شيء ما بداخلي لطالما كان يرفض أسلوب التذلل والترجي لدى بعض المتسولين الذين يقتطعون طريقي، وبينما يسترسلون هم في قص قصة جوع أبنائهم علي، وعدم لحقاهم بثمن الطعام والدواء، كنت في كل مرة أضغط على زر الطنين بداخلي وأنا أدس يدي في حقيبتي على عجالة لأخرج ما أضعه في أيديهم وأختصر عليهم تعري مآسيهم، شيء ما كان يحتدم فيّ ويقول: تبا... تبا وألف.
فلو كان الأمر بيدي لهمست في أذن كل محتاج لأقول ما قيل( وإن ثبت ضعفه كحديث) :
"اطلبوا حوائجكم بعزة أنفس، فإن الأمور تجرى بمقادير."
وبينما أستغرق أنا في النظر لهذا المشهد الذي تصير فيه كرامة المرء في الأسفل، وأسأل الله أن يغنيني من فضله فلا أقف موقفهم لأي سبب كان، تضرب صديقتي الكف بالكف لتقول بأنني مصابة بالهبل حقا إذ أصدق ما يقولونه، وأن أغلب هؤلاء محتالون احترفوا دندنة المسكنة.
ورغم إيماني بحقيقة وجود محتالين امتهنوا التسول كتجارة رابحة، فلست أذكر في أي مرحلة عمرية سمعت بقصة الرجل الذي تصدق على سارق وزانية وغني، ليقال في النهاية: "أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله يعتبر، فينفق مما أعطاه الله".
فما أدراك ونحن لا ندري من الأصل إن كان السائل محتاجا حقيقيا أو لا؟
أكتب هذا وليس من عادتي كتابة مثل هذا، لأقول وقد رأيت الكثيرين ممن يتعاملون بالمنع بحجة براعة بعض المتسولين في التمثيل، أقول: مهما كانت وقائع قصة الطرف الآخر تمثيلية، فالتجارة مع الله أيا كان حالها رابحة لا محال، ولا ينقص مال من صدقة، وقد جربت غير مرة فيم مضى أن أداوي ضوائقي بالانفاق، فوالله ... ووالله لا تمر فترة وجيزة إلا وتضاعف ما بذلته من حيث لم أنتظر!
فتكفلوا بظواهر الأمور ما استطعتم،
والله يتولى ما بطن!
والسلام.