بعدما نام شهريار سكتتْ شهرزاد عن الكلام المباح، لتنام وترتاح، قبل أن يدركها الصباح، فرأى شهريار شهرزاد في المنام ، جالسة في مخدعها وما المَخْدع لها هو المرام ، بين الفرحة والاكتئاب ، تتأمل الكرة وبيدها الكتاب ، فقال لها : يا شهرزاد لقد جانبْتِ الصواب ، فقالت يا صاحب الملك والإمارة ، لقد جرَتْ بينهما مفاخرة ومناظرة ، وكنتُ إليها أصغي ، وهذا ما كنتُ أبغي، فقال هلاّ أعدتِ علي المفاخرة ، وأعلمتِني بحصاد المناظرة ، فقالت: أيها الملك المُبجّل ، لقد كان هناك طالب بالمدرسة مفضّل ، صاحب فكر وفراسة، وُفِّقَ في الجمْع بين الرياضة والدراسة، وفي يوم من الأيام، وضع قرْب الكتاب كرة تلعب بالأقدام،.. فتأمل الكتابُ الكرة، فتعجَّبَ لها ثمّ أعاد النظرة ، وقال لها من أنت؟ ..
فقالتْ: أنا كرة القدم ، معروفة عند الأمم ، عجبا ألا تعرفني يا شبيه القزم ؟، أنا أم الألعاب، ومبتغى الشباب ، فمن أنت ؟ ..
فقال : أوا تجهليني يا ملك اليمين ، ويا مطلب كل نخّاس مهين .. أنا الكتاب ، نزهة الألباب ، وفصل الخطاب ، أنا حامل العلوم ، ومحاجج الخصوم ، أنا محبوب كلّ أريب ، وأنيس كلّ أديب ، فمن أنت؟ ....
قالت : أنا مبعث الفرحة والسرور، والإبتهاج والحبور، أحظى بتأييد الجماهير ، وتكتظّ لأجلي الطوابير ، تحمل لي الراية والوشاح ، وتقام لأجلي الإحتفالات والأفراح ، ولا أرى حولكَ إلا الكئيب ، وتائه غير مُصيب ، محبّوك معقّدون ، وإليك يتزمّتون ، فمن أنت ؟....
فقال إلْزمي حدّك يا أم الأوهام ، يا من حَللتِ محلّ الأصْنام ، لو كان لك قدر ما تقاذفتكِ الأقدام، فأنا أحْمَلُ على الرّفوف ، وتُصَفّ لأجْلي الصُّفوف ، وأنا خير موصوف ، مدحني ربّ الأرباب، فقال لنبيّه : (إنّا أنزلنا إليك الكتاب...) وأهلي أهل القدر والكرم ، يمتازون بأجمل الصفات والشيم، رفع الله قدرهم ، فضمّ إلى شهادته شهادة الملائكة وشهادتهم ، فقال: (والملائكة وأولوا العلم..).. فمن أنت ؟ ...
فقالت: يا أيها الكتاب ، كن للحقّ أوّاب ، أنا كرة مُدِحَتْ صورتي ، والله خلق الكون كهيْأتي ، المدار والكوكب السيّار، والأرض وما حَوَتْ من بحار ، والكعبة والطوّافون الأبرار ، كلها على شكلي أبْدِعَتْ ، والله ذكَر شكلي فقال: ( إذا الشمسُ كُوِّرَتْ ....) فمن أنت ؟....
فقال صهٍ صه ْ ، هذه مغالطة واضحة ، فكوني للحق راجحة ، فالشمس لعلوّها ترْنوها العُيون ، وأنتِ لسِفْلتِكِ مُعظم مُحبِّيكِ أهل سَبٍّ ومُجون ، أهْلك يُعْرفون بأنهم لاعبون ، وقد ذمّ الله اللعب فقال: (فذرْهم في خَوْضِهِمْ يَلعَبون..) .. فمن أنت ؟ ...
فقالت : أنا لا أؤمن بالحدود ، ولبلوغي تبْذل الجهود ، أحَبَّتْني الشعوب، وألِفَتني القلوب ، وأنتَ فرّقتهم الى جماعات وطوائف ، وما حملتَ غير القصص والطرائف ، جئتَ بأمشاج الأفكار ، فكان منك الغُلاة والأشرار، وخرّجْتَ الإرهاب ، وضللتَ الألباب ، فصِرْتَ من نعمة التفكير ، الى فتنة التكفير ، فمن أنت؟..
فقال: تتّهمينني بالتكفير ، وأنا من أَخْرَج الناس إلى النورِ من الدياجير ، فأنتِ تتاجرين بهواية كلّ مُستضعف فقير ، قد بدأتِ بنقمة التشهير، وانْتَهيْتِ إلى فتنة التشفير، وإنّكِ أمّ الميسر والقِمار ، والعداوة والأشرار ، قد فرّقتِ من جمعتْهُم الرحِمُ والدّار ، فكم فيك من فاسقٍ وخوّار ، فمن أنت ؟ ...
فقالت : أنا عرَّفْتُ بالمشاهير، ولعلوّ مكانتي حظيتُ بالتشفير ، وجُعِلتْ لي في العالم اتّحادية، وفي كلّ قارة أخرى مَحَليَة، وفي كل دولة فِرَقٌ ومقرّات وتسمية ، بي تحالف الفرقاء، واجتمع الأعداء، وتساوى في مشاهدتي الوزير والفقير ، فمن أنت؟...
فقال: أنا تشرّفْتُ في الوجود ، بحمل كلام خالق الوجود ، وأنا المرقوم المكنون ، حاجّ بي الله الكفار فقال: (أمْ لهُمْ كتابٌ فيهِ يَدْرُسون ) وبحملي كلام ربي لا يَمَسُّني إلاّ المطهرون ، مدَحَني الشعراء والكُتّاب، والعلماء والطلاّب ، فقيل خير جليس في الأنام الكتاب ، فمن أنت ؟....
فطأطأت رأسها بانكسار ، وقالت: لعمرك أنت من خيرت الأخيار . وفجأة استيقظ شهريار ......
كتبه غريب الديار البليلي 12/05/2016