كم من عاثرٍ وضميره يرفرفُ عالياً، وكم من جاثمٍ بالوهد وضميره مفقودٌ لاغياً، فأي جسدٍ حينها يحملُ روحاً ليس لها ضميرٌ تحيا به ، ولا عقلٌ يستوي له ميزانُ الرُّشد، حتى تُجردُ إنسانية بني البشر من جِبلةٍ أوجدها الله فيه فطرةً ،فيصيرُ ما يبتغيه الفردُ لنفسه ويجتهد لأجله من حريةٍ وسلامٍ محتكِرًا إياه دون غيره من أفرادٍ لا يراهم بشراً من منضوره المنقوصُ منه الضمير .
فالإنسانية لغةُ حروفها مشاعرٌ وكلماتها ضميرٌ يُهــز به الوجدان وتحرك به النفس البشرية ،فتلك قواعدٌ سكنت في الروح ،فإذا اختلت تلك مرضت النفسُ وخبثت الروحُ ،وهذا شأن أغلبية بني آدم منهم المؤمنون وأغلبهم الكافرون ،ولا تحسبن الذين ينافقون بكلماتٍ براقةٍ رنانةٍ وهم يُنمقون أفعالهم بتلك الشعاراتِ أنهم صادقون بل هم خبيثون وخبثهم حل محل ضمائرهم التي غارت كما يغور الماء في الفلاة،حتى أصبحت كل معاني اللغات جوفاء مجردة من أصها وجرثومها إلا كما يحب أن يوظفها أولئك لمآربهم الممزوجة بالأنانية والمجردة من الإنسانية .