دور فرنسا
كان للاستعمار الفرنسي دور فعال في إذكائها وإبقاء جذوتها مشتعلة على الدوام، رغم جلائه عن البلاد في ستينيات القرن الماضي.
تعتبر منطقة القبائل من أكثر المناطق الجزائرية التي تعرضت للسياسة الفرنسية الهادفة إلى “فرنسة” وتنصير الجزائريين، حيث تم خلال الاستعمار إنشاء عدة مدارس فرنسية، بهدف القضاء على المدارس القرآنية، وقد نقل “أجرون” عن المتصرف الإداري لجرجرة ما يلي: “إن هدفنا الحقيقي هو مكافحة شيوخ الزوايا Marabouts الذين يملكون سلاحين خطيرين ينشران بهما الدعاية المعادية لفرنسا، هما اللغة العربية والتعليم القرآني”.
وكان هدفها هو إدماج القبائل وبأية وسيلة ممكنة في المجتمع الغربي، وفصلهم عن باقي الجزائريين، وشهدت المنطقة أيضا حملة واسعة للتنصير، وبخاصة على يد الراهب اليسوعي “كروزا” وكذا الأسقف “الكاردينال لافيجري” CH.M.Lavigerie والأميرال “دوكيدون” الحاكم العام الكاثوليكي للجزائر، وفق دراسة نشرها المركز العربي للبحوث والدراسات.
وبالتوازي مع ذلك بدأ الكاردينال لافيجري بمحاربة اللغة العربية في الجزائر، كونها لغة القرآن، ثم تلاه القس شارل دي فوكو، الذي ألف لهذا الغرض “قاموسا بالأمازيغية” مترجما إلى الفرنسية، ثم اعتبرت اللغة العربية لغة أجنبية بقراري عامي 1909 و1938.
وعلى الرغم من استقلال الجزائر، واسترجاع سيادتها وشروعها في ترسيخ عناصر هويتها، فإن فرنسا لم تستسلم، ففي عام 1967، أوحت إلى ضابط سابق في الجيش الفرنسي، وصيدلي ومغنٍّ وصحفي يحملون الجنسية الفرنسية، أن يؤسسوا الأكاديمية البربرية (لفظ يطلقه الغرب على الأمازيغ) في باريس، بمباركة وتمويل فرنسيين وتنفيذ محلي، لتواصل مشروعها على لسانهم وتنفذه بأيديهم، ثم التحق بهم جزائريون آخرون.
كانت تسعى هذه الأكاديمية للقضاء على الأساس الأول للهوية الوطنية والمتمثل في اللغة العربية، ومن ثم القضاء على أهم عنصر في تحقيق الانسجام الثقافي الجزائري، والقضاء على الوحدة الوطنية للمجتمع الجزائري، وقطع الطريق أمام سياسة التعريب التي انتهجتها الجزائر بعد الاستقلال، ومحاولة خلق حالة من الفوضى والتشويش على وحدة الولاء وذلك من خلال دعم لهجة واحدة (القبائلية) دون غيرها من اللهجات الأخرى.
وفي فرنسا نشأت أيضا مؤسسات أخرى تتبنى الفكرة، وتناضل من أجل الثقافة البربرية، ففي عام 1973، انشق جماعة من الشبان عن الأكاديمية المذكورة، وأسسوا جماعة الدراسات البربرية في جامعة باريس، وفي عام 1978، تكوَّن اتحاد الشعب الأمازيغي، الذي نشر مجلة سياسية تحت عنوان “الرابطة”، وكان من أهم مطالبه معارضة التعريب، والاعتراف باللهجة القبائلية لغة رسمية للجزائر، ثم أسس مولود معمري عام 1982، مركز الدراسات والبحوث الأمازيغية بباريس، ومجلة “أوال” الكلمة.
المصدر: العدسة