أقسام الأدب الجاهلي
ينقسم الأدب في العصر الجاهلي إلى نوعين رئيسيين هما:
الشعر: هو حسب -التعريف القديم- الكلام الموزون المقفي وقد عُرف حديثاً بأنه "الأسلوب الذي يصور به الشاعر أحاسيسه وعواطفه معتمداً على موسيقى الكلمات ووزنها والخيال والعاطفة".
النثر: هو الأسلوب الذي يصور به الأديب أفكاره ومعانيه غير معتمد على وزن أو قافية، ويميل إلى التقرير والمباشرة.
الشعر الجاهلي عدل
يُعتبر الشعر في العصر الجاهلي أسبق وأكثر إنتشاراً من النثر لأن الشعر يقوم علي الخيال والعاطفة أما النثر فيقوم علي التفكير والمنطق والخيال أسبق وجوداً من التفكير والمنطق.[2] ونسبة لإنتشار الأمية بين العرب وقدرتهم العالية على الحفظ.
ولايمكن معرفة بداية الشعر العربي بدقة، لعدم وجود تدوين منظم في الجاهلية؛ فلا نعرف شعراً عربياً إلا قبل الإسلام بقرن ونصف. ولكن الشعر الذي وصلنا كان شعراً جيداً، ما يدل على وجود محاولات سابقة. كان للشعر منزلة عظيمة، وكان دور الشعر بارزاً في نشر أمجاد القبائل والإشادة بأحسابها، ويسجل للأجيال مفاخرها.
أغراض الشعر الجاهلي عدل
الفخر والحماسة عدل
الفخر والحماسة شملا الفخر بالشجاعة والكرم والصدق والعفاف والفخر بالنفس والفخر بالقبيلة.[3] فقد كان الشعراء يتجارون في مدح القبائل بقصائد فيها نوع من المبالغة. اما الحماسة (في الجاهلية) هي الشعر المتحدث عن تشجيع أفراد القبيلة لقتال العدو، وهـو يمثل حقيقة الصراع القبلـي علـى أرض الجزيرة، وما يحدث مـن وقائع بين تلك القبائل.
الهجاء عدل
ظهر الهجاء في الشعر الجاهلي بسبب الحروب والمنازعات والعصبيات القبلية. وأهم ميزاته أنه كان هجاءً عفيفاً مهذّباً خالياً من السبّ والشتم.
الغزل عدل
انقسم الغزل في العصر الجاهلي إلى قسمين:[4]
غزل صريح: وهو نوع من الغزل يصّور جسد المرأة بطريقة مباشرة، ومن رواده الأعشى و امرؤ القيس
غزل عفيف: وهو الغزل السائد في العصر الجاهلي بكثرة، حيث يصّور حياء المراة وعفّتها وأخلاقها الجميلة، وقد تميز الغزل العفيف بكونه كان عفيفاً رفيع المستوى، يصوّر حياء وعفاف المرأة؛ ومنه قصيدة الشاعر الشنفرى وهو من الشعراء الصعاليك:
لقد أعجبتني لا سقوطًا قناعهـا إذا ذكرت ولا بذات تلفت
كأن لها في الأرض نسيًا تقصه على أمها وإن تكلمك تبلَّت
تبيت بُعيد النوم تهدي غبوقهـا لجارتها إذا الهدية قلت
تحل بمنجـاة من اللـوم بيتهـا إذا ما بيوت بالمذمة حلت
وايضا مثل شعر عنتره وزهير من شعراء العصر الجاهلى .
يرجع سبب ظهور الغزل في الشعر الجاهلي إلى حياة الصحراء التي تفرض على ساكنيها الترحال الذي يفرق المحبين، وقد كانت المرأة عفيفة، ما زاد من ولوع الرّجال بأخلاقها، ولم يكن في البيئة الصحراوية ما هو أجمل من المرأة.
الوصف عدل
اشتهر الوصف كثيراً في هذا العصر. كان الشاعر الجاهلي يصّور أي شيء تقع عليه عيناه، كالحيوانات مثل الإبل والخيل (حيث كانت أهم ما عند الشاعر الفخر بفرسه). وقد صور الشاعر الجاهلي الصحراء والجبال. من أبرز شعراء الوصف إمرؤ القيس وآخرين.
امتاز الوصف في الشعر الجاهلي بالطّابع الحسي، ودقّة الملاحظة، وصدق النظرة.
المدح عدل
كان المدح في الشعر الجاهلي منقسماً إلى نوعين:
1- مدح صادق: وهو مدح نابع من عاطفة قوية تجاه الممدوح، ويتم مدحه بما فيه. ومن ذلك المدح قصيدة "في الحرب والسلم" للشاعر زهير بن أبي سلمى، حيث مدح رجلين من قبيلتي عبس وذبيان مدحاً خالصاً لما قدّماه من التوسط بين القبيلتين لوقف الحرب بينهما (حرب داحس والغبراء) التي استمرت 40 عاماً:
يميناً لنعم الســـيدان وجدتما على كلّ حال من سحيل ومبرم
تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشــم
2- مدح من أجل المال: كان مقتصراً على الشعراء الذين دخلوا قصور المُلوك لمدحهم بما ليس فيهم من أجل العطاء، واشتهرت فيه كثرت المبالغة واشتهر به الأعشى
الرّثاء عدل
هو نوع لا يختلف عن المدح كثيراً إلا أن ذكر صفات الموتى الحميدة تقترن بالحزن والأسى واللوعة على افتقاده. ظهر هذا الغرض بسبب كثرة الحروب التي كانت تؤدي إلى قتل الأبطال، ومن ثَمَّ يُرثَون. ومن أبرز مميزاته صدق العاطفة ورقة الإحساس والبعد عن التهويل والكذب والصبر والجَلَد.
أمثلة على الرثاء:
برعت النساء بشعر الرثاء، وعلى رأسهن الخنساء التي أشتهرت بمراثيها لأخيها صخر:
وإنّ صخراً لتأتم الهداة بــه كأنـه علـمٌ فـي رأسـه نار
رثى الشاعر المهلهل أخاه كليب الذي قتله جساس المري في حرب البسوس، يقول:
دعـوتك يا كليب فلم تجبني وكيف يجبنـي البلــدالقفارُ
سقاك الغيث إنك كنت غيثاً ويسراً حين يلتمس اليسارُ
يقول دريد بن الصمة راثياً أخاه:
لأن يك عبد الله خلا مكانه فما كان وقافاً ولا طائش اليد
أما رثاء الشـعراء الصعاليك فقد اتسم بالغضب والثورة وطلب الثأر، كما صنع الشاعر الصعلوك تأبط شراً:
إن بالشعب الذي دون سلع لقتيـلاً دمه ما يطـلّ
خلّف العبء عليّ ثم ولّى أنا بالعبء له مسـتقل
ووراء الثأر مني ابن أخت مصقع عقدته ما تحـلُّ
الإعتذار عدل
يُعتبر النابغة الذبياني مؤسس هذا النوع من الشعر الجاهلي، فقد نشأ هذا النوع متفرعاً من المدح وأخذ صفات الممدوح مطيّة له تميز الاعتذار بتداخل عاطفة الخوف والشكر والرجاء والتلطف والتذلل والاسترحام وإظهار الحرص على المودة. وقد اعتذر النابغة الذبياني للملك النعمان بعد أن هجاه، يقول النابغة معتذراً:
فبت كأنـي ساورتني ضئيلـة مـــن الرّقش في أنيابها السمّ ناقع
فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع
الحكمة عدل
الحكمة: قول موجز مشهور صائب الفكرة رائع التعبير، يتضمن معنى مسلماً به، يهدف إلى الخير والصواب وتعبر عن خلاصة خبرات وتجارب صاحبها في الحياة.
تأتي الحِكَم في بعض أبيات النص، وتمتزج بالإحساس والعاطفة المؤثرة. قد شاعت الحكمة على ألسنة العرب لاعتمادها علي التجارب واستخلاص العظة من الحوادث ونفاذ البصيرة والتمكن من ناحية البلاغة.
من الخصائص الفنية لأسلوب الحكمة، روعة التعبير، وقوة اللفظ، ودقة التشبيه، وسلامة الفكرة مع الإيجاز.
الحكمة صوت العقل لأن الحكمة قول موجز يقوم علي فكرة سديدة وتكون بعد تأمل وموازنة بين الامور واستخلاص العبرة منها ولذلك فهي تعبر عن الرأي والعقل.
نماذج من حكم العرب في الجاهلية:
"مصارع الرجال تحت بروق الطمع": فيها دعوة إلى القناعة فأن الطمع يقتل صاحبه.
"رب ملوم لا ذنب له": وهذه دعوة إلى التحقق من الامر قبل توجيه اللوم للبريء.
