اجتمع صناع الكلمة في مسرح الحياة يتسابقون فيما بينهم ،وكل يحمل دفتر أيامه وقصائد معاناته ،ووجدت نفسي قهرا بينهم ..وليس لي كلمات ،فرحت أسابق الزمن لأجمع حروفا اكتملت من نهايتي واجتمعت من تشتتي وخرجت للحياة حينما كنت على وشك الدخول إلى عالم الأموات ،وسرت عبر جسر الذاكرة المهترىء المهزوز ككفي مصافحين متنافرين وهي تربط بين أيام خلت وأيام أقبلت وكل زمن يأبى الانحناء للآخر والتواضع له ،وبجهد عدت إلى تلك الروضة التي كنت فيها بقرب الروح نتكئ على شجرة الأمل وسط الزهور وتحت أوراقها التي كانت تحمينا من لفحة الرحيل وصواعق الفراق والألم ومنفذا لطيفا لأشعة تبعث النور فنرى من خلاله الحياة في زينتها وأبهى حللها وأنا أعزف أعذب الألحان على أوتار قلب راقص ..قبل أن يعصف القدر بغتة فتذبل الزهور من حولنا وتتطاير أوراق الأمل والقصيدة في جو مهيب ورحت أطاردها لأجمعها والعواصف تتراماني تحملني من تيار إلى تيار حتى أبعدتني عن كل تركيز وجاذبية ورفع القلم عن تصرفاتي واتجاهاتي ..ووجدت نفسي وسط بحر الحزن تلطمني أمواجه تسحبني أعماقه وكل شيئ يدعوني للغرق وأوراق أملي تعبث بها أمواج الأيام وتمحو معالمها وأنا أحاول جمعها متحديا تلك الأمواج ومقاوما لمخلوقات كانت تلتهم ذاتي بسخرية وشماتة وكلما غمرتني الأمواج وأوشكت على الغرق رأيت الشعراء يتداولون على منصة البوح والمتفرجون يتمتعون ويضحكون ويصفقون لكلمات نمت في أرض الأسى وسقتها دموع الشاعر ..ولما سئمت المقاومة ورأيت مهلكي يقترب أدركتني قوارب الإيمان تنجدني وحبال العزيمة تسحبني نحو شاطئ أسترد فيه أنفاسي وقد أنجيت آخر بيت من فصيدتي كتبت فيه: أخفي عن الناس آهاتي وأحزاني ،لا الناس تعرف أمري فتعذرني ،ولا سبيل لهم لمواساتي فهل سيقبل المتفرجون في مسرح الحياة قصيدة موجزة متكبرة تأبى شفقة من لم يعشها ؟