هل مجمل الحياة النفسية شعورية أم هناك جانب لا شعوري؟
يدرك الإنسان عالمه الخارجي عن طريق مجموعة من القدرات والعمليات ,ومن بينها الشعور واللاشعور حيث يعتبر الأول ظاهرة نفسية تتمثل في وعي الذات لأقوالها وأفعالها ،أما الثاني فيعتبر ظاهرة نفسية أيضا تتمثل في عدم وعي الذات لأقوالها وأفعالها ،ولقد اختلف بعض الفلاسفة حول أساس الحياة النفسية ،فهناك من يرى أنها شعورية وآخر يرى بأنها لا شعورية ،ومنه يمكن طرح التساؤل التالي :هل مجمل الحياة النفسية شعورية أم هناك جانب لاشعوري ؟.
الرأي الأول : مجمل الحياة النفسية شعورية
يمثل هذا الاتجاه النظرية النفسية بزعامة “برغسون” والذي يرى أن أسا س الحياة النفسية شعورية ،حيث قسم الشعور إلى ثلاثة أنواع يمر بها الإنسان خلال فترة حياته أولها الشعور التأملي ويقصد به الانتباه والتركيز في موضوع واحد
بقصد إدراكه ،أما الثاني فهو شعور الهامشي أي الأشياء والمواقف الموجودة حول الفرد الذي يعيها ولكن لاتهمه ،أما الثالث فهو ما تحت الشعور أي تلك المواقف التي حدثت لنا خلال النهار نتذكرها أثناء النوم ،وبهذا يثبت “برغسون “أن الشعور دائم بدوام حياة الإنسان ولا توجد فترات متقطعة في حياته ،وبهذا يقول ((لكي نفهم الظواهر النفسية لا بد أن نحياها ونعيشها ،لأنها حالات شعورية )) ويقصد بذلك أن كل مراحل حياتنا لا تخلو من الشعور ،وهذا ما أكد عليه “ديكارت “زعيم المدرسة العقلية حين قال ((الشعور والحياة النفسية مفهومان مترادفان ))ومعناه أن “ديكارت “ساوى بين الحياة النفسية والشعور فمن غير المعقول أن نتحدث عن الحياة النفسية ولا نتحدث عن الشعور ،ومنه فأساس الحياة النفسية شعورية .
نقد الرأى القائل بأن مجمل الحياه النفسيه شعوريه : لقد ركز هذا الإتجاه عن الجانب الشعوري وأهمل الجانب اللاشعوري كأساس للحياة النفسية ،لأن هناك بعض المواقف لا يعي فيها الإنسان ما فعله أو ما قاله .
الرأي الثاني :اللاشعور أساس في حياتنا النفسية
يمثل هذا الاتجاه نظرية التحليل النفسي بزعامة ” سيغموند فرويد “والذي يرى أن اللاشعور له وجود في الحياة النفسية ، لأن هناك فترات متقطعة من حياة الإنسان لا يعي فيها ما يفعل ,ومن بين أدلة التي قدمها “فرويد”عن اللاشعور نبدأ بأحلام اليقظة فالفرد يتحدث مع نفسه دون أن يشعر بحركاته بالإضافة إلى زلات القلم وفلتات اللسان فقد نكتب لشخص نكرهه عبارة أفكارك كظيمة بدلا من أفكارك عظيمة كما أشار إلى النسيان كدليل لأننا في بعض الأحيان نحاول نسيان بعض الأحداث المؤلمة ,لكنها تبقى تؤثر فينا لاشعوريا .لذلك فهناك الكثير من الأحداث المكبوتة في مرحلة الطفولة تؤثر فينا في مراحل لاحقة دون أن نشعر .
كما أن “فرويد”عالج المضطربين بطريقة “التداعي الحر “بدلا من “التنويم المغناطيسي “،وذلك ليخرج المضطرب من حالته اللاشعورية إلى حالته الشعورية .
كما أنه قسم الجهاز النفسي إلى ثلاثة أقسام أولها الأنا الأعلى :وهو الضمير ووظيفته إصدار الأوامر فقط،أما الثاني فهو الأنا :والمتمثل في الشعور ووظيفته الموازنة بين أوامر الأنا الأعلى ومطالب الهو،أما الثالث فيتمثل في الهو (الليبدو)وهو اللاشعور وفيه تتجمع المكبوتات من دوافع ورغبات وميول وإتجاهات وهو أساس الطاقة النفسية حيث يقول
(الغريزة الجنسية هي مصدر الطاقة النفسية المحركة لنشاط الإنسان وإبداعاته في مختلف الميادين )) ويقصد بالطاقة النفسية اللاشعور ،ومنه اللاشعور هو جانب من جوانب الحياة النفسية وأساسها.
نقد نظريه سيجموند فرويد بأن اللاشعور اساس فى حياتنا النفسيه:
لقد ركز هذا الاتجاه على الجانب اللاشعوري وأهمل الجانب الشعوري كأساس للحياة النفسية ،لأن “فرويد”ركز على المرضى بدلا من الأصحاء ،كما جعل الإنسان مجرد كائن كباقي الكائنات الأخرى تتحكم فيه غرائزه فقط .
وبما أن هناك اتجاهان مختلفان أحدها يرى أن مجمل الحياة النفسية شعورية “برغسون ،ديكارت “وآخر يرى أن أساس الحياة النفسية لاشعورية “فرويد”،وبما أن لكل منهما جانب من الصحة ،لأنه قدم حجج وبراهين مقنعة ،فالرأي الصحيح هو أن الحياة النفسية شعورية ولاشعورية معا ،فنحن من ولادتنا حتى وفاتنا نكون في حالة شعورية نعي ما نفعل وما نقول ،ولكن في فترات متقطعة قد نخرج من حالة الوعي إلى حالة اللاوعي ،فمثلا شخص كان في حالته الشعورية فغضب ليقول كلاما لا يعيه وعندما يخف غضبه يعتذر فيقول : لم أكن أقصد , وهذا يعني أنه لم يكن في حالته الشعورية ومن هذا المثال يتضح أن الإنسان يكون في حالته الشعورية في معظم الأحيان , ولكن في بعض الأحيان يقوم بأفعال وأقوال لا شعورية , ومنه فالحياة النفسية تتراوح بين الشعور واللاشعور .
حل الإشكال هل مجمل الحياة النفسية شعورية أم هناك جانب لا شعوري؟
وفي الختام نستنتج أن أساس الحياة النفسية إشكالية اختلف حولها الفلاسفة فبرغسون وديكارت ركزوا على الجانب الواعي الإرادي من حياتنا , أما نظرية التحليل النفسي قد ركزت على الجانب اللاواعي أللإرادي من حياتنا النفسية , وفي الحقيقة فإن الواقع يثبت أن الإنسان يعيش حياتا شعورية يخرج في بعض الأحيان لحياة لاشعورية , ولكن اللاشعور عند الإنسان السوي لا يدوم طويلا , أما الإنسان المضطرب فقد تكون حياته اللاشعورية غالبة عن حياته الشعورية , فمثلا طالب كان يراجع دروسه يدرك ويفهم ويركز فيها فأراد أن يبحث عن معلومة في كراس الفلسفة ولكنه لم يجد الكراس حتى نبهه أخوه أليست هي التي في يدك فأجاب لم أكن أشعر بها , ومنه الحياة النفسية شعورية ولاشعورية معا .
تعليقات فيس بوك