الحمد لله
من جمال الإسلام كذلك أنه جاء ليعلّق الخَلق بخالقهم, بينما الديانات و المذاهب الفاسدة تعلق الخَلق بالخَلق.
و لا يشك عاقل أن هناك بونا شاسعا بين من يوحد الرب الإله الحق و يلجأ إليه و يستغيث به و يفوض أمره إليه في شؤونه كلها, و بين من يلتجأ إلى مخلوق مثله ليقضي حوائجه و يفرج همومه و يجلب له نفعا أو يدفع عنه ضرا.
فالأول قد لجأ إلى سيد الكون العظيم الذي بيده أزمّة الأمور و هو الفعال لما يريد, إذا قضى شيئا فلا راد لقضائه فإن كان خيرا فلا راد لفضله, و إن أمسك عن عبد رحمة أو رزقا فلا مرسل له.
فدعاء هذا الإله المالك لخزائن السماوات و الأرض و الاستغاثة به و التوكل عليه و رجاء فضله من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير الدافعة لكل شر..
أما من يأتي مخلوقا مثله عاجزا كعجزه فقيرا كفقره ثم ينزل به حوائجه فهو في جهل بعيد إذ كيف يطلب الشيئ من فاقده.
و ليس المقصود هنا إتخاذ الأسباب المشروعة لجلب المنافع كالرزق و الشفاء و العلم و قضاء الحوائج المختلفة و طلب ذلك من المخلوق فيما يقدر عليه
مع الإفتقار إلى الله وحده, فاتخاذ الأسباب مأمور به شرعا إذ لا يستطيع بشر أن يعيش وحده, فيكون طبيب نفسه و رئيس عمل نفسه وولي أمر نفسه
لا, هذا ليس في الإسلام.
و لكن الخطأ الجسيم في الملل و المذاهب الفاسدة التي يطاع فيها القسيس أو الشيخ أو المرشد طاعة عمياء تصل إلى حد العبادة, و رجاء النفع و دفع الضر منهم. يقول الله تعالى : (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ) (67) الأحزاب
و كذلك من يرتكب المحرمات مثل الرشوة و التزوير و الظلم طاعة لرؤسائه أو خوفا من ضرر مخلوق نعوذ بالله أن نكون كذلك. و لاحول و لا قوة إلا بالله
فالمفروض أن المسلم الواثق بربه يفرد الله بأنواع العبادة كالتوكل و التفويض و الإفتقار إليه جل ثناؤه.
(ومن يتوكل على الله فهو حسبه)
و من ينظر في سيرة الصحابة يجد عجبا, إذ كيف لبدو ضعفاء فقراء, وهم مع ذلك قبائل متفرقة متناحرة, كيف لهم أن ينقلبوا سادة للعالم أنذاك, حتى يسقطوا
أكبر إمبراطوريتين في ذلك الوقت فارس و كادوا يسقطون الروم و يصلوا بدولتهم إلى ما يناهز ثلث العالم المعروف أنذاك, حتى قال ملك الصين لكسرى فارس لما بعث إليه
يستنجده : والله لاقبل لنا بقوم لو أرادوا خلع الجبال لخلعوها
فكيف انقلبوا من النقيض إلى النقيض؟
إنه التأييد الإلهي بنصره لما علم من صدق إيمانهم به و حق توكلهم عليه مع استقامتهم على شرعه الحكيم.
فنسأل الله أن يلهمنا رشدنا و يتوب علينا و يرزقنا العلم النافع و العمل الصالح.
و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه