قض الشبهات حول قوله «وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك» وكشف جهل ناصر الحنيني !!
«الورقات - الكويت»: الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين؛ أما بعد:فإن من عادة أهل البدع والأهواء في كل زمان ومكان نبز أهل السنة بأسماء وألقاب بعضه قبيح وبعضها لم يأذن بها الله؛قال الإمام حرب الكرماني-رحمه الله-: "وقد أحدث أهل الأهواء والبدع والخلاف أسماءً شنيعة قبيحة فسموا بها أهل السنة يريدون بذلك عيبهم، والطعن عليهم والوقيعة فيهم، والإزراء بهم عند السفهاء والجهال..."([1])، وقال الإمام أبو حاتم الرازي-رحمه الله-: "وعلامة أهل البدع:الوقيعة في أهل الأثر"( [2]).
وفي زماننا هذا سار أهل البدع على خطى من سبقهم من إطلاق الألقاب القبيحة أو التي لم يأذن الله بها على أهل السنة تنفيراً للعامة عن دعوة الحق ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾[التوبة:32]، فنبزوا أهل السنة بقولهم عنهم:"جماعة اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك!"،وعلة هذه التسمية هي:دعوة أهل السنة الناس إلى التزام السمع والطاعة بالمعروف للحاكم المسلم –ولو كان جائراً- وإلى عدم الخروج عليه؛ مستدلين لهذا بأدلة شرعية كثيرة منها الحديث الذي راوه الإمام مسلم في صحيحه وفيه أنه قال صلى الله عليه وسلم
( اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)).
وقد وصل الخبث والهوى ببعضهم إلى السخرية من ألفاظ هذا الحديث النبوي في سابقة لم أطلع على مثيلها من أهل البدع الأوائل،فأولئك وإن كانوا لا يعملون بكثير من الأحاديث فإنهم-إلا الزنادقة-لا يسخرون من ألفاظها، وهذا الذي يسخر من لفظ الحديث بزعم أنه لا يثبت!فإنه يسخر من معناه المتفق عليه بين المصحح والمضعف فهو على خطر عظيم بسبب السخرية من حكم شرعي أجمع عليه أهل السنة!
وإذا قيل لأحد هؤلاء الذين يسخرون من هذه اللفظة لماذا تسخر بهذا الحديث ؟
قال أنا مع من ضعف هذه اللفظة!، وما علم المسكين أن في تضعيفها وتصحيحها خلافاً وحتى لو قلنا بضعف هذه اللفظة من جهة السند إلا أن معناها متفق عليه بين من ضعفها من أهل العلم ومن أثبتها،فهذا الدعي كاذب في انتسابه لأحد القولين في هذه اللفظة لأنه خالف المضعف في عدم إثباته لمعنى هذه اللفظة المجمع عليه...فتأمل!
فصل
هذه اللفظة أخي القارئ وردت في أحد روايات حديث حذيفة بن اليمان المشهور بحديث الفتن، وإخراج الإمام مسلم لها في صحيحه يدل على أنه يصححها وقد احتج بهذا الحديث-بل وبعضهم صححه صراحة- جملة من الأئمة من كالإمام أحمد وكصاحب الصحيح الإمام مسلم مروراً وابن تيمية والنووي وابن حجر ومحمد بن عبد الوهاب وعبد الله آل الشيخ وابن حميد وابن باز والألباني والتويجري وابن عثيمين وغيرهم وقبلهم وبعدهم جمعٌ كبير.
وقد ضعف إسنادها -أقول إسنادها لا لفظها-الدارقطني في كتابه التتبع، أما أول من تكلم على اللفظة بعينها فهو الوادعي في تحقيقه للإلزامات والتتبع للدارقطني.
أما قولي بأن الدارقطني ضعف إسنادها لا لفظها لأن تضعيف السند لا يلزم منه تضعيف المتن كما يعرفه من شم رائحة العلم.
وقد كنت في بداية كتابة هذا الرد قد بسطت الكلام على حجج المضعفين والمصححين لها وأتيت بالطرق وأورد المشاهدات وتكلمت على الأسانيد لكن خشيت أن هذا سيكون حائلاً في وجه كثير ممن لا يحسن هذا، فاكتفيت بالإشارة كما ترى.
وحتى مع القول بتضعيف هذه اللفظة وأنها شاذة لا تصح لأنها أتت من هذا الطريق المنقطع ؛ فأبو سلام لم يسمع من حذيفة رضي الله عنه كما نص على ذلك غير واحد من أهل العلم.
أقول:حتى مع تضعيفها من هذا الطريق فإن هذه اللفظة بعينها قد ثبتت عن أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
قال أبو بكر ابن أبي شيبة في مصنفه: حدثنا وكيع ، قال ثنا سفيان ، عن إبراهيم بن عبد الأعلى ، عن سويد بن غفلة ، قال : قال لي عمر : يا أبا أمية , إني لا أدري لعلي أن لا ألقاك بعد عامي هذا , فاسمع وأطع وإن أمر عليك عبد حبشي مجدع , إن ضربك فاصبر , وإن حرمك فاصبر , وإن أراد أمرا ينتقص دينك فقل : سمع وطاعة , ودمي دون ديني , فلا تفارق الجماعة " .
وتابع سفيان محمد بن طلحة اليمان عن نعيم في الفتن له قال:أخبرنا ابن المبارك أخبرنا محمد بن طلحة عن إبراهيم بن عبد الأعلى به
وقال الآجري في الشريعة: حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال: حدثني جدي قال: حدثنا موسى بن أعين عنه به، وقال أيضاً: وأخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد الحنائي قال: حدثنا محمد بن عبيد بن حساب قال: حدثنا حماد بن زيد قال: حدثنا ليث عنه
وقال ابن زنجويه في الأموال: أنا خلف بن أيوب ، أخبرنا إسرائيل ، عن إبراهيم بن عبد الأعلى به.
أقول: فالأثر ثابت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلا أدنى شك.
فمن خبث القوم يقولون أن هذه اللفظة فيها إقرارٌ للظلم لذا يجب تضعيفها!!! أقول:ها قد ثبتت عن عمر بن الخطاب!
فهل عمر بن الخطاب الذي يضرب بعدله المثل يدعو إلى إقرار الظلم وهضم حقوق العباد كما يزعم من تكلم في هذه اللفظة ؟
بل إلى جانب هذا فإن هذه اللفظة يشهد لمعناها الأحاديث الثابتة بل قد انعقد الإجماع على عدم الخروج على الحاكم الجائر ومن صور الجور أخذ الحقوق وهضمها أو التعدي بالظلم لكن هذا لا يسوغ الخروج على الحاكم الجائر كما هو متقرر.
قال الآجري وهو يشرح أثر عمر: ((فإن قال قائل: إيش الذي يحتمل عندك قول عمر رضي الله عنه فيما قاله؟ قيل له: يحتمل والله أعلم أن نقول: من أمر عليك من عربي أو غيره أسود أو أبيض أو عجمي فأطعه فيما ليس لله فيه معصية، وإن حرمك حقا لك، أو ضربك ظلما لك، أو انتهك عرضك، أو أخذ مالك، فلا يحملك ذلك على أن تخرج عليه بسيفك حتى تقاتله، ولا تخرج مع خارجي يقاتله، ولا تحرض غيرك على الخروج عليه، ولكن اصبر عليه وقد يحتمل أن يدعوك إلى منقصة في دينك من غير هذه الجهة يحتمل أن يأمرك بقتل من لا يستحق القتل، أو بقطع عضو من لا يستحق ذلك، أو بضرب من لا يحل ضربه، أو بأخذ مال من لا يستحق أن تأخذ ماله، أو بظلم من لا يحل له ولا لك ظلمه، فلا يسعك أن تطيعه، فإن قال لك: لئن لم تفعل ما آمرك به وإلا قتلتك أو ضربتك، فقل: دمي دون ديني؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق عز وجل» ولقوله صلى الله عليه وسلم «إنما الطاعة في المعروف»".
قال القرطبي: ((أمَّا قوله في حديث حذيفة : (( اسمع وأطع ، وإن ضرب ظهرك ، وأخذ مالك )) ؛ فهذا أمر للمفعول به ذلك للاستسلام ، والانقياد ، وترك الخروج عليه مخافة أن يتفاقم الأمر إلى ما هو أعظم من ذلك .ويحتمل أن يكون ذلك خطابًا لمن يُفعل به ذلك بتأوبل يسوّغ للأمير بوجهٍ يظهر له ، ولا يظهر ذلك للمفعول به...)) ([3])
وتأمل احتجاج الإمام أحمد بهذه اللفظة على من جاءه من فقهاء بغداد يريد الخروج على الخليفة الذي يدعو الناس لاعتقاد الكفر أعني القول بخلق القرآن؛قال الخلال في السنة: أخبرني علي بن عيسى، قال: سمعت حنبلا يقول في ولاية الواثق: اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبد الله، أبو بكر بن عبيد، وإبراهيم بن علي المطبخي، وفضل بن عاصم، فجاءوا إلى أبي عبد الله، فاستأذنت لهم، فقالوا: يا أبا عبد الله، هذا الأمر قد تفاقم وفشا، يعنون إظهاره لخلق القرآن وغير ذلك، فقال لهم أبو عبد الله: " فما تريدون؟ قالوا: أن نشاورك في أنا لسنا نرضى بإمرته، ولا سلطانه، فناظرهم أبو عبد الله ساعة، وقال لهم: «عليكم بالنكرة بقلوبكم، ولا تخلعوا يدا من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، انظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر، أو يستراح من فاجر» ، ودار في ذلك كلام كثير لم أحفظه ومضوا، ودخلت أنا وأبي على أبي عبد الله بعدما مضوا، فقال أبي لأبي عبد الله: نسأل الله السلامة لنا ولأمة محمد، وما أحب لأحد أن يفعل هذا، وقال أبي: يا أبا عبد الله، هذا عندك صواب، قال: لا، هذا خلاف الآثار التي أمرنا فيها بالصبر "، ثم ذكر أبو عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ضربك فاصبر، وإن. . . وإن فاصبر» ، فأمر بالصبر ([4])
أما الأحاديث التي تشهد لهذا الحديث فمثل قوله صلى الله عليه وسلم: · عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه((بَايعنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على السّمع وَالطَّاعَة فِي الْعسر واليسر، والمنشط وَالْمكْره، وعَلى أثرةٍ علينا، وعَلى أَلا ننازع الْأَمر أَهله. وعَلى أَن نقُول بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لَا نَخَاف فِي الله لومة لائم)) متفق عليه.
