تنبيه حول بيت إذا الشعبُ يومًا أرادَ الحياةَ...
إنّ من الأمور التي لا ينبغي للمسلم أن يغفل عنها هو اعتناؤه بحفظ لسانه و صونه، و الحرصُ على ألاّ يكتب عليه الملك المُوكَّل به كلامًا لا يليق التّلفّظ به، و خاصّة إذا كان يتعلّق بمسائل الإيمان و التوحيد، قال الله تعالى : " ما يلفِظ من قول إلاّ لديه رقيبٌ عتيد " سورة ق 18.
و إنّ مما كَثُرَ سماعه و ترديده هذه الأيام عبر وسائل الإعلام المختلفة بيتًا من الشعر للشاعر التونسي أبي القاسم الشابّي يقول فيه :
إذا الشعبُ يومًا أراد الحياةَ فلا بُدّ أن يستجيب القدر
ففي هذا البيت :
التصريح بأنّ إرادة الشعب لا تتخلّف، و لا بدّ أن تقع، و أن القدر تابعٌ و مستجيبٌ لها.
و هذا غلطٌ فاحش و قول شنيع؛ يُضادّ عقيدة الإيمان بالقدر، لأنّ اللهَ جلّ ذِكرُه لا يُوجب عليه أحدٌ من خلقه شيئاً، فالعبادُ و الشعوبُ و حياتهم من جملة مخلوقاته، و جميع ما خلق الله تعالى يسير وَفقَ قضائه و قدره، و كلّ ما يريده العباد و يشاؤونه تابعٌ لإرادته تعالى و مشيئته، فما شاء اللهُ كان و ما لم يشأ لم يكن، و لا مانعَ لِما أَعطى، و لا مُعطيَ لما منع، و لا رادَّ لقضائه و لا مُعقّب لحُكمِه، قال صلى الله عليه و سلم : " إنه يفعل ما يشاء، لا مُكره له " متفق عليه.
فما من شيء في هذا الوجود إلاّ و يقع بعلم الله و قدره، و القدر على أربع مراتب : علم الله تعالى السابق، ثم كتابته له، ثم مشيئته له، ثم خلقُه له، يقول الله تعالى : " ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء و الأرض إنّ ذلك في كتابِ إنّ ذلك على الله يسيرٌ " سورة الحج 70، و قال : " و ما تشاؤون إلاّ أن يشاء اللهُ ربُّ العالَمين " سورة التكوير 29، و قال تعالى : " إنّا كلّ شيء خلقناهُ بقَدَرٍ " سورة القمر 49، و قال تعالى : " و خلق كلّ شيء فقدّرَهُ تقديرًا " سورة الفرقان 2، و قال رسول الله عليه الصلاة و السلام : " كتبَ اللهُ مقاديرَ الخلائق قبلَ أن يَخلُقَ السماوات و الأرضَ بخمسين ألف سنة " رواه مسلم 2653.
فنقول : كذبَ الشاعرُ فيما قال و بئسَ ما قال : إذ فحوى البيت و معناه كفر و ضلال، و على المسلم أن لا ينساقَ وراء هذه الكلمات الرّنّانة و العبارات المُزَخرفَة، فقديمًا قيل : " إن أعذَب الشّعر أكذبُه " و عليه أن يتحرّى الجادّة و الصواب في كل ما يقول و ينشر، و أن لا يُروّج مثل هذا البيت، و أن يُنبّه على ما فيه مِن خَدْش كبير لعقيدة الإيمان بالقدَر....
و الله المستعان، و هو الهادي إلى سواء السبيل.
نقلا من مجلة الإصلاح صفحة 64 العدد الرابع و العشرون.