كلمة عن التقاعد -منقول- - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات إنشغالات الأسرة التربوية > منتدى الانشغالات النقابية واقوال الصحف

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

كلمة عن التقاعد -منقول-

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016-10-21, 07:39   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
maleksak
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية maleksak
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي كلمة عن التقاعد -منقول-

مشكلة التقاعد في بلادنا هي مشكلة اجتماعيةـ ثقافية لها علاقة بالقِيم، أكثر مما هي مشكلة اقتصادية لها علاقة بالموارد والميزانيات. إنَّ توجُّه غالبية العمال بما في ذلك الشباب منهم إلى البحث عن فرصة للتقاعد إنما هي في جوهرها تعبيرٌ عن رفضهم لأن يكونوا جزءا من سياسات غير عادلة وغير مُقنِعة ولا يثق فيها واضعوها في جميع المجالات.. كيف بواضعي هذه السياسات لا يعالَجون في بلدهم ولا يُعلِّمون أبناءهم في مدارسها ولا يَقضون عُطَلهم في فنادقها ولا يستطعِمون سوى الخيرات التي تأتي من غيرها من الأمم.. وفي آخر المطاف يلومون عمَّالها إِن لم يُنتِجوا أو لم يَعملوا أو فرُّوا إلى التقاعد قبل الأوان ويواجهون من يقول: نعم، اعطونا كل شيء واعفونا من العمل.
يعيش العامل في المصنع شعورا بالإحباط من جراء السياسات التي يُفتَرض أنه أساس من يُقيمها ويصنعها. كما يعيش ذات الشعورَ الأستاذ في المدرسة أو الجامعة، والطبيب في المستشفى أو العيادة، والمهندس في الورشة، والفلاح في الحقل، والموظف في الإدارة والعامل اليومي وحتى البطّال الذي مازال يحلم بالعمل.. جَميعُهم يشعرون أنهم "ديكورٌ" في سياسات "التنمية" القائمة على استيراد كل شيء من الخارج واللجوء إليه في كل شيء بحاجة أو بغير حاجة بما في ذلك الأفكار والبرامج التعليمية.

