حنين المطر

[سفيان الحسن1]

.

من على شرفتي كنت ارمق رذاذ المطر يبلل زقاق الحي ورنينه الساحر يرسل صداه الهامس،لم أكن أذرك يومها عن المطر غير الدفء المنبعث من موقد البيت ورائحة الطعام الساخن تنعش برد الشتاء الصاخب

كنا نجتمع أمام الموقد نلف أجسادنا الصغيرة بلحاف سميك يقينا قسوة البرد ،ونلح في شقاوة على آبي أن يقص علينا بعض القصص ،كان يستسلم لنا في خضوع أبوي يخفي خلفه قوة جارفة، ليقص علينا قصصه التي كانت أشبه بحلم نسكن تفاصيله ونعيشه حرفا حرفا، شرفتي التي ارقب بها قدوم أبي في ليالي الشتاء من عمله اقرب لحضن المدفئة، فكنت أسابق الجميع للفوز بمكان متقدم بجوار أبي وقصصه ،

كان الشتاء طويلا له بداية وليس له نهاية ،فكنا نعيش الحكايا ونحفظ تفاصيلها الشيقة،

لم تنتهي قصص ابي ابدا فقد كانت طويلة بما يكفي لتحضن شغفنا فكنا نطالبه بان يعيدها علينا ولا تكتمل القصة ابدا فقبل نهايها نكون قد استسلمنا للنوم ...وتعود الصفحة للبداية

كتاب ساحر ترسمه شفاه ابي التي كانت تروي القصة وكانها شاشة تلفزيون تجسد لنا افلام كرتون شيقة نغوص فيها ولا نمل من اعادة المقطع ولملمة شتات شخوصه..

ابي كان يعود مساء من عمله،فكنا ننتظره حتى يشرق كالشمس من بين الازقة الملتوية في حينا العتيق،وما ان تبزغ خطواته حتى نتسابق لحضنه فيضمنا ويحتضن شوقنا لم اكن اذكر بعدها شيء فقط كان هناك تختفي المشاهد ولا يبقى غير ابي يحملنا بين ذراعيه الواسعتان كانها تمتد لتحضن كل العالم معنا،نستمتع بدقات الزمن وهو يختصر المسافة من الزقاق الى البيت وصوت امي تطالبنا بالكف عن المشاغبة ...يغتسل ثم يصلي ويتعشى ثم ..يتجه صوب غرفته فيجدنا قد اصطففنا كأننا جنود تنتظر اوامر الهجوم يفتح غرفته فننسل بكل هدوء

يوم رحل أبي أصبحت شرفة البيت التي كنت ارقب بها قدومه بائسة لا حياة فيها ،حتى صدى المطر لم يعد غير صخب بلا روح وغدا البيت بعده مسكون بالصمت لا قصص فيه غير الذكريات تروي حركاته وسكناته ،تفرقت الأرواح هائمة في أتون الزمن وأصبح الموقد قطعة بالية تحن إلى الأجساد الصغيرة تستدفئ فيه من برد الشتاء

.........رابطة أحرار القلم عضو3............

ان تكون حرا ليس جريمة