الطرح الإشكالي
1-هل هناك من ضرورة لوجود الغير؟ وهل يعتبر الغير ضروري لوجود الذات؟
2-ماهي العلاقة التي تربط الذات بالغير؟ وهل هناك إمكانية لتواصل مص هدا الغير
-3 هل معرفة الغير ممكنة؟ وكيف تتم هده المعرفة؟
4-هل تؤدي معرفة الغير لاحترامه أم الى نبده وإقصائه؟
المحور2: وجود الغير
الإشكال: ما علاقة ألانا بالغير؟ وهل وجود هدا الغير ضروري أم مجرد جائز ومحتمل؟
1-موقف الفلسفة الدانية مع ديكارت:
بما أن إشكالية الغير ليست حديثا بل هي إشكالية تغوص جدورها في المرحلة اليونانية فقد تبابنت المواقف الفلسفية بصدها واختلفت على مر تاريخ الفلسفة. ففي البدء تم التطرق الى مسألة الغير بشكل عام وسطحي: لتتم بعد دلك بلورة هدا المفهوم ضمن الفلسفة الديكارتية. فمع ديكارت سيتم التركيز على الذات كأنا جوهر التفكير. فبعد تجربة الشك التي عاشها سيتوصل الى إنبات الكوجيطو الدي اصبح يمثل بالنسبة إليه اكتمالا وجوديا ويقينا مطلقا يتم معه الاستغناء عن وجود الغير فلا يبقى سوى احتمالا وافتراضا وجوزا.ه>ا الموقف الإنطوائي يجعل الذات تتموضع بشكل مستقل عن العالم وعن الغير بحيث تصبح قائمة تستطيع العيش غي عزلة وإدراك ذاتها دون ما حاجة إلى وجود الغير.فهل يمكن فعلا الاستغناء عن الغير والجزم بوحدانية الذات واستقلالها المطلق عن الآخر؟
2-موقف فلسفة الوعي مع هيجل:
خلافا للموقف الديكارتي الدي همش مفهوم الغير ولم يستحضره أثناء إثبات الذات المفكرة لوجودها قامت فلسفة الوعي عند هيجل بالتركيز عليه كشرط أساسي وضروري لتعي الذات ذاتها.دلك أن الوعي حسب هيجل يتطور باستمرار؛فالذات في البداية تعني وجودها بشكل مباشر.غير أن هدا الوجود الحيواني الطبيعي ليس طافيا لتدرك الذات ذاتها كأنا وكوعي لدلك كان لازما عليها تجاوز هده الحياة العضوية من أجل تحقيق وعي خالص بالذات ومن أجل الحصول على الحرية؛إلا أن التقاء الذات مع الغير يتم بشكل سلمي ومستقل بل لابد من الدخول معه في صراع من أجل انتزاع هدا الأنا. صراع بين طرفين يتوخى فيه كل منهما القضاء على الآخر وتحقيق الاعتراف بالسيادة والحرية وقتل كل إرادة لطرف الآخر على المقاومة،هده المواجهة ستسفر عن تراتبية: فالطرف الدي يستطيع أن يضحي بحياته يصبح السيد المنتصر،أما الطرف الدي لا يقبل أو لا يستطيع المغامرة بحياته مقابل حريته سيصبح العبد المه
وخلاصة القول فإن الغير هيكل لم يعد مجرد وجود جائز ومحتمل؛بل أصبح وجودا ضروريا لأن الذات لا تعي ذاتها إلا عبر وساطة ذات أخرى.بل إنه لا يمكن تصور أي وعي لذات إلا بحضور الغير لأنه بفضله يتم التعرف على الذات كأنا وكوعي وكحرية وكما يقول سارتر(لكي أتوصل إلى حقيقة كيفما كانت حول داتي لابد لي أن أمر عبر الآخر إن الآخر لا عن عنه لوجود كما لا غنى لي عمه في معرفتي لنفسي )
الحور الثالث:معرفة الغير
الاشكال:
هل الغير قابل للمعرفة ؟وهل معرفته تتم بوصفه أنا آخر أم بوصغه موضوعا كبقية الموضوعات والأشياء الخارجية ؟
لقد أكدت الفلسفة الحديثة مع هيجل على العلاقة الجدلية القائمة بين الأنا والغير حيث يشكل هدا الأخير مكونا أساسيا بالنسبة لذات حتى تدرك ذاتها.كما أن الغير لا درك ما هبته إلى عبر الأنا.
هكذا ينفتح كل منهما على الأخر في محاولة لتواصل معه ومعرفته.وبما أن المعرفة هي فعل إدراك العقل لموضوع ما ؛فإن الذات العارفة تتموضع في مقابل الموضوع.غير أنه في حين تتمتع هده الذات بالحرية والوعي والإرادة والتلقائية ...فإن الموضوع في مقابل دلك يكون مسلوبا وفاقدا لكل مقومات الذات واتخاذ الغير موضوعا لنشاط الأنا أفكر يتضمن اعتباره موضوعا أو شيا وبالتالي يسلبه صفة الأنا أو الذات الواعي.
ويوضح سارتر طبيعة العلاقة المعرفية يبن الأنا والغير جاعلا منه علاقة +تقيم حاجزا وعدما يجعل مسألة التواصل بينهما على قدم مساواة أمرا مستحيلا لأن كلا منهما يشيئ للآخر ويسلبه حريته ولإذإرادته وعفويته...سارتر لا يعارض ضرورة وجود الغير بالنسبة لأنا على اعتبار أن الوجود الإنساني لا يكسب معناه وقيمته إلا من الآخر.كما أنه بظهور الآخر يصبح في مقدور الذات أن تصدر خلقا على نفسها كما تصدر على موضوع ما لأنها تظهر للآخر بوصفها موضوعا هكذا تتحول العلاقة بين الغير والأنا إلى علاقة شيئية تفقد ذا الآخر حريته وتلقائيته ويوضح سارتر دلك انطلاقا من مثال النظرة أو الخجل حيث يقول (الخجل هو شعور يسري في الذات عند إدراكها أنها آتت فعلا أو سلوكا مشيبتا أمام نظرة الغير التي تجند حركتها وتسلبها تلقائيتها ومن تم تحول الأنا إلى موضوع)إذن فسار تر يعتبر الجحيم هو الأخر ون فهل هده العلاقة المعرفية التشييئية هي العلاقة الوحيدة الممكنة بين الأنا والغير .
إذا كان سارتر يعتبر أن العلاقة بين الأنا والغير تشييئية مما يستحيل معه قيام علاقة وجدانية بينهما؛فإن ميرلوبنتي عكس دلك يدعوا إلى ضرورة نضر الأنا إلى الغير كذات مماثلة تتمتع بكامل وعيها وحريتها وإنسانيتها.وبالتالي قيام اعتراف متبادل بينهما على أساس التعاطف والتعاون والمشاركة الوجدانية وميرلوبنتي بهده الأطروحة يرفع دلك العدم وتلك الهوة التي أقامها سارتر بين الأنا والغير ليضع مكانها روابطا تربط بين هما وتحقق نوعا من التواصل الوجداني والعاطفي بينهما.لقد حاول ميرلوبنتي من خلال هده الأطروحة تجاوز الصعوبات التي اعتبرها سارتر عائقا أمام معرفة الأنا للغير ليجعل السبيل الأمثل لقيام علاقة بناءة على قدم المساواة.بينهما هو التواصل اللغوي والوجداني بدل تقوقع كل واحد منهما داخل طبيعته المفكرة ووجوده الخاص.وهو بهدا ينتقل بالعلاقة مع الغير من مجرد علاقة معرفية خالصة إلى علاقة إنسانية معقدة يتداخل فيها الوجدان والعواطف والأخلاق والاعتبارات الاجتماعية والسياسية.
غير أنه إذا كان ميرلبونتي قد دعى إلى التواصل مع الغير بشكل إيجابي مما يفضي إلى قيام علاقة إنسانية بينهما يتبادلان من خلالها الأفكار ومشاعر الاحترام والألفة والتعاطف...فإن هدا الانفتاح على الغير والتواصل معه يطرح مشكلة تتمثل في كيفية معرفته في جوهره أي كيف يمكن التعرف على جوهر هدا الغير ونواياه؟وما هي الكيفية التي يمكن بها استجلاء أسراره؟
يعتقد عادة أن ألانا ليس في حاجة الى العبور الى ألانا الآخر عبر جسده لاستجلاء أسراره نظرا لانه +لهدا الأنا وبالتالي يكفي لانا أن يقيس أفعال الغير وسلوكا ته على أفعاله وسلوكا ته هو لكي يفهمها؛ أي أن معرفة الغير تتم بالمماثلة فمثلا ادا كانت الابتسامة تدل عند الأنا على الفرح فهي تدل عليه كدلك عند الغير لكن حسب ماكس شيلر فان هده المعرفة الغير بالمماثلة صعبة لأنها بدلا من أن تقدم للانا معرفة بالغير تجعله يلتقي باناه من جديد لو أن معرفة الأنا لذاته صعبة وأشد تعقيدا على حد تعبير نتشه (أشد الناس بعدا عنك أنت نفسك) اد كيف يملك للانا أن يعرف الغير بالمماثلة على ذاته وهو لا يعرف حق المعرفة الذات و ما تنطوي عليه من حياة لاشعورية خفية عنه؟ ولتجاوز هاتة الصعوبات والمفارقات التي تطرحها معرفة الغير بسبب حمولتها الميتافيزيقيا (جسد) نفسي؛ باطن (ظاهر..) يقترح ماركس شيلر إدراك الغير كوحدة كلية لاتقبل التجزيء يتحد فيها ما هو خارجي (الجسد) مع ما هو داخلي (النفس) وبالتالي فحقيقة هدا الغير وجوهره مجسدتان فيه كما يتجلى الأنا.
