وصلت الساعة منتصف الليل تقريبا... أغلقت التكييف وفتحت النافذة..
فحساسية تقلب الجو مع التكييف تعبث بالتوازن الحراري في جسمي ويؤدي إلى ما بدأت اشعر به من زكام وارتفاع للحرارة..
وأنا منهمك في قراءة كتاب.. هبت من النافذة نفحات هواء صيفي معتدل... ينبهك بالوداع القريب لفصل الصيف..
حتى فجأة.. بدأت اشعر بها..
علمت أن حضورها سيغشيني الآن..
أتتني دون مقدمات...
فدخلت في تلك الحالة التي تجعلني اشعر بها بقربي... أكاد اسمع أنفاسها...
ويرن صوتها في أذني... يسمعني احلي كلماتها...
ثم بدت أرى صورتها تنعكس في كل شيء..
من لمعان ملعقة الفضة..
أو من زجاج استكانة الشاي التي أمامي..
نفحتني من النافذة القريبة نفحة صيفيه أخرى...
هيجت الشوق في داخلي... من جديد..
اعرف هذه الحالة التي أمر بها...
تأتيني من فترة لأخرى منذ وداعنا الأخير..
كأني اشعر بطيفها يحيط بي.. من كل جانب
أو هي حالة روحانية... تتصل روحها بروحي وتلتحم بها...
اعتقد هي نفس الحالة التي يشتكي منها كل العشاق المعروفين في كتب التاريخ...
يسميها البعض نوع من المس !
وهي نفس الحالة التي جعلت قيس ليلي... يهيم فجأة على وجهه في الصحراء...
ولا يصحوا إلا وهو بين صخور جبل التوباد... الذي كان يجمعه بليلي..
ثم يقول في نفسه ما أتي بي هنا !
نحن العشاق نعرف تلك الحالة جيدا...
وان تفاوت في طغيانها من عاشق لآخر..
في تلك الحالة تخطر لي أفكار غريبة... وأشعار فريدة أحيانا..
لذلك قررت إذا أتتني تلك الحالة أن اكتب
ما أفكر فيه... ثم اعرض ما كتبت على نفسي عندما تعود نفسي إلى رشدها..
حتى تعلم النفس غيها وجنونها علها تصحوا..
حين تمكنت مني... وغشيتني تماما...واستقرت في داخلي..
هاج بي الشوق إلى حد الجنون...
تذكرت صوتها وكلامها... عندما كانت تسنح لي فرصه سماعها..
أحسست أني لم استغل هذه الأوقات جيدا.. كم هي قليل الكلمات التي سمعتها بصوتها..
أحسست أني لا أريد فقط أن احسب الأيام التي كنا نتحدث بها..
بل احتاج احسب كم كلمة سمعتها أذني منها...
بالرغم من أنها فترة طويلة... إلا أني اشعر بأن كلمات كلامها الطويل لا تزال قليلة ...
لا تشفي غليلي... ولا تسقي ضمأي
ثم تساءلت... كم يكلفني سماع حرف واحد بصوتها..
كم تكلفني الكلمة الواحدة بصوتها...
لم اشعر بشعور الفقير المحروم كما اشعر الآن...
كم تمنيت أن تعطيني عشر كلمات بصوتها...
تستهلكها أذني فور سماعتها...
تستشعرها كل أحاسيسي ...
لماذا عشرة... أريدها أن تتحدث ولا تتوقف... تنطق ولا تسكت ..
لينتشي جسمي ووجداني من سماع كلامها.. وكلماتها
حرفاً حرفاً حرفاً حرفاً..
ثم رأيت صورتها في داخلي... اشتقت أرى تلك الصورة تنعكس أمامي...
أريد أن أراها الآن للحــظه..
فكرة رؤيتها للحظه... جعلتني استغرق في تفكير فلسفي
كم تستغرق اللحظة..
لماذا هي اللحظة فقط مجرد لحظه..
على الأقل أريد لحظه رؤيتها... أن تتسع لتستغرق الزمان كله..
أريدها لحظه دهرية...
تفني الأجساد لطولها ولا تنتهي..
فوصل حبها... يقطع الأزمان ولا ينقطع...
وهيجان شوقها... يفنى الدهر ولا يفنى
وما هي لحظات حتى أحسست أنها تنزاح من صدري...
ويتلاشى حضورها...
ورجعت إلى رشدي..
ثم قرئت ما كتبت...
وقلت في نفسي... الحمد الله أن انتهت بهذا القدر لا أكثر..
اللهم أعوذ بك من طيفها وصوتها وصورتها وأعوذ بك أن يحضرون