فتح جزيرة رودس :
من أهم الأسباب التي دفعت جقمق لفتح رودس ما يلي :
1- كانت جزيرة رودس مركزاً هاماً للصليبين في شرق البحر المتوسط .
2- تحريض السلطان مراد الثاني العثماني لجقمق على غزو رودس ؛ ليشغل فرسان الإسبتاريه برودس عن الإنضمام للحلف المسيحي الكبير الذي هدف لشن حملة صليبية جديدة ضد العثمانيين .
3- رغبة جقمق في أن يحذو حذو برسباي من ناحية ، وحتي يصرف أنظار المماليك عن النزاعات الداخلية ، ويوجه طاقتهم نحو الغزو الخارجي من ناحية ثانية .
حملات جقمق على رودس :
الحملة الأولى سنة 1440م : كانت صغيرة ولم تؤتي نتائجها ، وكانت إستطلاعية بالدرجة الأولى .
الحملة الثانية سنة 1443 م : كانت بقيادة الأمير إنيال العلائي ، وحققت بعض النجاحات بضم بعضاً من قلاع رودس ، إلا أن عواصف الشتاء إضطرتها للعودة أدراجها .
الحملة الثالثة سنة 1444 م : وكانت هي أكبر الحملات وأوفرها عدة وعتاد ، وقد واجهتها بعض الصعاب متمثلة في : شدة مقاومة الإسبيتارية ، فضلا عن مساعدات الغرب المسيحي للجنود في رودس ، وهكذا رأى قائدا الحملة الأمير إنال العلائي وتماباي إنهائها بالصلح ، بعد أن تعهد الإسبتاريه بعدم التعرض للمسلمين أوالإضرار بتجارتهم .
وفاة السلطان جقمق :
مات جقمق سنة 1453 م ، بعد أن بلغ الثمانين عاماً ، وكان أثناء مرضه قد عهد بالحكم من بعده لإبنه عثمان ، وأعقب وفاة جقمق تولى العهد مجموعة من السلاطين الضعاف .
تولى الحكم بعد السلطان الظاهر جقمق مجموعة من السلاطين الضعاف وهم :
1- أبنه المنصور عثمان : والذي لم يتمكن من البقاء في الحكم أكثر من شهر ونصف ، حيث خلعه الجيش لأنه وزع عليهم النفقة بنقود مغشوشة من نقوده المعروفة بالمناصرة، نسبة إلى إسمه ، وهي دنانير ذهبية ناقصة القيمة .
2- الأشرف إينال : ولعل أوضح ظاهرة أتصف بها عهد إينال هو إضطراب الأمور الداخلية ، وكثرة الثورات حيث ثار الجلبان أو الأجلاب 7 مرات في عهده الذي لم يتجاوز الـ 8 سنوات .
3- أحمد ابن إينال : لم يدم حكمه سوى أربعة أشهر .
4- الظاهر خشقدم : أمتاز عهده بالهدوء ، ولم يعكر صفو حكمه سوى المحاولة التي قام بها جانم بك نائب الشام لإنتزاع العرش ، وأنتهى الأمر بالقبض عليه وقتله .
5- يلباي المجنون : اختاره الأمراء ليخلف خشقدم بعد وفاته سنة 1467 م ، ثم الظاهر تمر بغل في العام نفسه .
6- الظاهر تمر بغا : لم يتمكن السلطان تمربغا من إرضاء أطماع المماليك الخشقدمية وزعيمهم خير بك ، الذي نازع تمربغا الأمر حتى تمكن من أغتصاب الحكم لنفسه .
7- الظاهر خيربك : صعد إلى دست السلطنة ليلا وتلقب بالظاهر تشبها بأستاذه خشقدم ، ولكن الأتابك قايتباي أسرع إلى القلعة في نفس الليلة ليتولى السلطنة ، بعد أن تمكن من عزل خير بك ، والذي أطلق عليع المؤرخون لقب ( سلطان ليلة ) .
السلطان قايتباي : ( 1468 – 1496 م )
ولد الأشرف أبو النصر قايتباي بالقفجاق على نهر فولجا في روسيا الحالية، واشتراه تاجر يدعى محمود ابن رستم. وجيء به إلى مصر في عام 839هـ (1435م) وهو في الثالثة عشرة من عمره، واشتراه السلطان برسباي لحاميته بالقلعة.
وأعتـق في عهد السلطان جقمق، وعين في منصب جمدار، ثم في منصب خاصكي، ثم في منصب الدودار. ثم ارتقى صفوف الجيش, ليصبح قائدا للجيوش عام 872هـ (1467م). وحدث في ذلك العام هياج بين أمراء المماليك نتج عنه عزل السلطان الظاهر تمربغا من السلطة.
وقام الخليفة العباسي المستنجد بالله بمبايعة قايتباي سلطانا فأخذ قايتباي في البكاء؛ خشية أن يقتله أمراؤه. وهكذا أصبح قايتباي سلطانا على مصر والشام، وحكم إلى أن توفي عام 901هـ (1496م). وفي عهده بدأت تظهر أطماع العثمانيين للاستيلاء على مصر.
الأوضاع عقب وفاة قايتباى :
كما رأينا أنه ساءت أحوال البلاد فى أواخر عصر السلطان قايتباي بسبب كثرة الأعباء المالية وانتشار مرض الطاعون بدولة المماليك كلها سنة 897 هـ / 1492م ووفاة السلطان قايتباي سنة 901 هـ / 1496 م ، ثم بدأ أمراء المماليك التنازع على الحكم وقتل بعضهم البعض .
- ثم حدث بعد ذلك أن واجهت مصر أكبر عقبتين لها الأول وهو اكتشاف البرتغاليين لطريق رأس الرجاء الصالح سنة 892 هـ / 1487م وأعقب ذلك تمكن " فاسكو دي جاما " من الوصول إلى الهند عن طريق الطواف حول أفريقيا سنة 904 هـ / 1498 م وبذلك حول طريق التجارة العالمي من البحر الأحمر ومصر فلم تعد مصر محل الوساطة التجارية بين الشرق والغرب وبذلك فقدت سلطنة المماليك المورد الرئيسي لثروتها ومن ثم بدأت فى الذبول السريع.
تعاقب على عرش السلطنة بعد وفاة الأشرف قايتباي مجموعة من السلاطين الضعاف وهم :
1- أبنه محمد ( 1496 – 1497 م ) .
2- قانصوة خمسماية : وهو لم يلبث في العرش سوى 3 أيام .
3- عاد محمد بن قايتباي ( 1497 – 1498 م ) .
4- قانصوة الأشرفي : ( 1498 – 1500 م ) .
5- جانبلاط ( 1500 – 1501 م ).
6- العادل طومان باي الأول ( 1501 م ) .
وجميع هؤلاء السلاطين حكموا مدداً قصيرة مما يشهد على مدى حالة الفوضى وعدم الإستقرار التي شهدتها البلاد في ذلك الدور الأخير من حياة الدولة المملوكية . وليس أدل على هذه الحالة من الفوضى من أن معظم السلاطين الذين تولو خلال تلك الفترة كانت نهايتهم القتل أو السجن أو النفي وأحياناً السمل والخنق ... ، مما جعل معظم الأمراء يعزفون عن تولى منصب السلطنة المشؤوم الذي غدا ملطخاً بالدماء .
السلطان الأشرف قانصوة الغوري
من هو الأشرف قانصوة الغوري ؟
قانصوه (سيف الدين) بن عبد الله (850-922 هـ/1446-1516 م)، سلطان مصر والشام (حكم: 905-922 هـ/1499-1516 م)
كان السلطان قنصوه الغوري مملوكا شركسيا بدأ في خدمة السلطان قايتباي، ثم أصبح سلطانا للبلاد في شهر شوال من عام 906هـ (مايو من عام 1501م)؛ بعد رفض شديد. وقد أصر على تلقي ضمانات وتأكيدات من الأمراء المماليك، قائلا: "إنني أقبل، بشرط ألا تقتلوني".
وقد عم الاستقرار والأمان القاهرة في عهده، وشغل المناصب الحكومية بمماليك من أهل الثقة، واستطاع إنهاء الأزمة المالية التي نتجت عن إفلاس الخزانة.
وكان مشهورا بالفخامة والرفعة والسمو؛ حتى أن مماليكه وخيوله وجواهره ومطابخه اعتبرت نموذجا رفيعا للبلاط المملوكي. وكانت ندواته الأدبية ملتقى الشعراء والكتاب والعلماء.
بنى الآثار الكثيرة، قاتل السلطان سليم العثماني في مرج دابق على مقربة من حلب، وانهزم عسكره، فمات قهرا.
هزيمة الغوري في مرج دابق
ساءت العلاقة بين العثمانيين والمماليك، وفشلت محاولات الغوري في عقد الصلح مع السلطان العثماني "سليم الأول" وإبرام المعاهدة للسلام، فاحتكما إلى السيف، والتقى الفريقان عند "مرج دابق" بالقرب من حلب في (25 من رجب 922هـ = 24 من أغسطس 1516م).
وأبدى المماليك في هذه المعركة ضروبا من الشجاعة والبسالة، وقاموا بهجوم خاطف زلزل أقدام العثمانيين، وأنزل بهم خسائر فادحة، حتى فكّر سليم الأول في التقهقر، وطلب الأمان، غير أن هذا النجاح في القتال لم يدم طويلا فسرعان ما دب الخلاف بين فرق المماليك المحاربة، وانحاز بعضها إلى الجيش العثماني بقيادة "خايربك".
وسرت إشاعة في جيش المماليك أن الغوري سقط قتيلا، فخارت عزائمهم ووهنت قواتهم، وفرّوا لا يلوون على شيء، وضاع في زحام المعركة وفوضى الهزيمة والفرار، نداء الغوري وصيحته في جنوده بالثبات والصمود وسقط عن فرسه جثة هامدة من هول الهزيمة، وتحقق للعثمانيين النصر الذي كان بداية لأن يستكمل سليم الأول فتوحاته في الشام وأن يستولي على مدنه واحدة بعد أخرى، بعدها سلَّم معظمها له بالأمان دون قتال.
السلطان الأخير من سلاطين الدولة المملوكية
طومان باي
اتفقت كلمة الأمراء في مصر على اختيار "طومان باي" للسلطنة، فأخذ يستعد لمقاومة العثمانيين وعزم للخروج لقتالهم ولا ينتظر مجيئهم، ولكنه اصطدم بتخاذل المماليك، واستهانتهم بخطورة الموقف، وعدم تقديرهم للمسئولية في الوقت الذي أرسل فيه السلطان سليم الأول رسالة إلى طومان باي يعرض عليه الصلح ويبقيه على حكم مصر في مقابل أن يقر بتبعيته للدولة العثمانية، غير أن هذه المساعي السلمية لم تكلل بالنجاح.
واضطر طومان باي إلى مواصلة الاستعداد للقتال، فخرج إلى "الريدانية" وتحصّن بها فحفر خندقا على طول الخطوط الأمامية، ووضع مدافعه الكبيرة وأعد أسلحته وبنادقه وحاول شحذ همة مماليكه وقواته ولكن دون جدوى؛ فقد جبن كثير منهم عن اللقاء حتى كان بعضهم لا يقيم بالريدانية إلا في خلال النهار حتى يراهم السلطان، وفي المساء يعودون إلى القاهرة للمبيت في منازلهم.
ولم يكن من شأن جيش كهذا أن يثبت في معركة أو يصمد للقاء أو يتحقق له النصر، فحين علم طومان باي وهو في الريدانية بتوغل العثمانيين في البلاد المصرية حاول جاهدا أن يقنع أمراءه بمباغتة العثمانيين عند الصالحية، وهم في حالة تعب وإعياء بعد عبورهم الصحراء، لكنهم رفضوا، معتقدين أن الخندق الذي حفروه بالريدانية كفيل بحمايتهم ودفع الخطر عنهم، لكنه لم يغن عنهم شيئا، فقد تحاشت قوات العثمانيين التي تدفقت كالسيل مواجهة المماليك عند الريدانية عندما علمت تحصيناتها، وتحولت عنها، واتجهت صوب القاهرة، فلحق بهم طومان باي.
والتحم الفريقان في معركة هائلة في (29 من ذي الحجة 922هـ = 23 من يناير 1517م)، وأبلى طومان باي في المعركة بلاء حسنا، وقتل "سنان باشا الخادم" الصدر الأعظم بيده، وكثر القتلى بين الفريقين، غير أن العثمانيين حملوا على المماليك حملة صادقة زلزلت الأرض من تحتهم، فضاقت عليهم بما رحبت، وانسحب طومان باي ومن بقي معه إلى نواحي الفسطاط، ودخلت طلائع الجيش العثماني مدينة القاهرة، وأخذوا يتعقبون جنود المماليك في كل مكان.
