![]() |
|
خيمة الأدب والأُدباء مجالس أدبيّة خاصّة بجواهر اللّغة العربيّة قديما وحديثا / مساحة للاستمتاع الأدبيّ. |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
الضحية المنفلوطي تبكي من يقراها
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() نشأت مرغريت غوتيه فقيرة لا تملك مالا تشتري به زوجا ولا تجد بين الرجال من يبيعها نفسه بلا مال أو يحسن إليها بما يسد خلتها ويستر عورتها وكان لا بد لها أن تعيش فلم تجد بين يديها سوى عرضها فذهبت به إلى سوق الشقاء والآلام فساومها فيه بعض المساومين فباعته إياه كارهة مرغمة وكانت من الخاسرين . لقد كان جمالها شؤما عليها فلو أنها كانت شوهاء لوجدت في الناس من يرحمها ويحنو عليها ولكن الجمال سلعة من السلع لنافقة لا يستطيع صاحبه إن ينال ما في ا يدي الناس إذا كان فقيرا معوزا إلا من طريق المساومة فيه لذلك نقمت تلك الفتاة المنكوبة على الرجال جميعا وأقسمت أن تتخذ من جمالها الذي هو مطمح أنظارهم وقبلة أمالهم آلة انتقام تنتقم بها منهم لعرضها وشرفها. ولقد برت بيمينها بر الوفي بعهده فعاشرت الرجال ولم تحبهم ونكبتهم في أموالهم وأنفسهم ولم تأسف عليهم ونظرت إلى دموع الباكين تحت قدميها نظرات الغبطة والسرور وهي تقول: ويح لكم أيها الرجال ما كنت اطلب منكم باسم الفضيلة والشرف إلا رغيفا واحدا لغذائي وأخر لعشائي فأبيتموهما علي فلما طلبت باسم الرذيلة جميع ما تملك أيديكم بذلتموه لي طائعين مختارين فما اصغر نفوسكم وأخس أقداركم . لقد كان في استطاعت أصغركم شانا وأهونكم على نفسه وعلى الناس جميعا إن يشتري ني جسمي وقلبي وحيلتي سوى سد خلتي وصيانة عرضي فلم تفعلوا فهاهم ألاء اليوم عظماؤكم وأشرافكم يجثون تحت قدمي جثي الكلب الذليل تحت مائدة سيده فلا ينالون من اثر مما ينال منها. أحببتم المال حبا جما فأبيتم إلا تتزوجوا ذات مال لتضموا طرفها إلي تلبدكم فابذلوا اليوم لإمرة مومس لا تمنحكم مالا ولا حبا جميع مافيا يديكم من ذهب وفضة حتى لا يبقى لكم طارف ولا تليد. ظهرت مارغريت في سماء باريس كوكبا متلألئا يبعث الأنوار ويبهر الأنظار ويملا أجواز الفضاء بهجة وضياء فطارت نحوها العقول طيران النحل نحو الزهر وسال النضار بين يديها سيلان الجدول المتدفق تحت أشعة الأصيل وعنت لها الوجوه الكريمة وتعفرت تحت قدميها الجباه الرفيعة وأصبحت أعناق الرجال في يدها كأنما قد سلكتهم في سلك واحد ثم أمسكت بطرف السلك تحركه فيتحركون وتمسك عنه فيمسكون وكان شانها معهم شان صاحب الكلب مع كلبه لا يشبعه فيستغني عنه ولا يجيعه فييأس منه فكانت تملا نفس عاشقها أملا ورجاء حتى إذا ظن أن قد دنا به حظه وليس بين أمله إلا أن يمده فيناله ذادته عنه ذود الظامئ الهيمان عن ورده أدنى ما يكون إلى فمه فإذا علمت أن اليأس قد بلغ من نفسه وانه أزمع أن يركب رأسه إلى حيث لا مرد له أرسلت وراءه شعاعا من أشعة ابتسامتها العذبة الخلابة فاستردته إليها صاغرا مستسلما. وكذلك أصبحت تلك الفتاة الجائعة العارية التي كانت تعوزها بالأمس القمة وتعييها لخرقة سيدة باريس وصاحبة عرشها ومالكة أزمة رجالها فاجعة قلوب نسائها والنجم الخالق الذي تبتهل إليه العيون والسر الغامض لتي تحار فيه الضنون. ذلك مايعلمه الناس ن أمرها إما ماتعلمه من أمر نفسها فهي ترى كل ما يبذله الناس من فضة وذهب وأثاث وريا ش وقصور ودور وجياد ومركبات لا يساوي دمعة واحدة من تلك الدموع التي سكبتها على نفسها يوم باعت عرضها وان جميع هذه اللالىء والجواهر والأردية والتيجان التي يهبونها إياها إنما يهبونها لأنفسهم ليتمتعوا بمنظرها فوق جسمها كما يتمتع صاحب الكلب بمنظر القلادة في عنق كلبه وماله م ذلك شيء فكأنما باعت عرضها بلا ثمن لا جزاء . كانت تخلو بنفسها حينا فتذكر أن جميع هذه لقلوب الطائرة حولها إنما تطير على جمالها لا عليها وإنها إن حرمت هذا الجمال ساعة انفض الناس من حولها وأصبحت وحيدة في هذا العالم لا يعطف عليها قلب ولا تبكي عليها عين فتبكي بكاء الأشقاء على أنفسهم بل ترى أنها شقية مثلهم لأنها تعاشر من لا تحب وتحيا بين قوم لا يحبونها إلا حبا كذب . وربما مرت في غدوتها أو روحتها بحارس قصرها وهو جالس بين زوجته وأولاده يمنحهم حبه وإخلاصه ويمنحونه من ذلك مثل ما يمنحهم فتتمنى لو كان كل حظها من هذه الدنيا غرفة كهذه الغرفة وزوجا وأولاد كهذا الزوج وهؤلاء الأولاد ثم لا تقترح على دهرها بعد ذلك شيئا. وماراها الناس استقبلت في قصرها رجلا متزوجا أو خاطبا فكانوا يحملون هذا الأمر محمل الأثرة ويقولون إنها امرأة طامعة لا تحب إلا أن يكون عاشقها خالصا لها ولو أنهم عرفوا حقيقة آمرها وألموا بسريرة نفسها لعلموا أنها امرأة حزينة منكوبة قد فجعها الدهر في السعادة الزوجية فلا تريد أن تفجع امرأة غيرها.
|
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]() ولقد بعض الذين ألموا بشؤون حياتها الخاصة أنها وهبت مرتين أو ثلاثا بعض الفتيات الفقيرات مالا يستعن به على الزواج فلم يصدق الناس وقالوا أن السالب لا يمكنان يكون واهبا وان ينبوع الخير لا يمكن أن يتفجر في قلوب النساء الفاجرات ولكن الحقيقة إنها فعلت ذلك وربما فعلت أكثر منه. هذا هو قلب مرغريت وهذه سريرة نفسها فهي فتاة فاسدة ولكنها ليست راضية عن فسادها وساقطة لكنها لا تحب أن ترى فتيات ساقطات مثاها ولو كان في استطاعت المرأة الساقطة أن تسترجع بتوبتها وإنابتها مكانتها بين الناس وان تمحوا بصلاحها ماسلف من فسادها لكانت هي اقرب النساء إلى التوبة والنزوع ولكن المجتمع الذي أسقطها وسلبها ذلك الرداء من الشرف الذي كانت ترتديه يأبى إن يعيده إليها رداءها إن طلبته فلا بد لها من الاستمرار في سقوطها راضية و كارهة وكذلك كان شانها, ولم يمضي على مرغريت في حياتها هذه أكثر من أعوام حتى نزل بها مرض حجبها في بيتها عدة أيام ثم اشتد عليها فأشار عليها الأطباء أن تذهب إلى حمامات البانيير للاستشفاء بمائها وهوائها فسافرت إليها وحدها لا تصحبها إلا خادمتها وكان في ذلك المطاف ذلك العام شيخ من الأثرياء اسمه الدوق موهان حضر إليها مع ابنته وكانت مريضة بداء الصدر ليستشفى من دائها فلم يجدها العلاج وماتت بين يديه فدفنها هناك ولبث بعد موتها عدة أيام يختلف إلى قبرها ويبكيها بكاء شديدا فانه لعائد من المقبرة ذات يوم إذ لمح مرغريت سائرة وحدها وكان ذلك في اليوم الثاني من وصولها البانيير فدهش لمنظرها دهشة عظمى وخيل له إن الله بعث له ابنته من قبرها أو أرسل له خيالها ليعزيه عنها لمكان الشبه بين صورة هذه الفتاة وصورتها فتقدم نحوها ذاهلا مشدوها وامسك بطرف ردائها وظل يحدق في وجهها تحديقا طويلا فعجبت لشانه وسألته ماله فقص عليها قصته وقصة مصابه في ابنته وما راعاه من الشبه بين صورة ابنته وصورتها فرثت له وحزنت لحزنه واستهلت دمعة رآها الشيخ من خلا ل أهدابها فاخذ يشكرها على تلك الدمعة التي جادت بها عليه في ساعة شقائه ولم يزل سائرا معها حتى وصلا إلى النزل فودعها ومضى بعد أن استئذنها أن يختلف إليها من حين إلى حين فاذنت له وصعدت إلى غرفتها فلما خلت بنفسها انشات تفكر في أمر تلك المسكينة التي اختطفها الموت من يد أبيها في زهرة صباها من حيث لم يستطع طبيب ولا رد عدية القضاء عنها ثم خطر لها أنها مريضة بمثل المرض التي ماتت به وربما ماتت موتتها فلا تجد بجانبها أبا كهذا الأب يندبها ويبكي عليها فاثر في نفسها هذا الخاطر تأثيرا شديدا وبكت بكاء طويلا ولزمت غرفتها في ذلك اليوم لا تفارقها . وظل الدوق يختلف إليها بعد ذلك فيجلسها طويلا ويجد من الأنس بها ولا غتباط بعشرتها ماتسكن به لوعة نفسه كلما شبها الوجد في صدره حتى أصبح لا يفارقها ساعة وكانما لها أن يرى الشيخ الثاكل المنكوب في وجهها سلوته وعزاءه فمنحته من عطفها وحبها مالم تمنحه أحدا قبله وأنست به أنسا لم تآنسه بإنسان سواه. وماهي الا ايم قلائل حتى ابلت من مرضها بعض البلال وعاد الى وجهها الجميل رونقه وبهاؤه والى ثغرها البديع ابتسامته فلذ لها المقام في البانيير اياما طوالا حتى شعرت بهبوب رياح الشتاء فازمعت العودة الى باريس فشق ذلك على الدوق وعلم ان عادت اليها لا يظفر منها في ذلك الزحام العظيم الحافل بخلانها واصدقائها بمثل بما كان يظفر منها في البانيير فخلا بها ليلة السفر ساعة وحدثها حديثا طويلا انتهى بالاتفاق معها على ان تهجر حياتها الاولى حياة الخالة والمعاشرة وتعيش في منزل يهيئه لها ويقوم بنفقتها فيه على ان تاذن له بالاختلاف اليها من حين الى حين , ثم سافرا في اليوم الثاني الى باريس . ومنذ ذلك اليوم تغيرت صورة حياتها عما كانت عليه من قبل فاصبحت تعيش في قصرها الذي هياه الدوق عيشا بين العزلة والاختلاط فلا تستقبل الناس الا قليلا ولا تمتزج مع الذين تستقبلهم الامتزاج كله وربما مرت بها ايام لا يراها الناس خارج قصرها الا قليلا فاذا خرجت ركبت عربتها وحدها دون رفيق او رفيقة ومشت في طريقها تقرا كتاب او صحيفة فربما مر بها كثير ممن تعرفهم فلا تراهم فاذا وقع نظرها على واحد منهم ابتسمت له ابتسامة قصيرة موجزة قلما يشعر بها احد سواه ثم استمرت ادراجها حتى تصل الى منتزه الشانزلزيه فتنزل من عربنها وتمشي في الغابة على قدميها ساعة ثم تعود الى قصرها فاذا جاء الليل ذهبت الى ملعب المسرح وحدها او مع الرجل القائم بشانها فتقضي فيه اكثر وقتها ناظرة الى المسرح لا يشغلها كثرة الناظرين اليها الو المتهافتين على مقصورتها بالاهتمام بفصول الرواية والاهتمام بوقائعها حت ى النهاية . فلم تمضي عليها ايام حتى علم الناس جميعا ان مرغريت قد استحال حالها وتغيرت صورة حياتها وانها قد اقتنعت بهذه الحياة الجديدة حياة الهدوء والسكينة والوحشة والانفراد ورضيتها لنفسها فلا سبيل لمغالبتها عليها فقصرت عنها اطماعهم وانقطعت منها امالهم وظلوا يلتمسون الاسياي لتلك الحالة الغريبة التي طرات عليها فذهبوا في شانها المذاهب كلها الا المذاهب الصحيحة منها وهي ان تلك الحادثة المحزنة التي حدثت لابنة الدوق قد اثرت في نفسها تاثيرا شديدا وصورت
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]() لها الحياة بصورة غير صورتها الاولى فاصبحت تعاف الرجال لانهم سبب سقوطها وتستنكر سقوطها اكثر مما استنكرته من قبل لانه سبب مرضها ولا تاس مما فاتها من قبل لا نها تعيش من مال الدوق في نعمة لا يطمع طامع في اكثر منها وربما خطر لها ان حياتها مع لاهذا الشيخ الهرم الذي لا يطمع منها في اكثر من ان يراها تشبه حياة العذارى الطاهرات اللواتي ينعمن بنعمة الشرف في ظلا ل ابائهن فاعجبها هذا الخيال ولذها وكثيرا مابكت ذلك الشرف قبل اليوم وحنت اليه . انقضت ايام الخريف واقبلت ايام الشتاءوسالت الاجواء بردا وقرا فثار ماكان كامن من داء مرغريت وعاد اليها نفثها وسعالها فضلت تكابد من مرضها الاما جساما لا تفارقها يوما حتى تعاودها اياما فان المت بها لزمت سريرها لا تفارقه وان روحت عنها برزت الى الخلاء في بكور الايام واصائلها تطلب الهواء الطلق والجو النقي وربما ذهبت في بعض لياليها الى الملعب التمثيل تتفرج مما هي فيه فتخلو بنفسها في مقصورتها ساعة او ساعتين ثم تعود الى منزلها . وكانت لا تزال ترى في المقصورة المجاورة لمقصورتها كلما ذهبت الى الملعب فتى في زي ابناء الاشراف وشمائلهم لا يزال يخالسها النظر من حين لا خر فينظر اليها ان اغضت عنه ويغض عنها ان نظرت اليه ولا يلتقي نظرها بنظره حتى يلتهب وجهه حمرة ويتصبب جبينه عرقا كانما جنا جناية لا مقيل له منها فلم تحفل به كثيرا لانها لم ترى في امره شيا جديدا الا انها كانت تعجب لسكونه وجموده وطول اغضاضه واطراقه ولتلك الغبرة من الحزن المنتشر على وجهه وكان اكثر ما يدهشها منه او يعجبها انه الفتى الوحيد الذي كان يبكي في ذلك المجتمع لمنظر المشاهد المحزنة التي تمثل على المسرح لانها تعلم ان الفتيان الفرحين المغتبطين بشبابهم وصحتهم لا يحفلون بمناظر الشقاء الحقيقية فاحرى الا يحفلو بتمثيلها . فانها لخالية بنفسها في مقصورتها ذات ليلة وكان الجو باردا مقشعرا اذ فاجاتها نوبة سعال اشتدت عليها كثيرا حتى كادت تسقط عن كرسيها ضعفا ووهنا فشعرت بيد تمسكها بيدها فاعتمدت عليها دون ان تستطيع الالتفات الى صاحبها حتى بلغت عربتها فركبتها فشعرت براحة قليلا فالتفتت لتشكر صاحب تلك اليد فلم تر امامها احدا ورات على بعد خطوات منها انسانا منصرفا فلم تتمكن من رؤيته الاانها تخيلت صورته تخيلا فعجبت لامره ومضت في طريقها فلما وصلت الى منزلها حتى شعرت برعدة الحمى تتمشى في اعضائها فلزمت سريرها بضعة ايام لا تفارقه حتى ابلت قليلا فقدمت اليهاخادمتها بطاقات الزيارة التي تركها لها بعض الفتيان الذين زاروها في اثناء مرضها تجملا وتلوما فلم تقرا واحدة منها ثم حدثتها الخادمة ان فتى كان ياتى للسؤال عنها في كل يوم مرة او مرتين ولا يذكر اسمه ولا يترك بطاقته وانه كان ينقبض انقباضا شديدا كلما اخبرته انها لا تزال طريحة فراشها تشكوا وتتالم فاستوصفتها اياه فلم تعرفه وعجبت لامره كل العجب وتمنت لو راته فشكرت له هذا الاخلاص النادر الذي لا عهد لها به في احد من الناس وامرت خادمتها ان تخبرها خبره ان جاء للسؤال عنها مرة اخرى فلم يلب ثان جاءوكانت مرغريت جالسة في شرفة المنزل المطلة على الطريق فراته فعرفت انه ذلك الفتى الحزين الذي كانت تراه في المقصورة المجاورة لمقصورتها في ملعب التمثيل وانه صاحب تلك اليد التي امتدت لمعونتها ليلة النازلة التي نزلت هناك فاشارت الى خادمتها بالنزول اليه واستدعائه اليها ففعلت فاضطرب الفتى اضطرابا شديدا حتى كاد يرفضها ثم شعر بمكان مرغريت من الشرفة فتلوم ومشى وراء الخادمة حتى صعدت به الى غرفة سيدتها فتركته وانصرفت فدخل عليها فحياها ووجهه يتصبب عرقا ولسانه لا يكاد يبين فاذنت له بالجلوس وانشات تسائله عن نفسه وعن قومه وعن سبب اهتمامه بشانها وتبتسم له بين ذلك ابتسامات تلاطفه بها وتمسح عن فؤاده ما الم به من الروع فحدثها نه غريب عن باريس وانه وفد اليهامنذ عشرين يوما من بلدته نيس ليقضي فيها ثلاثة اشهر اذن له ابوه بها طلبا لتغيير الهواء وترويح النفس ثم يعود في النهاية الى وطنه فسالته هل وجدت المقام حميدا هنا ؟ فحارت بين شفتيه كلمة لم يستطع ان ينطق بها فعاد الى صمته واطراقه فاعادت عليه سؤالها فقال هل تاذنين لي يا سيدتي ان اقول لك كل مافي نفسي ؟ فشعرت بما في نفسه قبل ان يقوله وقالت له قل ما تشاء الا ان تطارحني حبك فاني امراة مريضة لا استطيع ان احتمل الحياة وحدها خالصة لا مؤونة فيها فاحرى الا احتملها مثقلة بالحب والغرام فاصفر وجهه اصفرارا شديدا ومد يده الى دمعة تترقرق في عينه فمسحها ثم قال لها ذلك ما يحزنني يا سيدتي ويبكبني وينغص علي عيشي مذ هبطت باريس حتى اليوم فاني رايتك فاحببتك للنظرة الاولى فسالت عنكي فعرفت كل شيء وانكي تعيشين منذ شهور عيشة لا مطمع فيها لطامع ولا لامل فانقطع املي منك الا ان حبي اياك لم ينقطع ثم رايتك في ملعب التمثيل ورايت هذا القناع الاصفر الذي نسجته يد المرض عن وجهك الجميل فاستحال حبي اليك رحمة وشفقة واصبحت ابكي لمرضك اكثر مما ابكي لحبك واصبح كل ما اتمنى على الله ان اراك بارئة ناعمة موفورا لك حظك من سعادة العيش وهنائه ثم اطمع بعد ذلك في شيء مما يطمع فيه المحبون فانا اقف امامك الساعة لا لا طارحك الحب بل لاسال ان تاذني لي بالوقوف على بابك كلما جئته اسال خادمتك عنك ثم امضي لسبيلي من حيث لا ترين وجهي ولا تشعرين بمكاني فسرت في اعضائها رعدة غير الرعدة التي تعرفها من الحمى وخيل اليها انها تسمع نغمة في الحب غير النغمة التي كانت تسمعها من الرجال فنظرة نظرة لا يعلم تاويلها الا اله تعالى ثم قالت له اني اذن لك ياسيدي واشكره لكشكرا جزيلا بل اذن لك ان تزورني كلما شئت على ان تفد الي صديقا لا محبا فاني الى الاصدقاء المخلصين احوج مني الى المحبين فمدت اليه
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]() يدها فعلم انه اذنته بالانصراف فانصرف مغتبطا مسرورا فاتبعته نظرتها حتى غاب عنها فسقطت على وسادة بجانبها وقالت رحمتك اللهم فاني أخشى إن لقد احبته من حيث لا تدري فان الخوف من الحب هو الحب نفسه بل شعرتفي حبه بسعادة لم تشعر بها من قبل فاصبحت تستقبله كل يوم في منزلها وتانس به وبحديثه انسا كبيرا وتفضي اليه بذات نفسها افضاء الصديق الى صديقه وتقص اليه قصة ماضيها وحاضرها ولا تكذبه شيا ولا تكتم عنه امرا ثم ترامى بها الامر حتى اصبحت تشعر بالوحدة ان تخلف عن ميعاد زيارتها بضع دقائق ثم حدث ان انقطع عن زيارتها ثلاث ايام لامر عرض له لم يتمكن من اخبارها به فحزنت لانقطاعه حزنا عظيما وذهبت بها الوساوس والظنون كل مذهب وذكرت ان ذلك الحزن والوسواس ليس من شانها قبل اليوم فقلقت لذلك قلقا شديدا وخفق قلبها خفقة الخوف والرعب قد وقفت على حافة الهوة ولم يبقى لها الا انتتردى فيها فسهرت ليلة طويلة عالجت فيها من نوازع النفس وخوالجها ماعالجت حتى اصبح الصباح وقد اضمرت في نفسها امرا. جاء ارمان في صباح اليوم الرابع فوجدها طريحة فراشها وفي عينها حمرة البكاء والسهر فارتاع لمنظرها وقال لها: لعلك سهرت بالامس كثيرا ياسيدتي او بكيت فاني ارى في عينيك اثر واحد منهما قالت هما معا ياارمان قال : حدث شيء جديد قالت اجلس بجانبي قليلا ايها الصديق احدثك حديثا قصيرا ربما كان اخر حديث بيني وبينك ثم لا اراك بعد ذلك ولا تراني فذعر ذعرا شديدا وداخله من الرعب والهول ما ملك عليه عقله ولسانه فلم يستطع ان يقول شيا وسقط بجانبها واهيا متعضعضا وظل ينظر الى وجهها نظر المتهم الى وجه قاضيته ساعة نطق الحكم فاقبلت عليه تحدثه وتقول : عرفتك ياارمان فعرفت فيك الرجل الرجل الكريم الذي احبني لنفسه والصديق الوفي الذي الذي امتزجت في قلبه عاطفة الحب بعاطفة الرحمة والحنان فاوى الي مريضة حينما جفاني الناس لمرضي وعاش معي بلا امل حينما انقطع الناس عني لانقطاع املهم مني فاضمرت لك في قلبي من الحب والاحترام مالم اضمره لاحد سواك وسعدت بك سعادة لم اشعر بمثلها في يوم من ايام حياتي فقد اصبحت اشعر منذ ايام ان تلك العاطفة الشريفة المقدسة التي كنت استمد منها سعادتي وهنائي قد اصبحت تستحيل في اعماق قلبي الى عاطفة اخرى لا اريدها لنفسي ولا ارى انها ستكون سبب شقائي وبلائي فخادعت نفسي عنها حينا اكذبها مرة واصدقها اخرى حتى كان ما كان من انقطاعك عني تلك الايام الثلاثة فشعرت لغيابك بحزن اقلقني وامضاني وملك جميع عواطفي ومشاعري ولو شئت ان اقول لقلت انه ابكاني كثيرا واسهرني طويلا فعلمت وااسفاه اني اصبحت احبك وان هذا الذي يقعدني وويقيمنني انما هو الحب فقضيت ليلة الامس كلها افكر في طريق الخلاص من هذه النكبة الكبرى التي نزلت بي فلم اجد احدا يخلصني منها سواك فانا اسالك يا ارمان باسم الصداقة والود الذي تعاقدنا عليه بالامس بل بالسم الدموع التي طالما كنت تسكبها رحمة بي واشفاقا علي ان تنقطع عن زيارتي من اليوم وان تسافر الى اهلك الليلة ان استطعت ثم لا تعود الالي بعد ذلك فساحمل نفسي على الصبر عنك حتى يمن علي براحة الياس منك.
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||
|
![]() ثم نظرت اليه لترى مايقول فاذا هو جامد مصفر كان وجهه وجه تمثال منحوت واذا عيناه شاخصتان اليها شخوص العين القائمة التي تنظر الىالشيء ولا تراه وبعد ما استطاع ان يحرك شفتيه ويقول بصوت خافت : وما يخيفك من الحب يامرغريت ؟ قالت يخيفني منه العقاب الاليم الذي اتوقع ان يعاقبني به الله على ما اقترفته من ذنوبي واثام في فاتحة حياتي فقد كتب الله لنا معشر النساء الساقطات في لوح مقاديره ان لا نزال نبعث بقلوب الرجالوعقولهم ونبتليهم بصنوف العذاب وانواع الالام حتى يضب اله لهمويغار عليهم فيبتلينا بحبنحمل فيه من العذاب جميع ماحملناه الناس من قبل ونشقى فيه شقاء لا ينتهي الا بانتهاء حياتنا فنموت بين ايدي انفسنا مهملات مغفلات لا ينعانا ناع ولا يبكي علينا باك فهذا الذي اخافه واخشاه واحب ان يسبق الي اجلي قبل ان اراه. انا لا اتهمك بالخيانة والغدر يا ارمان فانت اجل من ذلك عندي ولكني اعلم انك باق في هذا البلد الى اجل فاذا انقضى الاجل سافرت الى اهلك سفرا لا تملك بعده العودة الي فان ابيت الا البقاء بجانبي حال اهلك بينك وبين ذلك لانهم قوم شرفاء يظنون بك وبشرفك ان تلوثهما امراة مومس بعارها وشنارها فلا تجد بدا من الخضوع لهم والنزول على حكمهم وهناك اقف موقف الحيرة واللوعة اطلب السبيل اليك فلا اجدك والسلو عنك فلا استطيعه وربما حاولت بعد ذلك العودة الى كنف ذلك الشيخ الكريم الذي احسن الي احسانا كثيرا فطردني من بين يديه عقابا لي على خيانة عهه وكفر نعمته فلا اجد لي بدا من الرجوع الى حياتي الاولى حياة الشرور والاثام والهموم والالام التي ابغضها بغص الارض للدم وهناك العذاب الدائم والشقاء الطويل. اني اعلم يا ارمان انك تحبني حبا جما وانك تريدني زوجة لك واعلم انك ستكابد في ابتعادك عني عذاب كثيرا ولكني اعلم ا نلك قلبا شريفا يحتمل العذاب في سبيل الرحمة فاحتمل هذا العذاب من اجلي فانك اقدر مني على احتمال الاوجاع
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 6 | |||
|
![]() ووالالام وسادعوا الله ليلي ونهاري ان يمنحني الصبر عنك ويرزقني راحة النفس وسكونها من بعدك وان يمنحك من ذلك مثل مايمنحني فلعله يرحمنا جميعا . فلم يكن جوابهعلى كلمتها هذه سوى ان نهض من مكلنه متعضعضا متهالكا ومشى الى باب القاعة يسوق نفسه سوقا حتى بلغه فوقف على عتبته والتفت الى مرغريت والقى عليها تلك النظرة التي يلقيها المحتضر على اهله في اخر لحضات حياته وقال لها : الوداع يامرغريت ومضى فما غاب عن عينها هضت من فراشهاهائمة مختبلة واندفعت الى الباب تريد اللحاق به ثم تراجعت ثم حاولت بعد ذلك مرة اخرى فادركها رشدها واناتها فعادت الى فراشها تبكي وتنتحب وتعول اعولا شديدا وتدور في انحاء الغرفة دوران الثاكلة المفجوعة وهي تصيح ارجعوه الي لا استطيع فراقه ساموت من بعده وهي كذلك اذ سمعت صرخة عظمى اتية من ناحية الحديقة فخرجت تعدوا الى حيث سمعت الصوت حتى بلغت باب المنزل فرات ارمان ساقطا تحت عتبة البيت فرفعته ومن الارض وقالت ليكنمااراد اله فاستفاق ووجد نفسه بين يديها فبدا يبكي بكاءا شديدا . انقضى الشتاء فانقضى بانقضائه شقاء مرغريت وعناؤها فقد ابلت من مرضها واصبحت سعيدة بحبها وحياتها الجديدة فلم يبقى الا ان تبلغ من السعادة نهايتها فاقترحت على ارمان ان يترك باريس وضوضاءها ومزدحم الحياة فيها الى مصيف يختارنه فقبل مقترحها وسافرا معا يفتشان عن المكان الذين يريدانه حتى بلغ قرية بوجيفال وهي ضاحية من ضواحي باريس على بعد ساعتين منها فوجدا في بعض ارباضها منزلا صغيرا واقعا على راس هضبة عالية في سفح جبل مخضر تجري تحته بحيرة صافية بديعة كانما بناه بانيه لهما فاكترياه ونقلت مرغريت اليه من منزلها في باريس بعض مايحتاجان اليه من اثاث ومتاع ثم عاشا فيه عيشا ناعما هنيئا لا تظطرب في سمائه غيمة ولا تمر بصفحته غبرة ولا يكدر عليهما مكدر من خواطر الشقاء ووساوسه فكانا يقضيان نهارهما صاعدين الى الجبل او منحدرين الى سفحه او راكبين زورقا صغيرا او جالسين تحت شجرة فرعاء تظلهما من لفحات الهجير وتظمهما اليها كما تضم ثمارها مر بهما على ذلك عام كامل هو كل ما استطاعا ان يختلساه من يد الدهر في غفلته ثم انتبه لهما بعد ذلك وويل للسعداء من انتباهه بعد اغفائه فقد نضب او اوشك ان ينضب ماكان في يد ارمان من المال وكان في يده الكثير منه فكتب الى ابيه يطلب ان يبعث له بما يستعين به على البقاء في باريس مدة اخرى زاعما انه لا يزال مريضا متالما لا يستطيع السفر وكذلك كان يفعل من حين الى حين فلم ياته الرد فاقلقه ذلك قلقا شديدا وظل يختلف الى المدينة في كل يوم يسال في فندق تورين الذي كان ينزل به قبل اتصاله بمرغريت عن الكتاب الذي ينتظره فلا يجده فيعود حزينا منقبضا حتى اذا وصلا الى بوجيفال وراى مرغريت اقدرمن ان يعجزها النفاذ الى اعماق قلبه فاكتهنت سره فكاشفته به وقالت:لا يحزنك شان المال يا ارمان فان عندي منه ما يكفينا للعيش معا سنين طوالا ولم تكن صادقة فيما تقول لان الدوق قاطعها ومنع عنها رفده مذ عرف قصتها مع ارمان وزد على ذلك فقد كانت مدينة بمال كثير لبعض تجار الجواهر والثياب بل اصبح دائنوها يتقاضونها ديونهم بعدما علموا ان الدوق قاطعها ونفض يده منها ولكنها خاطرت بكلمتها مخاطرة لم تفكر في عواقبها فاكبر ذلك ارمان واعظمه وانف منه انفة شديدة وابى ان يعيش معها بمال غير ماله وعزم ان يسافر الى نيس لياتي بالمال الذي يريده فازعجها عزمه هذا ازعاجا شديدا وخافت عاقبته فجثت بين يديه تستعطفه وتسترحمه وتبذل من ضراعتها ورجائها في سبيل بقائه اكثر مما بذلت قبل اليوم في سبيل رحيله حتى اذعن واستقاد ورضي بمثل الذي لم يكن يرضى بمثلها لولا لهفة الحب وضراعة الدموع وقد اضمر في نفسه ان يتنازل لها عن نصيبه في الميراث الذي ورثه عن امه مكافاة لاخلاصها ووفاء بحقها فلم يكن لمرغريت بد من تمد يدها الى جواهرها وذخائرها فانشئت تبيع منها القطعة بعد القطعة لتسد بعض دينها وتقوم بنفقت بيتها من حيث لا يعلم ارمان واستمرا على ذلك حتى دخل عليهما في يوم من الايام في ساعة من ساعات انسهما وصفائهما خادم فندق تورين الذي كان ينزل به ارمان في باريس وقال له ان والده قد وصل الساعة الى الفندق وانه ينتظره. قال دوفال لولده : لقد كذبت علي كثيرا يا ارمان وماكنت قبل اليوم كذابا ولا خداعا ورضيت لنفسك بحياة كنت اضن الناس بنفسك على مثلها من قبل ومزقت بيدك ذلك القناع الجميل من الحياء الذي مازال مسبلا على وجهك واصبحت تتبذل في العيش مع امراة عاهر كل ما لها من الشان عند نفسها وعند الناس جميعا انها نفاية من نفايات الرجال وفضلة من فضلات الفساق وفتات المائدة العامة التي يجلس عليها الناس جميعا صباحهم ومساءهم فحسبك هذا وقم الساعة لتعد نفسك للسفر معي الى نيس فلست بتاركك بعد اليوم في هذا البلد ساعة واحدة . فرفع ارمان راسه الى ابيه وقال له بصوت هادئ مطمئن :لا استطيع يا ابتاه . فنظر الىيه ابوه نظرة شزراء وقال له:وتلك سيئة اخرى .فقد اصبحت لا تعبا بي ولا تبالي بمخالفة امري من اجل امراة ساقطة لا شان لها معك الا ان تعبث بعقلك وتسلبك مالك وشرفك وتفسد عليك حاضرك ومستقبلك. قال : لا يا ابتاه انها
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 7 | |||
|
![]() ليست عابثة ولا خادعة ولكنها تحبني حبا جما لم يحبه احد من قبلها واحسب ان فارقتها قتلتها وجنيت عليها جناية لا يفارقني الندم عليها حتى الموت . قال :ذلك ما يخدع به امثالها امثالك فليس للنساء العاهرات قلوبا يحببن بها بل لهن السنة يختتلن بها الرجال ويسبلنها حجبا بين بعضهم البعض حتى يظن الواحد انه الاثير عندها وصاحب الحظوة لديها من دون اصحابها جميعا. قال: ربما كان ذلك شانها قبل اليوم اما اليوم فهي لا تحب احدا غيري بل لا تعرف احدا سواي فهي تعيش عيشة النساء الشريفات بل ا شرف من عيشة الكثيرين منهن واخشى ان فارقتها ان تثور في نفسها ثورة من ثورات الياس فتردها الى تلك الحياة الاولى حياة الشر والفساد والشقاء والعذاب بعدما استنقذت نفسها . قال وهل ترى ان وظيفة الرجل الشريف في هذه الحياة اصلاح النساء الفاسدات ؟ قال ذلك خيرا له من ان تكون وظيفته افسادهن فان الاشراف في هذا العصر يفخرون بافساد النساء الصالحات واستدراجهن الى مواطن الفسق والفجور واصلاح المراة الفاسدة ادنى الى الشرف من افساد المراة الصالحة . قال: لقد اصبحت كثير الرحمة يا ارمان . قال: لم لا ارحم فتاة مريضة مسكينة ليس لها من الناس من يعولها من ذي قربة او ذي رحم وقد نزل داؤها من صدرها من منزلة لا يبرحها ولا يتحلل عنها الا يهدا عنها حينا ويستيقظ احيانا فهي تكابد الالم مرة والخوف من الالم اخرى ولا عزاء لها في سعادتها الا هذه السعادة التي تتوهمها في الحب وترى انها ناعمة بها فان فقدتها فقدت كل شيء في الحياة وعظم حزنها وبؤسها وثقلت وطاة الداء عليها حتى تاتي على البقية الباقية من حياتها فدعني معها يا ابتاه عاما اخر او عامين اهون عليها فيهما شقاءها فربما كان ذلك اخرم اقدر لها ان تقضيه من ايامها في هذا العالم ثم اعو داليك بعدها هادىء القلب ساكن الظمير راضيا عن نفسي وعن عملي ابكيها بدموع الحزن لا بدموع الندم ويهون وجدي عليها كلما ذكرت اني لم اخنها ولم اغدر بعهدها . فاطرقدوفال هنيهة كانما يعالج في نفسه هما معتلجا ثم رفع راسه ونظر الى ولده نظرة تشبه نظرة العطف والرحمة وقال له:لا استطيع ان ااسافر بدونك يا بني فحسبي ما كابدت من الالم لفراقك قبل اليوم ولقد تركت اختك ورائي تندبك وتبكي عليك صباحها ومساءها وتحن الى لقائك حنين الظامئ الى الورد واعلم ان جميع ما تعتذر به عن نفسك في هذا الشان لا يغني عنك ولا عني شيا يوم يقول الناس كلمتهم التي لا بد ان يقولوها غدا وربما قالها كثير منهم قبل اليوم ان ارمان دوفال سيتزوج امراة مومس فعد الى نفسك يابني واستلهم الرشد يلهمك ولا تجعل لهواك سبيلا على عقلك ودع هذه الحياة الساقطة التي يحياها من ليست له همة مثل همتك ولا مجدمثل مجدك واني تاركك الان وذاهب لبعض شاني لتخلوبنفسك ساعة تسترد فيها ما عزب عنك صوابك ثم اعو داليك بعد قليل لاسمع منك الكلمة التي ارجوا ان تكون شفاء نفسي ورواء غلتي . ثم تركه ومشى الى قهوة قريبة من الفندق فكتب لبعض الناس كتابا خاصا ثم طاف ببعض اصدقائه الذين يعرفهم في باريس فزارهم زيارة طويلة فلم يعد الى الفندق حتى اظل اليل فراى ارمان لا يزال في مكانه فساله ماذا راى فلم يجبه الا بدموع تتحدر على خديه تحدر القطر على اوراق الزهر وجثا بين يديه يسعلطفه ويسترحمه ويكشف له من خبيئة نفسه ماكان يكتمه من قبل ويقول واله يا ابت لو علمت اني استطيع العيش بدونها لفارقتها برا بك وايثارا لطاعتك ولكني اعلم ان فعلت وضعت امري في موضع الغرر وخاطرت بعقلي او بحياتي مخاطرة لا اعلم ماذا يكون حظي فيها وما احسبه الا اسوء الحظين وانحس النجمين ولو احدا من قبلي استطاع ان يدفع هواه عن قلبه او يمحوا ما قدر له في صحيفة قضائه من شفاء الحب وبلائه لسلكت سبيله التي سلكها ولكن بلاء بليت به فلا راي لي في رده ولا حيلة لي في اتقائه وقد نزلت هذه الفتاة من نفسي منزلة الحياة من الجسم والغيث من التربة القاحلةت فان كنت لا بد اخذي فخذ معك جسم هامدا لا حراك له ونبتت ذابلة لا حياة فيها . فوضع ابوه يده على عاتقه وقال له: قم الان يا بني واذهب وعد اليفي صباح الغد لاتمم حديثي معك وارجوا ان تكون في غدك خيرا منك في امسك فخرج محزونا مكتابا يمشي مشية الذاهل المشدوه لا يرى ما امامه ولا يشعر بما حوله حتى راى عربة فركبها الى بوجيفال حتى بلغها بعد هداة الليل فلم يرى مرغريت في شرفة البيت تنتظره كعادتها فدخل عليها غرفتها فراها مكبة على منضدة بين يديها كانها نائمة او ذاهلة فشعرت به عند دخوله فنهضت مذعورة متلهفة فخيل اليه عند نهوضها انه لمح في يدها رسالة تضمعليها اصابعها فظنها انها تلك الرسائل التي كان يرسلها اليها المركيز (فليب) من حين لاخر وهو فتى من ابناء الاشراف والاثرياء كان يحبهافي عهدها الاول حبا شديدا وينفق عليها اموال طائلة فلما انقطعت عنه لم ينقطع منها امله فظل يرسل اليها رسائل كثيرة يعرض فيها حبه وماله ويمنيها الاماني الحسان في العودة اليه واتصال حياتها بحياته فكانت تمزقها عند اطلاعها عليها او على عنوانها فلم
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 8 | |||
|
![]() يحفل ارمان بذلك فمشى اليها وسلم عليها فقالت له ماذا جرى يا ارمان ؟ قال : ارادني ابي على السفر معه فابيت وبكيت بين يديه كثيرا فلم انل منه منالا وقد امرني بالعودة اليه غدا ولا اريد ان افعل لاني لا احسب حظي معه غدا خيرا منه اليوم وقد اصبحت نفسي تحدثني بعصيانه والبقاء هنا بالرغم منه لاني اعلم اني تجاوز السن الذي احتاج فيها الى ارشاد الاباء ولاني لا اعرف احدا بين الناس يستطيع ان يرسم خطة سعادتي في الحياة كما استطيع ان ارسمها لنفسي ثم انشا يقص عليها قصته مع ابيه حتى انهها فاذا هي مطرقة صامتت واذا وجهها مصفر كانما قد نفض الموت عنها غباره فقال مابك يامرغريت ؟ اشعر بالم شديد في راسي واريد الذهاب الى مخدعي فاخذها اليه وجرعها بضع قطرات من الدواء فاستفاقت ثم نامت في مخدعها نوما مذعورا تتخلله انات طويلة واحلام مزعجة حتى اصبح الصباح فقالت له: ارى يا ارمان ان تعود الى ابيك كما امرك وان تعاود استعطافه واسترحامه لعلك بالغ اليوم ماعجزت عنه بالامس واني لا اكون راضية عن نفسي ولا هانئة بحياتي ان لم يكن ابوك راضيا عنك ولم تزل به حتى اذعن لها وقام الى ثيابه فارتداها ثم مشى اليها وضمها وقال لها الى المساء يامرغريت فلم ترد عليه تحيته حتى ابتعد عنها فقالت بينها وبين نفسها : ارجوا ان يكون كذلك وتهافت على كرسي بين يديها باكية منتحبة. ولم يزل ارمان سائرا في سبيله حتى وصل الى باريس فذهب الى فندق ( تورين ) فلم يجد اباه هناك ووجد رسالة تركها له قبل ذهابه يامره فيها ان ينتظره حتى يعود فلبث ينتظره وقتا طويلا حتى عاد بعد منتصف النهار وقد رقت تلك الغمامة السوداء التي كانت تلبس وجهه بالامس فتقدم نحوه ارمان فحياه فقال له : لقد فكرت في امرك كثيرا يابني فرايتا ني قد قسوت عليك وغلوت في امرك كثيرا يا بني ونظرت الى مسالتك بعين اقصر من العين التي كان يجب انانظر بها اليها فان للشباب شان غير شان الكهولة والشيخوخة وحالا خاصة به لا يخرج عن حكمها شريف ولا وضيع ولا يختلف فيها سوقة عن ملك فلك ان تبقى يا بني كما تشاء وان تعيش مع الفتاة التي احببتها كما تريد على ان تعدني بالعودة الي في اليوم الذي تنقطع فيه الصلة التي بينك وبينها انقطاع حياة او موت فاني ان امنت عليك شرها فلا امن عليك شر غيرها من النساء فاستطيرا رمان فرحا وسرورا واهوى على يد لبيه يقبله ويبللها بدموعه ويقول : اعدك ياابتاه وعدا لا اخلفه ولا اخيس ب هولك حكمك ما تشاء ان رايتني بعد اليوم كاذبا او حانثا ثم نهض يريد الذهاب فقال له : اين تريد ؟ قال : اريد الذهاب الى مرغريت لابشرها بهذا النبا وامسح عن فؤادها ما الم به من الروع منذ الامس فانتفض ابوه انتفاضة خفيفة لم يشعر بها ارمان ثم دار ليغالب دمعة كانت تترقرق في عينيه ثم التفت اليه وقال: ابقى معي اليوم فربما سافرت غدا ولا اعلم بعد ذلك متى اراك فبقي معه اليوم كله حتى جاء الليل فاستاذنه بالذهاب الى بوجيفال فاذن له فحياه وخرج فاتبعه نظره حتى غاب عن عينه فانحدرت من جفنه تلك الدمعة التي كان يحسبها من قبل وقال : وارحمتاه لك ايها الولد المسكين. حمل ارمان بين جنبيه اماله وامال مرغريت وسعادتهما التي يرجونها في مستقبل حياتهما وطار بها اليها ليقاسمها اياها حتى دنا من بوجيفال فادهشته ان راى البيت مظلما ساكنا لايظطرب فيه شعاع ولا يتراءى فيه ظل فمشى الى الباب فراه مرتجا فوضع خصاصه فلم يسمع حركة فاخذ يقرعه قرعا شديدا ويهتف باسم مرغريت مرة واسم برودنس خادمتها مرة اخرى فلم يجبه احد فقال في نفسه :لعلها ذهبت الى بيتها في باريس لبعض شانها و اسصحبت خادمتها معها ولا بد ان تعود الان فجلس امام صخرة امام المنزل ينتظرها حتى مرت هدات اليل فلم تعد فحدثته نفسه بالعودة الى باريس للبحث عنها في مظان وجودها ثم منعه من ذلك خوفه من ان تسلك طريقا غير الطريق الذي سيسلكه فاستمر في مقعده يقوم مرة ويقعد مرة ويتمشى احيانا
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 9 | |||
|
![]() انتظروا التكملة |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 10 | |||
|
![]() بالرغم أنها طويلة لكنها شيقة وتستحق أن تقرأ وبالتقريب تشبه قصة البؤساء لفيكتور هيغو. لك كل الشكر اخي امبراطور البحر على القصة وعلى مجهودك وفي إنتظار التكملة إن شاء الله
![]() |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 11 | |||
|
![]()
هي رواية على فصول وهذا الجزء الثاني ويبقى الجزء الاخيرة سوف اطبعه لا حقا شكرا لمروركي الكريم اختي حسناء العابدة ويسعدني دائما مروركي
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 12 | |||
|
![]() ويحدث نفسه بكل حديث يمر بخاطر القلق المرتاع الا حديث خيانتها وغدرها ولم يزل في حيرته واضطرابه حتى راى جذوة الفجر تدب في فحمة الظلام فساء ظنه وانتشرت عليه وساوسه واوهامه وقال في نفسه ما لمرغريت بد من شان ولا بد لي من المصير اليها والنظر في الشان الذي شغلها وكان السهر والقلق قد اخذا ماخذهما من جسمه ومن نفسه من حيث لا يشعر فمشى في طريقه الى باريس يترنح ترنح الشارب الثمل حتى وصل الى منزل مرغريت وقد علا صدر النهار فراى حارس المنزل قد استيقظ من نومه ووقف بفاسه على شجرة من اشجار الحديقة يشذب اغصانها فساله عن مرغريت فاخبره انها حضرت هنا بالامس في منتصف النهار والخادمة ورائها تحمل حقيبة كبيرة فصعدت الى المنزل فلبثت فيه ساعة ثم نزلت وقد لبست ثوبا من اثواب الولائم فاعطتني كتابا وقالت لي :اذا جاء المسي وارمان الى هنا للسؤال عني فاعطه اياه ثم ركبت عربتها هي وخادمتها وانصرفت قال: الا تعلم الى اين ذهبت ؟ قال : احسب اني سمعتها تقول الى المركيز جون فليب عند ركوبها العربة فجمد ارمان في مكانه جمود الصنم واستحال لونه الى صفرة الموت ومر بخاطره مرور البرق ذلك الكتاب الذي راه في يدها بعد عودته من مقابلة ابيه فتركه الحارس مكانه وذهب الى غرفته وعاد له بالكتاب فتناوله منه بيد مرتجفة ونشره وامر نظره عليه امرار فاحا ط بما فيه للنظرة الاولى فارتعد جسمه ارتعادا شديدا وتراجع خطوة او خطوتين الى باب القصر فاسند ظهره اليه واعاد قرائته فاذا هو مشتمل على هذه العبارات (هذا اخر مابيني وبينك يا ارمان فلا تحدث نفسك بمعاودة التصال بي ولا تسالني عن السبب في ذلك فلا سبب عندي اني اردت هكذا لنفسي والسلام ) فعلق نظره بالكتاب ساعة لا يرفع طرفه عنه ولا يقرا منه حرفا كانما هو تمثال من تماثيل الحديقة وكان الحارس قد عاد الى شجرته يشذب اغصانها ويتغنى في صعوده اليها وانحداره عنها يقطعة من الشعر يعجبه لحنها وان كان لا يفهم معناها فانه لكذلك اذ سمع صوت جسم ثقيل قد سقط على الارض فرمى بفاسه وهرع الى ناحية الصوت فراى ارمان صريعا معفرا تحت عتبة الباب ففزع فزعا شديدا وظنها الصرعة الكبرى فاهوى باذنه على صدره فسمع مابقي من دقات قلبه فاطمان قليلا وعمد الى جرة بين يديه فاخذ ينضح بمائها وجهه ويدلك براحة يديه صدره وصدغيه حتى استفاق بعد قليل ففتح عينيه فراى الحارس جالسا بجانبه وراى الكتاب لا يزال في يده فدار بعينهيه حول نفسه فمرت بخاطره في الحال ذكرى مصرعه القديم يوم القت مرغريت بنفسها واحتظنته فهاجته تلك الذكرى وصاح : ما ابعد اليوم بالامس وانشا يبكي بكاء الطفل الذي حيل بينه وبين ثدي امه حتى بكى الحارس لبكائه واقبل يعزيه عن مصابه ويهونه عليه حتى هدا قليلا فامره ان يستدعي له عربة ففعل فقام يتوكا على يد الحارس حتى بلغها فركب وقال للسائق الى( فندق تورين) فسارت به العربة اليه حتى اذ لم يبقى بينه وبينه الا منعطف واحد مرت بجانبه عربة فخمة مرور البرق الخاطف تحمل رجلا وامراة لم يتبينهما للنظرة الاولى ثم راجع صورتهما في خياله فاذا هما جان فليب ومرغريت وكانت مركبته قد وصلت به الى الفندق فدخل على ابيه هائما مختبلا فقال : مادهاك يابني؟ قال قد خانتني يا ابتاه قال: قال ذلك ما انذرتك به من قبل يا بني ثم انقضى النهار وجاء الليل فقضاه ارمان ساهرا في مخدعه يراجع فهرس حياته مع مرغريت صفحة صفحة ويستعرض في نفسه جميع اطوارها وشؤونها فلم تبقى حركة من حركاتها ولا صورة من صور اعمالها كان يراها بالامس حسنة من حسنات الاخلاص والوفاء الا راها اليوم سيئة من سيئات الخديعة والمكر حتى وصل في مراجعته الى الامس واليوم الذي قبله . |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 13 | |||
|
![]() فذكر عدم انتظارها اياه في شرفة البيت كعادتها يوم عاد اليها من مقابلة ابيه وشدة احتفاظها بكتاب المركيز جان فليب في يدها عندما دخل عيها غرفتها وضنها به ضنا شديدا ولم تكن تفعل ذلك من قبل واعراضها عن التبسط معه في الحديث بعدما قصة لها قصته مع ابيه وزعمها انها مريضة لا تستطيع البقاء معه والححها عليه في صباح اليوم التالي في العودة لمقابلة ابيه واستعطافه وانها لا تكون راضية عن حياتها ان لم يكن ابوه راضيا عنه فاستنتج من كل هذا انها لما شعرت بفراغ يده من المال وان اباه اما ان يحول بينه وبينها واما ان يقتر عليها الرزق تقتيرا ملته واجتوته وفكرت في سبيل الخلاص منه ولم تزل تنتظر ما ياتيها به القدر حتى اتاها كتاب المركيز فككان هو طريق خلاصها . ولم يزل هائما ماشاء الله ان يهيم في تصوراته واوهامه حتى غلبته عيناه فهجع قليلا ثم استيقظ في الصباح فدخل على ابيه في مخدعه وقال له لي عندك امنية يا ابتاه لا اريد غيرها واري دان ابتاعها منك بخضوعي لك ونزولي عند حكمك ابد الدهر فيما سرني اوسائني فهل ل كان تبلغنيها؟ قال :وماهي؟ قال اريد ان تعطيني الساعة خمسة عشر الف فرنك قال : وما تريد منها قال: احب ان استاثر بهذا السر لنفسي من دون الناس جميعا حتى من دونك فنظر اليه ابوه نظر الملم بما دار في نفسه واعطاه صكوكا بالمال الذي اراد فاخذها وارسلها الى مرغريت وارسل معها كتابا طويلا ختمه بهذا ( اما وقد عرفت اني كنت اعيش مع امراة عاهر ساقطة لا عهد لها ولا ذمام فيها فهي اجرة لياليك الماضية مرسلة اليك) ثم خرج ليعد نفسه للسفر فقضى اليوم كله خارج الفندق ثم عاد اليه في دبر النهار فوجد فيه كتابا بالاسمه ففض ختامه فاذا الاوراق التي ارسلها الى مرغريت عادت اليه مرة اخرى وليس معها كلمة واحدة فحاول ان يعيدها اليها مرة اخرى فمنعه ابوه من ذلك وقال : له لقد وعدتني الا تخالفنيفي امر فلا بد لك من الاذعان فاذعن ثم سافر معا تلك الليلة الى نيس . وكذلك قضى الله ان يفترق ذلك الصديقان الوفيان فعاد الفتى الى احضان ابيه وعادت الفتاة الى حياتها الاولى التي كانت تاباها الاباء كله وتخافها الخوف الشديد وفي نفس كل منهما من الوجد بصاحبه والحسرة عليه ما لا تبليه الايام ولا تنقص منه السنون والاعوام . ذلك ما كان شان مرغريت بعد عودتها الى حياتها الاولى فقد اصبحت تعيش مع الناس بصورة غير الصورة التي تعيش بها مع نفسها اما حياتها مع الناس فحياة ضاحكة لا عبة مرحة وثابة تضيء الجامع والمحافل وتملا الانظار والاسماع فاذا ضمها مخدعها وخلا لها وجه اليل مرت امام عينيها صور تلك الساعات السعيدة التي قضاها بجانبها ارمان ثم ذكرت انها افلتت من يدها فلات الطائر من يد صائده وصارت بعيد عنها بعد الشمس عنيد متناولها وانها اصبحت تعيش بين اقوام لا تعرفهم ولا تجد في نفسها لذة الانس بهم ثم لا تجد لها بد من مماذقتهم والتحبب اليهم والتجمل لهم بما يريدون ويشتهون فتشرب مع كل شارب والشراب يحرق احشائها وترقص مع كل راقص والرقص يمزق اوصالها وتضحك ضحكات السرور من قلب باك وتنشد اناشيد الهناء من فؤاد محترق فكانها في يد الناس العود في يد العازف يقطع اوتاره ليطرب بنغماته او الزهرة في يد المقتطف يعصر اوراقها عصرا لينعم بشذاها فتهيجها ذكرى ذلك الماضي السعيد وهذا الحاضر الشقي فتطلق السبيل لزفراتها وعبراتها يصعد منها ما يصعد وينحدر منها ماينحدر حتى
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 14 | |||
|
![]() تشتفي نفسها فتقوم الى خزانة ملابسها فتستخرج صورة تضعها بين سحرها ونحرها ثم تاوي الى مضجعها فتجد برد الراحة في صدرها لا نها صورة ارمان . ولم تزل تكابد من الشقاء تلك الحياة الساقطة الاما لا طاقة لمثلها باحتمال مثله حتى استيقظ في صدرها داؤها القديم بعدما نام عنها حينا من الدهر فهزل جسمها وشحب لونها وغاض ماء ابتسامتها وانطفا شعاع نظرتها وشغلها شان نفسها عن شان المركيز فلم يلب ثان ملها وفارقها واستبدل بها اخرى غيرها ثم اختلف عليها من بعده الاخلاء الرفقاء فكان شانه معها شانهن لا يلبث احدهم ان يعرفها حتى يهجرها فكسدت سلعتها في سوق الجمال وطمع فيها من لم يكن يطمع في لثم مواطئ اقدامها وخلت منها المجامع والمحافل ثم خلت من ذكرها وحديثها واعوزها المال اعوزازا شديدا فمدت يدها الى ما كان باقيا عندها من جواهر ولا لئها فلم يفي بدينها فطلبت المعونة من كثير من اصدقائها الماضين فارسل اليها قليل منهم القليل منها فلم يغن عنها شيا واختلفت اليها جرائد الحساب يطلب اصحابها سداد مافيها فدافعتهم عنها حينا ثم عجزت فحجزوا جميع مقتنياتها وذخائرها واثاث بيتها ورياشه ولؤموا في مقاضاتها لؤما ضاعف حزنها ومرضها وقضى على مابقية ماكانت تضمره في نفسها من الامل في الحياة والسعادة فيها فنسيت العالم خيره وشره والحياة سعادتها وشقائها واصبحت لا تفكر الا في امر واحد تقوم وتقعد به ليلها ونهارها وهو ان ترى ارمان ساعة واحدة قبل موتها ثم تذهب الى ولم تكن قد كتبت اليه قبل اليوم كلمة واحدة فارقها ولا كتب اليها فنهضت تتحامل الى منضدتها فكتبت اليه هذا الكتاب .(تعال الي يا ارمان راضيا كنت او غاضبا فاني مريضة مشرفة واحب ان اراك قبل موتي لافض لك بسر الذنب الذي اذنبته اليك فيما مضى فلعلك تعفوا عني في ساعتي الخيرة فيكون عفوك ورضاك هو كل ما اتزود به لقبري واذكر يا ارمان ا ناول عاطفة جمعت بيني وبينك والفت بين قلبي وقلبك كانت عاطفة الرحمة والشفقة .فها هي ذي الفتاة المريضة المسكينة التي رحمتها بالامس وعطفت عليها قبل ان تحبها تدعوك اليوم ان ترحمها وتعطف عليها وان تكن قد سلوتها اما كتابك الذي كتبته الي قبل سفرك فقد اغتفرت لك كل مافيه حتى قولك اني كنت كاذبة في حبك طامعة في مالك لاني اعلم ان المراة التي تكذب الناس في حبها طوال حياتها لا يمكن ان تجد من يصدقها اذ صدقت فيه وعدل من اله كل ما صنع .ثم لبثت تنتظر حضوره اياما طوالا فلم ياتها فاحزنها ذلك حزنا شديدا وساء ظنها به ووقع في نفسها انه سلاها واطرحها واصبح لا يعبا بها ولا يبالي بحياتها او موتها او سعادتها او شقائها وكانت مخطئة فيما ظنت فان ارمان لم يطلع على الكتاب التي ارسلته اليه لانه مذ فارقها في العام الماضي وسافر الى نيس لم يستطع البقاء فيها الا اياما قلائل ملكه الضجر واحاطة به الوحدة وضاقت في جهه مذاهب السلوى فاستاذن من ابيه ان يسافر الى بلاد المشرق ترويحا عن نفسه وتفريجا من كربته فاذن له فسافر الى الاسكندرية فاقام فيها بضع شهور كاتب فيها اباه قليلا ثم تركها واخذ ينتقل بينفي انحاء البلاد لا ينزل ببلد حتى يطير الضجر الى غيره فانقطعت رسائله عن ابيه فاصبح يجهل مكانه فلما ارسلت مرغريت كتابها في نيس قراه ابوه وحفظه عنده ولم يستطع ان يرسله اليه ومرغريت لا تعلم بشيء من ذلك فحزنت لخيبة املها حزنا شديدا وداب الياس في قلبها دبب الموت في الحياة ووقع في نفسها انها ستخرج من الدنيا فارغة اليد من كل شيء حتى من هذه الامنية التي بقيت في يدها من بين جميع امالها الضائعة فتنكر شانها واستحالت حالها ولجات الى صمت طويل لا تقول فيه خيرا ولا شرا واصبحت تنظر الى نفسها والى مايحيط بها من الاشياء كانها تنظر الى شيا تنكره ولا تعرفه فربما دخل عليها طبيبها وهي في اشد حالات المها فلا تشكوا له الما او سممعت ضوضاء الدائنين وصخبهم في فناء المنزل فلا تسال ماذا يريدون وكانت اذا شعرت بقليل من الراحة والسكون ركبت عربتها الى بوجيفال فزارت البيت الذي قبضت فيه ايام سعادتها الذاهبة وكان لا يزال باقيا على الصورة التي تركته عليها يوم فارقته ومرت بغرفته وقاعاته وجلست في كل مكان كانت تجلس مع ارمان واشرفت على كل نافذة كان يشرف منها معها وقبلت جميع اثاره وبقاياه ولثمت الكاس الذي كان يشرب منها والزهرة التي كان يحبها والقلم الذي كان يكتب به والكتاب الذي كان يقرا فيه فاذا نال منها التعب جلست على بعض المقاعد لتاخذ لنفسها راحتها فربما طار خيالها الى ذلك العهد القديم فيتمثل اليها ارمان جالس تحت قدميها يحكي لها حادثة من حوادث طفولته في نيس او يبث لها مايجده في نفسه من الحب والوجد فتبتسم لحديثه ايتسام السعيد الهانىء وتستشعر بها لذة لا يشعر بها الا المتقون في جنات النعيم ثم تفتح عينيها فلا ترى الا الوحشة والسكون والوحدة والانفراد فتبكي ما شاء الله ان تفعل ثم تعود الى بيتها في باريس فتجلس في منضدتها وتناجي ارمان بجميع ما تحدث به نفسها كانه حاضر امامها بين يديها يراها ويسمعها.
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 15 | |||
|
![]() مذكرات مرغريت 15 ديسمبر 1850 ارمان لم تكتب الي ولم تاتني كانما ظننت اني اريد ان استعيد معك عهدي الماضي واين انا من ذلك العهد فلو رايتني لرايت امراة ذاهبة مدبرة لا تصلح لشان من شؤون الحياة ولم يبقى فيها من صورتها الماضية الا كما بقي من الزهرة الساقطة عن غصنها بعدما عصفت الريح باوراقها وكل ما كنت اريده منك ان اراك بجانب فراشي في ساعتي الاخيرة لا عتذر لك عن ذنبي الذي اذنبته اليك ثم انظرك نظرة وداع اغمض عليها جفني واذهب الى قبري . ما انا بخادعة يا ارمان ولا خائنة فان الرسالة التي رايتها في يدي يوم عدت الي من مقابلة ابيك ليست رسالة المركيز كما ظننت بل رسالة ابيك نفسه وصلت الي منه قبل وصولك الى بوجيفال بساعة واحدة وهذا نصها الذي لا يزال عالقا بذهني حتى الساعة :سيدتي اريد ان اقابلك غدا في منزلك في السشاعة عاشرة صباحا في شان خاص بي وبك واري دان لا يكون ارمان حاضرا تلك المقابلة ولا عالما بها ولا باني ارسلت هذه الرسالة اليك ولي من الحسن الراي فيك مايطمعني في ان يكون ما سالتك اياه سرا بيني وبينك حتى نلتقي (دوفال) فلما قراتها علمت ماذا يريد من تلك المقابلة وشعرت بما وراءها بل علمت بما دار بينه وبينك من الحديث وانك امتنعت عنه حتى ياس منك فحاول ان يدخل اليك من بابي فحدثتني نفسي ان ارفض مقابلته وان اكاشفك بكل شيء ثم استحييت من نفسي واكبرت ان يعتمد على رجل شريف كابيك في كتمان سر بسيط كهذا السر فلا يجدني عند ظنه فطمعت ان انال منه عند المقابلة ما يطمع ان يناله مني فكتمت امر الرسالة وكتمتك مافي نفسي منها ولم اكن كاذبة عندما قلت اني لا استطيع البقاء بجانبك وسالت كان تقودني الى مخدعي فقد قضيت ليلة لم اقض مثلها في جميع مامر بي من الهموم والاحزان حتى اصبح الصباح فالححت عليك ان تذهب لمقابلة ابيك وانا اعلم ان ذهبت اليه لا تراه ولا تنتفع بمقابلته ان رايته فخفت ان يزورني فيراك عندي فاصغر في عينه ولا اشد علي من ذلك وماهي الا لحظات قليلة حتى وصل الى بوجيفال في الموعد الذي ضربه في كتابه فاستاذن علي فاذنت له فدخل فرايت في عينيه جمرة من الغضب تلتهب التهابا فلم احفل بها ودعوته الى الجلوس فلم يفعل ولم يحييني لا بيده ولا بلسانه وكان اول ما استقبلني به قوله:'ماذا تريدين ان تصنعي بولدي ايتها السيدة ). وظل ناظرا الي نظرا جامدا ساكنا لا يطرف ولا يختلج فعجبت لمدخله الغريب ونظراته المترفعة ولهجته الجافة الخشنة وامتعضت في نفسي امتعاضا شديدا حتى كدت اقول له ولا اكتم ذلك تذكر يا سيدي انك في منزلي واني لم ادعك الى زيارتي بل انت الذي دعوت نفسك بنفسك ثم ذكرت مكانه منك من كل شيء حتى جوابه علىسؤاله فمشى يضرب الارض بعصاه وقدمه حتى دنا مني والقى علي نظرة التي اعتاد الاشراف المترفعون ان يلقوها في طريقهم على وجوه النساء العاهرات وقال : لقد انفق ولدي عليك جميع ماكان بيده من مال وكان في يده الكثير منه ثم جميع ما ارسلته اليه بعد ذلك وقد ارسلة اليه فوق طاقتي فلا يستطيع ان يمدك باكثر مما امدك ولا استطيع ان استنزل عليه_ من السماء ذهبا يمطره عليك فدعيه وشانه فالبلد مملوء بالابناء الذي لا يحتاج ابائهم اليهم والذين لا يحتاجون الى انفسهم اما انا فاني بحاجة الى ولدي لاني لم ارزق سواه ومن كان بيده هذه الثروة من الجمال التي تملكينها لا يضيق به مذهب من مذاهب العيش ولا يلتوي عليه مارب من مارب الحياة . فسرت كلماته في نفسي سريان الحمى في عظام المحموم وخيل الي ان هذا الماثل امامي لا يحدثني وانما يجرعني السم بيده تجريعا وشعرت بذلة لم اشعر بمثلها في ايام حياتي الا اني تجلدت ورددت نفسي عن مكروهها وقلت بصوت هادئ لا يمازجه غضب ( لا ياسيدي نعم اني احب ولدك ولكني لا اطمع في ماله ولكان طمعي في ماله لفارقته منذ ثلاثة اشهر عندما خلت يده من المال واصبح لا يجد السبيل اليه بحال من الاحوال بل لفارقته قبل ذلك لان الذين لا يزالون يساومونني في نفسي من اشراف هذا البلد منذ ان اتصلت به حتى اليوم افضل حالا واكثر رغدا .على ان ولدك لم ينفق علي من هذا المال الا النزر القليل وربما انفق باقيه على نفسه ولو استطعت ان ارفض ذلك القليل واباه لفعلت ولكني كنت اظن ب هان يداخل نفسه ما يريبها او يؤلمها فقبلت منه هداياه الصغيرة التي كان يقدمها الي من حين الى اخر ارعاء عليه وابقاء على عزة نفسه وكرامتها ولو ان ماكان بيده من المال انتقل الى يدي كما تقول لا صبحت غنية موفورة لا احمل هما من هموم العيش ولو تبينت امري لوجدت امراة فقيرة معوزة لا املك من متاع الدنيا الا حلي واثاث منزلي وعربتي وليتها كانت خالصة الي فقد امتدت يد الضرورة اليها منذ عهد قريب فاصبح الكثير منها سلعة في يد المرابين ولا اعلم بما ياتي به الغد وان ابيت الا ان تطلع على ما كتمته على الناس وعلى ولدك ثم قامت الى الخزانة فجائته منها بالصكوك والوثائق المستلمة على بيع ما باعت من جواهر واثاث ورهنت مارهنت منها فاخذ يقلبها بين يديه ويتامل في تاريخها طويلا ثم طواها واعادها الي مطرقا صامتا لا يقول شيء ومد يده الى كرسي بين يديه فاجتذبه اليه وجلس عليه متعمدا براسه على عصاه وقد هدات في نفسه تلك الثورة التي كانت تظطرم وتعتلج منذ دخوله وطارت عن وجهه تلك الغبرة السوداء التي كانت تظله من قبل فعدت الى حديث معه اقول : على انني ياسيدي غير شاكية ولا ناقمة فقد مر بي من نوب الايام واوزارها ما محى من نفسي كل شهوات الحياة وانساني جميع مفاخر الدنيا ومظاهرها فاصبحت لا ابالي بما تاتي به الايام وتساوى لدي الفقر والغنى والحلى والعطل وسكنى القصر وسكنى الكوخ وركوب المركبة وركوب النعل وكل ما ارجوه من حياتي واضرع الى الله واليك فيه ان ارى ارمان بجانبي يقاسمني هم الحياة وبؤسها ويعينني على شدتها ثم جثوت بين يديه وتعلقت باهداب ثوبه وقد عجزت في تلك الساعة عن املك من دموعي ما كنت مالكة من قبل فظللت ابكي واقول: رحماك يا مولاي اني امراة بائسة مسكينة قد قضت على بعض ضرورات العيش في فاتحة حياتي ان اقف على حافة تلك الهوة التي يقف على راسها النساء الجائعات فسقطت فيها كارهة مرغمة ثم اردت نفسي على الرضا بتلك الحياة فلم استطع فاصبحت في منزلة بين المنزلتين لا انا شريفة انعم بعيش النساء الشريفات ولا ميتة القلب اسعد سعادة الفتيات الساقطات وقد وجدت في ولدك الرجل الوحيد الذي احبني لنفسي ومنحني من وده واخلا صه ما ضن الناس به علي جميعا فانست به انسا انساني سقوطي وعاري وحببت الي الحياة بعدما ابغضتها وبرمت بها وكدت اقضي على نفسي بالخلاص منها فلا تحرمني جواره ولا تفرق بيني وبينه فانك ان فعلت اشقيتني وبرحت بي وملات حياتي هما وكمدا وانت اجمل من ترضى لنفسك بان تبني سعادتك وهناءك على شقاء امراة مسكينة مثلي.
|
|||
![]() |
![]() |
الكلمات الدلالية (Tags) |
المنفلوطي, الضحية, تبكي, يقراها |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc