“ و من قعد فلا حرج . يقوله المؤذن في آخر أذانه في اليوم البارد “ .
قال الألباني في “ السلسلة الصحيحة “ 6 / 203 :أخرجه ابن أبي شيبة في “ المسند “ ( 2 / 5 / 2 ) : أخبرنا خالد بن مخلد قال : حدثني سليمان بن بلال قال : حدثني يحيى بن سعيد قال : أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث ( الأصل : بن نعيم بن الحارث ) عن نعيم النحام - من بني عدي بن كعب - قال : نودي بالصبح في يوم بارد و أنا في مرط امرأتي , فقلت : ليت المنادي ينادي و من قعد فلا حرج , فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم : فذكره . قلت : و هذا إسناد صحيح عزيز على شرط الشيخين . و أخرجه البيهقي ( 1 / 398 ) من طريق ابن أبي أويس : حدثني سليمان بن بلال به , و زاد : “ و ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أذانه “ . و قال : “ تابعه الأوزاعي عن يحيى بن سعيد إلا أنه قال : فلما قال : الصلاة خير من النوم , قال : و من قعد فلا حرج “ . قلت : هذه الزيادة رواها هشام بن عمار : حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين حدثنا الأوزاعي به . أخرجه البيهقي . و هشام و عبد الحميد فيهما ضعف . و إلى هذا يشير الهيثمي بقوله بعد أن ساقه بهذه الزيادة : “ رواه الطبراني في الكبير , و رجاله موثقون خلا شيخ الطبراني عبد الله بن وهيب الغزي <1> فلم أعرفه “ . و مما يؤكد ضعفها عدم ورودها في طرق الحديث الأخرى , فقال عبد الرزاق في “ المصنف “ ( 1926 ) و عنه أحمد ( 4 / 220 ) : عن معمر عن عبيد بن عمير عن شيخ قد سماه عن نعيم بن النحام به نحوه دونها . و رجاله ثقات رجال الشيخين غير الشيخ الذي لم يسم , و هو صحابي أو تابعي كبير , فإن عبيد بن عمير الراوي عنه من كبار التابعين , ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم , و لعله الأول , فقد قال عبد الرزاق ( 1927 ) عقبه : عن ابن جريج عن نافع عن عبد الله بن عمر عن نعيم بن النحام به نحوه . دون الزيادة . و من طريق عبد الرزاق أخرجه الحاكم ( 3 / 259 ) و قال : “ صحيح الإسناد “ . و وافقه الذهبي , و هو كما قالا , بل هو على شرط الشيخين إن كان ابن جريج سمعه من نافع و لم يدلس . لكن تابعه عمر بن نافع عن نافع به . أخرجه ابن قانع كما في “ الإصابة “ , و قال في “ الفتح “ ( 2 / 98 - 99 ) : “ أخرجه عبد الرزاق و غيره بإسناد صحيح “ . و خالف إسماعيل بن عياش سليمان بن بلال في إسناده , فقال : حدثني يحيى بن سعيد قال : أخبرني محمد بن يحيى بن حبان عن نعيم بن النحام ... أخرجه أحمد . قلت : و رواية إسماعيل عن المدنيين ضعيفة , و هذه منها , لاسيما و قد خالفه سليمان بن بلال و كذا الأوزاعي كما تقدم , و تابعهما إبراهيم بن طهمان كما ذكر الحافظ رحمه الله تعالى . ( فائدة ) : في هذا الحديث سنة هامة مهجورة من كافة المؤذنين - مع الأسف - و هي من الأمثلة التي بها يتضح معنى قوله تبارك و تعالى : *( و ما جعل عليكم في الدين من حرج )* , ألا و هي قوله عقب الأذان : “ و من قعد فلا حرج “ , فهو تخصيص لعموم قوله في الأذان : “ حي على الصلاة “ المقتضى لوجوب إجابته عمليا بالذهاب إلى المسجد و الصلاة مع جماعة المسلمين إلا في البرد الشديد و نحوه من الأعذار . و في ذلك أحاديث أخرى منها حديث ابن عمر : “ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنا يؤذن , ثم يقول في أثره : “ ألا صلوا في الرحال “ . في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر “ . متفق عليه , و لم يذكر بعضهم “ في السفر “ <2> و هي رواية الشافعي في “ الأم “ ( 1 / 76 ) و قال عقبه : “ و أحب للإمام أن يأمر بهذا إذا فرغ المؤذن من أذانه . و إن قاله في أذانه فلا بأس عليه “ . و حكاه النووي في “ المجموع “ ( 3 / 129 - 131 ) عن الشافعي , و عن جماعة من أتباعه , و ذكر عن إمام الحرمين أنه استبعد قوله : “ في أثناء الأذان “ , ثم رده بقوله : “ و هذا الذي ليس ببعيد بل هو السنة , فقد ثبت ذلك في حديث ابن عباس أنه قال لمؤذن في يوم مطير - و هو يوم جمعة - : “ إذا قلت : أشهد أن محمدا رسول الله , فلا تقل : حي على الصلاة , قل : صلوا في بيوتكم “ . رواه الشيخان “ . قلت : و هو مخرج في “ الإرواء “ أيضا ( 554 ) . و نقل الحافظ في “ الفتح “ ( 2 / 98 ) عن النووي بعد أن حكى عنه جواز هذه الزيادة في الأذان و آخره أنه قال : “ لكن بعده أحسن ليتم نظم الأذان “ . و لم أره في “ المجموع “ . و الله أعلم . و اعلم أن في السنة رخصة أخرى , و هي الجمع بين الصلاتين للمطر جمع تقديم , و قد عمل بها السلف , و فصلت القول فيها في غير ما موضع , و من ذلك ما سيأتي تحت الحديث ( 2837 ) و هذه الرخصة كالمتممة لما قبلها , فتلك و الناس في بيوتهم , و هذه و هم في المسجد و الأمطار تهطل , فالرخصة الأولى أسقطت عنهم فرضية الصلاة الأولى في المسجد , و الرخصة الأخرى أسقطت عنهم فرضية أداء الصلاة الأخرى في وقتها , بجمعهم إياها مع الأولى في المسجد . و صدق الله القائل : *( و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون )*