![]() |
|
أرشيف منتديات الاسرة و المجتمع هنا توضع المواضيع القديمة والمفيدة |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]()
|
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]() من نفس المكان ضم أمه إليه، بعدما توفي والده، وكان من الأثرياء، فكان ينفق على والدته ويرعاها... تزوج هذا الابن بزوجة لا تحب إلا نفسها، ولا تبغي إلا مصلحتها، فكانت تضيق ذرعًا بأم زوجها، تسيء عشرتها وتؤذيها بلسانها وأفعالها، وشاءت إرادة الله تعالى أن تصاب الأم بحالة «جنون»، فضاقت الأرض على الزوجة ولم تطق صبرًا على وجودها.فقالت لزوجها: أنت مخير بين أمرين: إما أن تختار أمك, وإما أن تختارني؟ حاول الزوج إقناع الزوجة بالصبر والرضا ولكن دون جدوى. فكر الزوج وقدر... الزوجة أم الأم؟ وأخيرًا هوى بعد أن اتبع الهوى. سَوَّلَت له نفسه الخبيثة وهداه شيطانه. وفكر في التخلص من أمه!! وفي ليلة مظلمة شاتية، أخذ والدته إلى سطح البيت، ومن على سطح البيت ألقى بها، ألقى بأمه... ألقى بأمه... ألقى بأمه، فهوت الأم على الأرض تلفظ أنفاسها الأخيرة. لتلحق بربها تشكو إليه ظلم ابنها!! وكالعادة، أقام الابن لها سرادقًا كبيرًا لتلقي العزاء، ولم يدر أن عدالة الله له بالمرصاد. ومرت الأيام، وظن أنه في مأمن من الله، وبأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين. وأصيب الابن العاق «بالجنون» بنفس المرض الذي أصيبت به أمه، وضاقت زوجته به كما ضاقت بأمه من قبل. وفي ليلة شاتية مظلمة. صعد الابن على سطح البيت، ولكن هذه المرة لم يقوده أحد، لقد صعد بنفسه ومن المكان نفسه، يهوي على الأرض يلفظ أنفاسه الأخيرة ليلقى ربه بما كسبت يداه، والجزاء من جنس العمل. }وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى{ [طه: 61]. وتطوى صفحة سوداء من حياة بيت أقيم على الظلم والعقوق لتبقى عظته يرن صداها في وجدان كل من }كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ{ [ق: 37]([1]). عدت ... يا أمي!! أحببتُ الدنيا... نعم أحببتها واستمتعت بها بطريقتي الخاصة، أحببت ألعابي الصغيرة... دفاتري الصغيرة... قصاصات الشعر التي جمعتها من هنا وهناك، وأقلامي الملونة التي قضيت معها أوقاتًا طويلة أميلها على هذه الورقة حينًا، وأجعلها مستقيمة أحيانًا أخرى، كتب الشعر التي تناثرت على وسادتي وسريري، تلك التي علمتني أن أحلق دائمًا في عالم من الخيال، لا يعيدني إلى الواقع غير طرقات يد والدي ووالدتي على باب غرفتي يدعوانني للطعام، أو مرافقتهم في زيارة، أو تذكيرًا لي بالصلاة، وغالبًا ما كان الرفض أو التجاهل لأغلب طرقاتهما على الباب هي الإجابة.كثيرًا ما حاولت والدتي أن تخترق عزلتي، ولكني كنت أعتبر تلك المحاولات تطفلاً على عالمي، أعبر عن رفضي له بالكلمات والتصرفات، ولا أنسى ذلك اليوم الذي دخلت فيه والدتي غرفتي... ووجدتني أبكي بشدة، كم هالها منظري، فجلست بقربي تحاول تهدئتي، ولما علمت أن سبب هذا البكاء بسبب قصيدة من الشعر، ما كان منها إلا أن خرجت من الغرفة تسبقها كلمات الاعتراض على تصرفي، وقولها بأنها ستترك الأمر لوالدي ليرى ما الذي يمكنه عمله معي، وتلاحقها اتهاماتي التي أتمتم بها حول عدم تقديرها لمشاعري، أو تفهمهما لرغباتي. وعلى الرغم من أنني كنت الابنة الوحيدة بين عدد من الأولاد، إلا أنني كنت بعيدة جدًا عن والدتي، أما أبي فقد كانت علاقتي به تقتصر على تذكيره الدائم لي بالصلاة، فقد كان كثير التردد على المحاضرات وحضور الندوات... مهتمًا بعمله... وحتى تلك الدعوات المستمرة والملحة من والدتي لي بالصلاة كنت أقابلها بالتجاهل أحيانًا، وبالادعاء بأنني أديت الصلاة أحيانًا أخرى. واستمر الحال على ما هو عليه حتى جاء اليوم الذي فتح فيه والدي باب غرفتي دون أن يطرقه، وآثار الهلع بادية على وجهه، وصاح قائلاً: «أسرعي لإعداد حقيبة والدتك فسوف أنقلها للمستشفى لتضع المولود الجديد». ولكن لم يحن بعد موعد حضور هذا المولود، فقد أتى قبل وقت مولده بشهرين، ولأول مرة أشعر بأنني جزء من هذه العائلة، وعلي أن أتصرف بسرعة، فركضت وأحضرت حقيبة خاصة بي... وبدأت أكتشف أين تضع والدتي ملابسها، وبصعوبة أعددت الحقيبة وأسرعت لأرتدي ثيابي، وفي دقائق معدودة كنت في السيارة مع والدتي، ولأول مرة أدركت أن هذه الإنسانة أحبها جدًا، فمددت يدي للكرسي أمامي، وبحثت عن يدها لأمسك بها وأخفف عنها، وما إن توقفت السيارة أمام المستشفى حتى أخذوا والدتي للداخل، وكأن الساعة توقفت عن الدوران. بعد مدة طويلة... سأل والدي الممرضة المسؤولة عن حالة أمي، فأخبرته بأن المولود قد تم نقله لجناح الأطفال الخُدَّج، أما والدتي فتم وضعها تحت المراقبة؛ لأنها تعاني من هبوط حاد في الضغط وبعض مضاعفات الولادة؛ أسرع والدي إلى الجناح الخاص بالعناية المركزة للاطمئنان على والدتي... ومنه لجناح الخُدَّج للاطمئنان على أخي الصغير... شعرت في هذه اللحظة برغبة شديدة في مساعدة أمي وأخي الأصغر لاجتياز هذه المحنة، لكني لم أعرف كيف؟ وخلال هذه الأثناء، وفي قمة حيرتي، وقف أبي أمام باب مصلى صغير وأشار لي أن أذهب للباب الآخر... وما إن دخلت حتى وجدتني في غرفة هادئة هدوءًا يشبه ذلك الموجود في غرفتي، وفي إحدى زواياها ورقة صغيرة معلقة كتب عليها بخط جميل: }بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ{ }وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ{ [الطلاق: 2، 3]. أدركت حينها أنني وجدت ضالتي التي غفلت عنها أيامًا... ولكني أعلم أنه لم يغفل عني أبدًا... فبادرت إليه ووقفت للصلاة، وخررت ساجدة، وعلمت علم اليقين أنه ملجئي الوحيد، وملاذي الذي أريد([2]). بسبب 100 ريال يحرم أمه من فرحة العيد هذه قصة يرويها أحد بائعي المجوهرات يقول: دخل عليه في المحل رجل وزوجته وخلفه أمه العجوز تحمل ولده الصغير... يقول: أخذت زوجته تشتري من المحل وتشتري من الذهب... فقال الرجل للبائع: كم حسابك؟ قال البائع: عشرون ألف ومائة... فقال الرجل: ومن أين جاءت المائة... قال: أمك العجوز اشترت خاتمًا بمائة ريال.. فأخذ ابنها الخاتم ورماه للبائع وقال: العجائز ليس لهن ذهب... ثم لما سمعت العجوز هذا الكلام بكت وذهبت إلى السيارة... فقالت زوجته: ماذا فعلت؟ ماذا فعلت لعلها لا تحمل ابنك بعد هذا؟ عياذًا بالله كأنها خادمة عندهم... فعاتبه بائع المجوهرات... فذهب الرجل إلى السيارة وقال لأمه: خذي الذهب إذا تريدين خذي الخاتم إن أردت.فقالت أمه: لا والله لا أريده ولا أريد الخاتم ولكني أريد أن أفرح بالعيد كما يفرح الناس فقتلت سعادتي سامحك الله. }وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا{ [الإسراء: 23]([3]). توبة شاب عاق لأمه ح.ح.م شاب ذهب إلى الخارج... تعلم وحصل على شهادات عالية ثم رجع إلى البلاد... تزوج من فتاة غنية جميلة كانت سببًا في تعاسته لولا عناية الله... يقول ح.ح.م.