هدا التعامل مع الغير ككلية ووحدة هو ما يدعو إليه جيل دولوز وهو يؤكد على ضرورة الغير في تشكل مجال الإدراك موضوعات الذات فالغير هو بنية الحقل الادراكي والشرط الضروري لوعي الذات ومحاكمة أخطائه وتحقيق تباعدها عن الموضوعات المدركة ولولاه لبقي وعي الذات ملتسقا بالموضوع ومنطبقا معه في حضور أبدي.
المحور لرابع :وجهان من وجوه العلاقة مع الغير،الصداقة والغرابة.
الاشكال:هل هناك إمكانية التواصل الاجتماعي مع الغير ؟وهل الاختلاف عن الغير مدعاة لإقصائه؟
لا يمكن التركيز على علاقة المعرفة كإمكانية وحيدة لنوع العلاقة بين الأنا والغير ودلك لكون هده الأخيرة +تعقيدا وتركيبا من أن تختزل في هده الإمكانية الوحيدة.فهي معرفية ولكنها في الواقع عاطفية ؛وجدانية ؛أخلاقية؛اجتماعية...تتنوع بحسب تنوع هدا الغير وانتظاره بين قريب وغريب.ويتجلى دلك من خلال مدلولات الكلمات التي تتدخل في إطار العلاقة مع الغير (حب/كره؛ صداقة/عداوة؛أنانية/اثار؛ تسامح/عدوان...) بحيث يمكن تصنيف هده الكلمات الى مجموعتين: الأولى خاصة بالغير القريب والثانية خاصة بالغير البعيد اللدين يمثل الصديق والغريب نموذجين لهما:
1-نموذج الصداقة: لاشك في أن الصداقة هي من أنبل العلاقات الإنسانية وأسماها قيمة لأنها تنشأ بين شخصين على الأساس الحب الصادق والخالص. وأريسطو يؤكد هده الحقيقة حين يقرن بين الصداقة والفضيلة؛ بل انه يعتبر الصداقة ضرورية حيوية لما تحققه من مزايا إيجابية للأفراد المجتمع ولأنها أساس العدالة وقوامها. وقد سم أريسطو الصداقة الى 3أنواع: فهناك صداقة المتعة وصداقة المنفعة وصداقة الفضيلة والفرق بينهما أن النوعين الأولين يتوخى من ورائهما منفعة ولدة حيث ينظر الأنا الى الغير كوسيلة لتحقيق أهداف معينة وبالتالي فهما زائلتان حالما تنتهي تلك المنفعة واللذة في الموضوع المحبوب مما يجعلهما لا تستحقان اسم الصداقة إلا مجازا. أما النوع الثالث (صداقة الفضيلة) فهو يقوم على حب الغير لذاته أولا تم للأصدقاء ثانيا الشيء الدي يجعل الأنا ينظر الى الغير باحترام وتقدير على أساس أنه غاية في ذاته لامجرد وسيلة . لدلك يعتبر هدا النوع الصداقة الحقة لأنه يدوم ويبقى طويلا وتتحقق فيه المنفعة والمتعة لاكن ليس كغايتين وانما كنتيجة الحب الخير لذاته وللأصدقاء.
2-نموذج الغرابة: ادا كان نموذج الصداقة ينطوي على معنى العلاقات الإيجابية بين الأنا والغير القريب فان الغرابة تشكل نموذجا سلبيا للعلاقة بين الأنا والغير البعيد ودلك لان مفهوم الغريب يوحي عادة بمعاني الاختلاف والعداء والكراهية والنفور ومن تم تلزم الحيطة والحذر منه على اعتبار انه يشكل دالك الدخيل المتطفل على جماعة منظمة ومتماسكة ثقافيا وحضاريا لينفر بنيانها ويخل بتوازنها. غير أن كريستيفا في تحليلها لمفهوم الغريب تنتقد دلك التصور الشائع عنه بحيث لا تعتبره داك الدخيل الأجنبي اللدي يهدد الجماعة ويبدد وفاقها وانسجامها بل الغريب هو الدي يمكن الجماعة وينبثق من داخلها: أي أن المختلف لا يأتي من خارج الجماعة بل هو يسكنها ويشكل جزءا منها . فوحدة الأنا ووحدة الجماعة ليستا في الحقيقة سوى مظهر عام أما ادا دققنا في تفاصلهما فسنجد في كل جماعة وفي كل أنا تناقضات وتمزقات بحيث ينتقلان على السواء وإلا انحراف على القبول والرفض؛ على الحب والكراهية ... هده الغرابة الداخلية تتيح لنا القول أن الغريب يسكننا على نحو غريب فادا كان الأمر كدلك فما هو الموقف الدي يجب اتخاذه من الغير البعيد؟ كان الغير الغريب (الأجنبي؛المجتمع الآخر؛ الثقافة الأخرى) ضروري لهده الدرجة ولا يهدد وجودنا فان الموقف الدي ينبغي اتحاده منه ليس هو العداء والكراهية والإقصاء...بل يجب التعامل معه على أساس التسامح والتعاون والاحترام المتبادل...لأن هدا الغير هو أنا مثلي أي كائن واعي وحر يتمتع بالكرامة ومن تم فهو يستحق التقدير لأنه يشكل غاية في ذاته مما يوجب تبادل الاحترام معه على أساس قاعدة المساواة. غير أن هدا التواصل الإيجابي بين الأنا (الفرد؛ المجتمعي؛ الثقافي) وبين الغير (المجتمعي الفردي التفافي) لايعني حسب اوسى ذوبان كل واحد منهما وانصهاره في الآخر: بل انه بالأساس تواصل اجتماعي ثقافي يتيح كل من الأنا والغير إمكانية التعرف والاستفادة من ثقافة بعضهما البعض مع الحفاظ دائما على تلك الخصوصية ودلك الاختلاف والتميز الدي يطبع هويتهما ككائنين مستقلين ومتبادلين .
