إذا عاقبت وزيرة التربية الوطنية الأساتذةَ ورؤساءَ المراكز وكلّ المعنيين بتأمين امتحانات البكالوريا، والمتسببين في عملية الغشّ المعمّمِ، فإنّها ستضطرّ إلى حلِّ المنظومة التربوية برمّتها، وهذا أمر مستحيل. فلقد تطوّر "الغشّ" من السلوك الفردي المعزول، إلى العمل الجماعيّ المنظّم، وانتشر من منظومة إلى أخرى، ومن قطاع إلى آخر، ووصل أخيرا إلى منظومة التربية والتعليم، آخر قلاع الصمود في مسار التحضير لنساء ورجال مستقبل الجزائر. شاهدتُ بأمِّ عينيَّ مجموعةً من أولياء التلاميذ يسألون عن هوية رئيس المركز وعن "حرّاس" مادة "كذا" و"كذا" لعقد صفقات نجاح بناتهم وأولادهم في هذا الامتحان. أفليست هذه إحدى علامات السقوط الشامل في رذيلة الغشّ والفعل المخلّ بحياء المدرسة والأسرة؟. ستتعبينَ يا معالي الوزيرة في محاولاتك "الدنكيشوتية" اليائسة، وإذا واصلتِ على هذا النّهج النبيل، ستحالين على التقاعد المريح والتفرّغ لكتابة المذكّرات، لأنَّ مشروعَك إصلاح منظومةِ التربية، سيقاومه التاجرُ الغشاّشُ والطبيبُ والمحامي وكلّ أصحابِ الأنشطة الحرّة، منَ المصرّحين لمصالح الضرائب بغير الأرقام الحقيقية لنشاطهم، وسوف يقاومه أولياء التلاميذ الفاشلين، ممّن احترفوا العمل النقابيّ وتسيير أموال الخدمات الاجتماعية، وبقيّة عمال الأسلاك المشتركة، الشاعرين بالغبن والتهميش والإقصاءِ من الزيادات في الأجور وردّ الاعتبار. إنَّ الغشَّ يا معالي الوزيرة صار اليومَ منتوجَ الأسرة والشارع والرأي العام، فصار الترحيب بالغشاش والمدلّس والمحتال أكثر قيمةً وأهميةً منَ الاحتفاء بالجدارة والنزاهة والاستحقاق. فمن لم يغشّنا فليس منّا.
بقلم عادل صياد / جريدة الحياة ليوم :2015/06/16