درب أبيك اتركه لأبيك و ابحث في نفسك عن دربك أنت

[⋟صقر☬الأندلس⋞]

عندما كنت صبيّاً إحتجت ذات مرّة للذهاب إلى القرية المجاورة ، أردت الذهاب على الدرب الذي شقه أبي ، لكن أحد شيوخ الجبال إستوقفني قائلا : درب أبيك اتركه لأبيك و ابحث في نفسك عن دربك أنت .
بصعوبة تمكّنت من إقناع أبنائي بالمجيء ، إنّهم لا يحبُّون الرّعي و لا يرغبون به ، كما لو أنّهم من دم مختلف ، لا يرغبون بمهنة أجدادهم ، تنضمُّ الشّياه إلى القطيع المتوجّه إلى الجبال ، أمّا الأبناء فلهم دربهم ؛ نحن آخر أجيال الرُّعاة .
لديّ ثلاثة أولاد ، واحد منهم فقط هو الذي ورث مهنة الرّعي عنّي ، لقد أجبرتُه بالقوّة تقريبا على احتراف الرّعي ، لم يشأ سافر هربا بحثاً عن عمل ، و عند عودته أمسكته و قلت له : هذه هي العصا و هذه هي الغنم ، هيّا اعمل .
الصّعود إلى المروج يتطلّب طريقا طويلا و شاقّا ، و مع كل خطوة تدرك السّبب في هجر الرُّعاة لهذه المهنة ، إذا استمرّ الحال على هذا المنوال فسأهجر الرّعي و أعمل بائعا في السّوق ، هناك لا توجد مشاكل .
أصبح العثور على راعٍ الآن في غاية الصّعوبة ، فمثلا لو ذهبت لاستئجار عمّالٍ فسأجدهم على الفور ، و عندما يسألونني : هل تحتاج إلى عمّال ؟ أجيبهم نعم ، فيسألون : أيّ عمل ؟ فأقول : للرّعي ، يقولون : لا ، الأفضل أن نجوع من أن نعمل رعاة ؛ لا يعجبهم هذا العمل ، يهربون منه ، يفضّلون أن يبقوا عاطلين .
لم تعد مهنة الرّعي الآن جذّابة ، لا أحد يُحبُّ أن يزاولها ، جيلنا سيكون آخر جيل مارسها .