الحرية
مقـدمة :
إن الإنسان لهو في الأصل موجود طبيعي و لكنه بين كائنات الطبيعة جميعا أشدها حنينا إلى التخلص من جبرية الظواهر، و أقواها نزعا نحو التحرر من أسر الضرورة، و على الرغم أن الإنسان هو الموجود الوحيد الذي لا يكاد يكف عن تكذيب شهادة شعوره، واضعا وجود نفسه موضع تساؤل و من هنا فإننا ما نكاد نتحدث عن مشكلة الحرية حتى يتملكنا دوار عقلي عنيف فإننا نعرف أن هذه المشكلة هي مشكلة صراعه مع الطبيعة و المجتمع و الماضي و الله نفسه.و قد حاول الإنسان أن يحطم هؤلاء الأغيار حتى يثبت لنفسه أنه حر فكم يلبث أن و جد نفسه وحيدا لا تستند حريته إلى شيء. ثم خيل إليه أن لديه من الإرادة ما يستطيع معه أن يبرهن عمليا على حريته فسرعان ما وقع فريسة لإرادة الفناء التي هي قضاء على كل إرادة.
و لكن ماذا عسى أن تكون هذه الحرية التي أراد الإنسان أن يجعل منها بداية مطلقه أو
خلقا من العدم؟ أ تكون هذه القدرة البشرية الفائقة مجرد تفسير عن نزوع الإنسان نحو الألوهية؟ أم هل تكون الحرية مجرد صدا عقلي لذلك النزوع الوجداني الذي ترفع الإنسان إلى أن ينشد القدرة المطلقة ؟ أم هل نقول إن الحرية هي منحة خبيثة توقعنا في الشر والهوى دون أن يكون في وسعنا يوما أن نتنازل عنها؟ و بتعبير آخر هل الإنسان حر فيما يأتيه و ما يصدر عنه من أفعال أم أنه خاضع لقوى خارجية أو داخلية لا يعلم منها شيئا ؟ و بالتالي هل يتحمل الإنسان مسؤولية أفعاله أم أنه قاصر تسقط عنه المسؤولية مادام ناصفا للقانون و الضرورة شأنه شأن الأشياء الفسيحة ؟ و من هذا هل الإنسان مخير أم مسير؟ و ماذا يعني أن يكون الإنسان حرا؟ أفي إتيان ما يريد أو في الامتناع عن تحقيق دوافعه أم في الجمود و الخمول و الفتور؟ أو ما علاقة الحرية بالإرادة؟ و إذا كان الإنسان كائنا حرا إجتماعيا يعيش داخل دولة تحكمها القوانين في علاقة الحرية بالدولة وبالتالي ما علاقتها بالقانون؟ هل الدولة ترسيخ لحرية الفرد من خلال تصنعه من حقوق وما تفرض عليه من قوانين وواجبات؟أليس في القوانين المفروضة عليه قضاء على حريته و إلغاء لمفهوم الحرية؟ ألا تكون الدولة تقييدا أو استعبادا لنا؟وإذا سلمنا بالحرية داخل الدولة مادامت تضمن لنا حقوقنا :فما هو الحد المشروع الذي ينبغي أن تتوفق عليه سيادة الفرد نفسه؟ و أين تبدأ سلطة المجتمع؟ و ما هو القدر الذي ينبغي أن نعهد به إلى الفردية؟ و القدر الذي الذي ينبغي أن نعهد به إلى المجتمع في صميم سيادتنا البشرية؟
i - الحرية و الحتمية :
الواقع أن الحرية لا يمكن أن تفهم إلا في ضوء نقيضها ،لأنها لو كانت مطلقة لأصبحت كلمة جوفاء لا تعني شيئا و لا تدل على أي شيء . حقا إن بعض الفلاسفة يأبى أن ننسب إلى الحرية مفهوما سلبيا لأنه لا يريد أن تكون الحرية مجرد إنكار للضرورة و لكن من المؤكد أن فهم الضرورة قد يساعدنا على تحديد معنى الحرية، و قد ظهرت الضرورة عند اليونان أول ما ظهرت على صورة فكرة القدر، فترددت في المأساة اليونانية باعتبارها تلك الضرورة التي لا يمكن للإنسان أن يخضع لها ولكن اليونان تصوروا الضرورة على نحوين فقالوا أولا بوجود ضرورة عمياء يخضع لها الآلهة والناس و الكائنات على حد سواء وقالوا ثانيا توجد ضرورة أخرى يقتضيها القانون الأخلاقي الذي يخضع له المرء حتى يسير في حياته سيرا مستقيما .
فإذا ما نظرنا إلى مذاهب فلاسفة اليونان، نجد أن الضرورة قد ظهرت عند ليوكبس الذي قال : يوجد قانون يسبب انفصال الذرات من الخليط الأول و انحدارها من الكون من أجل تكوين الأشياء كما ظهرت عند أفلاطون الذي جعل من الضرورة آلهة تحت مركز العالم كما وردت عند أفلاطون في أسطور الإرer الذي تجعل الكون يدور حول محور من الضرورة ثم ظهر هذا التعارض بين الضرورة والحرية بشكل واضح عند مفكري اليونان حينما ناصر الأبيقوريون الحرية بينما نادى الرواقيون بالضرورة.
1 - العقل بين الجبر و الاختيار
لقد تحول التفكير في الحرية داخل الثقافات الإسلامية إلى التفكير في علاقة في علاقة الفعل الإنساني بالفعل الإلهي و قد شكل هذا الموضوع أحد أهم النقاشات التي عرفها علم الكلام . فالجبرية قالت بان الإنسان موجد لأفعاله وخالق لها إذ لو افترضنا أن الإنسان موجد لأفعاله و خالقا لها، فقد سلمنا بان ثمة أفعال لاتجري على مشيئة الله و اختياره، و قلنا يوجد خالق ثان غير الله بيد أن الحرية تقدم لها نصيرا بين مفكري الإسلام في شخص المعتزلة الذين ذهبوا إلى أن الإنسان خالق لأفعاله لان القول بعكس ذلك يبطل التكليف بهدم الدين أم الأشاعرة فقد حاولوا الجمع بين الموقفين ماسمي بنظرية الكسب.
ولما اشتد الخلاف في الإسلام بين أنصار الحرية و خصومها ظهر محاولات جديدة بقصد التوفيق بين القول بإرادة حرة و القول بالقضاء و والقدر يقول ابن رشد (إن الله خلق لنا قوى نقدر بها أن نكتسب أشياء هي عبارة عن أضداد، و لكن اكتساب تلك الأشياء لا يتحقق لنا إلى بمواتات أسباب سخرها الله لنا من خارج فالأفعال المشوبة إلينا تتم بالأمرين معا أعني بإرادتنا و بالأسباب الخارجية) حتى إن ابن رشد سلم بحرية إرادتنا لكنه لا يذكرون وجود الضرورة أصلا يقول : إذا و رد علينا أمر مشتها من خارج اشتهيناه بالضرورة من غير اختيار و تحركنا إليه. تكون إرادتنا الباطنية معلولة للأسباب الخارجية ليس إلا توكيدا للنظرية القائلة بالقضاء و العدل بهذا يضحي ابن رشد بالحرية لحساب حريته لا هوتية.
2- الحرية و الحتمية
في إطار إشكال علاقة الحرية الإنسانية مع الحتمية و الضرورة ينفي اسينوزا الحرية على الفعل الإنساني وعن كافة الأشياء الأخرى و يعتبر المخلوقات جميعها محددة بعلل خارجية بمعنى أنها خاضعة لمنطق الحتمية. و هي لايعدم حجة يدافع بها عن رأيه : لنتصور مثلا حجرا متدحرجا بقوة خارجية يستمر بعدها هذا الحجر في حركته رغم توقف القوة الدافعة له و هذا الاستمرار هو فعل إكراه بسبب العلة الخارجية. وهب أن هذا الحجر قادر على التفكير ففي هذه الحالة سيعتقد أنه حر في إرادة التحرك لأنه لا يعي سوء الجهد الذي يبذله له و يجهل تماما العلل الخارجية التي تتحكم في فعله حقيقة يقول اسينوزا : عن النفس لا تنطوي على أية إرادة حرة أو مطلقة بل هي مجبورة على أن تريد هذا أو ذاك بمقتضى علة هي أيضا مشروط بعلة أخرى، و هذه العلة محددة بدور علة أخرى و هكذا إلى مالا نهاية. و هكذا كل ما يحدث في الوجود يرجع في نهاية الأمر إلى تلك العلة الأخرى أي انه يصدر ضرورة عن طبيعة الله المطلقة بيد أن اسبينوزا يقول في موضع إن الإنسان الحر هو ذلك الذي يعمل وفقا لمناهج العقل، فلا يكون سلوكه ناجم عن الخوف من الموت، بل يكون مبعثه الرغبة في الخير رغبة مباشرة و معنى هذا إن اسبينوزا يقول بنوع من الجبرية الخلقية.