"أدب المرء خير من ذهبه": معناها ان قيمة الإنسان بأدبه لا بماله.
اهتمامات الشاعر الجاهلي عدل
من أبرز إهتمامات الشاعر الجاهلي في شعره، "الفروسية" ويرتبط بها الحديث عن الفرس، والناقة، والسيف، والحرب، "الصيد " ويرتبط به وصف بقر الوحش والظبي وغيره، "المرأة" ويرتبط به الحديث عن: ( الأم والزوجة والمحبوبة والجارية )، "الخمر" ويرتبط به الحديث عن الندماء والأصحاب.
خصائص الشعر الجاهلي عدل
من أهم خصائص الشعر اللفظية [5]: أنها تميل إلى الخشونة والفخامة، وخالية من الأخطاء والألفاظ الأعجميّة -لأن شعراء الجاهلية لم يختلطوا بغيرهم- وتخلو من الزخارف والتكلّف والمحسّنات المصنوعة، وتميل إلى الإيجاز.
ومن أهم خصائص الشعر المعنوية[6]: أنها تخلو من المبالغة، وبعيدة عن التعقيد، وغالباً تقوم على وحدة البيت، لا وحدة القصيدة، ومنتزعة من البيئة البدوية،وفيها "الاستطراد".
أما خصائص الخيال فتتلخص في أن الشعر: واسع يدلّ على دقّـة الملاحظة، وصور الشعر الجاهلي تمثّل البيئة البدوية، وصور الشعر الجاهلي ليست متكلّفة، والصّور الجاهلية تعتمد على الطابع الحسّي.
المعلقات عدل
المعلقات: مصطلح أدبي يطلق على مجموعة من القصائد المختارة لأشهر شعراء الجاهلية، تمتاز بطول نفَسها الشعري وجزالة ألفاظها وثراء معانيها وتنوع فنونها وشخصية ناظميها.
قام باختيارها وجمعها راوية الكوفة المشهور حماد الراوية ( 156 هـ،772 م)، إن اسم المعلقات أكثر أسمائها دلالة عليها, وهناك أسماء أخرى لها، إلا أنها أقل ذيوعاً وجرياناً على الألسنة من لفظ المعلقات، ومن هذه التسميات: السبع الطوال.[7]
هي وصف لتلك القصائد بأظهر صفاتها وهو الطول. السُّموط. تشبيهاً لها بالقلائد والعقود التي تعلقها المرأة على جيدها للزينة. المذَهَّبات. لكتابتها بالذهب أو بمائه. القصائد السبع المشهورات. علَّل النحاس أحمد بن محمد ( 338 هـ، 950 م) هذه التسمية بقوله: "لما رأى حماد الراوية زهد الناس في حفظ الشعر، جمع هذه السبع وحضهم عليها، وقال لهم: هذه المشهورات، فسُميت القصائد السبع المشهورات لهذا". السبع الطوال الجاهليات. أطلق ابن الأنباري محمد بن القاسم ( 328 هـ، 939 م) هذا الاسم على شرحه لهذه القصائد.
القصائد السبع أو القصائد العشر. الاسم الأوّل هو عنوان شرح الزوزني الحسين بن أحمد ( 486هـ، 1093 م)، أما التبريزي يحيى بن علي (ت 506 هـ، 1109 م)، فقد عنْون شرحه لهذه القصائد بـ شرح القصائد العشر. وقد أشار ابن رشيق في كتابه العمدة إلى بعض هذه المصطلحات، فقال: "وقال محمد بن أبي الخطاب في كتابه المسمًّى بجمهرة أشعار العرب: إن أبا عبيدة قال: أصحاب السبع التي تسمى السُّمُط: امرؤ القيس وزهير والنابغة، والأعشى ولبيد وعمرو بن كلثوم وطرفة. قال: وقال المفضل: "من زعم أن في السبع التي تسمى السمط لأحد غير هؤلاء، فقد أبطل". ويُقال: إنها قد سميت بالمذهّبات، لأنها اختيرت من سائر الشعر فكُتبت في القباطي بماء الذهب، وعُلقت على أستار الكعبة، فلذلك يقال: مُذهبة فلان، إذا كانت أجود شعره. ذكر ذلك غير واحد من العلماء. وقيل: بل كان الملك إذا استجيدت قصيدة الشاعر يقول: علِّقوا لنا هذه، لتكون في خزانته.
