مصر لا تقرأ لغيرها من العرب

[ghazir]

مصر لا تقرأ غيرها من العرب
لا بد من الاعتراف، وقد اتسّعت الآن المسافة الزمنية بيننا وبين ما حدث، بأن الصعقة كانت شديدة الوقع؛ ولو أني شخصيا كنت دائما أتساءل لنفسي عن انغلاق السوق المصرية ومؤسسات نشرها وإعلامها دون الأدب الجزائري خاصة في لغتَيْ تعبيره، وذلك بالنظر إلى تقدير الكم العددي لمقروئية مصرية مفترضة تفوق ما يمكن أن يجمع لدول العالم العربي كافة، من غير أن أجد إجابة على ذلك سوى أن مصر لا تقرأ غيرها من العرب.
ولأن اقتناعي، بعد الذي حدث، ترسّخ في أن بالدوائر المصرية الرسمية توجهاً مبرمجا لبسط هيمنة إعلامية وثقافية ولغوية في منظور تسويق ماركة ''فرعونية''، رغم أنف الشعب المصري ذي الوجدان العربي، فإني ازددت يقينا بأن عزلة مصر بدأت نتائجها تطفو على سطح الواقع بفعل الجهد المتواصل من داخلها ومن خارجها بالدعم المالي والدبلوماسي لتحجيم دولة بحجمها عن دورها القومي تجاه جيرانها الأقربين، بل وحملها على الإسهام في حصارهم بجدار أرضي من الفولاذ، بعد جدار إسرائيل من الخرسانة، رمزين للعار وللعنصرية.
الكتّاب والإعلاميون الجزائريون يعرفون حرج الأصدقاء المصريين أنفسهم من الكتاب والنقاد خاصة حين يُسألون عما قرأوه من الكتابات الجزائرية وعمن يعرفونهم كأسماء في الشعر والرواية والدراسات الإنسانية خاصة؛ ذلك لما كرّسه الوهم بأن قياس الذات المصرية لا بد أن يكون مع الآخر غير العربي؛ وهي حقيقة لا ينكرها أولئك الأصدقاء، الذين أصبحوا الآن يدركون مدى فداحة مثل ذلك التوجه الذي تساهلوا في التعامل معه.
مصر النظام الحالي، وهذا ما لا يمكن أن يختلف حوله اثنان، نظرت دائما إلى علاقتها مع غيرها من العالم العربي من زاوية ما يمكن جنيه لصالحها، بعد انهيار المشروع الناصري رغم زلاته الكارثية كزلات أنظمة الدولة الوطنية كلها. فإنها صارت تريد كل شيء من غيرها، مقابل بلاغة الأخوة والروابط التاريخية والثقافية، التي حولتها نتيجة مقابلة في كرة القدم إلى لغة لم يسبق لي شخصيا أنْ تصورت يوما أني سأصدم بها في مشاعري؛ لِما كنت أكنّه لمصر التاريخية والقومية، ولما كنت أحمله في قلبي من تقديرٍ لا يضاهى لكبار إصلاحييها واحترامٍ لرموز مقاومتها ومناضليها اليساريين وافتنانٍ بفنانيها العبقريين وتقييمٍ لمثقفيها وكتابها الملتزمين غير المقتاتين من مآدب الزمر المتنفذة المسيطرة على مقدرات شعب ينحت حياته من الحجر والرمال، نظرتُ إليه بعين الأخ الحقيقي الذي أحس دائما هذا العمق الوجداني الذي ربطه إليه. فلا بد أني يوما سألاقي صديقا مصريا فأجد معه الحرج كله في تجاوز حاجز هذا الكم الفظيع من التجريح في حق شعبي وذاكرته، والذي راكمتْه، بحقد، غوغاءُ إعلام مأجور بتحريض من عصابات السياسة الظامئين إلى السلطة وتوريثها. ولا بد أن ذلك الصديق سيجد، من جانبه، كل الحرج وهو يعبّر لي عن الاعتذار.
منقول