أقول: انظر لقوله((وعلى أثر علينا)) والأثرة أي الاستئثار بالدنيا ؛قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((ومعنى قوله: "وأثرة عليك"و"أثرة علينا"أي: وإن استأثر ولاة الأمور عليك فلم ينصفوك ولم يعطوك حقك))[قاعدة مختصرة ص35]، فهل هذا يا عباد الله يخالف قوله"وإن حرمك مالك وإن أخذ مالك" أليس هذا استئثار وحرمان للحقوق؟!! · عن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه((إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ)) متفق عليه.
قال النووي: " فيه الحث على السمع والطاعة وإن كان المتولي ظالماً عسوفاً فيعطى حقه من الطاعة ولا يخرج عليه ولا يخلع بل يتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه ودفع شره وإصلاحه وتقدم قريبا ذكر اللغات الثلاث في الأثرة وتفسيرها والمراد بها هنا استئثار الأمراء بأموال بيت المال والله أعلم"[شرحه12/232]
أقول: يبدو أن النووي كان جامياً أو مدخلياً كما يزعم المفترون الذي يرمون أهل السنة الداعين لالتزام السنة بهذا الألقاب !!
قال ابن عثيمين رحمه الله: " يقول للأنصار ذلك منذ ألف وأربعمائة سنة: ستلقون بعدي أثرة من ذاك الوقت والولاة يستأثرون على الرعية، ومع هذا يقول: ((اصبروا حتى تقلوني على الحوض)) . فليس استئثار ولاة الأمور بما يستأثرون به مانعاً من السمع والطاعة لهم، الواجب السمع والطاعة في كل ما أمروا به ما لم يأمروا بمعصية"[شرح الرياض3/659].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله معللاً سبب ترك الخروج عليهم في حال الظلم: " فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم فيصبر عليه"[الفتاوى28/180].
· عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سَتَكونُ أُثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكمْ وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكمْ)) متفق عليه.
قال ابن بطال في شرحه: " فوصف أنهم سيكون عليهم أمراء يأخذون منهم الحقوق ويستأثرون بها، ويؤثرون بها من لا تجب له الأثرة، ولا يعدلون فيها، وأمرهم بالصبر عليهم والتزام طاعتهم على ما فيهم من الجور"[1/80]، وقال ابن حجر في بيان معنى قوله"وأمور تنكرونها":
" يعني من أمور الدين"[فتح الباري13/6].
أقول: أي منكرات ومخالفات للشرع،وماذا يفعل المسلم في هذه الحالة هل يمتنع عن السمع والطاعة للحاكم في غير معصية بزعم أنه ظالم جائر مرتكب للمعاصي؟ أجاب المصطفى صلى الله عليه وسلم قائلاً: تؤدون الحق الذي عليكم أي من السمع والطاعة بالمعروف.
وتسألون الله الذي لكم، ولم يقل تخرجوا في مظاهرات ومسيرات أو اعتصامات للضغط على الحكومات لأخذ الحقوق بل قال اسألوا الله الذي لكم، وهذا نص على تحريم الاعتصامات وإن لم تكن لتغيير الحاكم والخروج عليه فتأمل.
· عن وائل بن حُجر رضي الله عنه قال: سَألَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدٍ الجُعفيُّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- قال: يا نَبيَّ اللهِ، أرَأيتَ إنْ قَامَتْ علينا أُمرَاءُ يَسألُونَا حَقَّهم، ويَمنعونَا حَقَّنا، فما تَأْمُرنا؟ فأعْرَضَ عنه، ثم سأله، فَأعرَضَ عَنْه، ثم سأله في الثانية - أو في الثَّالِثَةِ - فَجَذَبَهُ الأشعَثُ بنُ قَيسٍ، فقال
(اسْمعوا وأطِيعُوا، فإنَّما عليهم مَا حُمِّلُوا، وعليكم ما حُمِّلْتُم)).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه-بعد ساق جملة من الأحاديث في هذا المعنى: " ذلك ما أمر الله به ورسوله من طاعة ولاة الأمور، ومناصحتهم هو واجب على المسلم، وإن استأثروا عليه، وما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم معصيتهم فهو محرم عليه وإن أكره عليه"[قاعدة مختصرة ص 35].
فهذه جملة من الأحاديث المتفق عليها أو التي لا تخرج عن دائرة الصحيحين تدعم معنى الصبر على الأذى على الحاكم الظالم الذي يستأثر بالمال وبالمناصب والذي يظلم وكذا ما ثبت عن عمر بنفس اللفظ الذي يشغب عليه أفراخ الخوارج اليوم...فهلا سميتم عمر من جماعة وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ؟!!
الرد على اعتراضات
حاول بعض الجهلة معارضة الأوامر النبوية التي دلت عليها هذه الأحاديث من الصبر على الحاكم الظالم الذي يستأثر بالمال ويقع منه حيف وظلم على المحكوم بما ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه؛فقد روى عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال: أرسل معاوية إلى عامل له أن يأخذ الوهط فبلغ بذلك عبد الله بن عمرو فلبس سلاحه هو ومواليه وغلمته وقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من قتل دون ماله مظلوما فهو شهيد فكتب الأمير إلى معاوية أن قد تيسر للقتال وقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من قتل دون ماله فهو شهيد فكتب معاوية أن خل بينه وبين ماله.
وبما أخرجه أبو الطيالسي في مسنده قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن محمد بن زيد بن قنفذ، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله، عن سعيد بن زيد، قال: أراد مروان أن يأخذ أرضه فأبى عليه وقال: إن أتوني قاتلتهم؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من قتل دون ماله فهو شهيد»، وأيضاً بما رواه الخطيب في تاريخه: قرأت في كتاب القاضي أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي بخطه، ثم أخبرنا محمد بن علي بن الفتح، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل، قال: حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات الكاتب، قال: حدثنا ابن النطاح، قال: حدثني أبو اليقظان سحيم بن حفص، قال: حدثني جويرية بن أسماء، قال: حدثني عبد الله بن حسن بن حسن، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن طلحة، قال: بلغ عبد الله بن الزبير أن معاوية عزم على أن يحج ويقبض مالا لابن الزبير، فخرج بمن خف معه فبلغني، فخرجت إليه، فرأيت خيلا مربوطة وآلة من آلة الحرب، فقلت له: تريد أن تقاتل؟ قال: إي، والذي لا إله إلا هو، إن أبي حدثني أنه سمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: " من قتل دون ماله فهو شهيد "، قال الدارقطني: هذا حديث غريب من حديث عبد الله بن الزبير، عن الزبير، تفرد به أبو اليقظان عن جويرية، ولم نكتبه إلا عن القاضي المحاملي.
أقول: أولاً: خبر عبد الله بن الزبير رضي الله عنه لا يثبت فيه سحيم بن حفص مجهول وقد أشار الدارقطني فيما نقله عنه الخطيب لعلة الخبر .
فبقي معنا أثر عبد الله بن عمرو وسعيد بن زيد، والرد على استدلالهم هذا من وجوه:
الأول:
(1) أنه لا يصح معارضة السنة النبوية بما ورد مخالفاً لها عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم؛ويعتذر للصحابة بعدم بلوغ السنة لهم لهذا أمثالة كثر،قال الحافظ ابن حجر وهو يعلق على أحد هذه الأمثلة وهي قصة محاججة أبي بكر لعمر في قتال أهل الردة وكيف أن هناك نصاً خفي على بعض الصحابة وهو فصل في المسألة؛فقال الحافظ: « وفي القصة دليل على أن السنة قد تخفى على بعض أكابر الصحابة ويطلع عليها آحادهم ولهذا لا يلتفت إلى الآراء ولو قويت مع وجود سنة تخالفها ولا يقال كيف خفي ذا على فلان والله الموفق»([5])، وابن عمر رضي الله عنه لم يعلم بحكم المسح بالخفين إلا في خلافة أبيه وهو الحريص على تتبع السنة وابن مسعود ما بلغه نسخ التطبيق في الركوع إلى وضع اليدين على الركبتين، نعم قد يصح لهم المعارضة بهذه الآثار المروية عن الصحابة لتلك الحاديث النبوية إذا كانوا هم رواة تلك الأحاديث فيقال الراوي أدرى بمرويه وغيرها من القواعد التي ترد عند مخالفة الراوي لما يرويه.
(2) أن هذه الآثار لا تستقيم مع فهم كثير منهم فهم يقولون إن قوله صلى الله عليه وسلم (وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك) هي للحالات الفردية لا إن وقع هذا على جميع الأمة كما قال ذلك محمد العريفي، وهذه الأثار هي حالات فردية وليست جماعية !!!
(3) أن هناك من الصحابة من أنكر على عبد الله بن عمرو بن العاص فقد أخرج مسلم في صحيحه في نفس خبر عبد الله بن عمرو بن العاص وفيه
( فركب خالد بن العاص إلى عبد الله بن عمرو فوعظه))، فلو كان ما فعله عبد الله بن عمرو بن العاص سائغاً صحيحاً من كل وجه لماذا ينكر عليه ويعظه خالد؟
(4) نقل الحافظ في كلامه على حادثة عبد الله بن عمرو بن العاص : "قال ابن المنذر:والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذكر إذا أريد ظلما بغير تفصيل إلا أن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره وترك القيام عليه"( [6])
أقول: وهذا الذي نقله ابن المنذر يشبه ما نقله ابن سيرين ؛قال عبد الرزاق في مصنفه: عن معمر , عن أيوب , عن ابن سيرين , قال: سأله رجل - أحسبه من أهل اليمامة - قال: أتينا الحرورية زمان كذا وكذا , لا يسألونا عن شيء غير أنهم يقتلون من لقوا , فقال ابن سيرين: «ما علمت أحدا كان يتحرج من قتل هؤلاء تأثما , ولا من قتل من أراد مالك إلا السلطان , فإن للسلطان لحقا».
أقول:إسناده صحيح.
وقد سبق النقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالأمر على الصبر وحكى ابن المنذر الإجماع على استثناء السلطان من المقاتلة وهذا ابن سيرين يقول ما علمت أحد يتحرج من مقاتلة هؤلاء إلا السلطان، وهذا كله موافق للأحاديث النبوية فكيف تعارض تلك الأحاديث وما نقله ابن سيرين وما حكاه ابن المنذر بأثرين عن ابن الزبير وسعيد بن زيد رضوان الله عليهما ؟
وقفة مع المدعو ناصر بن يحيى الحنيني
وقفت على كلام للمذكور منشور في بعض المواقع وهو يتكلم على لفظة"وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك" فقال بعد نقل كلام الوادعي رحمه الله على اللفظة من جهة الإسناد-وهذا شيء لا أظن مثله يحسنه-فقال وهو يريد أن يثبت نكارة !! هذه اللفظة:
" أما أنَّ هذه الزيادة منكرة فلأنها تخالف الشريعة التي جاءت لرفع الظلم عن الناس ، ولتبعث حياة العزة والرفعة في الخلق ، الشريعة التي تُعلِّـــق فساد الأمم على وجود الظلم ، وتضع المظلوم الراضي بالظلم في مرتبة الظالم الممارس له ...قال الله تعالى : ﴿وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ (47)قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّـهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48)﴾ [غافر:47،48].
هذه الشريعة سمت المستضعفين الذين لا يتحركون ضد الظلم ظالمين ، ولم تــقبل أعذارهم ، فقال الله تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ..﴾[النساء: 97]هل يعقل أن تقول الشريعة هذا ، ورسولها يقول :" إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه ، أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده " .
والنصوص في هذا كثيرة ، وما أشرت إليه كافٍ ، فالشريعة في نصوصها ومقاصدها تحث على رفض الظلم ، وتأبى أن يسكت الناس عن الظالمين . فهل يعقل أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلم أن يتسامح في أكل ماله ، وجلد ظهره ؟! هذا من عجائب المسلمين الذين سوغوا السكوت عن الظلم ، وأطروه في صياغة شرعية حتى قال أحد العلماء:" فيه الصبر على المقدور ، والرضى بالقضاء حلوه ومره والتسليم لمراد الرب العليم الحكيم " لا عجب أن الأمة تسام الخسف منذ قرون!
أين هذا من كلام أبي بكر وعمر رضي الله عنهما للناس عندما بويعا للخلافة ، حيث يأمران الناس بأن يقوموهما بالسيف إذا رأوا منهم اعوجاجا ... هل يعقل يكون منهج الصحابة نزع يد الطاعة على من أجل ذراع قماش ، أعني هذا الذي قال لعمر رضي الله عنه : لا سمع ولا طاعة من أجل ثوب كما في القصة المعروفة ، ولم يقل له أحد من الصحابة : ويحك أمن اجل ثوب ؟! بل عليك أن تسمع وتطيع .. ولم يقل له عمر رضي الله عنه : بل تسمع وتطيع رغمــاً عنك أيها المندس ، يا صاحب الأجندة الخارجية ، أيها المخالف لرسولك الذي أمرك بأن تسمع وتطيع حتى ولو سرقتكم .. لم يقل له أحد هذا ولا ذاك ، بل قال له الفاروق : لا خير فيكم إن لم تقولوها ، ولا خير فينا إن لم نسمعها .وأخيراً أقول : على فرض صحة هذه الزيادة ، فقطعاً ليس المقصود ما يفهمه هؤلاء ، بل المقصود المبالغة في طاعة الحاكم المسلم العادل ، وعدم المبادرة إلى الخروج عليه عند اختلاف وجهات النظر في تحقيق محل الظلم .. أي أن الحديث لا يتحدث عن أكل المليارات ، ولا عن منهجة التعذيب والظلم والتجبر . والله أعلم .
اللهم إنا نعوذ بك من الوَهَن "
أقول: لم أنقل ما نقله الحنيني عن العلامة الوادعي رحمه الله لأن هذا شيئ لا يفهمه ولا يجيده أمثال هذا الحنيني وسأشير لدليل ما أقول لا حقاً.
إن معارضة الحنيني العقلية لهذه اللفظة والذي من أجلها جعل هذه اللفظة منكرة المعنى !! تطال الأحاديث الثابتة المتفق عليه والتي ذكرتها لك آنفاً ، فالأحاديث تحض على الصبر على استئثار الحكام بالأموال وبالمناصب وغيرها من الماديات وهذا بحسب المعارضة العقلية للحنيني من إقرار الظلم !! قال الحنيني: "هل يعقل أن تقول الشريعة هذا ، ورسولها يقول :" إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه ، أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده ".
والنصوص في هذا كثيرة ، وما أشرت إليه كافٍ ، فالشريعة في نصوصها ومقاصدها تحث على رفض الظلم ، وتأبى أن يسكت الناس عن الظالمين . فهل يعقل أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلم أن يتسامح في أكل ماله ، وجلد ظهره ؟! هذا من عجائب المسلمين الذين سوغوا السكوت عن الظلم ، وأطروه في صياغة شرعية...".
فالسكوت على استئثار الحاكم بالمال وبالمناصب والصبر على هذا حتى نلقى رسول الله-بإذن الله- على الحوض بحسب الكلام العقلي الخالي من الحجة للحنيني هو من إقرار الظلم !!! فتأمل خبث القوم، فإن قال الحنيني أنا لا أقصد هذه النصوص، أقول: قصدك اجعله عند ذاك الكوكب! لأن المعارضة العقلية الفاسدة التي أنشأتها تطال هذه النصوص وتعارضها ! فمالذي يمنع ؟ إنما أمرنا بالصبر لدرء فساد أكبر وفتنة أكبر كما بين ذلك العلماء؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم فيصبر عليه))[الفتاوى28/180]، فالمسألة ليست من باب إقرار الظلم كما يزعم هذا المتهوك بل هي من باب ارتكاب أدنى المفسدتين.
أما استدلاله بقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه ، أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده))، فنطبق النص بفهم السلف الصالح لا بفهمك أنت والاخذ على يد الحاكم الظلم يكون بوسائل شرعية كثيرة منها نصحه وتخويفه بالله لا يكون بالخروج عليه وبإثارة الفتن والثورات التي تراق فيها الدماء وتنتهك فيها الأعراض وتتعطل مصالح الناس.
أما قول الحنيني: " فهل يعقل أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلم أن يتسامح في أكل ماله ، وجلد ظهره ؟!"
أقول:
أولاً: هذا من الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالصبر لا التسامح وبينهما فرقٌ لا يخفى إلا على من أعمى الله بصيرته.
ثانياً: وإن وقع التسامح من المسلم على من اعتدى عليه سواء كان المعتدي حاكماً أو غيره فهذا أمرٌ قد حث عليه الشرع ورغب إليه ، قال تعالى﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)﴾، فهل يقبل عقل الحنيني حث الله سبحانه وتعالى من ظُلم على أن يعفو وأن هذه مرتبة طيبة ؟!! فليراجع الحنيني عقله الغارق في البدعة هل يقبل مثل هذا الحث من الله والترغيب في العفو ؟!
أما قولي إن هذا الحنيني لا يفهم الكلام على الأسانيد والعلل وأنه دخيل على هذا العلم بل متطاول عليه؛ هو بسبب قوله: "أين هذا من كلام أبي بكر وعمر رضي الله عنهما للناس عندما بويعا للخلافة ، حيث يأمران الناس بأن يقوموهما بالسيف إذا رأوا منهم اعوجاجا ... هل يعقل يكون منهج الصحابة نزع يد الطاعة على من أجل ذراع قماش ، أعني هذا الذي قال لعمر رضي الله عنه : لا سمع ولا طاعة من أجل ثوب كما في القصة المعروفة ، ولم يقل له أحد من الصحابة : ويحك أمن اجل ثوب ؟! بل عليك أن تسمع وتطيع .. ولم يقل له عمر رضي الله عنه : بل تسمع وتطيع رغمــاً عنك أيها المندس ، يا صاحب الأجندة الخارجية ، أيها المخالف لرسولك الذي أمرك بأن تسمع وتطيع حتى ولو سرقتكم .. لم يقل له أحد هذا ولا ذاك ، بل قال له الفاروق : لا خير فيكم إن لم تقولوها ، ولا خير فينا إن لم نسمعها" .
أقول: يا من تزعم الكلام في علل الأحاديث ونكارة المتون ما هو حال هذين الأثرين ؟! ألا تعلم أنهما لا يثبتان؟ أما الأثر الأول الذي عن عمر بن الخطاب وأنه قال لهم إذا رأيتم مني اعوجاجاً فماذا أنتم فاعلين فقالوا:لقومناك بسيوفنا !! فهذا الأثر بهذا اللفظ لا إسناد له جميع الكتب !!! على شهرته، قال العلامة ربيع بن هادي المدخلي معلقاً على استدلال سيد قطب بهذا الأثر: "فلا أدري كيف يقبل مسلم عاقل مثلَ هذا الكلام الثوري الذي يؤدِّي إلى الفوضى وسفك الدماء وضياع الإسلام دينًا ودولة؛ إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعقلُ وأسمى أخلاقًا وأشدّ وعيًا لتوجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تحضّهم على طاعة أولي الأمر والصبر عليهم ولو جاروا ممن هو دون عمر ـ رضي الله عنه ـ فكيف بمثل عمر ـ رضي الله عنه ـ.معقول: أن يضع عمر نصب عينيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الطاعة في المعروف))، وقوله: ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحبَّ وكره إلاّ أن يؤمر بمعصية؛ فإن أُمر بمعصية فلا سمعَ ولا طاعة))، فيقول لهم: أطيعوني إن أطعتُ اللهَ، فإن عصيتُه فلا طاعةَ لي عليكم. أي: في المعصية، وتبقى طاعته وطاعة الأمراء فيما يأمرون به من طاعة الله، لا كما يفهم الخوارج أنه بمجرّد أن يقع في معصية أيّ معصية فقد سقط عنهم حقّ طاعته فوجب إسقاطه.على كل حال: هذا الكلام لم يثبت، ولم أقف له على إسناد، وفي الوقت نفسه معناه غيرُ لائق بأدب الصحابة وفقههم وتوقيرهم لعمر ـ رضي الله عنه ـ؛ وعمر ـ رضي الله عنه ـ في غاية العدل والاستقامة لا خوفًا من السيوف والرماح، وإنما ذلك منه خوفًا من الله ومراقبة لله، ولو كان ذلك العدلُ منه خوفًا من الناس لما كان له ولا لعدله كبير قيمة ولا منزلة عند الله ولا عند الناس".
وأما ما ورد عن عمر بن الخطاب مسنداً فهو ما رواه البخاري في تاريخه: قال لي عبد العزيز بن عبد الله، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، قال: أخبرني محمد بن النعمان بن بشير، أن أباه أخبره، أن عمر قال يوما، في مجلس، وحوله المهاجرون والأنصار: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمر، ما كنتم فاعلين؟ فسكتوا، فعاد مرتين، أو ثلاثا، قال بشير بن سعد: لو فعلت، قومناك تقويم القدح، قال عمر: أنتم إذا أنتم.
أقول: وهذا إسناد صحيح إن كان محمد بن النعمان قد رواه عن أبيه النعمان رضي الله عنه وذلك لان في جزء مصعب الزبيري: حدثني إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب أن محمد بن النعمان بن بشير أخبره أن عمر بن الخطاب قال في مجلس وحوله المهاجرون والأنصار أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ما كنتم فاعلين قال فسكتواقال فقال ذلك مرتين أو ثلاثا أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ما كنتم فاعلين فقال بشير بن سعد لو فعلت ذلك قومناك تقويم القدح قال عمر أنتم إذا أنتم.
أقول: وهذا مرسل ولا يقال أنه سمعه من جده لأن روايته عن جده بشير رضي الله عنه مرسلة؛قال الحافظ في التهذيب في ترجمة محمد: و قرأت بخط الذهبى : حديثه عن جده مرسل.اهـ
وعموماً وعلى القول بأنه سمعه من النعمان رضي الله عنه فإنه لا يحمل المعنى الذي يريده الحنييني وأفراخ الخوارج ! فليس فيه السيوف بل غاية ما فيه أنهم يقومونه أي بالنصيحة والتوجيه والإرشاد وأن لا يظهروا أن ما يفعله من مخالفة صواباً، وهذا من النصيحة لأئمة المسلمين التي حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال "الدين النصحية...الحديث"، وتكون لأئمة المسلمين بالطرق الشرعية التي جاءت بها السنة وسار عليها السلف ودرج.
أما الأثر الثاني: أن عمر بن الخطاب خطب يوما الناس قائلا: " أيّها النّاس اسمعوا وأطيعوا، فقام رجل من الرّعيّة من عامّة النّاس وفي بعض الكتب أنه سلمان وفي أخرى أنه بلال رض، وقال: لا سمع ولا طاعة! فقال: لم، رحمك الله؟ قال: أعطيتنا ثوبًا ثوبًا ولبست ثوبين! فقال: قم يا عبد الله بن عمر!، قال: لبّيك يا أمير المؤمنين، قال: ناشدتك الله! البرد الذي اتزرتُ به أهو بردك؟، قال: اللهم نعم، قال سلمان أو الرجل: الآنَ نسمع ونطيع !!
أقول: وهذا كسابقه لا إسناد له ولا خطام ولا زمام !!! قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: " هذا لا أظنه يصح" ( [7]).
وقال العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله: " فهذه القصة تحمل في طيّاتها الكذب وتنطوي على رفض ذلك المنهج الذي قرّره رسول الله وتلقّاه أصحابه، ففقهوه وعلموه الأمة، إن هذه القصة المزيّفة تصوّر الصحابة في صورة لا يقوم عليها دين ولا دولة، أبمجرّد أن يرى أحد من الصحابة على أمير المؤمنين ثوبًا يحتاجه يقول: لا سمعَ لك علينا ولا طاعة، ويقع الخليفة في قفص الاتّهام، لا يُخرجُه منه إلاّ شاهد عدل أنه قد تبرّع بهذا الثوب، فكيف ستكون النتيجة لو كان عبد الله بن عمر غائبًا في غزوة أو غيرها؟!!.
ثم ألا يرى (سيد) أن هذه القصة تخالف مذاهب عمر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التفضيل في العطاء، فيعطي بعضهم خمسة آلاف وبعضهم أربعة، وبعضهم اثني عشرة ألفًا، وبعضهم خمسمائة وثلاثمائة على أساس الرجل وبلاؤه في الإسلام، والرجل وقدمه في الإسلام، والرجل وحاجته في الإسلام؛ فبلاء عمر في الإسلام وقدمه فيه وحاجته ومكانته كلُّ ذلك لم يشفع لعمر في ثوبٍ يحتاجُه لا عند سلمان ولا عندَ غيرِه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسوا كلُّهم الأحاديث الآمرة بالطاعة للأمير ما دام في دائرة الإسلام، ونسوا ما اتّفقوا عليه من جواز التفضيل مراعاة لمنازل الرجال؟!!." ([8])
أقول: أبمثل هذه الآثار التي لا إسناد لها حتى ! تعارض السنة !!! قبحاً لك أيها الحنيني !
أما قوله" ولم يقل له عمر رضي الله عنه : بل تسمع وتطيع رغمــاً عنك أيها المندس ، يا صاحب الأجندة الخارجية ، أيها المخالف لرسولك الذي أمرك بأن تسمع وتطيع حتى ولو سرقتكم .. لم يقل له أحد هذا ولا ذاك ، بل قال له الفاروق : لا خير فيكم إن لم تقولوها ، ولا خير فينا إن لم نسمعها"
أقول: هذا الأثر الذي جعله الحنيني وكانه متصل مع الأثر السابق !! لا تعلق له بالأثر السابق على شهرته أما هذا الأثر فلا يثبت، فقد رواه ابن شبة في تاريخ المدينة: حدثنا عفان قال: حدثنا مبارك، عن الحسن قال: قال رجل لعمر رضي الله عنه: اتق الله يا أمير المؤمنين، فوالله ما الأمر كما قلت قال: فأقبلوا على الرجل فقالوا: لا تألت أمير المؤمنين، فلما رآهم أقبلوا على الرجل قال: دعوهم، فلا خير فيهم إذا لم يقولوها لنا، ولا خير فينا إذا لم تقل لنا.
أقول: الحسن عن عمر مرسل والإسناد للحسن لا يصح أصلاً! مبارك بن فضالة مدلس وتدليسه شديد كما قال أبو داود.
وقد جاءت متابعة لمبارك عن الحسن فقد روى أبو يوسف في الخراج قال: وحدثني أبو بكر بن عبد الله الهذلي عن الحسن البصري أن رجلا قال لعمر بن الخطاب: اتق الله يا عمر "وأكثر عليه" فقال له قائل: اسكت فقد أكثرت على أمير المؤمنين. فقال له عمر: دعه، لا خير فيهم إن لم يقولوها لنا، ولا خير فينا إن لم نقبل. وأوشك أن يرد على قائلها.
أقول: أبو بكر سلمى بن عبد الله الهذلي متروك الحديث كما قال النسائي وقال ابن معين ليس بشيء، وهذا الأثر يوريه بعض الناس بلفظ" لا خير في قوم ليسوا بناصحين ولا خير في قوم لا يحبون النصح" وهذه اللفظة بعينها لا إسناد لها.
أما قوله: " ولم يقل له عمر رضي الله عنه : بل تسمع وتطيع رغمــاً عنك أيها المندس ، يا صاحب الأجندة الخارجية ، أيها المخالف لرسولك الذي أمرك بأن تسمع وتطيع حتى ولو سرقتكم .. لم يقل له أحد هذا ولا ذاك"، فهذا كلام ساقط فانظر كيف يستخف هذا الجاهل بالسنة الواردة بالصبر على استئثار الحكام بالمال وبغيره !!! قاتل الله البدعة وأهلها، بل ثبت يا جاهل عن عمر بن الخطاب وهو يوصي سويداً بن غفلة: يا أبا أمية , إني لا أدري لعلي أن لا ألقاك بعد عامي هذا , فاسمع وأطع وإن أمر عليك عبد حبشي مجدع , إن ضربك فاصبر , وإن حرمك فاصبر , وإن أراد أمرا ينتقص دينك فقل : سمع وطاعة , ودمي دون ديني , فلا تفارق الجماعة " ، فماذا أنت قائل يا أيها الحنيني الجاهل ؟!
أما قول هذا الجاهل: " وأخيراً أقول : على فرض صحة هذه الزيادة ، فقطعاً ليس المقصود ما يفهمه هؤلاء ، بل المقصود المبالغة في طاعة الحاكم المسلم العادل ، وعدم المبادرة إلى الخروج عليه عند اختلاف وجهات النظر في تحقيق محل الظلم".
أقول: هؤلاء الذين تزدريهم عينك أيها الجاهل المتهوك هم علماء الإسلام وأئمته وقد نقلت في أول المقال بعض كلامهم، أما قولك أن المراد المبالغة في طاعة الحاكم المسلم العادل !!! فهذا لا يدل إلا على جهلك، كيف يكون عادلاً يا جاهل وهو يضرب ظهور الناس ويأخذ أموالهم ؟!!! أتعي ما تقول ...سبحان الله إن البدعة تجعل الإنسان يتكلم بالمتناقضات دون أن يشعر كحال الحنيني هذا ...
ولا يفوتني أن أشير إلى أن المستدلين بكلام الإمام الوادعي رحمه الله في تضعيف هذه اللفظة هم أصحاب هوى فهم ما عرفوا من الوادعي إلا هذا؟!! لماذا لم يأخذوا بكلامه في القرضاوي وجماعته الإخوان المسلمين ؟ لماذا لم يرفعوا رأساً بكلامه في أسامة بن لادن وجماعته المارقين ؟ فأهل الأهواء هكذا يأخذون الذي يظنون أنه لهم ويدعون الذي عليهم .
هذا وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وكتب
حمود الكثيريالهوامش:
( [1]) إجماع السلف في الاعتقاد ص96.
( [2]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (1/200).
( [3]) المفهم (4/29-30).
( [4]) (1/133).
( [5]) فتح الباري(1/76).
([6]) الفتح(5/124).
([7]) لقاءات الباب لقاء رقم 38.
([8]) مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .