في بداية الستينات ، بعيد الاستقلال ، كنا ننظر إلى الجمهورية العربية المتحدة ، اسم جمهورية مصر العربية آنذاك ، كنا ننظر إليها نحن الدول العربية ، على أنها الأخت الكبرى ، لا نعمل شيئا إلا بمشورتها ، ولا نقدم على أمر إلا بعد الرجوع إليها ، وكنا نتصرف كذلك اعترافا بجميلها علينا أثناء محنتنا عندما كنا مستعمرين ، حين هبت لنجدتنا ، وفتحت ذراعيها لتحضننا ، وقدمت لنا العون المادي والمعنوي .
كان عبد الناصر بالنسبة لنا رمزا للتحرر ، وقدوة تحتذى في الشجاعة والتحدي ، كيف لا وهو الذي وقف في وجه العدوان الثلاثي وبنى السد العالي ، ولم يأل جهدا في بناء الوحدة العربية التي كانت حلم كل واحد منا .
وتمر الأيام ، وتحدث النكسة ، وينكسر عبد الناصر ومعه مصر والعرب ، ويتبخر الحلم ، حلم عبد الناصر ، حلم الوحدة العربية ، ويموت الحلم بوفاة عبد الناصر .
يأتي السادات ، وتأتي معه حرب أكتوبر التي امتزجت فيها دماء كل العرب ، كما امتزجت في حرب جوان 67 ، وتتنكر القيادة المصرية لتضحيات المصريين والعرب بذهاب السادات إلى القدس المحتلة وعقد معاهدة كامب ديفيد ، لتسترجع سيناء استرجاعا صوريا ، بحيث يمنع عليها نشر قوات عسكرية تفوق حدا معينا ، ويمنع عليها أيضا نشر أسلحة هجومية .
آخذت الأخوات الصغريات ( الدول العربية ) أختهم الكبرى ( مصر) تركهم وحيدات في مواجهة الوحش المفترس ، إسرائيل وأمريكا وبقية الدول الغربية . وكانت أشد هذه الأخوات مؤاخذة للأخت الكبرى ، الأخت الصغرى التي لم تفطم بعد ، فلسطين ، التي تركت فريسة في مأدبة اللئام .
ويوما بعد يوم يزداد جفاء الأخت الكبرى وبعدها عن أخواتها الصغريات ، وارتماؤها في أحضان أولئك اللئام الذين عانت منهم مصر وأخواتها الأمرين ، ونست أو تناست التضحيات الجسام للمصريين والعرب التي كان سببها هؤلاء اللئام .
لما يئست تلك الأخوات من أختهم الكبرى ، تعلمن أو حاولن تعلم الاعتماد على النفس وشق طريقهن وحدهن ، كما أن أختهن الكبيرة التي كانت كبيرة في أعينهن ، بدأت تصغر يوما بعد يوم في نظرهن ، ولم يعد لها ذلك التأثير المعنوي عليهن ، بل في بعض الأحيان صرن يرثين لحالها ، وأحيانا صرن يسخرن منها بسبب ما وصلت إليه من الهوان بعد ابتعادها عن أهلها .
رغم رفرفة علم الوحش في عقر دار الأخت الكبيرة ، ورغم التصرفات الغريبة الصادرة عنها ، ظل خيط رفيع يربط بين الأخوات والأخت الكبيرة ، وكن دائما يتألمن للحال الذي وصلت إليه أختهن الكبيرة .
وقد بلغ العنت والصلف بالأخت الكبيرة ( شكلا ) والصغيرة ( مضمونا) أنها حولت مقابلة في كرة القدم إلى حرب ضد إحدى أخواتها ( الجزائر ) ، حيث جندت وسائل إعلامها من صحف وقنوات تلفزيونية لتشن حملة لم تشنها على الوحش ( إسرائيل ) في أحلك أيامها .بدأت بتدنيس مقدسات ورموز الجزائر ، حيث وصفت الشعب الجزائري بالإرهاب والاتزاق والبربرية ، وحملته مشاكل الخبز والفقر والتذمر التي يعيشها الشعب المصري . هل هذه التصرفات تصدر من شعب يدعي التحضر ويصف الآخرين بالبربرية ؟ أعرف عن المتحضرين حسن الأدب والألفاظ .
كيف يعقل أن تعجز قوات الأمن المصرية عن حماية حافلة اللاعبين الجزائريين ، ولا تعجز عن حماية السفارة الإسرائلية أو موكب الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز الذي زارها بعيد المقابلة ، ربما ليهنئ الرئيس المصري على تنفيذ الخطة المتفق عليها .وعندما اشتكى الجزائريون اتهموا بأنهم مثلوا بأنفسهم ، وأنهم هم الذين كسروا زجاج نوافذ الحافلة ، وهي حيلة لا تنطلي على المصريين! وحاولوا تجاهل الحقيقة التي كان شاهدا عليها وسائل إعلام غربية ، وخبأوا رؤوسهم في الرمال .
إن الطريقة التي أراد بها حاكم مصر توريث الحكم لابنه جعلته أضحوكة للعالم . هل هذه هي مصر التي جعلتموها مسخرة هي التي تسمونها "أم الدنيا" ؟ سمعت بعض المصريين يتغنون بالعبارة التالية : "الكبير كبير " ، وانا أرد عليهم بقول الشاعر :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
إن ما كنا نسميه "فنانين " وهم أشباه فنانين ، انبطحوا أمام نظامهم وانساقوا كما يساق القطيع ، وانظموا إلى الحثالة ينهشون عرض الجزائر ويدنسون مقدساتها ، كنت مخطئا فيك يا عمر الشريف ومحمود ياسين ، أما أنت يايسرى فأنت والفن إثنان . الحق على مسئولينا الذين كرموك وأنت لست أهلا للتكريم . هل العظماء يساقون كما تساق البهائم .
لم تعودي يامصر عظيمة ، ولا أختا كبرى ، بل صرت أصغر أخوتك قيمة ، لذلك فليس من حقك أن تتكلمي باسم أخواتك الأخريات. أوجه نداء إلى كل الدول العربية أناشدهم فيه نقل مقر الجامعة العربية من مصر إلى دولة عربية أخرى ، وأوجه ندائي إلى الكونفدرالية الإفريقية وأناشدها فيه نقل مقرها إلى دولة إفريقية أخرى .
إظهري على حقيقتك يا مصر آل مبارك، فقد سقط قناعك .