دخول سليم الأول القاهرة
السلطان سليم الأول
وفي يوم الإثنين الموافق (3 من المحرم 923هـ = 26 من يناير 1517م) دخل سليم الأول مدينة القاهرة في موكب حافل، يتقدمه الخليفة العباسي والقضاة، وقد أحاطت به جنوده الذين امتلأت بهم شوارع القاهرة، يحملون الرايات الحمراء شعار الدولة العثمانية، وكتب على بعضها "إنا فتحنا لك فتحا مبينا"، وفي بعضها "نصر من الله وفتح قريب".
ولم يكد يهنأ سليم الأول بهذا الفتح حتى باغته طومان باي في "بولاق"؛ وذلك في اليوم الخامس من المحرم، واشترك معه المصريون في هذه الحملة المفاجئة، وأشعلوا في معسكر سليم الأول النيران، وظن الناس أن النصر آت لا محالة، واستمرت مقاومة المماليك أربعة أيام وليال، وظهروا فيها على العثمانيين، حتى إنه خطب لطومان باي في القاهرة في يوم الجمعة، وكان قد دعي لسليم الأول في الجمعة التي سبقتها، غير أن هذا الفوز لم يحسم المعركة لصالح طومان باي؛ إذ سرعان ما لجأ الجنود العثمانيون إلى سلاح البنادق، وأمطروا به من فوق المآذن الأهالي والمماليك، فأجبروهم على الفرار، وفرَّ طومان باي إلى "البهنا" التي تقع غربي النيل في جنوب القاهرة.
استمرار المقاومة
ظل طومان باي يعمل على المقاومة بما تيسر له من وسائل، واجتمع حوله كثير من الجنود وأبناء الصعيد حتى قويت شوكته، غير أنه أدرك أن هذا غير كاف لتحقيق النصر، فأرسل إلى سليم الأول يفاوضه في الصلح، فاستجاب له السلطان العثماني، وكتب له كتابا بهذا، وبعث به مع وفد من عنده إلى طومان باي، لكن الوفد تعرض لهجوم من بعض المماليك وقتل بعض رجاله؛ فحنق السلطان سليم الأول وخرج لقتال طومان باي بنفسه، والتقى الجيشان قرب قرية "الوردان" بالجيزة في (9 من ربيع الأول 923 هـ =1 من إبريل 1517م)؛ حيث دارت معركة حامية استمرت يومين وانتهت بهزيمة طومان باي وفراره إلى البحيرة.
نهاية طومان باي على باب زويلة
لجأ طومان باي إلى أحد رؤساء الأعراب بإقليم البحيرة طالبا منه العون والحماية فأحسن استقباله في بادئ الأمر، ثم وشي به إلى السلطان سليم الأول، فسارع بإرسال قوة للقبض عليه فأتت به إليه، وأخذ السلطان يتأمله معجبا بشجاعته وفروسيته، ثم عاتبه واتهمه بقتل رسله الذين أرسلهم لمفاوضته في الصلح، فنفى طومان باي التهمة عن نفسه، وبرر استمراره في القتال بأن الواجب يحتم عليه هذا، وكاد السلطان العثماني من إعجابه بشجاعة طومان باي أن يعفو عنه، ولكنه لم يفعل تحت تأثير الوشاة الذين حرّضوا السلطان على قتله بحجة أن لا بقاء لملكه في مصر ما دام طومان باي على قيد الحياة.
وفي يوم الأحد الموافق (21 من شهر ربيع الأول 923 هـ = 15 من إبريل 1517م) أخرج طومان باي من سجنه، وسار وسط حرس عدته 400 جندي إلى باب "زويلة"؛ حيث نصبت له مشنقة فتقدم لها هادئ النفس ثابت الجنان والناس من حوله يملئون المكان حيث لقي حتفه وسقط ميتا؛ فصرخ الناس صرخة مدوية تفيض حزنا وألما، وظلت جثته معلقة ثلاثة أيام ثم دفنت في قبة السلطان الغوري، وبموته انتهت دولة المماليك وسقطت الخلافة العباسية، وأصبحت مصر ولاية عثمانية.