أما كانط فيعتبر الحرية خاضعة لنوع من أنواع السلبية ألازماني يقول على القدرة على تأسيس حالة ما تأسيسها ذاتيا و هكذا تكون الحرية عن فكرة متعالية عن التجربة و إذا كان سبب الحرية لازما بنا فإن السبب الطبيعي حسب كانط يقوم على الترابط المنطقي بين السابق و اللاحق و من الجدير بالملاحظة عند كانط الإشارة إلى أن الحرية بالمفهوم العلمي تعني الاستقلال في الحكم عن إكراهات ميول الحساسية. حسب كانط إذن إننا خاضعون لقوانين الضرورة في جانبنا الذي يخضع للزمان و يتحقق في عالم التجربة و بذلك فإن أفعالنا مرتبطة ارتباطا ضروريا لما قد تقدمها. و في وسعنا أن نقرر أننا أحرار في طابعنا الخلقي حسنا كان أم رديئا، و نحن الذين نخلق بأنفسنا هذا الطابع الخلقي بفعل حر حال على الزمان بل قد تكون ذاتنا الحقيقية المعقولة هي التي تريد أن تكون خيرة أو شريرة بفعل لا زماني،فتجيئ حياتنا الزمنية فتكون بمثابة تغير مرئي عن ذلك لاجتياز الأصلي الذي تحققه الذات المتعالية. و هكذا يقرر كانط أننا أحرار مجبرون فنحن أحرار إذا نضرنا إلى ذاتنا المتعالية على الزمان و نحن مجبرون إذا نظرنا إلى ذاتنا التي تتحقق في الزمان.
و في الفلسفة المعاصرة يرفض ميرلوبونتي فكرة الحرية المطلقة كما تصورها سارتر كما يرفض فكرة الحتميات الطبيعية و النفسية و الاجتماعية المعتمدة في العلوم الإنسانية . فالإنسان كائن موضوعي موجود في العالم ومع الآخرين و وجودهم معطى تلقائي محكوم بعوامل تاريخية و نفسية و اجتماعية لكنه في خضم هذه الإكراهات و العوامل المترابطة يستطيع تغيير تجاه حياته، كما يستطيع أن يمنحها معنى بشكل حر و إرادي، إنها عوامل ليست ضرورة حتمية بل عرضية يمكنها أن تحدث أو لا تحدث.
و يذهب العروي إلى أن أغلب العلماء الطبيعيين يتكون في مبدأ الحرية الإنسانية و يعتبرون أن الشعور الذاتي بها يخفي جميلا مؤقتا بالدوافع الحقيقية لاختيارات البشر، إذا كان العلم في بداية العهد الحديث اعتبر وسيلة لتحرير الإنسان من قيود الطبيعة فإن التجربة أظهرت في هذا القرن أن العلم قد يخدم الحرية كما يحاصرها و يقضي عليها.
- iiالحرية و الإرادة :
1- حرية الإرادة
تتحدد الحرية في مدلولها العام ، بأنها الفعل الإنساني الغير المقيد ، أما في لسان العرب فإن الحرية معناها التحرر و الحرية هي ضد العبودية ، أما في الميدان الفلسفي ، فتعتبر الحرية من أقدم المشكلات الفلسفية و أعقدها ، إذ تصدى لها الفلاسفة اليونان ، ومازالت مركز الاهتمام الفلاسفة و مفكري اليوم .
وقد ارتبط هذا المفهوم اشد الارتباط ،بمفهوم الإرادة باعتبارها شرط للحرية وفي هذا الصدد يقول بوسوية " كلما بحنث في أعماق قلبي عن السبب الذي دفعني إلى الفعل لن أجد فيه غير إرادتي ، ومن هذا المنطلق تطرح مجموعة من التساؤلات :
- هل يمكن نسبة الحرية إلى إرادتنا أم أن الحرية في غنى عنها؟
- هل الإرادة شرط للحرية ؟
- ماذا نعني بالإرادة ؟
لقد اعتبرت المدرسة العقلية بقيادة ديكارت ، أن المعرفة هي المجال الحقيقي الذي تستطيع فيه الإرادة الحرة ، أن تختار فيه الحرية ، وأن تصدر أحكامها ، وهكذا فإن ما يعصم من الوقوع في الخطأ هو حرية الإرادة و الاختيار و حسن استعمالها ، ومن هذا فإن ديكارت من خلال نصه الإرادة هي حرية الاختيار " المقتطف من كتابه التأملات .يرى أن هناك فكرة أساسية مفادها أن الأحكام التي نصدرها عن الأشياء ،تكون معقولة كلما كانت الإرادة حرة وهذه الإرادة تكون سابقة عن الفعل بعيدا عن المؤثرات و الضغوطات الخارجية .
إذا كانت المدرسة العقلية قد اعتبرت أن مجال المعرفة هو مجال ممارسة الإرادة الحرة ،فإن المدرسة الأخلاقية النقدية مع كانط اعتبرت أن مجال الوحيد الذي يمكن التكلم فيه عن إرادة حرة هو مجال الأخلاق ،وفي هذا السياق نجده يقول : "إن الإنسان بوصفه كائنا عاقلا يستطيع اعتمادا على إرادته الحرة ، وضع القواعد العقلية للعقل الإنساني و الخضوع لهذه القواعد " وهذا مايتضح من خلال نصه "الإرادة الحرة " المقتطف من كتابه " أسس ميتافيزيقيا الأخلاق " الذي يرى فيه أن الحديث عن وجود إرادة حرة ، لا يستقيم إلا خارج دائرة الرغبات و الميولات و هو بذالك يقصي البعد الحسي الغريزي من مجال الفعل الإنساني جماليا كان أو أخلاقيا. مثله مثل – شوبنهاور - الذي يرى أن كل إنسان في هذا العالم له إرادة في العيش غير عقلانية، لأنها تسند إلى رغبات و طموحات نفسية و لمعالجة هذه الإرادة النفسية في العيش، لابد من وجود أخلاق تدعو إلى الشفقة و نكران الذات و تطالبا بالعدل للتوفيق بين أنانيتها وأنانية الآخرين.
اما في القرن 18 و في إطار علاقة الحرية بالإرادة في ظل مجتمع ديمقراطي فنجد أليكسيس دوطوفكيل يعتبر أن حق الإنسان في الحرية كحقه في الحياة، فبقدر ما عنده من إرادة بقدر ما عنده من حرية وهذا ما نجده في كتابه – الديمقراطية في أمريكا -حيث إن المساواة تبعد الفرد عن العبودية ليتمتع بإرادة حرة و آمنة، فالإرادة هي التي تدفعه لممارسة حريته السياسية داخل المؤسسات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، بعيدا عن الضغوطات التي تفرض عليه من الخارج، و لذلك فإن أليكسيس يميز بين نوعين من الحرية :
· الحرية النسبية : هو الخلاص من القسر و الإكراه الإجتماعي، و الحر هو الذي يأتمر بما أمره القانون، و يمتنع عما نهى عنه و الغرض في ذلك هو ضمان الاعتراف بحقوق الغير و احترام حرياتهم الإرادية، و هو الطريق الآمن و الأطول نحو العبودية .
· الحرية المطلقة: هو حق الفرد في الاستقلال عن الجماعة التي انخرط فيها، و قد يدفعه هذا الاستقلال نحو الفوضى و التجرد بشكل مفاجئ.
إذا انتقلنا إلى الفلسفة الوجودية، فإن الحرية قد احتلت مركز الصدارة في فلسفة جون بول سارتر، فهو يرى أن الإنسان ليس حرا فقط بل هو الحرية نفسها فالحرية ليست صفة تضاف إلى الطبيعة الإنسانية، و ليس خاصية من خصائصها بل هي نسيج الوجود الإنساني و في هذا السياق يقول : ليس الوجود شيء يقدم إلي بل أنا أهب الوجود إلى نفسي. و يتأكد هذا الموقف من خلال نصه- الإرادة شرط للحرية-المقتطف من كتاب الوجود و العدم يرى أن الإنسان هو الذي يصنع ماهيته و صفاته بنفسه، فالفرد قادر على صنع ماهيته حسب إرادته الحرة، دون أن تكون لظروف خارجية أو لأي قوة تأثير على حريته،وسارتر أكد حرية الفرد و قدرته على اختيار أفعاله بنفسه، لان الوجود سابق على ماهيته.
.لقد ارتبط مفهوم الحرية في الفكر الإسلامي بمسألة الجبر و الاختيار، و هذا ما نجده عند ابن باجة حيث يميز بين نوعين من الأفعال:
· أفعال اختيارية:مرتبطة بالإنسان أي أن الفعل الإنساني هو فعل إرادي واختياري، و هو الذي يحدد بنيته الشخصية فيساعده ذلك على الرؤية و التفكير السليمين و الإصابة في الآراء و الأحكام و أخرى إصرارية مرتبطة بالحيوان أو ما يسميها ابن باجة بالأفعال البهيمية لأن الإنسان كائن عاقل و هذا ما يميزه عن باقي الكائنات أما إذا عدنا إلى الكتاب المقرر و ألقينا نظرة على نصه المقتطف من كتابه– تدبيير المتوحد- يتضح أن الفعل الإنساني حسب ابن باجة هو فعل اختياري و هذه ميزة تميزه عن باقي الكائنات.و المقصود بالاختيار – الإرادة - الكائنة في نفسه فالحيوان يتقدم فعله عما يروج في نفسه من أفعال و لذلك فان ابن باجة يرى أن الإنسان يحمل في نفسه ميزتين أساسيتين :
· أفعال بهيمية : المتمثلة في اللاإرادية كهروبه من أمر مفزع.
