يازارع الريحان!!!-
...كان الليل مستبشرا ببدره الذي اكتمل وتدلى كقنديل متوهج...ومحا وحشة الأزقة الضيّقة،كان بالامكان أن يكون ليلا مثاليا للسّهر ولجذب قوارب الذكريات القديمة وتبادل الهمسات...
كان بالامكان أن يكون مثاليا لأي شيء...لولا تلك الرائحة النتنة التي علقت في الهواء وتوزعت في كل جنبات الحارة...
رائحة نتنة...تنبع من جريان المياه الآسنة وتكدس النفايات....لم تكن رائحة لسمك دهك تحت أشعة شمس حارقة ولم تكن رائحة لحم فاسد أو مذر بيض فقص قبل الأوان....
جمعت كل تلك الروائح الكريهة وساحت في الأمكنة ولم تمكن أحدا من استنشاق الهواء بيسر،،،وغدت هاجسا يحرك كل الألسن بسؤال من أين تأتي هذه الرائحة....
...خرجت الحارة عن بكرة أبيها للبحث عن مصدر تلك الرائحة التي أحالت حيهم إلى فضاء خانق...في البدء اتهمت البلدية لسوء خدماتها وتقاعس عمّالها عن حمل حاويات النفايات وقذف محتوياتها بعيدا عن الأحياء المزدحمة بالناس وتعددت الشكوى وقد نشر خبر في الجريدة اليومية تحت عنوان رائحة تسرق الهواء!!!وهكذا في اليوم التالي ربضت عشرون عربة من عربات البلدية وحملت هذه القمامات بعيدا إلى أطراف المدينة ولكن الرائحة ظلت رابضة في مكانها واستبدلت البلدية الحاويات القديمة بأخرى جديدة وتحركت الصحف لمتابعة تلك الرائحة ونشرت الاستطلاعات المطولة وقد ظهر أهل الحي مكممي الأفواه وهم ملقون على جوانب الطرقات كمن أصيب بوباء فتاك...وكثرت التهم في اتجاهات أخرى وهذه المرة توجهت التهمة إلى مصلحة الصرف الصحي التي أكد مديرها نزاهتها...ليوجه من بعدها الاتهمام إلى مصلحة المركز الصحي ليؤكد هذا الأخير براءة مرفقه من هذا الاتهام...
وهكذا بقيت التهمة تبحث عن جسد تلتصق به أو مصلحة تأويها....
نعيش في هذا الحي منذ زمن طويل...حي ينعم بكل شيء جميل إلا الفرحة،،،لم أر أحدا يبتسم أو يتبادل التحية مع غيره من أبناء الحي والكل يدس عينيه في الأرض ولا يرفعها إلا لمما.....حياة مملة وباردة يمضي يومك وأنت منشغل بلوازم حياتية جامدة وتعود مع المساء كشمس مرهقة لتختبىء خلف الليل في اغفاءة قصيرة وتعاود حركتها في صيرورة لا تنتهي...
كنت أظن أنني الوحيد الذي يضع الكمامة على أنفه....لكن رأيت الجميع يضعونها....
حياة رتيبة ومملة،،أيام ساكنة ننزع منها أوراق التقويم علنا نجد خلفها شيئا مزهرا...ولكننا نجد وراء كل ورقة تنتزع تنبيها لنا بالخسران...ولا شيء يحدث بعد الآن.....وأنا أسمع صدى أبيات شعر مطلعها....
يا زارع الريحان حول خيامنــــــــا***** لا تزرع الريحان فلسنا نقيــــم
ما كل من ذاق الهوى عرف الهوى*****ولا كل من شرب المدام نديــــم
ولا كل من طلب السعادة نالهـــــــا*****ولا كل من قرأ الكتاب فهيــــــم
بقلم * راعي الخير