![]() |
|
أرشيف منتديات الاسرة و المجتمع هنا توضع المواضيع القديمة والمفيدة |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد...المقدمة يحسب كثيرٌ من الآباء أن حقوق أبنائه عليه لا تتجاوز توفير الطعام، والشراب، والكسوة، وتسجيلهم في المدارس، والذهاب بهم إلى الطبيب عندما يشتكون! وما إلى ذلك من الحقوق المعروفة. ويغفل هؤلاء عن أمور هي أعظم من تسمين البدن بالطعام والشراب... إنها تربية الوجدان والضمائر، وتزكية الأنفس والأرواح، وإصلاح القلوب والخواطر. كيف ننشئ جيلاً صالحًا يتحمل مسؤولية نفسه، ومجتمعه، وأمته... كيف ننشئ جيلاً يطرب للفضيلة والعفة، ويشمئز من الرذيلة والفساد. كيف ننشئ جيلاً يتحرق ألمًا عندما يرى أمته في منظومة الدول المتخلفة، ويتحرق شوقًا على مجد قد أضعناه! إن تقصير الآباء في تربية أبنائهم يولد جيلاً مشوهًا مقطوع الصلة بماضيه، لا يعرف أن له تاريخًا مجيدًا صنع البطولات، وأقام الحضارة، وبرز في كافة علوم الكون والحياة. ومع هذه الصفة المقطوعة بالماضي نجده يصدم بحاضر أسود متخلف، ليس فيه ما يدعو إلى الأمل في التقدم والارتقاء ومواكبة العصر، فأي جيل هذا الذي يراد له أن ينشأ بين جهلين؟! إن فساد الأبناء نابع من فساد الآباء، أو من فساد أساليبهم في التربية. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم، قال تعالى: }وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ{ [الإسراء: 31] فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة. وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارًا؛ كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: يا أبت! أنت عققتني صغيرًا، فعققتك كبيرًا، وأضعتني صغيرًا، فأضعتك شيخًا». وقال أيضًا: «وكم من والد أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة، بإهماله، وترك تأديبه وإعانته على شهوته، ويزعم أنه يكرمه، وقد أهانه، وأنه يرحمه، وقد ظلمه وحرمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء». إن هذا الفساد الذي تحدث عنه ابن القيم ناشئ عن سوء التربية، وإهمال طرقها المفيدة، فكيف إذا تسبب الآباء في تدمير أبنائهم؟! كيف يكون الحال إذا كان الوالد فاسدًا يتعاطى المسكرات أو المخدرات في البيت أمام أبنائه! كيف إذا كان محتالاً أو خائنًا أو مرتشيًا؟ كيف إذا كان تاركًا لدينه لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا؟ كيف إذا كانت الأم فاسدة الأخلاق، لئيمة الطباع، بعيدة عن الحياء والعفاف والحشمة؟ إننا كما نطالب الأبناء ببر آبائهم، نطالب الآباء أيضًا ببر أبنائهم، وتحمل مسؤولياتهم في تربيتهم وتنشئتهم، وأن يكونوا قدوة لهم في الصلاح، ومثالاً أعلى في الصبر، والجدية، والنجاح، فبذلك تُصنع الأجيال المؤمنة القادرة على حمل راية الإصلاح، وقيادة الأمة نحو غدٍ مشرق، ومستقبل باهر. ولبيان أثر الآباء في فساد الأبناء وانحرافهم انتقينا هذه المجموعة من القصص الواقية في ظلم الآباء لأبنائهم، وإهمالهم لهم، وعاقبة ذلك على الأبناء والآباء والأمة بأسرها. والله المستعان وهو حسبنا الله ونعم الوكيل. من المسؤول؟ نحن الذين غرسنا في أضالعنا أخي المسلم... أختي المسلمة... عليكم أن تصونوا أعراضكم من الرذائل، ومنكرات الأخلاق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» [رواه البخاري]. فأي غش أعظم من إهمال المرء لأهله والبحث عما يصلح أحوالهم، إن في ذلك عبرة لمن اعتبر... فهل من معتبر؟ وهل من متأمل؟... واللبيب تكفيه الإشارة، والسعيد من وعظ بغيره([1])؟!!سيوفنا وعبثنا في روابينا رماحنا لم تنل إلا أحبتنا ونارنا لم تنل إلا أهالينا صفحة من مذكرات فتاة لم أكن لأكتب هذه الأسطر على مرحلة من مراحل حياتي لولا إدراكي لأهميتها، وضرورة عرضها لما فيها من العبرة والعظة...فأنا فتاة شابة أنعم الله علي بالهداية، ونوّر لي بصيرتي بعد العمى والضلال... فقد كنت تائهة حائرة، شربت من الموارد المختلفة حلوها ومرها، فلم أجد ألذ من طعم الهداية والتقى في رحاب كتاب الله تعالى وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم. بلغ عمري الآن الثامنة والعشرين... عشت في أسرة ثرية... كان والدي دائم الأسفار ليوفر لنا كل ما نتمنى ونريد... ولكثرة أسفار والدي تغيرت علي ملامحه. كانت والدتي تصنع كل شيء في البيت... وهي التي تدير شؤوننا في غياب والدي المتكرر... وكنا نسافر في الإجازة كثيرًا، واعتقد أنني جبت معظم أقطار العالم... كنا نسافر مع بعض المعارف، وغالبًا ما كانت تذاكر السفر على حسابنا... كانت والدتي – في ظل غياب والدي – متحررة تارة، ومحتشمة تارة أخرى... ولم يكن يجرؤ أحد من أخوالي على مفاتحها في الأمر، أو نهيها عن سفورها؛ لأنها كانت تجود عليهم بالمال، وتمنحهم ما يحتاجون إليه من النقود.. عشت في هذه الأجواء أنا وأخواتي حتى كبرنا وصرنا نرتدي الحجاب... لكننا كنا نشعر بعدم الحاجة إليه، ولم نكن على قناعة في ارتدائه... لذلك كنا إذا ركبنا الطائرة لسفر خارج وطننا نسرع في خلع الحجاب؛ لنتخلص منه... ولم نكن وحدنا الذين نفعل هذا، فقد شاهدنا فتيات كثيرات يفعلن مثلنا في الطائرة... وهذا جعلنا نشرع بأن الكل يشاركنا نفس الشعور مما ولد لدينا شعورًا بالراحة والرضي... وما أن تصل الطائرة ونهبط من سلمها حتى يجتاحني شعور ببداية برنامجي المليء بالتسلية واللعب.مسارح.... فنادق.فسباحة. سباحة.ملاهي.... وغير ذلك. كثيرًا ما كنت أتعرف على كثير من أبناء وطني، أو من خارجه، ونقضي معًا أوقاتًا في اللهو والعبث و... كان والدي قد اشترى لنا هناك شقة... وكنت أعرف أننا على خطأ جسيم... ولكنني كنت أعرف عددًا من الفتيات من بنات وطني يفعلن مثلي، فكثيرات هن اللاتي يأتين لممارسة العري والفحش... كنت أشعر بالذل لكثير من المشاهد والمواقف المؤسفة... كنت أرى الكثير من الفتيات يبحثن عن صديق يشاركهن السهر والرقص... وكنت من بين هؤلاء... وكنت أشعر أن الكثيرين ينظرون إلينا نظرة احتقار لما نحن فيه من إقبال على الشهوات... كنت أبحث عن والدتي؛ لأبث لها همومي ورغبتي الأكيدة في العودة... كنت لا أراها في البيت... وكانت تأتي متأخرة حيث تقضي الليل خارج البيت وتأتي في الصباح... وكانت تأتي متعبة لا ترغب في الحديث مع أحد... شعرت بأنني أواجه همومًا كالجبال... وضاقت علي نفسي بسبب إهمال والدتي لي، وعدم سماعها لما يخالج نفسي... عدت مرة أخرى للهو والعبث... عدت لأنتقم مما أنا فيه... ذهبت لأحد الملاهي الشعبية في ملابس شبه عارية... جعلت أرقص وأتلوى يمينًا وشمالاً لمدة طويلة... ثم أمسكت (بالميكروفون) وجعلت أغني، وطلبت من الجمهور أن يختاروا أي أغنية لأغنيها لهم... رأيت أحد الشباب يخرج من بين الجمهور ويتجه نحوي... أقبل علي بغضب، ولطمني بقوة... سحبني من خشبة المسرح، وعاتبني لما صنعت... شعرت بأن الدنيا تدور بي، وجعلت الذكريات تطوف بي وتشدني إلى الوراء... شعرت بأن أخطائي تراكمت حتى أصبحت كالجبال... كنت نكسة لأمتي، ووطني، وديني...لامني الشاب، وسترني ببعض ما لديه من ملابس، وغادرت معه حيث أوصلني إلى المنزل... كثيرًا ما لامني، وأنا في السيارة... وشعرت بكلماته تنهال علي كالصواعق المحرقة... كانت صدمة اهتزت لها نفسي، واستيقظت معها جوارحي وعاد دفء الحياة لقلبي... شعرت بالندم يجتاح كياني، ودخلت منزلي منكسرة ذليلة... جلست في غرفتي أتأمل هذا الضياع الذي وصلنا إليه... بكيت كثيرًا حرقة، وألمًا على الذنوب، والآثام... عزمت على التوبة فاغتسلت، وتوضأت، وصليت... شعرت ببرد اليقين يتسلل إلى صدري... علمت أمي بذلك ورأتني في البيت محتشمة، فذهلت وسألتني عن الخبر... جلست أناقشتها، وأبث لها همومي، وجعلت أستعرض معها ما نحن فيه... بينت لها أننا نسير في الطريق الخطأ... مَرَضت