مظاهرة الكافرين ومعاونتهم على المؤمنين:
وهذه من أخص صفات المنافقين، فهم في الظاهر مع المؤمنين، لكنهم في الحقيقة مع الكفار عيوناً وأعواناً لهم، يكشفون لهم عورات المسلمين وأسرارهم، ويتربصون بالمؤمنين الدوائر.
قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) [المائدة: 51، 52].
قال الإمام الطبري - رحمه الله - في تفسير هذه الآية بعدما ذكر الخلاف في المعني بهذه الآية: " والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله - تعالى -ذكره نهى المؤمنين جميعاً أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصاراً وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأخبر أنه من اتخذهم نصيراً وحليفاً وولياً من دون الله ورسوله والمؤمنين، فإنه منهم في التحزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان" (17).
ومن الآيات الصريحة دلالتها في اتصاف المنافقين بهذه الصفة قوله - تعالى -: (بشر المنافقين بأن لهم عذاباْ أليماْ * الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاْ) [النساء: 138، 139].
قال الإمام الطبري - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: " ... أما قوله جل ثناؤه: (الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين)، فمن صفة المنافقين، يقول الله لنبيه: يا محمد، بشر المنافقين الذين يتخذون أهل الكفر بي، والإلحاد في ديني ( أولياء) يعني أنصاراً وأخلاء ( من دون المؤمنين) يعني من غير المؤمنين، ( أيبتغون عندهم العزة) أيطلبون عندهم المنعة والقوة باتخاذهم إياهم أولياء من دون أهل الإيمان بي؟، ( فإن العزة لله جميعاً) يقول: فإن الذين اتخذوهم من الكافرين أولياء ابتغاء العزة عندهم، هم الأذلاء الأقلاء..." (18).
ومعلوم أن موالاة الكفار مراتب مختلفة(19)، منها ما يصل إلى درجة الكفر الأكبر، ومنها دون ذلك، وما نشير إليه هنا هو الموالاة المخرجة من الملة التي يختص بها المنافقون وهي اتخاذهم أنصاراً وأعواناً على المؤمنين، أو الموالاة التامة لهم بالرضى عن دينهم أو تصحيح مذهبهم ونحو ذلك، يقول الإمام الطبري - رحمه الله - مبيناً ذلك عند تفسيره لقوله - تعالى -: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة) [آل عمران: 28]، قال - رحمه الله -: " لا تتخذوا أيها المؤمنين، الكفار ظهراً وأنصاراً توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك (فليس من الله في شيء) يعني بذلك: فقد بريء من الله وبريء الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر... " (20)، وذكر الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - ضمن نواقض الإسلام " الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله - تعالى -: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)(21).
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - في تفسير قوله - تعالى-: (ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون): " وذلك الظلم يكون بحسب التولي فإن كان تولياً تاماً، كان ذلك كفراً مخرجاً من دائرة الإسلام، وتحت ذلك من المراتب، ما هو غليظ، وما هو دونه" (22).
وهذه الموالاة تدل على فساد في اعتقاد صاحبها، وبخاصة من جهة منافاتها لعمل القلب من الحب والبغض، فالحب والبغض كما هو معلوم أصل الموالاة والبراءة، فمحبة المؤمنين تقتضي موالاتهم ونصرتهم، وبغض الكافرين يقتضي البراءة منهم ومن مذاهبهم وعداوتهم ومحاربتهم، فإذا عادى المرء المؤمنين وأبغضهم، ووالى الكافرين وناصرهم على المؤمنين، فقد نقض أصل إيمانه.