وكما اختلف العلماء والرواة في تسميتها، اختلفوا في عددها وأسماء شعرائها. لكن الذي اتفق عليه الرواة والشُّرَّاح أنها سبع، فابن الأنباري، والزوزني اكتفيا بشرح سبع منها هي:
1- معلقة امرئِ القيس، ومطلعها:[8]
قفانَبْكِ مِنْ ذِكْرى حبيبٍ ومنزلٍ بسِقط اللِّوى بين الدَّخول فحوْمَل
2- معلقة طرفة بن العبد، ومطلعها:
لخولة أطلالٌ بِبُرقة ثهمد تلـوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
3- معلقة زهير بن أبي سلمى ومطلعها:
أَمِنْ أمِّ أًوْفَى دمْنةٌ لم تَكَـلَّم بَحْــومَانـة الدُّرّاج فالمتَـثَـلَّـم
4- معلقة عنترة بن شداد، ومطلعها:
هل غادَرَ الشُّعراء من مُتَردَّم أم هَلْ عرفْـتَ الـدار بعـد توهــم ؟
5-معلقة عمرو بن كلثوم، ومطلعها:[9]
ألا هبيِّ، بصحْنِك فاصْبحينا ولا تُبـقي خُمـور الأنْدَرِينـا
6-معلقة الحارث بن حلزة، ومطلعها:
آذنتْنـا ببينهـا أسْماءُ رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ منـه الثَّواُء
7-معلقة لبيد بن ربيعة، ومطلعها:
عَفَتْ الدِّيارُ مَحَلُّها فَمُقامُهَا بمنى تَأبَّـد غولُهـا فِرَجامُهَـا
أساليب الشعر الجاهلي عدل
عندما نستعرض الشعر الجاهلي نجده متشابهاً في أسلوبه، فالقصيدة الجاهلية تبدأ بالوقوف على الأطلال وذكر الأحبة كما نجد ذلك عند امرىء القيس في قوله:
قِفَا نَبْكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ بِسَقْطِ اللَّوَى بين الدَّخُولِ فَحَوْمَل
وينتقل الشاعر الجاهلي إلى وصف الطريق الذي يقطعه بما فيه من وحش، ثم يصف ناقته، وبعد ذلك يصل إلى غرضه من مدح أو غيره، وهذا هو المنهج والأسلوب الذي ينتهجه الجاهليون في معظم قصائدهم ولا يشذ عن ذلك إلا القليل من الشعراء.
وإذا أردنا أن نقف على أسلوب الشعر الجاهلي فلابد لنا من النظر في الألفاظ والتراكيب التي يتكون منها ذلك الشعر. فألفاظ الشعر الجاهلي قوية صلبة في مواقف الحروب والحماسة والمدح والفخر، لينة في مواقف الغزل، فمعظم شعر النابغة الذبياني وعنترة العبسي وعمرو بن كلثوم من النوع الذي يتصف بقوة الألفاظ. هناك نوع من الألفاظ يتصف بالعذوبة، لأنه خفيف على السمع ومن ذلك قول امرىء القيس:
وما ذَرَفت عيناكِ إلا لِتَضْرِبِي بسَهْميك في أعشار قَلْبٍ مُقَتل
ومعظم ألفاظ الشعر الجاهلي يختارها الشاعر استجابة لطبعه دون انتقاء وفحص، ولكنها تأتي مع ذلك ملائمة للمعنى الذي تؤديه، ويمثل هذا النوع مدح زهير بن أبي سلمى وذمه للحرب ومن ذلك قوله:
وما الحربُ إلا ما علمتُمْ وذقتُمُ وما هُوَ عَنهَا بالحديثِ المُرَجَّم
وألفاظ الشعر الجاهلي مفهومة في معظمها ولكنها مع ذلك تشتمل على الغريب الذي يكثر في الرجز، أما الشعر فالغريب فيه أقل، ومن الغريب الوارد في الشعر قول تأبط شراً:
عاري الظَّنَابِيبِ، مُمْتَدَّ نَوَاشِرُهُ مِدْلاَجِ أدْهم واهي الماء غَسَّاقِ
ويغلب على الألفاظ الجاهلية أداء المعنى الحقيقي، أما الألفاظ التي تعبر عن المعاني المجازية فهي قليلة. والتراكيب التي تنتظم فيها الألفاظ تراكيب محكمة البناء، متينة النسج، متراصة الألفاظ، وخير شاهد على ذلك شعر النابغة الذبياني، وشعر زهير ابن أبي سلمى.