يروى أن الجاحظ جمع نوادر المعلمين وحماقاتهم وأحيانا غباءهم وأزمع على أن يثبتها في كتاب ولكنه تعرف على معلم حسن المظهر والملبس ويبدو عليه الوقار فعدل عن جمع الكتاب ونشره ، ثم جاءه هذا المعلم في أحد الأيام شاكيا وباكيا وقد أضناه الغرام لا سيما وأنه لا يعرف كيف يتصل بمحبوبته ، فسأله الجاحظ عن السبب فأجاب بأنه لم ير وجهها ولا يعرف بالتالي أين تسكن فسأله الجاحظ: لعلك أحببتها بعد أن سمعت صوتها فالأذن تعشق قبل العين أحيانا ؟ فأجابه بالنفي ، فتعجب الجاحظ من حاله ولم يملك أن يستفسر منه عن السبب الذي جعله يعشقها فأجابه أن سمع واحدا يردد هذا البيت من الشعر:
يا أم عمرو جزاك الله مغفرة
ردي عليّ فؤادي مثلما كانا
فعشقها على الفور ، ثم مضت مدة وسمع الجاحظ أن هذا المعلم قد أقام عزاء فذهب ليعزيه وسأله عن الميت وعلاقة القربى به ، فأجابه إنها أم عمرو ، فساله الجاحظ عن الكيفية التي عرف بها ذلك ، فأجابه سمعت رجلا ينشد هذا البيت:
لقد ذهب الحمار بأم عمرو
فلا رجعت ولا رجع الحمار
فعرف أنها ماتت ، وعندئذ صمم الجاحظ على نشر كتابه ، وإذا كان البعض لا يصدق هذه النادرة فهناك نادرة تستعصي اكثر منها على التصديق فقد نشرت الصحف خبرا عن معلم اشترى جنياً بمبلغ 7000 دينار ، ولما ماطل البائع وهو أفريقي في تسليم البضاعة اشتكاه للشرطة فقبضوا على وكيله لأن الجاني هرب إلى خارج البلاد وطار المبلغ ، وإن سألتم كيف جمع المعلم هذا المبلغ فالجواب سهل وحاضر وهو الدروس الخصوصية التي أصبح الطالب لا يستغني عنها بعد أن ارتفع الحد الأدنى للقبول في الجامعات ، ولكن ما السبب في شراء الجني نفسه ؟ لعل المعلم توهم أن لديه شرابا سحريا يجعل الطالب إذا شربه يحفظ المادة العلمية عن ظهر قلب أو أن يستطيع أن يأتي له بأسئلة الامتحانات وبذلك تتضاعف ثروته مرات ومرات ، وبالطبع لنا أن نستغرب كل الاستغراب من غفلة هذا المعلم وهل كليات المعلمين في بلادنا تخرج هذه النوعية من المعلمين ؟ وطبعا هذا يجعلنا نطالب بإصلاح نظام التعليم شكلا وموضوعا وأسلوبا وتنظيم دورات لتبييض عقول المعلمين ، على أننى أتحفظ وأقول إن المعلمين ليسوا كلهم على هذه الشاكلة ورحم الله الجاحظ