مات والدي وأنا صغير فأشرفت أمي على رعايتي... عَمِلَت خادمة في البيوت حتى تستطيع أن تصرف عليَّ، فقد كنت وحيدها... أدخلتني المدرسة وتعلمت حتى أنهيت الدراسة الجامعية... كنت بارًا بها... وجاءت بعثتي إلى الخارج فودعتني أمي والدموع تملأ عينيها وهي تقول لي: انتبه يا ولدي على نفسك ولا تقطعني من أخبارك... أرسل لي رسائل حتى أطمئن على صحتك. أكملت تعليمي بعد مضي زمن طويل ورجعت شخصًا آخر قد أثرت فيه الحضارة الغربية... رأيت في الدين تخلفًا ورجعية... وأصبحت لا أؤمن إلا بالحياة المادية – والعياذ بالله -. وتحصلت على وظيفة عالية وبدأت أبحث عن الزوجة حتى حصلت عليها وكانت والدتي قد اختارت لي فتاة متدينة محافظة, ولكني أبيت إلا تلك الفتاة الغنية الجميلة لأني كنت أحلم بالحياة «الأرستقراطية» - كما يقولون – وخلال ستة أشهر من زواجي كانت زوجتي تكيد لأمي حتى كرهت والدتي... وفي يوم من الأيام دخلت البيت وإذا بزوجتي تبكي فسألتها عن السبب فقالت لي: إما أنا أو أمك في هذا البيت... لا أستطيع أن أصبر عليها أكثر من ذلك. جن جنوني وطردت أمي من البيت في لحظة غضب فخرجت وهي تبكي وتقول: أسعدك الله يا ولدي. وبعد ذلك بساعات خرجت أبحث عنها ولكن بلا فائدة... رجعت إلى البيت واستطاعت زوجتي بمكرها وجهلي أن تنسيني تلك الأم الغالية الفاضلة. انقطعت أخبار أمي عني فترة من الزمن أصبت خلالها بمرض خبيث دخلت على إثره المستشفى... وعلمت أمي بالخبر فجاءت تزورني، وكانت زوجتي عندي وقبل أن تدخل عليَّ طردتها زوجتي وقالت لها: ابنك ليس هنا... ماذا تريدين منا... اذهبي عنا... رجعت أمي من حيث أتت! وخرجت من المستشفى بعد وقت طويل انتكست فيه حالتي النفسية وفقدت الوظيفة والبيت وتراكمت عليَّ الديون وكل ذلك بسبب زوجتي, فقد كانت ترهقني بطلباتها الكثيرة... وفي آخر المطاف ردت زوجتي الجميل وقالت: ما دمت فقدت وظيفتك ومالك ولم يعد لك مكان في المجتمع؛ فإني أعلنها لك صريحة: أنا لا أريدك... طلقني. كان هذا الخبر بمثابة صاعقة وقعت على رأسي... وطلقتها بالفعل... فاستيقظت من السبات الذي كنت فيه. خرجت أهيم على وجهي أبحث عن أمي وفي النهاية وجدتها... ولكن أين وجدتها؟!! كانت تقبع في أحد الأربطة تأكل من صدقات المحسنين. دخلت عليها... وجدتها وقد أثر عليها البكاء فبدت شاحبة. وما إن رأيتها حتى ألقيت بنفسي عند رجليها وبكيت بكاءً مرًا فما كان منها إلا شاركتني البكاء. بقينا على هذه الحالة حوالي ساعة كاملة... بعدها أخذتها إلى البيت وآليت على نفسي أن أكون طائعًا لها وقبل ذلك أكون متبعًا لأوامر الله ومجتنبًا لنواهيه. وها أنا الآن أعيش أحلى أيامي وأجملها مع حبيبة العمر: أمي – حفظها الله – وأسأل الله أن يديم علينا الستر والعافية([4]). قاده الإدمان إلى القتل والعقوق أنهى «سامي» امتحان السنة الأولى الإعدادية بتفوق... وقبل أن يعرف نتيجة امتحانه سأل والده قائلاً:ما الهدية التي ستهديني إياها هذا العام؟ قال والده بسعادة: عندما تحضر الشهادة وتكون ناجحًا سأوافق على سفرك مع خالك إلى الحبشة لتقضي أجازة الصيف هناك... صحيح يا أبي ردد ذلك بفرح طفولي؟ صحيح يا سامي يا حبيبي. كان سامي أكبر الأولاد، وقد أنجبته أمه بعد طول انتظار، فنشأ بين والديه حبيبًا مدللاً، الجميع يسعون لإسعاده وتحقيق مطالبه وإدخال السرور على نفسه، لم ينم سامي تلك الليلة من الفرحة فقد كانت الأحلام الوردية تداعب مخيلته وفكره الطفولي الخام... كيف لا وهو يسافر لأول مرة إلى الحبشة وسيقضي فيها ثلاثة أشهر هي فترة الأجازة المدرسية، سيتمتع خلالها بكل جديد جميل. في صباح اليوم الثالث لانتهاء أعمال الامتحانات، خرج سعيدًا بصحبة والده إلى المدرسة ليحضر الشهادة... غاب لحظات بينما كان والده ينتظره في سيارته... ثم عاد وهو يحمل الشهادة في يده وعلامات البشر تنطق من وجهه البريء... أبي أبي أبشرك لقد أخذت الترتيب الثاني على زملائي، ابتسامة عريضة سكنت على محيا والده... وبدا الفرح جليًا في عينيه... حضنه بفخر وفرح شديد وهو يقول: ألف ألف مبارك يا سامي بل مليون مبارك يا سندي، الحمد لله على توفيقه لك. أبي هل ما زلت موافقًا على سفري مع خالي؟ أجل ستسافر مع خالك وسأعطيك من المال ما يكفيك لتكون سعيدًا. ودَّع سامي والديه وهو في غاية الزهو والسعادة... وفي الطائرة التي ركبها سامي لأول مرة رأى عالمًا جديدًا، ومتعة لم يتذوقها من قبل، متعة فيها خليط من الخوف والبهجة معًا خصوصًا عندما سمع هدير الطائرة وهي تقلع عن أرض المطار لتحلق في الفضاء الواسع. كان كل شيء يشاهده ويسمعه جديدًا بالنسبة له وشيئًا غريبًا لم يألفه من قبل، وفي الحبشة رأى سامي بصحبة خاله عالمًا جديدًا آخر. مرَّ بعدة تجارب... شاهد أشياء لم يشاهدها من قبل... اختلط بأناس عديدين... عاش سعادة غامرة... أحس أنه كبر أكثر من عمره لمعرفته أشياء جديدة، كان يلاحظ بين فترة وأخرى وفي أوقات معينة أن خاله تنتابه حالة غريبة يضعف فيها جسده وتوازنه أحيانًا، يراه سعيدًا ضاحكًا وأحيانًا أخرى يسمعه يتمتم بأغنيات لا يفهمها جيدًا، ويتحدث بكلمات غريبة، أو يضحك بصوت عال، كان تصرف خاله يحيره تارة ويشده تارة أخرى، فكان يراقبه بدافع الفضول... وحين أدرك أن سبب تصرفه الغريب هو شرب الخمر... زادت مراقبته له... ولما أدرك أنه مدمن لكل أنواع الخمر نمت في نفسه غريزة حب التقليد، ثم تحولت إلى رغبة في التجربة الفعلية فكان يحدث نفسه قائلاً: سأفعل مثله لأرى ما يحدث له؟ وبم يحس؟ وكيف يكون سعيدًا. في بداية الأمر لم تعجبه، ولكن رؤيته لحال خاله دفعته إلى أن يجرب مرة واثنين وثلاث؛ حتى تعود عليها... وأصبح مدمنًا لها وهو لا يتعدى الثالثة عشرة من عمره... لقد وجدها تجربة لذيذة كما صورها له الشيطان... بعد مضي فترة الأجازة عاد سامي بصحبة خاله إلى جدة وكان تفكيره في كيفية الحصول على الشراب والتمكن من تناوله يقلق تفكيره ويكدر عيشه ويحول بينه وبين إحساسه بالسعادة والراحة، ولكنه وجد في النهاية أن الامتناع عنه نهائيًا هو الحل الوحيد للمحافظة على نفسه ومستقبله فهو لا يزال طفلاً، كما أنه فعل مشين حرمه الله وحرمه الشرع ووضع عقابًا لشاربه. وبعودته لحياته الطبيعية في بلده وبيته نسي سامي كل شيء عن الخمر... ومرت عليه ثلاث سنوات دون أن يفكر في شربه، وكان كل عام ينجح بتفوق، وفي نهاية السنة الرابعة قرر أهله السفر إلى الخارج لقضاء الصيف، وهناك في قلب الدول الأوربية أيقظ الإغراء الرغبة الكاملة في نفسه منذ فترة، وجددت الذكريات القديمة أيام الحبشة فمضى الشيطان يزين له الشرب فكان ينتهز فرصة غياب أهله بخروجهم... أو وقت نومهم ليتناول الخمر خفية حتى أدمنه من جديد وأصبح لديه كالماء والغذاء لا يستغنى عنه أبدًا. وفي إحدى الليالي... خرج معه «فوزي» ابن خاله لقضاء السهرة في أحد النوادي الليلية... وجلسا معًا يحتسيان الخمر بعد أن أكلا ما طاب لهما من الطعام، وهما ينصتان لموسيقى الجاز الصاخبة وكانت السعادة ظاهرة على سامي بعد شرب الخمر، في تلك اللحظة، أخرج فوزي من جيبه قطعة صغيرة سوداء، ومضى يستنشقها بهدوء ولذة، وكأنه يقبل طفلاً رضيعًا، وكان بين آونة وأخرى يتمايل يمينًا وشمالاً... سأله سامي في فضول ما هذه؟ ولماذا تفعل هكذا؟ ضحك فوزي وقال: ألا تعرف ما هي؟ سامي: لا أعرف... ألم تر مثل هذه الدرة من قبل؟ إنها المرة الأولى التي أرى فيها هذه رغم أن منظرها كئيب ولا تستحق ما وصفتها به، ضحك فوزي باستهزاء... ثم قال اسمها الحشيشة السوداء... إنها قمة اللذة العارمة... سامي باستغراب وتعجب: هل هذه الحشيشة تفعل كل هذا؟ فوزي: إن ما قلته جزءٌ من الحقيقة وعليك أن تجرب حتى تعرف بنفسك. أخذها... ثم بدأ يشمها... انتقل إلى عالم الزيف والضياع... لم يكن يعلم أن هذه السوداء الصغيرة ستكون له بالمرصاد... إنها موت يطرق بابه كل يوم، ويهدد مستقبله وصحته، لم تمض عدة أيام حتى أدمنها، انقلبت حياته وساءت صحته واعتل فكره، كان يصرف كل ما يجده على شراء الحشيش. عندما أنهى تعليمه وحصل على الوظيفة، بدأ يشعر بكراهية الناس والابتعاد عنهم، كان يشعر في قرارة نفسه أن الجميع يعرفون سره، وأن أحدًا لم يعد يثق فيه، أصبح عصبي المزاج كثير الانطواء على نفسه، فقد ثقته في المحيطين به، كان القلق لا يفارقه، مضت ثمانية عشر عامًا وهو أسير سجانته السوداء رغم تقلبه في عدة وظائف للحصول على راتب أكبر يساعده على الصرف، ذاق المرين من حياته وكثرة مشاكله التي لا تنتهي ومواقفه العصبية مع أهله، ورفض الزواج من قبله وإصرار أهله على زواجه، كان يحس أنه بحار ضائع في بحر لا قرار له، ولا سبيل للنجاة منه، فكر في صديق عزيز عليه، ذهب ذات يوم إليه ليبوح له عن مشاكله لعله يجد له حلاً... استقبله صديقه بفرح كبير وعاتبه على انقطاعه عنه... حدث صديقه بكل ما جرى معه وما يجري، كان صديقه ينصت له وهو في حالة خدر هلامية حتى إذا انتهى سامي من حديثه، بادره قائلاً: عندي لك ما ينسيك كل آلامك، فقط عليك أن تمد يدك وتغمض عينيك وتنتظر لحظات... ماذا تقول؟ أنا في حالة سيئة لا تستدعى المزاح منك! أنا لا أمزح افعل ما قلته لك وسترى! مد يده وأغمض عينيه... وحين فتحهما كان صديقه قد انتهى من حقنه بالهيروين، ومع بداية حقنه الهيروين كانت بداية رحلة ألم وعذاب جديدة بالنسبة له... فقد كان كالسحر... ولم يعد يستغنى عنه، وكان حين يتركه يشعر بآلام تنتخر عظامه لا سبيل له إلى تحملها، صرف كل ما يملك على الهيروين، اضطرته حالته للاستدانة من أهله وأصدقائه، رهن بيته... وعندما ساءت حالته الصحية، دخل المستشفى وخرج ليعود للإدمان من جديد، دخل المستشفى أكثر من مرة ولكن دون جدوى. ذات ليلة لم يستطع المقاومة ولم يكن لديه مال... كان والده مسافرًا وكانت تصرفاته الأخيرة يغلب عليها الطابع العدواني... الذي أفقده آدميته وإنسانيته...كانت ليلة مقمرة بعض الشيء... خرج من غرفته وتسلل بهدوء إلى غرفة والدته... فتح دولابها... سرق كل مجوهراتها.... صحت أمه على صوت الدولاب... رأت الشبح صرخت بكل قوتها حرامي حرامي... اتجه ناحيتها أغلق فمها الطاهر بيده ثم قذف بها على الأرض... تكومت على الأرض مرتاعة هلعة... فر هاربًا خارج الغرفة... في حين خرج أخوه الأصغر على صوت أمه... لحق به ليمسكه، كانت اللحظات صعبة والموقف مريرًا وعصيبًا طعن أخاه في صدره وطار بفريسته كما يفعل الذئب عندما يصطاد أرنبًا... كانت سيارة الدورية تجوب الشوارع... لاحظه قائد السيارة يخرج مسرعًا يكاد يسقط على الأرض وفي يده علبة كبيرة... التفوا حوله اقتادوه إلى السجن.... وفي السجن وعند التحقيق كانت المفاجأة المرة... المجرم هو الابن والضحية الأم والأخ... والبيت المسروق بيتهم جميعًا... لم تحتمل الأم هذه المفاجأة سقطت مريضة تذرف دموع الحسرة والندم والألم معًا... سامي المدلل ضاع مستقبله... وأصبح في عيون الناس ابنًا عاقًا ومجرمًا وضائعًا. أخوه ذهب ضحية فساده وعدم اهتمام والديه وحرصهما... نقل إلى المستشفى للعلاج... ولكنه مع ذلك... سيظل متذكرًا أنه قتل أخاه الأصغر دون وعي منه، وسيظل يحمل إثم ذلك حتى لو تاب وشفي... لقد أوقع نفسه في بئر ظلماء لا سبيل للخروج منها... وكانت الإغواءات الشيطانية هي السبب الذي دفعه ليقع في تلك البئر العميقة([5]). عاقبة العقوق عن أبي عبد الرحمن الطائي قال: كان رجل من بني نهد كبر وضعف يكنى أبا منازل، وله ابن يُقال له منازل، وكان له أولاد صغار، فكان إذا أصب شيئًا أعطاهم إياه، وكان منازل يقبض عطاء أبيه وكان شيخًا كبيرًا، فولد للشيخ بنون صغار، فكان منازل يستأثر عليهم فلما خرج العطاء خرج منازل يقود أباه حتى أجلسه يقبض عطاءه، فلما نودي باسمه قام منازل، فقال: أعطوني عطاءه.فقام الشيخ فقال: أعطوني عطائي في يدي. ففعلوا، فحمل عطاءه، ثم قام يتوكأ على منازل. فقال منازل: هلم أحمله عنك. قال الشيخ: دعه. فلما خلا له الطريق فك يد أبيه ثم أخذ العطاء فذهب به، فانصرف الشيخ وليس معه في يده شيء. فقال له أهله وولده: ما صنعت؟! قال: أخذ منازل عطائي، وأنشأ يقول: جزت رحم بيني وبين منازل فأصبح منازل ملوية يده([6]).جزاء كما يستنجز الدين طالبه وربيته حتى إذا ما هو استوى كبيرًا وساوى عامل الرمح غاربه تظلمني مالي كذا ولوى يدي لوى يده الله الذي هو غالبه وقيل: إن منازلاً لطم أباه على وجهه، فذهب أبوه يبكي. وقال: والله لأحجن إلى بيت الله الحرام وأدعو عليك هناك... فحج الأب إلى بيت الله الحرام وتعلق بأستار الكعبة ثم رفع يديه وقال: يا من إليه أتى الحجاج قد قطعوا ما أنزل الوالد يديه إلا وشل الله الابن وأصبح مشلولاً إلى أن مات عياذًا بالله([7]).أرضًا فلاة من قرب ومن بعد هذا منازل لا يرتد عن عققي فخذ بحقي يا رحمن من ولدي وشل منه بحولٍ منك جارحة يا ليت ابني لم يولد ولم ألم كما تدين تدان نشأ مدللاً بين والديه، ومات والده وقامت أمه برعايته حتى كبر واشتد ساعده واستوى على سوقه، وأصبح رجلاً وعمل في مجال التجارة حيث إن والده ترك له ثروة لا بأس بها، ودعوات الأم الطيبة ترافقه في كل مكان، ومع كل خطوة يخطوها تدعو بالتوفيق فكثرت أمواله واتسعت تجارته.وكانت أمه ما زالت ترعاه وتقوم بشؤونه، وتفرح لفرحه، وتحزن لحزنه وتواسيه وتحبب إليه الحياة وتحثه على العمل، فكانت هي السبب بعد الله – عز وجل – في هذه الثروة العظيمة التي يمتلكها، وهذه الشهرة التي اشتهر بها بين الناس، والأم لا تكمل فرحتها إلا بزواج ولدها لتفرح به وبأولاده، وتسعد معه بتكوين أسرة تكمل المشوار. وبحثت له عن بنت الحلال، ولكنه لم يرض بما أشارت عليه به أمه، بل اختار هو بنفسه وتزوج وفرح بزواجه ولكن فرحة أمه أكبر وأعظم، وأخذت الأم تدعو ربها أن يرزق ولدها الذرية الصالحة لكي تفرح بهم وتسعد معهم، واستجاب الله تعالى لدعائها ورزق بولدين مطيعين له، فأحبهما أكثر من نفسه ورعاهما وسهر على راحتهما حتى كبرا وشبَّا على الطوق، وكبرت الأم وصارت بحاجة إلى من يرعاها ويقوم بشؤونها، ولكنه تأفف من ذلك، فرغم أنه الرجل صاحب الثروة الكبيرة والجاه العظيم، إلا أنه بخل على أمه بأن يجعل لها خادمة تقوم برعايتها، وتضايق من أمه، وفكر في وسيلة تريحه منها، فهو لا يطيق حتى أن ينظر إليها، ودفعه تفكيره إلى أن يودعها في دار العجزة. فتبًا له من ولد عاق كيف هانت عليه أن يودعها دار العجزة أين السهر؟ أين المعاناة؟ أين الصبر؟ أين الحنان؟... لقد ذهب كل هذا أدراج الرياح، أمك التي بذلت كل ما في وسعها من أجلك يكون هذا جزاءها من ولدها الوحيد؟! فتبًا لك ألف مرة. وذهب مرة لزيارة أحد أصدقائه ليبث له شكواه، وقال لصديقه وهو يندب حظه العاثر: تصور يا أخي ما أن أودعت والدتي دار العجزة، ورعاية المسنين حتى لامني الكثير من الأهل والأقارب والبعيد والقريب ممن أعرفهم، فأجابه صديقه مندهشًا: ماذا تقصد بوالدتك التي أودعتها دار العجزة؟! هل هي أمك التي حملتك؟ أمك فلانة التي ربتك صغيرًا، ورعتك كبيرًا أم لديك أُمٌّ غيرها؟! قال: بل هي أمي فلانة!! فما العجب في ذلك؟ وقد افتتحت الحكومة هذه الدار لأمثالها. فقال صديقه: يا سبحان الله... اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا... هل ضقت بوالدتك ذرعًا وأنت صاحب المال والجاه والثروة الواسعة والتي آلت إليك بسبب دعواتها لك بالتوفيق، عد إلى رشدك يا رجل، واستغفر الله واذهب لأمك وَقَبِّل قدميها، واسأل الله التوبة والمغفرة، واطلب الصفح منها، وعُد بها إلى البيت وهيئ لها من يقوم بخدمتها، واعمل على سعادتها وراحتها، أما إن كان الذي فعلته رغبة حرمكم المصون، فلم أعلم أنك مطية بين الرجال؛ بل عرفتك رجلاً. ولما سمع من صديقه هذا الكلام الصادق ضاق وهاج وماج وقال: يا أخي إن كنت ستزيد من آلامي؛ فأنا في غنى عن معرفتك. فقال له صديقه: هذا لا يشرفني من ابن عاق مثلك, فصداقة أمثالك عار. ومرت الأيام وأمه ملقاة في دار العجزة لا أحد يزورها، وهي تعاني من آلام الكبر والمرض والقهر، واشتد عليها المرض، ولم يزرها مرة واحدة، ونقلت إلى المستشفى، ولم يرق قلبه لها، وحثه أقرباؤه وأبناؤه لزيارتها وهي في المستشفى فأبى واستكبر وأخذته العزة بالإثم، واشتد عليها المرض، واقترب الوعد الحق، وعلم العاق أن أمه تعاني سكرات الموت، فهل فاق وتاب وأناب... أبدًا، بل شد رحاله وغادر البلاد فجأة دون علم أحد، وبعد أن تأكد أنها ودعت الدنيا بما فيها من مآسٍ ودفنت في قبرها، عاد راجعًا، ولكنه رجع ليجني ثمار ما زرع، ويا شر ما زرع، لقد زرع العقوق والعصيان، فماذا سيجني؟ وماذا ستكون النتيجة؟.. لا شك أنه سيجني البؤس والشقاء. لم تمر إلا أيام معدودة قبل أن يجف قبر أمه، تعرض فلذة كبده وأحب أبنائه إلى قلبه إلى حادث مروري مروع راح ضحيته الابن، وكان هذا الحادث عبارة عن خنجر غرس في قلب الأب، ولم يمر عام على هذا الحادث الأليم، إلا ويتعرض ولده الثاني وساعده الأيمن في تجارته وأعماله لمرض عُضال جعله ملازمًا للسرير، وأخذه والده وجال في أرجاء العالم، يبحث له عن شفاء ولكن دون جدوى، ولحق الابن الثاني بأخيه، وبقي الأب وحيدًا، فقد كُسِرَ جناحاه، وساءت حالته النفسية، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وبارت تجارته، وأخذ موظفوه يسرقونه، وأخذ يجني ثمار زرعه، وها هو يرى حياته تتصدع أمام عينيه، وها هو يرى ما بناه يسقط أمامه دون أن يستطيع عمل أي شيء، وها هي العقوبة تطل عليه في كل يوم وكل ساعة وكل لحظة، والله أعلم بمصيره في الآخرة([8]). . . . يتبع ([1]) وبالوالدين إحسانًا – سعد يوسف – (ص57، 58) بتصرف وزيادات. نقلاً عن: أنين القلوب لمصطفى كامل ص(42، 43)]. ([2]) أسيرة الأحلام؛ تيسير أحمد الزايد ص(131-134). ([3]) قصص مؤثرة للشباب ص(92، 93). ([4]) جريدة البلاد العدد (9021) نقلاً عن: التائبون إلى الله (1/213-215). ([5]) مأساة نورة وآخرين ص(97-105). ([6]) «مجابو الدعوة»، لابن أبي الدنيا، ص(77، 78) ط. مؤسسة الرسالة. ([7]) قصص مؤثرة للشباب ص(93، 94). ([8]) عاقبة عقوق الوالدين ص(114-117). |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]()
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]() بارك الله فيك |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||
|
![]() القصاص العادل نجح وائل في اختبار الشهادة الثانوية، وكانت فرحة أبويه أكبر من فرحته، كيف لا وهو ابنهما ووحيدهما وأملهما في هذه الحياة. وكانت أمنية وائل دراسة الطب البشري في باريس، ووافق الوالد على اقتراح ولده وعمل على تحقيق أمنيته خاصة وأنه وحيده.وسافر وائل إلى جامعة (السوربون) في باريس ليدرس الطب وكان أبوه تاجرًا فكان يرسل لولده المال الذي يحتاجه فاستأجر الولد شقة صغيرة قرب الجامعة من عائلة فرنسية. ونشأت صداقة بين وائل وابنة هذه العائلة وكانت جميلة فاتنة، وتوثقت العلاقة بين وائل وهذه الفتاة على مر الأيام، وصارا زميلين كل منهما يحب الآخر، واعتادت الفتاة أن تدخل شقة وائل في أي وقت تشاء، وكان الشيطان ثالثهما فزين لهما الغي والعصيان فَهَمَّ كل منهما بالآخر، وأخذ وائل يغدق على فتاته من عطاياه وهداياه، وكان والده يواصل الليل بالنهار كي يوفر لولده المال الذي يحتاجه، وهذا الولد يلهو ويلعب. واشتغل فكر وائل بصاحبته فأثر ذلك على دراسته فتخلف فيها، ومرت الأعوام والأب لم يتخلف في إرسال ما يحتاجه ولده من مال، وكانت الأم تحثه وتذكره كي لا ينسى، فهذا ولدهما الوحيد وهما في غفلة لا يدريان ما يفعل هذا الولد. وفي أحد الأيام جاءت الفتاة تبكي وتنتحب فشق ذلك على قلب وائل فأخذ يهدئ من روعها ويربت على كتفيها، فلما هدأت سألها عن سبب بكائها فقال له: إن والدي طردني من المنزل حيث إني بلغت السن التي يجب فيها أن أعتمد على نفسي وأن أصرف على نفسي, فهو غير ملزم بالإنفاق عليَّ. وهنا لم يتردد وائل أن عرض عليها الزواج الشرعي، فلبت دون أن تتريث لحظة خوفًا من ضياع الفرصة، وتزوجا وأصبح وائل مكلفًا بالإنفاق على زوجته وبيته، وطلب من أبيه مضاعفة المبلغ وبين لأهله أنه بحاجة إلى نقود كثيرة حيث إن الأسعار مرتفعة جدًا، ولم يتوان الأب عن إرسال المال لابنه، والأم تحثه أن لا يبخل على ابنهما حتى صرف الأب آخر مبلغ لديه ونفد ماله، واحتار من أين يأتي بالمال اللازم لابنه، وسارعت الأم إلى بيع ما لديها من حُلِي من أجل ولدها ومن أجل مستقبله، ووائل مستمر في المطالبة بمزيد من المال ولم يكن يفكر بوالديه وما يعانيانه من أجل توفير المال له، المهم عنده أن يصله المال لينفق بسخاء على المحبوبة الغالية!! وساءت حالة الوالد الاقتصادية وتدهورت موارده المالية، وطالت مدة دراسة وائل، والوالدان ينتظران تخرجه بفارغ الصبر كي يعوضهما عن كل ما عانياه من تعب وكد ويوفر لهما العيش الرغيد، وكانت الأم تُصبر زوجها وتمنيه بالأيام السعيدة القادمة عندما يأتي وائل!! ليرد لهما الجميل وأكثر، والولد يطلب منهما المزيد من المال، فلم يجد الوالدان سبيلاً لتوفير المال اللازم سوى بيع الدار، ويتركان دارهما ويسكنان في دار صغيرة بالأجرة ويرسلان المال لولدهما فلم يبق على تخرجه إلا القليل وسوف يشتري لهما قصرًا يسعدان به معه! والولد المسرف يبذر المال دون تفكير أو اهتمام، وضاق الحال بالوالدين فليس لديهما ما يرسلانه، فبعث الوالد رسالة يشرح فيها لابنه أن المال قد نفد, وأن الدار قد بيعت حتى حُلِي والدتك قد بيعت أيضًا؛ وليس لدينا ما نبعثه إليك فدبر أمر نفسك. ولكن وائل غضب ولم يصدق كلام أبيه وظن بأبيه ظن السوء, ووسوس له الشيطان أن والديه قد ضيعا مستقبله، فقسا قلبه وقاطعهما وأخذ يعمل لمتابعة دراسته. ولما أكمل دراسته ظل مستمرًا في عمله كي يجمع مبلغًا من المال وشد الرحال للعودة إلى بلده، وعاد هو وزوجه إلى وطنه ولم يعلم به أحد حتى والده!! عاش وائل مع زوجته الفرنسية وكثر ماله ولم يحاول أن يتصل بأبويه، فلقد كان يحمل بين أضلاعه حجرًا قاسيًا مليئًا بالحقد والضغينة على ما كانا سببًا في ما هو فيه من رغد العيش، ولكن الله عز وجل يمهل ولا يُهمل فلا يغفل سبحانه وتعالى عن أمر العباد، وشاء الله عز وجل أن يأتي إلى عيادة وائل رجل من أصدقاء والده وعرف وائل ولكن وائل لم يعرفه، وما أن خرج الرجل من العيادة حتى أسرع إلى والد وائل ليخبره بأن ولده قد عاد وفتح عيادة، ففوجئ الوالد عند سماعه هذا الخبر ولم يصدق ما سمعه من صديقه فأقسم له الصديق أنه صادق وقال له: هيا بنا لأدلك على عيادته هيا. وسار الوالد وهو في دهشة من أمره، وما أن وقعت عيناه على لافتة العيادة وقرأ اسم ولده عليها واشتم رائحة ولده فلذة كبده، حتى ذرفت عيناه بالدموع، إنها دموع الفرح والسعادة، وصعد الاثنان درج العيادة والأب لا يكاد يصدق عينيه، ورأى الأب ابنه بعد هذه الغيبة الطويلة وأراد أن يضمه إلى صدره كي يطفئ لهيب أشواقه، وما أن اقترب الوالد من ابنه حتى صاح فيه الولد العاق بكل وقاحة: قف مكانك ولا تقترب مني كي لا تراك زوجتي الأجنبية فتحتقرني وأسقط من عينها!! وتسمر الأب مكانه، وأردف الولد العاق قائلاً: اسمع سأقدم لك مساعدة مالية ولكن المهم أن تبتعد عن العيادة ولا أراك أبدًا!! وهنا شعر الأب أنه أصيب بخيبة أمل مريرة وتبددت جميع توقعاته فتماسك وشد من عزمه, وأجاب ولده العاق على الفور قائلاً له كلامًا لو سمعه جبل لتهدم من مكانه وتطايرت حجارته. قال الأب لولده العاق: «عليك لعنة الله والناس أجمعين, وعليك غضب الله إلى يوم الدين وعليك الشقاء أبد الآبدين». ثم بصق في وجهه بصقة أطفأت النار التي أشعلها هذا الولد العاق في قلب أبيه، ثم أردف الأب قائلاً: أغنانا عنك رب العالمين. وعاد الأب إلى زوجه مخيب الآمال والحزن والقهر يفتان كبده ولما وصل إليها أخبرها الخبر المشؤوم فحزنت حزنًا شديدًا وبكت بكاءً طويلاً, وكان لا بد من نهاية لما حدث خاصة بعد هذا الدعاء الشديد الصادر من قلب مكلوم قلب أب مجروح. لم يؤثر كلام الأب بنفس هذا الابن العاق ولا بقلبه فهو كالحجارة بل أشد قسوة, وأسود من دياجير الليل البهيم. وفي يوم أجازة خرج وائل مع زوجه؛ للنزهة والراحة والاستجمام وقضاء يوم جميل بعد عناء العمل، وعند أحد المنعطفات انزلقت السيارة فجأة وهوت في الوادي السحيق ومات وائل وزوجه في الحال، ووصل الخبر إلى الوالدين فأيقنا بالله العليم الحكيم الذي لا يرد دعوة المظلوم فما بالك بالوالدين، فقد ورثا كل ثورة الابن حتى العيادة. إن ربك لبالمرصاد والله – عز وجل – يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته... وفي هذه القصة عبرة وعظة للأبناء والآباء، فيجب على الأبناء أن يرعوا آباءهم وأمهاتهم. ويجب على الآباء أن يحرصوا على أن يربوا أولادهم التربية الدينية الصحيحة، وأن يحافظوا عليهم من آفات الدنيا ومصائد الشيطان خاصة في زماننا هذا. قال الله تعالى: }وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا{ [العنكبوت: 8]([1]). طفل ينقذ والده من العقوق يقول أحد الفضلاء: كان بجوارنا رجل متوسط الحال، وعنده والده يعيش معه في المسكن وهو كبير السن وفاقد لبعض حواسه، ومع الأيام تحسنت أمور هذا الرجل، حيث جاءه تثمين لبيته بنزع ملكيته وجاءه مبلغ لم يتوقعه حتى ولا في حلم الليل.فعمر له مسكنًا على الطراز الحديث «فيلا»، وكان لهذا الرجل زوج غير موفقة مع عمها «والد زوجها» حيث ترى أنه عبء ثقيل عليهم في المنزل، كيف لا وهم الآن صاروا في فيلا، كل شيء يدار بالكهرباء وعندما فرشوا البيت الجديد وأثثوه بكل جديد وفاخر، قالت الزوجة لزوجها: لو تضع والدك في غرفة السطح ونحضر له طعامه وشرابه في غرفته، فهو كبير ولا يحس بأي مكان جلس فيه، فقال الزوج: افعلي ما ترين، فحملوه ووضعوه في غرفة السطح، وجعلت له الزوجة أواني خاصة به يأكل ويشرب بها حتى لا يوسخ أوانيهم، ولكن مع الأيام والأسابيع تعبت المرأة في الصعود والنزول بسبب والد زوجها. فقالت المرأة لزوجها: يا أبا فلان، تعبت أنا وأولادي من والدك في الصعود والنزول بطعامه وشرابه، فأرى أن تنزله وتضعه في حجرة الملحق بالقرب من باب الشارع، فقال لها زوجها: ضعيه كما تودين. فأنزلت المرأة الأب الكبير ووضعته في ملحق البيت ووضعت عنده ملابسه وما يخصه ويتبعه، وكان للوالد الكبير صحن طعام خاص لغدائه وعشائه، ولحسن حظ الزوج وبينما العائلة مجتمعة بكاملها على طعام الغداء نطق ابنهم الصغير قائلاً: بابا، بابا، حميت صحن جدي (حجزت إناء جدي) إذا مات، فقال والده وهو يضع اللقمة في فيه: وماذا تريد به؟ فقال الولد: إذا صرت يا أبي مثل جدي أصنع لك به طعامك. فاعترضت اللقمة في حلق الأب، وجحظت عيناه وكاد يختنق من هول ما سمع من ابنه الصغير، وبعد أن شرب الماء وعادت روحه إليه رد نفسه وكأن هذه الكلمة صاعقة نزلت عليه، فالتفت الأب إلى زوجه، وقال: اسمعي، من هذه اللحظة لا آكل طعامًا ولا أشرب قهوة إلا مع والدي، هيا انهضوا ولنتناول طعامنا سويًا معه، فكان الأب يضع لقمة في فم والده واللقمة الثانية في فمه. وبعدما تناولوا الطعام حمل الأب والده ووضعه في غرفة خاصة ملاصقة لغرفته، فكان لا يدخل الأب ولا يخرج إلا ويصبح والده ويمسيه (يسلم عليه)، وبعد أشهر قليلة توفي الأب الكبير. فكانت خاتمة طيبة لهذا الابن بأبيه، حيث أدرك خطأه واستدرك ما بقي من أيام أبيه ليبره بها([2]). سيارة ومصحف كان هذا الشاب يعيش مع والده بعد وفاة والدته منذ كان صغير السن، وكان يعيش بمفرده مع والده. كان والده من أغنى الرجال في تلك المدينة, ولكنه كان صارمًا مع ابنه ولا ينفق عليه إلا للضرورة, وكان الشاب يحب بل يعشق أحد أنواع السيارات غالي الثمن والتي طالما حلم بها، وفي أحد الأيام تقدم بطلبها من والده فقال له والده... بعد انتهائك من الاختبار إذا أتيت بالشهادة ذات الدرجات العالية فسوف أهديك هدية قيمة وقيمتها أغلى من قيمة تلك السيارة!وبعد النجاح بتفوق... تقدم الشاب إلى والده وقال له بعد النجاح بتلك الدرجات العالية... جاء الوقت الذي طالما تمناه الشاب أخرج والده علبة مغلفة من المكتب وقدمها لابنه, أخذها الشاب والابتسامة ترتسم على وجهه وعندما فتحها وجد بها. المصحف الكريم؟ تفاجأ الشاب ثم رماه على والده وقال: ما هذا؟ كل هذا السهر والتعب لماذا يا...؟ خرج الشاب من المنزل ولم يعد إطلاقًا... وبعد حوالي العشرين عامًا وبعد وفاة الوالد عاد الشاب إلى المنزل الذي أصبح ملكًا له وبدأ ينظر في حاجيات والده وإذا به يجد ذلك المصحف نظر إليه متحسرًا ثم أخذه بين يديه وفتحه، وإذا به يجد مفاتيح تلك السيارة التي طلبها من والداه... بدأ بالبكاء وأصيب بصدمة!! ومنذ ذلك الحين لم ينطق الشاب ولا حتى بكلمة واحدة([3]). العصيان كان يعيش عيشة طيبة بين والديه اللذين كانا يحبانه، وكان يعمل حدادًا وكان عمله يدر عليه الكثير من المال فعاش في سعادة غامرة، واستمرت حياته هكذا عمل وكسب وسعادة، وكانت أيامه تمر عليه رتيبة؛ شعر من خلالها أنه بحاجة إلى أن يتزوج وكان معجبًا بفتاة كانت بنظره جميلة فتعلق بها، وحادث أمه بموضوع زواجه من هذه الفتاة، ولكن أمه رفضت أن يتزوج من هذه الفتاة وكذلك كان والده رأيه من رأي الأم، ولما سألهما عن السبب قالا له: هذه البنت لا تناسبك ولا تناسبنا، لكنه لم يسمع نصيحة أمه؛ بل أخذ يلح عليها وأصر على رأيه ومع شدة إلحاحه وعناده خضعت الأم لرغبته وقالت له: اسمع يا بُني كلمة أخيرة أقولها لك: إن جمال الشكل لم يكن يومًا مقياسًا للسعادة, فالحذر يا بُني مما أنت قادم عليه. ولكنه كان أصم أعمى فلم يسمع ما قالته له أمه، فعقله كان هائمًا لاهثًا وراء الجمال الزائف الذي كانت تتمتع به تلك الفتاة.وتم له ما أراد وتزوج فتاة أحلامه وفاز بمن كان قلبه يهفو إليها، ولكن بالمقابل كسب غضب أمه وأبيه اللذين عارضا هذا الزواج. أقام مع زوجه في منزل والده، وما هي إلا فترة قصيرة وإذا بالخلافات تدب بين الأم والزوجة مما جعل الأب يتخذ قرارًا بإخراج الابن وزوجه من منزله بعد أن أعطاه مهلة لترتيب أموره. وبدأت رحلة البحث عن سكن يؤويه هو زوجه التي كانت تفتعل المشاكل مع الأم المسكينة الطيبة والتي كانت تحرض زوجها على والده، وكان الزوج المخدوع يقف بصف زوجه دائمًا، وبعد بحث طويل وجد شقة مناسبة وأثثها بأثاث باهظ الثمن اختارته الزوجة كي تفاخر به صديقاتها، وعاش مع زوجه حياة كانت بها منعطفات كثيرة وذلك مع كثرة مشاكل الزوجة وإرهاق زوجها بطلباتها التافهة التي لا تنتهي ولعدم اهتمامها بشؤون زوجها مما جعل الزوج يعيش حياة كئيبة تعيسة، وزاد الطين بلة أن قل الطلب على عمل الحدادة وضعف دخله وبدأ يمر بضائقة مالية, واحتار ماذا يفعل مع هذه الزوجة التي لا تنتهي طلباتها؟ ولما رأت الزوجة حال زوجها أشارت عليه أن يذهب إلى والده كي يأخذ منه مبلغًا من المال، ولكن الزوج أبى فقد منعه كبرياؤه وغروره. وخرج يبحث عن وظيفة حكومية, لكن الأبواب كلها أغلقت في وجهه، ولم يجد سبيلاً لتوفير المال سوى أن يبيع أثاث المنزل، والزوجة لا تبالي وأخذت تنفق دون حساب حتى لم يتبق في جيب الزوج فلس واحد؛ بسبب هذه الزوجة اللعوب التي أخذ أهل الحي يتحدثون عن سلوكها المشين. ونشب خلاف حاد بين الزوجين وأخذت الزوجة تعير زوجها بجلوسه في البيت مثل النساء وعدم تمكنه من توفير حاجيات المنزل، وهكذا عاش هذا الزوج البائس أيامًا مليئة بالآلام، وفكر في أن يطلق زوجه, ولكن خوفه من تشمت أهله به منعه. وداس على كرامته وسمعته إرضاء لغروره وكبريائه، وأخذ يفكر كيف يوفر المال اللازم له ولزوجه؟ وقاده تفكيره في إصدار شيكات بدون رصيد، وأصدر الشيك الأول واستطاع أن ينجح في عملية النصب؛ لأنهم لم يستدلوا على عنوانه مما جعله يستمر في هذا الطريق، وزين له الشيطان سوء عمله وهونه عليه فأصدر شيكًا آخر، ولكن لكل شيء نهاية، وما هي إلا أيام قلائل وإذ برجال الشرطة يطرقون الباب ويقتادونه إلى حيث المصير المظلم، وكانت نهايته العيش خلف القضبان أسير الذل والعار يذرف الدمع الغزير بين جدران السجن؛ أملاً في عفو الله عز وجل ورضا والديه([4]). هذه نهاية طبيعية لكل من يعصي والديه ويخالف رغبتهما. قال الله تعالى: }وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ{ [لقمان: 14]. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رضا الرب في رضا الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين». أبناء يدفعون آباءهم إلى الإدمان استقرت أسرة «حمد» في مدينة جدة بعد أن كان والده كثير التنقل من منطقة إلى أخرى بسبب عمله، وكان عمه تاجرًا معروفًا في نفس المدينة فعرض عليه رغبته في العمل معه... رحب به العمل كثيرًا فقد كان بحاجة إلى شريك يساعده في إدارة تجارته لا سيما وأنها أخذت تنمو تدريجيًا، كان حمد شابًا طموحًا عاقلاً ينظر للمستقبل بعين متفائلة وآمال كبيرة، وأحلام بعيدة، وما إن تسلم عمله مع عمه حتى مضى يعمل بإخلاص وتفان وجد... فلم تمض سنوات قلائل حتى كبرت تجارته مع عمه بعد أن أدخله شريكًا معه، وعلى إثر ذلك النجاح الكبير فضل أن يستقل بتجارته وحده، ففتح محلاً تجاريًا ولم تمض عليه عدة شهور حتى ألحقه بآخر، تزوج حمد، وكون أسرة، وكانت تجارته تزداد مع مرور السنوات... وقد رزقه الله ببنين وبنات، عمل على تربيتهم وتعليمهم ثم زوج الكبار منهم، كانت حياته الأسرية تسير هادئة مطمئنة حتى بدأت المشاكل تزحف إلى حياته شيئًا فشيئًا بسبب طلبات بناته وبنينه التي لا تنتهي مما زاد الضغوط عليه، فكلما خرج من مشكلة وقع في أخرى، ولم يكن أولاده يفكرون في صحته؛ بل كان همُّ كل واحد منهم أن تحل مشاكله المادية ويبلغ مراده، كان التفكير يرهقه طوال يومه، والتوتر لا يكاد يفارقه حتى يعود إليه، زوجه كانت الوحيدة التي تخاف عليه وتفكر في صحته، فقد كانت المشاكل التي تحل به أكبر من أن يمتصها وحده...حتى دفعته حالته إلى الهروب من مشاكله وقلقه وكآبته إلى تعاطي حبوب مهدئة([5])... وهو على أبواب الستين حتى تعود عليها وأصبح مدمنًا لها، كانت زوجته تسأله بإلحاح عن حقيقة هذه الحبوب فيقول لها عندما يضيق بأسئلتها لا تخافي يا أم أحمد إن هذه الحبوب فيتامينات تساعدني على الراحة وتمدني بالنشاط والقوة.وذات ليلة دعي في حفل خاص عند أحد الأصدقاء من زملاء المهنة، وفي الحفل قال له صديقه: أراك منذ فترة على غير طبيعتك...قال: إنها المشاكل التي لا ترحم يا صاحبي، ومن أين لك المشاكل؟ إنها مشاكل الأولاد وأولاد الأولاد التي لا تنتهي، لقد أصبحوا عبئًا ثقيلاً على كاهلي دون أن يدركوا معنى المسؤولية؟ لا عليك سأعطيك شيئًا سوف يريحك عندما تحاصرك هذه المشاكل... غاب ثوان ثم عاد وهو يحمل قطعة من الحشيش وناوله إياها وهو يقول لفها على السيجارة ودخنها، وجد حمد في هذه السيجارة الملفوفة باللذة المؤقتة راحة من عناء التعب، وسعادة زائفة يعيش في كنفها هربًا من جحيم العذاب الذي يتلبسه، سبع سنوات مضت في عمره وهو في كل يوم يزداد تمسكًا وحبًا لتلك السيجارة التي صار أسيرًا لها، كانت أمواله تتلاشى في سرعة مخيفة وصحته تزداد سوءًا، دون أن يدرك ذلك بوعي وكان أحيانًا يدخنها بعد أن يستنشقها عن طريق الشيشة، وكان أولاده يراقبون تدهور صحته وتغير طباعه دون أن يُبدوا أدنى اهتمام به وكأنهم كانوا يترقبون موته ليستولوا على البقية الباقية من ثروته. حينما وجدوه منعزلاً، وبعيدًا عنهم بعض الشيء قرروا بينهم وبين أنفسهم وقد ماتت العاطفة في قلوبهم، وتلاشت الإنسانية من أنفسهم وتجمدت عقولهم عن التفكير، وتعفن ضميرهم، وضعف إيمانهم، قرروا أن يتقاسموا أمواله، ويفضوا تجارته؛ لأنه لم يعد قادرًا على تنمية هذه التجارة، كانت صدمة والدهم أقوى من أن يحتملها إنسان حي، حين علم بذلك أولاده الذي شقي من أجلهم يرثونه حيًا، ويحكمون عليه بالموت البطيء. تخلى عن كل شيء، ترك تدخين الحشيش وشمه، كانت صدمته في أولاده بمثابة القوة الدافعة التي جعلته يتحدى الجميع، ويثبت لهم أنه لم يصل إلى السن التي يتحكمون فيه ويصبح عالة عليهم تدفعهم إلى التخلي عنه لعجزه بعد. اشترى سيارة بالتقسيط بعد أن أخذ ثمنها من صديق له، وبدأ يعمل على نقل بضائع عليها، فلم تمض فترة حتى تيسرت أموره من جديد وعاد إلى بيته بعد شهور من العمل الجاد، وفي تلك الفترة أصيبت زوجته بشلل فلم تجد أولادها بجانبها وكأنها لم تنجب وتربي وتشقى. كانت أنانيتهم ومصلحتهم أكبر من عاطفتهم وحبهم لوالديهم، نقلت من قبل الجيران إلى المستشفى، كانت صدمة والدهم فيهم هذه المرة لا تقل عن صدمته الأولى. فترة قصيرة مرت على دخولها المستشفى لم تلبث أن فارقت بعدها الحياة متأثرة من عقوق أبنائها، اسودت الدنيا في وجه حمد ووجد نفسه وكأنه عاش عمره دون زوجة أو ولد، الوحدة مرة والذكريات الحزينة نار ليس لها رماد، أصدقاء السوء عرضوا عليه الهيروين لينسى، كانت حالته سيئة فلم يعد يميز معها ما يعمل. شاب صغيرٌ كان يعمل سائق سيارة عرض عليه الهيروين ظانًا أنه مفيد لحالته حتى اعتاد عليه، حاول تركه في ما بعد، ولكنه لم يستطع، وقع في حفرة لا قرار لها بعد أن ضعفت ذاكرته وساءت حالته الصحية، حتى اضطر إلى عزل نفسه، أحس بالموت يزحف إليه متخفيًا نقله الجيران إلى المستشفى، وعندما فكر أولاده في زيارته بعد أن تذكروا أخيرًا أن لهم أبًا، كان يمر بحالة شديدة من المرض والإحباط والقهر وظلم الأبناء... وقد نسوا أن لهم أولادًا، وأن الله يمهل ولا يهمل وما قدموه حاضرًا لوالديهم سيجدونه عند أبنائهم مستقبلاً، ولكن بعد فوات الأوان([6]). الابن العاق!! لم يبق على طلوع الفجر إلا القليل... كنتُ نائمًا في الفراش... وإذ بالباب يطرق!!ترى من يكون هذا الطارق؟!! تساءلت مع نفسي... لعله سائل اضطرته الأعاصير والبرد القارس في هذه الليالي الشتوية... إلى طرق بابنا في هذا الهزيع المتأخر من الليل. وقبل أن أدير المفتاح لأفتح الباب... تسمرت يداي ولم أعد أستطيع لها حراكًا... ما هذا؟!! إنني أسمع لهاث إنسان يكاد يهلك من وراء الباب... فتحت الباب بسرعة... وإذا أنا بإنسان متهدم قد هده الألم... وقعد به الإعياء والإرهاق... فأقعى على وركه وهو يلهث ويتنفس بصعوبة... تأملت فيه إذا هو «العم خضر»... ذلك الشيخ المسن الوقور. قلت على الفور: ما الذي جاء بك يا عم خضر في هذه الليلة المطيرة العاصفة؟! غير أن «عم خضر» لم يستطع الجواب... وإنما أشار إلى المدفأة بحاجبيه الكثين الأبيضين. فأدخلته المنزل وأجلسته بقرب المدفأة حتى استعاد توازنه وهدوءه. ثم قال لي: اسمع يا بني!!...وَعِ كلمات عمك الشيخ «خضر» كلمة كلمة... فلعلي ألاقي ربي بعد أيام... وانطلق صوت ابنتي «غرناطة» من الغرفة الثانية ممتزجًا بالبكاء... فتمتم عم خضر قائلاً: هذا بكاء غرناطة... أليس كذلك؟! ليرحمها الله وليرحم معها بنات حواء... فمن أجل غرناطة هذه... تجشمت وعثاء السفر المضني في هذه الليلة التي تراها... سكت «عم خضر» لحظة يحتسي قليلاً من الشاي ثم تابع حديثه قائلاً: أنت تعرف يا بني أنني لم أصغ إلى كلام والدك – مد الله في عمره على طاعته – عندما جاءني مغضبًا إلى قريتي... بعدما أخبرته ابنتي «عائشة» بما عزمت على فعله... من نقله جميع أملاكي إلى ابني «سليمان» وكتابتها باسمه وحده، دون سائر بناتي الأربع اللائي زوجتهن في القرى البعيدة. وإنما فعلتُ ذلك، كي لا يغنمن بعض المال الذي أجتنيه لابني المدلل «سليمان»... أجل يا ولدي لم أستمع إلى نصائح والدك آنئذ. لأنني كنت في ذروة حمقي، فتصاممت عن صوت الحق، وتجافيت عن دعوة العدالة، ونقلت جميع ما أملك من أموال وعقارات إلى حوزة ابني الغالي «سليمان» وأنا على قيد الحياة، مخافة أن تقاسمه أخواته الأربع في الميراث إذا ما مِتُّ. وتنهد الشيخ خضر تنهيدة ظننت أن قلبه يخرج معها قطعة قطعة!! ومسح دموعه التي تقاطرت من عينيه، ثم تابع حديثه قائلاً: لم يمض عام يا ولدي على عملي ذاك، الذي قادني إليه هواي وحبي وإيثاري لابني دون بناتي، والذي صرت بموجبه لا أملك من حطام الدنيا شيئًا، حتى رأيت ابني «سليمان» وزوجته يقلبان لي ظهر المجن، وتتغير معاملتهما الحسنة معي، وأخذا يتضايقان من كل قول أقوله... أو عمل أعمله... وبدأ الجفاف والغلظة يظهران في تصرفاتهما معي... وعندما اعترضت على هذه المعاملة السيئة... كان نصيبي تلك الكلمات القاسية من ابني سليمان. لقد قال لي ابني المدلل «سليمان» الذي ضحيت من أجله بكل شيء: اسمع يا عجوز... إن صبرت عليك أنا فإن بنت الناس لن تصبر!! لقد نفد صبرنا من تصرفاتك الشاذة!! وإذا بقيت على هذه الحال فستفارقني زوجتي تاركة لي أولادي الثلاثة، فأرجوك أن تكون عاقلاً متزنًا في أقوالك وأفعالك، ولا تنكد علينا عيشنا. وأجهش «عم خضر» بالبكاء!! فهدأته فتابع حديثه قائلاً: أجل يا ولدي!!... هكذا خاطبني ابني الغالي «سليمان». سليمان الذي ضحيت بمالي وحصيلة تعبي وكدي سنين طويلة من أجله. وأخذت أفكر طويلاً في عمل حاسم... أستطيع به رد كرامتي واعتباري، الذي أهدره ولوثه ولدي المدلل. فكرت في الحصول على بعض المال لإصلاح بعض شأني، فذهبت إلى بعض مستأجري معاصر الزيتون من ابني أطلب منه بعض المال على الحساب، فاستمهلني دقائق، جاءني بعدها بصحبة ابني «سليمان» وهو يرعد ويزبد ويتوعد بالويل والثبور. فرددت على «سليمان» بقسوة، فما كان منه إلا أن رفع يده عليَّ وصفعني صفعة ما أزال أحس وقعها المخزي الأليم حتى الآن!! ثم أخذ بتلابيبي وجرني كما يجر حماره إلى خارج قريتي!! وهددني بالقتل إن لم أغادرها من فوري!! غير أني لم أستجب لتهديده... متحديًا له... وراجيًا أن يقتلني فيبوء بإثمي... فيذهب بخزي الدنيا والآخرة!! وسكت عم خضر قليلاً يلتقط أنفاسه... ثم تابع حديثه بصوت حزين: غير أن «سلميان»!! «أرسل إلى أخته "عائشة" المتزوجة في إحدى القرى القريبة، يطلب منها أن تحضر لتأخذني معها قبل أن يقتلني!! وبالفعل جاءتني ابنتي "عائشة" ومعها زوجها "سعيد"... وأخذا يرجواني أن أذهب معهما إلى منزلهما لأكون لهما الأب والسيد وكل شيء في وجودهما. لقد ألحا عليَّ في ذلك، حتى أن "سعيد" زوج ابنتي، أكب على قدمي يقبلها كي أوافق على الذهاب معهم إلى بيتهم. ونزلت على رأيهما مكرهًا لا مختارًا، وغادرت قريتي التي طالما قضيت فيها عمري، وتركتها لابني العاق ولزوجته اللذين لا يطيقان تصرفاتي الشاذة كما يزعمان!! بقيت أسابيع في بيت ابنتي "عائشة"... لقيت خلالها أكرم ضيافة وخير معاملة، لقد عاملني صهري "سعيد" معاملة كنت أرجو لو أن ابني "سليمان" الذي أعطيته تعب خمسين سنة، وظلمت في سبيله نفسي وبناتي، كم رجوت أن يعاملني ابني بمثلها!! كنت أنا في بيت صهري كالمتقلب على الجمر، فعزمت على الرحيل عنهما وفي هذه الليلة الشاتية تركتهما نائمين في جنح الظلام، وتوجهت إلى قريتي التي أخرجت منها مظلومًا مقهورًا. غير أني ما كدت أصل إلى قريتي وأتوجه إلى بيتي، إلى داري التي بنيتها بجهدي ومالي وتعبي. حتى شعرت بي زوجة ابني فأخذت تصيح بصوت مرتفع... حرامي... حرامي... فقام «سليمان» ابني إلى عصا كانت بجواره... وأخذ يضربني ضربًا موجعًا بها، وأنا أصرخ: أبا أبوك يا سليمان!! ولكن «سليمان» تجاهل كل ذلك، واستمر في الضرب حتى سقطت مغشيًا عليَّ وقد فقدت الوعي والشعور. وعندها أيقظ «سليمان» أحد عماله، وأمره أن يصطحبني معه إلى بيت ابنتي «عائشة» في القرية المجاورة. وأكد عليه ألا يتركني حتى يوصلني إلى بيت صهري سعيد!! وألا يتركني إلا بعد أن يستوثق من سعيد أنه لن يتركني أعود إلى قريتي الحبيبة مرة أخرى. وسرت مع العامل. الذي كان يومًا ما عاملي وأجيري، فرجوته أن يوصلني إلى بيتكم هذا. لأقص عليكم قصتي التي خرجت منها بلعنة الله والناس!! ولأقول لك يا ولدي العزيز: إياك يا بني أن تؤثر وتفضل ولدك «أسامة» على ابنتك «غرناطة». فأنت بذلك تضر نفسك وأبناءك من بعدك، وستبوء بلعنة الله والناس. وما كاد «العم خضر» يصل إلى هذا المقدار من الكلام، حتى كان الإعياء قد نال منه، فاستأذنني أن ينام عندي هذه الليلة. وأسلم جفونه للنوم... وأنينه المكبوت الذبيح يتناهى إلى مسامعي مصحوبًا بهذه الكلمات: سعيد... سعيد... أنت ابني يا سعيد([7]) ([1]) قصص واقعية مؤثرة: محمد بن صالح القحطاني ص(23-27). ([2]) سواليف المجالس ص14، نقلاً: عن عاقبة عقوق الوالدين للحازمي ص(101-103). ([3]) قصص مؤثرة للشباب ص(95-96). ([4]) كما تدين تدان ص(273-275). ([5]) كان عليه أن يلجأ إلى الله تعالى وإلى طاعته لا إلى الحبوب والمخدرات! ([6]) مأساة نور وآخرين (89-94) ([7]) قصص واقعية مؤثرة، ص(36-40). |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 6 | |||
|
![]() هذا جزاؤك يا فاجر! يعاملها بقسوة... يصرخ في وجهها... بل يسبها ويشتمها... أعطاه الله قوة الجسم لكنه صرفها في الظلم والاستبداد بالرأي وإن كان على خطأ... كانت أمه العجوز كثيرًا ما تتوسل إليه أن يخفف من حدته وجفوته وطغيانه... الكل من حوله نفر منه... حتى زوجه تركته بلا عودة بسبب قسوته وشدته.كان يجعل أمه العجوز تخدمه وتقوم على شؤونه وهي من تحتاج إلى الرعاية والخدمة... ما أكثر ما سال دمعها على خديها تدعو الله أن يصلح لها فلذة كبدها ويهدي قلبه... كيف لا وهو وحيدها...كانت تبرر عقوقه لها بسبب تحمله المسؤولية منذ الصغر ويسبب وفاة أبيه... ولعل الله يهديه، لكن الطغيان معه تجاوز حده وبلغ ذروته...دخل عليها ذات يوم والشر يتطاير من عينيه... صرخ في وجهها... ألم تعدي بعد الغداء؟! قامت العجوز بيدين ترتعشان وجسد واهن أثقلته السنون والأمراض والهموم... لتعد الغداء لقرة عينها... رأى الطعام لم يعجبه... ألقاه على الأرض... أخذ يتبرم ويتسخط... أعلم أنك لا تصلحين لشيء... لقد بليت بعجوز شمطاء... لا أدري متى أتخلص منها... تبكي الأم... يا ولدي... اتق الله... ألا تخاف النار؟ ألا تخاف سخط الله وغضبه؟ ألا تعلم أن الله حرم العقوق؟ ألا تخشى أن أدعو الله عليك؟ استشاط غيظًا من كلماتها... زاد جنونه... أمسكها بتلابيب ثيابها... رفعها إليه... أخذ يهزها بقوة... اسمعي أنا لا أريد نصائح لست أنا من يقال له اتق الله... يلقي بها بعيدًا؛ تسقط الأم على وجهها... يختلط بكاؤها بضحكاته الاستهتارية... وهو يقول: ستدعو عليَّ! تظن أن الله سيستجيب لها... يخرج من عندها وهو يستهزئ بها ويسخر من كلامها... لقد تحجر قلبه. الأم تذرف الدموع الحارة... تبكي ليالي وأيامًا كابدت فيها المشقة والعناء... بكت شبابها الذي أفنته في تربية ابن عاق مكابر. أما هو فقد ركب سيارته... كان مبتهجًا سعيدًا وهو يسمع تلك الأغنية ويرفع صوت المسجل عاليًا... لقد نسي ما فعله بأمه المسكينة التي خلفها حزينة... وحيدة يعتصر الألم قلبها ويحترق فؤادها كمدًا وحزنًا على تصرفاته الطائشة... تتمنى لو لم تكن أنجبته لم تدع عليه بل اكتفت بقولها: حسبي الله ونعم الوكيل. كان لديه رحلة إلى منطقة مجاورة... وأثناء سيره في الطريق بسرعة جنونية... إذ بجمل يظهر له في وسط الطريق... يضطرب سيره... يفقد توازنه... يحاول تدارك الموقف... ولكن لا مفر من القدر... دخلت قطعة حديد من السيارة في أحشائه... لم يمت بل أمهله الله وأصبح يتنقل من عملية إلى أخرى... أصبح بعدها طريح الفراش لم يستطع الحراك... ولا حتى الكلام... بقي هكذا ليكون عظة وعبرة لكل من يعتبر([1]). لا تموتي يا أماه! مسكينة هي الأم... إنها الحنان... إنها البحر المتدفق عطاء وخيرًا.ولكن يبدو على وجهها وثغرها الباسم... تجاعيد الزمن... وآهات القهر...كم حملت على ظهرها هموم السنين. هل جزاؤها إلا الإحسان والبر والأمان... أم أننا نعيش في زمان تغيرت فيه القيم والمبادئ... بل... وتغير فيه الإنسان؟... والسبب الابتعاد عن منهج الرب الحكيم... يقول أحد الإخوة عن توبته... ورجوعه إلى الحق... لقد كنت عاقًا لوالدي لفترات طويلة من حياتي حتى بعد زواجي استمررت على تلك الحال من رفع صوت وكلام عنيف. أرى أمي تسحب رجليها وتتعثر بخطاها دموع عينيها تتساقط على ثوب العقوق تخرج من قلبها زفرات ومن صدرها آهات لسانها يتحرك إنه شاب طائش لعله عندما يرزقه الله بأولاد يدرك ما قدمناه له... ولكن... آه... يقول هذا التائب... لقد ابتليت بزوجة مغرورة متعجرفة... لا تقدر أبي ولا أمي... تغاضيت عنها كثيرًا وأنا أراها تحتقر أمي وأبي... بل وتحبسهما في إحدى غرف المنزل بعيدًا عن أعين صديقاتها... ومع ذلك لم يبديا أي اعتراض. ويعترف التائب بقوله... نعم لقد كنت أخاف غضب زوجتي! مما شجعها على التمادي في إذلال أبي وأمي. وفي ليلة من الليالي خرجت أنا وزوجتي وطفلي الوحيد للنزهة والراحة وتغيير الجو. وعندما عدت إلى المنزل لم أجد أمي... سألت أبي أين هي؟... فقال: إنها في المستشفى... لقد حملها ابن الجيران... إلى أقرب مستشفى. وقرر الطبيب أن حالتها خطيرة جدًا... وهي في غرفة الإنعاش... وجذبتني زوجتي من ثوبي... وأغلقت باب غرفتنا في وجه أبي. وقالت: لنستريح الآن وفي الصباح نذهب, قمت مذعورًا في الصباح الباكر. صرخت أماه... حبيبتاه... لا تموتي... اغفري لي... سامحيني... أمهليني يا حنونة... لا تموتي... وانظري ماذا سأفعل؟ سأقبل رأسك الجميل... ما أفظع ذنبي!!... لن تلاقي اليوم ضربًا أو عذابًا. لن تلاقي اليوم شتمًا أو سبابًا. لن أقول اليوم... أف! لا تموتي... لا تموتي... ولكن... كانت الصدمة قوية... لقد فارقت أمي الحياة... استدرت إلى زوجتي طلقتها... والآن، أكرس ما بقي من عمري لخدمة أبي وولدي الصغير. والله أسأل من كل قلبي أن يرحم أمي، ويغفر لي زلتي([2]) قتلت أمها وأباها قد يعبد الناس شجرًا وحجرًا، وقد يعبدون فأرًا أو عجلاً وأخطر ما يعبده البشر أهواءهم قال تعالى: }أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ{ [الفرقان: 43].بسبب الهوى كذبت الرسل، وانتهكت الحرمات، وضيعت الفرائض، وسفكت الدماء، وسلبت الأموال. يذكر ابن كثير في (البداية والنهاية 13/6) أنه جرت في سنة (589هـ) كائنة غريبة، وهي أن ابنة تاجر من تجار الطحين عشقت غلام أبيها، فلما علم أبوها بأمرها طرد الغلام من داره، فواعدت البنت ذلك الغلام ليلة، فجاء إليها، متخفيًا، فتركته في بعض الدار. إلى هنا القصة ليس فيها غرابة، والأمر الغريب هو ما حدث بعد ذلك فبعد أن هدأت الدار، ونام أهلها، أمرت البنت ذلك الغلام أن ينزل إلى أبيها فيقتله، ثم أمرته بأن يثني بأمها الحبلى، ثم أعطت تلك المجرمة ذلك المجرم الذي فتنت به حليًا بقيمة ألفي دينار، وقد نالت يد العدالة ذلك المجرم، فقتل، وكذلك جزاء من قتل. ويذكر ابن كثير أن ذلك الرجل والد البنت كان رجلاً صالحًا من خيار الناس، كثير الصدقة والبر، وكان شابًا وضيء الوجه. وقد جرت حادثة قريبة من هذه الواقعة في هذا القرن في أكتوبر 1933م في فرنسا، وقد هزت الجريمة فرنسا بأسرها في ذلك الوقت. وتتلخص تلك الحادثة في أن رجلاً له بنت وحيدة في مقتبل العمر، مستهترة في إرضاء شبابها، تأوي إلى حي الطلبة، كثيرة الأخلاء، وجدت أحد خلانها يشتهي أن يقتني سيارة، فصممت على قتل أبيها وأمها وأن تستولي على ما عندهما من نقود؛ ليقتني خليلها سيارة ولتتمتع هي وهو بما بقي من السرف والبذخ، فعمدت إلى والديها فدست لهما السم، فأما والدها فقضى نحبه، وابتزت منه بضعة عشر ألف فرنك، وأما والدتها فصابرت الموت وتشبثت بأذيال الحياة، فأثخنتها بالجراح حتى وثقت من أن ذلك كان لإزهاق روحها، وابتزت منها ألفًا وخمسمائة فرنك، وأسرعت إلى حي الطلبة حيث ينتظرها خليلها. وظلت في رقص ومعاقرة وما يتبع ذلك ثلاثة أيام. أما أبوها فقد علم به البوليس وأمرت الحكومة بدفنه، وأما أمها فقد عثر عليها فاقدة الصواب فعولجت من السم وضمدت جراحها ونجحت من الموت. إن الإنسان عندما يبتعد عن رقابة ربه وخالقه، يصبح عبدًا لهواه وشهواته فيصير حيوانًا؛ بل الحيوان أرقى وأسمى قال تعالى: }أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ{ [الأعراف: 179]([3]). ([1]) من الحياة، نوال بنت عبد الله ص (54-56). ([2]) التائبون إلى الله (2/90، 91). ([3]) أبناؤنا بين البر والعقوق: هيا الرشيد ص(31-36). |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 7 | |||
|
![]() نهانا الله عن قول أف لهما فما بالك بأكبر من ذلك |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 8 | |||
|
![]() وفيـــك بركـــة أخـــي |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 9 | |||
|
![]() السلام عليكم ان الله عز وجل اوصى بالوالدين خيرا ومن لم يكن القران الكريم دستوره ومرجعه في حياته فقد خسرا خسرانا مبينا ................. اللهم نعوذ بك من العقوق والعاقين ............ بارك الله فيك |
|||
![]() |
![]() |
الكلمات الدلالية (Tags) |
أباءهم, أثناء, يعذبون |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc