مقدمة
تتبع الفلسفة العقلية أشكالاً منطقية في التعامل مع الوجود، وحين تبحث في مفاهيم علاقيات الانسان بالوجود فإنها تتبع نزعة إنسانية في فهم عناصر العلاقات ومبدأ نشوئها ونتائج تأثيراتها في حياة الانسان نفسه. مما يعبر عن نوع من التفاهم بين الموقفين العقلي والإنساني في فهم حضور الإنسان في مسارات الوجود.وإن تميز العنصر البشري بالعقل عن بقية الوجودات التي رافقت ظهوره وعاصرته منذ الهبوط الأخير لايعبر فقط عن مرحلة تاريخية متقدمة في التطور بقدر ما يعبر عن قيمة العقل في تفسير العلاقات الوجودية وموقع الإنسان فيها.
فماهي النفس الانسانية؟وما هو الموقف العقلي من النفس؟وكيف التوازن بين النزعة الإنسانية في المنهج العقلي؟
طرح المشكلة
قبل بحث الموقف العقلي لابد من البحث في ماهية النفس الانسانية التي تؤسس لما نطلق عليه بالإتجاهات أو الأشكال الانسانية في العلاقات الوجودية، يقول الامام علي عليه السلام: " النفس أربعة أنفس، نفس نامية نباتية، ونفس حسية حيوانية، ونفس ناطقة قدسية، ونفس إلهية ملكوتية "بالتأكيد فان شرح وتحليل كل جانب من جوانب النفس سيحتاج لبحوث مستقلة وهي التي أوردتها في كتابي الحكمة والعقل ولكني سأذكرهنا ما يهمنا من هذا البحث وهو التنوع، بإعتبار ان النفس الانسانية ليست كياناُ صب في قالب واحد ولكنها تشغل مساحة واسعة من الوجود البشري، فالنفس النباتية تختص بالنمو، والحيوانية فعلها الحياة، والناطقة القدسية، فعلها المعرفة، وأما اللاهوتية فاصلها العقل وفعلها ما ينزع نحوه العقل، وبالتالي فان الموقف الإنساني سيكون مزيجاً من هذه العناصر التي تشكل النفس.
العقل والنفس كيانان بينهما ترابط تكويني ووجودي في آن، ولما كان العقل دليلاً على الخالق، وعلى الوجود، بل أنه أهم الادلة كما وأنه أحد أهم مصادر التشريع. (4) فانه يشكل مفتاحاً لعوالم لامتناهية من المعارف، في حين النفس كما عرفناها تشتمل على أصول متعددة، وبالتالي هي تأتي في أشكال و قوالب لا متناهية بين السالب والموجب، وهذا يعبر عن أن عوامل التأثير في النفس تكون هي الاخرى لا متناهية بسبب العمق التكويني للوجود، وكما يمكن إعتبار النفس كيان متلقي، كذلك هي كيان مؤثر في الأنسان، فكل الجوانب التاريخية للإنسان كان للعامل النفسي أثر فيها كما كان للعامل العقل أثر واضح هو الاخر.وقد وجدنا أن العقل والنفس يتبادلان التأثير بينهما سلباً وإيجاباً. من جانب آخر ثمة نوع من الصراع بين النفس والعقل في أيهما يتحكم بحركة حياة الإنسان، وبالتالي فهو سيتحكم في حركة التاريخ ككل.
فبينما تتشكل النزعات النفسية نحو الطغيان والعنف، يدعو العقل إلى تبني موقف إنساني في قبال الموقف النفسي، مما يعني أننا نجد أن هناك تكامل في العلاقة بين الجانبين الانساني والعقلي، فثمة الكثير من النزعة الإنسانية في المنهج العقلي، ولعل أكثر ما تظهر هذه النزعة في المنهج التشريعي. ففي فلسفة التشريع تظهر النزعة الانسانية بشكل كبيل للحفاظ على إنسانية الانسان. (5)
غير ان الحروب والصراعات التي هي بالأصل نتاج سلبي للنفس، حاولت على الدوام عرقلة المنهج العقلي والإنساني في الاصلاح، ومن المهم أن نلاحظ أن الحروب كلها لم تقدم للبشرية خلاصاً من الظلم والقهر كما إدعى أصحاب الحروب وتجارها، فالقتل منذ عصر قابيل القاتل الاول في التاريخ لم ينتج أي موقف حضاري يخدم التطور الإنساني.
الخاتمة
لما كنا نحن جنس بشري إنساني، فقد كان من المهم مناقشة النزعة الانسانية عندنا، فحين يتخلى البشر عن إنسايتهم يصبحون مجرد كائنات لاقيمة لها، كائنات تقترب من الحيوانية أكثر من إقترابها من الإنسان.
هذه الطروحات التي قدمتها في موجزات البحوث خصصتها للاطلاع العلمي، وهي جزء من مؤلفاتي الفلسفية ومن هنا فان سرقتها بدون إذني غير جائز علمياً وهو عمل يخالف الجانب الإنساني للإنسان.
ان شاء الله نكون فدتك