advertisement
ما الذي يُحفِّز الأستاذ على التفكير في تطوير أدائه أو الزيادة في معارفه أو اقتراح الحلول الجديدة للمشكلات التي يعرفها تلامذتُه وهو يُدرِك أن سياساتٍ فوقية ستُصنَّع في غيابه وتُطبَّق بإرادته أو من غيرها؟ ما الذي يُحفِّز هذا الأستاذ في أي طور كان وهو يرى كل من اقترب من المسؤوليات العليا أو حَصل على جزء من غنيمة الثروة، إلا وسارع إلى إخراج أبنائه من منظومة التعليم التي يصفها بـ"المعرَّبة" و"الفاشلة" و"غير القادرة على فتح آفاق المستقبل أمام أبنائه"؟
ما الذي يُحفِّز الطبيب على البقاء في قطاعه وهو يرى الذين يَصنعون سياسات البلاد الصحِّية غير مؤمِنين بالتداوي عنده أو في مصالحه الاستشفائية، مُسرِعين غير مُتردِّدين إلى ركوب أول طائرة تَقِلّهم إلى حيث يجدون من يعتبرونه الطبيب الكفء والمصالح الصحّية الحقيقية، والممرضة التي تعرف كيف تتكفل بالمرضى وتواسيهم وتعالجهم وفوق ذلك تبتسم لهم؟
ألا يشعر هذا الأستاذ بأنه يقوم بتنفيذ سياسة تعليمية تمييزية خاصة بأبناء الشعب دون خاصته ومسؤوليه؟ ألا يرى بأن المطلوب منه هو تكوين وتدجين أبناء الشعب وفق قيم معيّنة وبطريقة معيّنة حتى يسهل إدماجُهم ضمن منظومةٍ ثقافية وفكرية ليست منظومته؟ ألا يشعر هذا الطبيب بأن تكوينه كان لتأطير منظومة صحِّية مهترئة خاصة بالفئات الشعبية من الدرجات السفلى فالسفلى، أما المنظومة الحقيقية والأطباء الحقيقيون فيوجدون خارج الديار ويتم اللجوء إليهم في أي لحظة وبكل التسهيلات الممكنة؟
وقس على ذلك بقية المهن والحِرف والأعمال، حيث لم يعد أصحابُها يشعرون بأنهم يُنجِزون سياسة وطنية أو أنهم جزءٌ من مشروع اقتصادي وطني معيَّن.. كل إحساسهم أنهم يشتغلون في نطاق سياسات ضيّقة لأجل أن يكونوا مكمِّلين للاستيراد أو جزءاً منه، أو هُم في أحسن الأحوال احتياطٌ يتم اللجوء إليه عندما تَفرغ الخزائن ويقلّ هامش الربح من كافة المعاملات.. كما يحدث اليوم.
ألم يكن اللجوء إلى الخبرة الأجنبية يتم في كل صغيرة وكبيرة عندما كانت الأموال متوفرة؟ ألم تكن تلك سياسة كلها إحباط للإطار الوطني الكفء والنزيه؟ ألم يؤدِّ كل هذا إلى بروز شعور جماعي بأن عبارة "العامل في قلب التنمية الوطنية" لا معنى لها، وأن عبارة "الاستيراد في قلب التنمية هي الحقيقة" هي الأصح بالنسبة لكافة القطاعات وفي جميع المجالات؟
هي ذي بعض الأسباب الدافعة لعزوف الناس عن العمل، فضلا عن أسبابٍ أخرى جميعها لها علاقة بالقيمة المعطاة لجهد الإطار الوطني في أي مستوى كان، وللمكافأة المعنوية قبل المادية التي يتلقاها هذا العامل أو ذاك، والمكانة الاجتماعية التي يحتلها بين الناس.
كانت النتيجة التي أصبحنا نراها جميعا، سيادة منطق غريب عن مجتمعنا وثقافتنا وقيمنا؛ منطق يقول بإمكانية النجاح في الدراسة من غير جهد، وبإمكانية الحصول على الثروة من غير استثمار أو عمل في أي قطاع، وبإمكانية تبوأ المناصب السامية في الدولة من غير أيِّ كفاءة أو إثبات للقدرات.
لقد تدخلت اعتبارات أخرى، غير اعتبار العمل، وأصبحت تُحدِّد قيمة الناس ومكانتهم الاجتماعية. لم يعد الجهدُ الفكري أو العضلي أو الخصال الحميدة والأخلاق الكريمة هي المقياس. يكفي أن تتقرب من المسؤول، أو تواليه، أو تطيعه فيما يأمر طاعة عمياء، أو تكون عيناً له، أو تُشيد بمناقبه وحسناته دون نقده أو نصحه، أو تُسَايره في المنطق التبريري الذي يتبنَّاه، لكي تحصل على المكانة و"القيمة" التي تريد أو يبدو لك أنك حصلت عليها.. هو ذا "الجهد الجديد" و"العمل الجديد"؛ غيرُ منتِجٍ ولكنه يَدُرّ على صاحبه ما يراه خيرا كثيرا.
هذه الحالة زادت من التقليل من قيمة العمل الحقيقي، وأصبح مَن يقوم به لا يشعر بأنه يتلقى الأجر الذي يستحق، بل تتم إهانتُه بالأجر الذي يُقَدَّم له وكأنها عقوبة له على الإصرار على البقاء ضمن منطق العمل، ضمن سياسةٍ تُريد للناس جميعا أن يعتنقوا منطق الاستهلاك مادامت هناك قدرة على الدفع والشراء بلا حساب.
وكانت النتيجة التي أصبحنا نراها جميعا، سيادة منطق غريب عن مجتمعنا وثقافتنا وقيمنا؛ منطق يقول بإمكانية النجاح في الدراسة من غير جهد، وبإمكانية الحصول على الثروة من غير استثمار أو عمل في أي قطاع (سياسات الدعم المجانية لمن لا يستحقّ في معظمها) وبإمكانية تبوأ المناصب السامية في الدولة من غير أيِّ كفاءة أو إثبات للقدرات.. ونَتَجت عن هذا المنطق قناعاتٌ لم تَعُد تَخفى عن أحد، تتنكر لمستوى التعليم والصحة والصناعة والفلاحة وكل شيء في هذا البلد، مقابل الاقتناع بكل آت من خارجه أو ذاهب إليه.
وهكذا تم قتل روح العمل لدى الناس، وأصبح الكل يبحث عن الفرار حيث يُمكِنُه أن يَجِد الحرية الحقَّة والمكانة الحقَّة والاعتبار الحقيقي الذي يُعطيه له الناس، حتى وإن كان ذلك ضمن الاقتصاد الموازي أو السوق الموازية أو أنشطة الظل التي تَصنعها سياساتُ المجتمع ويتحكم فيها أبسط الناس بوسائلهم الخاصة بعيدا عن كل الرسميات.. وما "حلم" البحث عن "عمل" حقيقي في نطاق سياسة حقيقية بعد الفرار من "العمل" المزيف ضمن سياسة مزيفة إلا دليل على ذلك.
إن سياسة الفرار إلى التقاعد ليست سوى تعبير عن كل هذا، وإصلاحها لن يتم بالقوانين القهرية لأنك يمكن أن تعيد الفرد إلى منصب العمل أو تُبقيه قسرا في منصبه، ولكنك لن تستطيع أن تُعيده إلى روح العمل.
ونحن اليوم وغدا، في حاجة إلى العودة إلى روح العمل، إلى تصحيح الخلل الذي قَتل ومازال يقتل هذه الروح، إلى سياسات حقيقية تعيد الاعتبار لمفهوم التنمية الوطنية ومكانة العامل ضمنها، وتُلغي من قاموسنا ذلك الشعار الذي أصبح مبدأ يعمل به الكثير: النجاح بغير جد واجتهاد، والثروة من غير عمل والمكانة الاجتماعية بالقول بلا تفكير وباستمرار ودوما: نعم....
أي نعم، اعطونا كل شيء واعفونا من العمل!








 


رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 11:25

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc