان و أشجار
و جـــاء خــروج زوجـــي مفـاجـاً ** مـــن السجـــن بعـــد سنيــــن كثار
و استقـــام لــــي المقـــام هنيهــة ** فــابتليـــت بمـــــرض لـــــه أطوار
جــرّاء مـــا مــرّ بــي فـي حيــاتي ** أصـــاب الأعصـــاب منــي و صار
ملازمـــا لــــي دومــــــا بدنيـــاي ** هــــو حكـــــــم الله الحكـــــم الغفار
أنا راضية بحكــــم القديـــر و مــا ** جعلنـــــي لـــــــــه و مـــــــا اختار
تجـــدني على المحــــن صـــابرة ** و إلــــى الإجتبـــــــاء فــــي انتظار
و لا أطلــب من الكــــريــــــم الآن ** ســـوى حَجّـــــة إلــى خير الأقطار
و أرضى بغتــــة المنيــــــة كمـــا ** أترقــــب عنـــدهـا ساعة الإحتضار
هــــي الحــــــق لا مفـــــرّ منهـــا ** و الله الحــــــــــق بيــــــده الأعمار
ذي نصيحــــة منـــــي إخــــوتــي ** لـــو أخذتــــم بهـــــا ، بـــــلا دينار
إن النصــــح قـــــلّ فــــي زمننـــــا ** فاحـــذروا نائبـــات الــزمـن الغدار
و لا تجـــروا وراء دنيــــا فـــانيـة ** أخلــــت عمـــرانــا و عمّــرت قفار
فما أفســــده الدهـــــــر لا و لــــن ** يصلحـــه لا عشّـــــــاب و لا عطار
سبحــــانــــه جـــل ذكــره و جلاله ** ما سبــــح لـــه طيــــر و مـــا طار
صلــوا علـــــى الحبيـــب محمـــــد ** مـــولــــى البريــــة السـراج المنار
و زيـــدوا عليـــــه ســـلامـا كمـــا ** آخى بيـــن المهـــاجرين و الأنصار
و علـــى آلــه و صحبــه الكـــرام ** البـــررة ، حملــــة الكتــب الأسفار