لقد قرأت هذا الموضوع فيhttps://difaf.net و رأيت ان أنقله هنا لعل النفوس تهدأ
أرجوا التثبيت لتعم الفائدة.
بقلم: الأستاذ حسين لقرع
(شيء لا يصدقه العقل ، ولكنه مع ذلك واقع حي يتحرك أمام أعيننا ..هيستيريا بكل ماتحمله الكلمة من معان، صخب ، ضجيج، حملات صحفية، برامج ، تهييج ، تجييش
…شيء أغر ب من الخيال ولكنه واقع حي يتحرك … الكرة تصنع كل هذا ؟ على كل حال هذا مقال للزميل حسين الاقرع في انتظار مباراة ـ تصور معظم الصحف تسميها "واقعة " "معركة"…؟؟؟أي درك انحططنا إليه ، ذلك ماسنعالجه بعد مباراة القاهرة إن شاء الله ، والأمل أن لا يكون هناك أموات ولا جرحى ولا ….لقد وجد الحكام "بيئة ذهبية " للاستثمار .فهنيئا لهم )
******
أسفرت احتفالات الجزائريين بفوز المنتخب الوطني على نظيره الزامبي عن مصرع 12 شابا وجرح 350 آخرين في مختلف مناطق الوطن، حيث سقط اغلبُهم من السيارات والشاحنات أو أصيب في حوادث مرور قاتلة أثناء تلك الاحتفالات المجنونة.
ولا شك أن الحصيلة الثقيلة التي أسفرت عنها المباراة الأخيرة غير طبيعية بالمرَّة وتدعو إلى الحسرة والأسى على التأثير السلبي المتزايد لهذه اللعبة في نفوس وعقول الجزائريين، فهل من المعقول أن يرمي 12 مناصراً في عمر الزهور أيديهم إلى التهلكة عبر الاحتفال بتلك الطريقة المجنونة التي رأيناها جميعا في الشوارع والتلفزيون حيث لا يتورع الكثيرون عن الصعود على فوق أسطح الحافلات والشاحنات أو مسك قضبانها والتعلق بها، وهي وضعيات خطيرة لا يمكن إلا أن تنجم عنها حوادث وخسائر بشرية ومادية كالتي رأينا جميعاً؟
ولعل ما يدعو للأسى أكثر أن هؤلاء لم يعرِّضوا أرواحَهم للخطر ولم يموتوا أو يُجرحوا في سبيل نصرة فلسطين إعلاء كلمة الله، بل قضوا أو جُرحوا وهم يحتفلون بنصر في مباراة كرة قدم، وكان يمكن الاحتفالُ به بشكل عادي ومعقول كما كان الشأنُ في العقود الماضية.
لقد أثبتت الأحداثُ الأخيرة التي أعقبت مباراة زامبيا أن الكرة أصبحت الآن أفيون الشعوب العربية والإسلامية أيضاً بعد أن كانت أفيون شعوب الغرب، فقد تفشت آفة الهوليغانز عندنا في السنوات الأخيرة وتعدى العنف في الملاعب حدود المعقول وأصبح مناصرون يقتلون آخرين بكل برودة عقب نهاية مباراة محلية لأن النتيجة لم ترض طرفاً ما، وفشلت كل الحلول في محاصرة الآفة التي استشرت وانتشرت انتشار النار في الهشيم ولم يعد ينفع معها حل سوى إيقاف هذه اللعبة المجنونة بعد أن أصبحت أضرارُها أكثر من منافعها، إن كانت لها منافع أصلاً. ولكن هذا الحل غير قابل للتطبيق عملياً لسبب بسيط وهو رغبة الحكومات العربية والإسلامية في الإبقاء على شعوبها مخدَّرة تأكل بعضها البعض كالنار إن لم تجد ما تأكله، حتى لا تنشغل بمسائل الديمقراطية الحقيقية والمطالبة بحقوقها.
ولعل من يطلع على بعض المواقع العربية يرى جانباً من هذه النار التي تأكل بعضها البعض مجسَّدة في صورة الحرب الالكترونية بين المناصرين الجزائريين والمناصرين المصريين، حيث انفجر بركان الأحقاد وبلغ التعصب أقصى حدوده وأصبح الطرفان يتراشقان بالسِّباب والقدح والشتم الجارح وكل طرف يعاير الآخر على طريقة النسوان، وعجز ذوو العقول الراجحة عن تذكيرهما بأن المسألة تتعلق فقط بمباراة في كرة القدم وليس بحرب بين عدوين، وأن الذي سيصعد إلى كأس العالم لن يصعد إلى القمر والفضاء كالأمم المتقدمة، وأنه يجدر بالشعبين الشقيقين أن يتذكرا روابط الإسلام والعروبة ويكفا عن هذه الحرب الطاحنة التي لم تضع أوزارها منذ 20 سنة، وكأنها حرب بسوس جاهلية أخرى تتجسَّد في شكل آخر.
والمؤسف أن بعض المواقع الالكترونية العربية أصبحت "متخصصة" في نشر أبسط خبر رياضي عن المنتخبين ونشر التصريحات والتصريحات المضادة لكي تتهاطل عليها تعليقات الجمهور، ثم تكتب بكل فخر أن هذه الأخبار هي الأكثر مقروئية وإثارة للتعاليق والأكثر إرسالاً إلى الأصدقاء، لتساهم بذلك في تأجيج نيران الأحقاد والكراهية والتعصب بين الشعبين الجزائري والمصري وهي تحسب أنها تحسن صنعاً!
لقد بدا لي أن ترك التراويح ليلة مباراة الجزائر وزامبيا مصيبة كبيرة، ولكني تيقنت بعد اطلاعي على حجم الخسائر البشرية المهولة المرافقة للاحتفالات بالانتصار، وكذا حجم الكراهية والتعصب الذي خلفته هذه التصفيات بين الشعبين الجزائري والمصري أن المصيبة الحقيقية تكمن هنا، وأن آثارها ستمتد لعقودٍ أخرى، وقد يسقط خلالها العشرات من ضحايا الاحتفالات المجنونة وتكبر دائرة الكراهية حتى تصبح داءً مستحكماً عصيًّا على أي علاج.
إن لعبة ً تنسي شعبين عربيين القدس وفلسطين ومجازر الاحتلال الإسرائيلي وضياع الكثير من الأراضي الإسلامية في العالم وتنسيهم قضاياهم الحقيقية وتجعلهم يتفرغون فقط للسِّباب والتنابز بالألقاب، هي لعبة مجنونة وملعونة لا يمكن إلاَّ أن تجلب العداوة والبغضاء والتدابر وتخدير العقول والتعصب الأعمى المقيت والمزيد من الوهن والتمزق في أوصال الأمة.