· أفعال إنسانية : و المتمثل في الأفعال التي تساهم في إبعاد الأذى عن الغير و هي إرادية.
2- إرادة الحياة
لقد جاءت أفكار نيتشه معادية لأفكار كانط شوبنهاور و رفض أخلاقيتهما الداعية إلى الشفقة و نكران الذات فحياة الإنسان تصير إرتكاسية حينما يهيمن على نشاطها عامل السلب و النفي و الإنكار فيكون في حاجة إلى التعلق بأوهام تقدم ذاتها في صورة قيم و مثل عليا مفارقة، يتخذها كأقنعة و كمبررات يعلن باسمها الجهاد ضد الحياة و الحرب ضد الوجود و هذا ما يجعل القوى الإرتكاسية تنتصر فيه القوى الفاعلة و إذا أخدنا نص إرادة الحياة المقتطف من كتابة جينالوجيا الأخلاق يميز نيتشه فيه بين نمطين من الإرادة:
· إرادة إنكارية :
و هي تقوم على تبخيس الحياة فيها وهي صادرة عن حياة مرضية أصابها الوهن و الضعف و العياء فلم تعد بقادرة على توكيد الحياة لأنها مليئة بالمفارقات و التناقضات ، و مصدرا للشر و الألم ، و لهذا أصبحت خالية من القيم ولم تعد تستحق أن تعايش .
· إرادة توكيدية :
و هي صادرة عن حياة قوية و سليمة، تتمتع بصحة جيدة و لهذا فهي منفتحة إلى الحياة وتسعى إلى توكيدها بكل اختلافاتها وتناقضاتها بكل آلامها و أفراحها دون نقص و بدون أدنى شعور بالدونية والخطيئة وهو الحل من أجل الانتقال من إرادة الضعيف إلى إرادة القوي بالمعنى النيتشاوي من أجل إقامة علاقة مع الحياة و الوجود.
iii- الحرية والقانون
شكلت العلاقة بين الحرية والقانون واحدة من القضايا التي اهتمت بها الفلسفة منذ البدايات الأولى لهذه الأخيرة،خاصة إذا ما نحن استحضرنا ذلك الارتباط القوي بين الفلسفة والمدينة اليونانية ككيان قانوني تمارس فيه الحقوق التي تضمنها المواطنة بكامل الحرية في ضوء سلطة تسهر على تدبير الاختلافات بين المواطنين،فلا غرابة إذن أن ترفع الفلسفة مفهوم الحرية إلى مستوى المفهوم الفلسفي، لتجعل منه إشكالا فلسفيا خصصت له حيزا كبيرا من مجهودها الفكري سمته بالفلسفة السياسية.
ولهذا الاهتمام ما يفسره وذلك بالنظر إلى الطبيعة السياسية للإنسان التي تحتم عليه التنازل عن مجموعة من الحريات قص تحصيل حريات أخرى يضمنها القانون، لكن القانون من هذه الزاوية بالذات يعتبر مقيدا للحرية، إذ ما معنى أن أكون حرا إذا كنت ملزما بالتخلي عن جزء من حريتي الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل:ما طبيعة العلاقة التي تربط الحرية بالقانون؟هل القانون ضامن للحرية أم أنه ضد الحرية؟ بعبارة أوضح نقول: هل الحرية والقانون متعارضان أم أنهما منسجمان؟
يجيبنا توماس هوبس عن هذا السؤال في كتابه "المواطن"بالتأكيد على ضرورة توحد الحرية بالقانون، بحيث يمسي القانون هو الضامن للحرية،وهو الأمر الذي يتم من خلال تنازل الجميع عن حقهم في ممارسة القوة لصالح شخص واحد مقابل أن يصبح هذا الأخير ممثلا للقانون، ومعلوم أن هوبس كان من المؤسسين لفكرة المجتمع المدني باعتباره مجتمع الحرية المدنية التي يلجأ إليها الإنسان بعد خيبة أمله في حريته الطبيعية، فهوبس يقيم تمييزا بين الحرية الطبيعية والحرية داخل المجتمع المدني، في الحالة الأولى يكون الفرد حرا بشكل مطلق فلا حدود تعيق ممارسته لكامل حريته، لكن هذه الحرية حسب هوبس غير مجدية لأنها بقدر ما تضمن للفرد الحق في ممارسة الحرية بشكل مطلق بقدر ما تمنح للآخرين الحق في التعدي والتطاول على هذه الحرية، لذلك يدعم هوبس الحالة الثانية، أي الحرية المقننة والمحمية بالقانون هذا الأخير الذي يضعه المجتمع في إطار مشروع سياسي.