أيامًا، وفكرت كثيرًا فيما نحن فيه، فهداها الله للقرار الصائب... عدنا للوطن، ووصلنا البيت وقد عزمنا على التغيير... رأى والدي ما نحن فيه فندم على تفرطيه... فكر كثيرًا في حقنا الذي ضيعه في التربية والبناء... ندم على ذلك أشد الندم... رجع إلى بيته ليصلحه من جديد... وشاء الله تعالى أن يتقدم لخطبتي شاب صالح زادني الله على يديه هدى وتقى. كانت فاتحة زواجنا أداء عمرة في رحاب بيت الله... وشعرت هناك بأني إنسانة جديدة... وأدركت كم كنت تائهة بعيدة عن الحق... بكيت كثيرًا قرب الكعبة، ودعوت الله أن يغفر لنا سالف عملنا، وأن لا يضلنا بعد إذ هدانا إليه. كانت تجربة مريرة مررنا بها... ولكن رحمة الله تداركتنا جميعًا حيث أصبحت عائلتنا بأكملها تغدُّ الخطى نحو الهدى، وتنهل من كتاب الله تعالى، وتسير على هدي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم... فحمدًا لله على هذا... وحذار يا فتيات وطني أن تقعن فيما وقعت فيه ([2])!! الكنز المخبوء قالت مديرة المدرسة: تأخرت إحدى التلميذات ذات يوم في المدرسة حيث لم يحضر – السائق والخادمة – لاستلامها، فكلفت المشرفة بالبقاء معها حتى قدومهما لاستلامها، ثم انتظرت المشرفة حتى صلاة العصر... ولم يحضر أحد... فاتصلت بي في البيت مخبرة إياي بالأمر، فأشرت عليها بأن تأخذ التلميذة معها إلى بيتها، وتترك للحارس رقم هاتفها... فلعله حصل لأهلها أمر طارئ اضطروا بسببه لهذا التأخير... وغادرت المعلمة المدرسة مصطحبة معها تلك المسكينة إلى بيتها، فأطعمتها وآوتها، وجلست تنتظر أن يتصل بها أحد... ولكن دون جدوى... فسلمت أمرها لله... وتركت الطفلة تبيت مع أطفالها... ثم أخذتها معها في اليوم التالي إلى المدرسة... وجاءت بها مباشرة إلى المديرة، وأخبرتها بخبرها.قالت المديرة: رفعت سماعة الهاتف واتصلت فورًا بأم التلميذة لأرى ما الأمر. فردت علي إحدى الخادمات، وأخبرتني أنها نائمة...!! قلت: الحمد لله لم يحصل لها مكروه... ثم كررت الاتصال الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، ثم ردت علي الخادمة وأخبرتني أنها لن تصحو من نومها قبل الواحدة بعد الظهر، فسلمت أمري لله... واتصلت بها بعد الواحدة بقليل... ولم أخبرها بشيء... إنما طلبت منها الحضور إلى المدرسة فورًا لأمر مهم يخص ابنتها. فأجابت الأم قائلة: لدي موعد مع الخياطة بعد قليل... إنه مهم جدًا لا بد أن أقضيه، لأنني الليلة مدعوة إلى حفلة عرس... وقد أتأخر عند الخياطة... لهذا فأنا أعتذر اليوم عن الحضور إلى المدرسة، وسآتيكم غدًا. قالت لها المديرة: سأنتظر في المدرسة اليوم مهما كلف الأمر حتى لو بقيت للعشاء. فذهبت الأم للخياطة أولاً... ثم عرجت بفضلة وقتها إلى المدرسة لترى ماذا حلَّ بابنتها!! وجدت المديرة بانتظارها فبادرتها قائلة: أين كانت ابنتك البارحة؟ قالت الأم: كانت في البيت... أين ستكون؟!! المديرة: هل تناولت معها طعام الغداء، ثم أشرفت على دروسها ومذاكرتها... وهل لاحظت ساعة نومها؟ قالت الأم: لا. قالت المديرة: ولمَ لا؟ قالت الأم: لأن الأولاد لهم جناح خاص بهم، تشرف عليهم إحدى الخادمات... , تحضر لهم الطعام... ,الشراب... وهي التي تقوم بالإشراف على دروسهم... ألا يكفي أننا تعبنا في حملهم وإنجابهم...!! قالت لها المديرة: أتعرفين أيتها السيدة المحترمة... أن ابنتك لم تبت البارحة في جنتها الحالمة!! وبرجها العاجي...!! إنما باتت في بيت إحدى المعلمات جزاها الله خيرًا. قالت الأم وقد فوجئت واندهشت مما تسمع: ماذا؟! أنا لا أسمح بمثل هذا الكلام... وهذا التطاول... نحن من عائلة معروفة – كما تعلمين – وقد يؤثر هذا الكلام على سمعتنا...!! قالت المديرة: أيتها السيدة... إنه ليس كلامًا كما تتصورين إنه أمر واقع مرّ... أنت أداتُه الفاعلة... ونحن نتجرع غصته، أنت أم والأمومة لفظة تلقي بظلالها على أركان النفس الإنسانية السوية، فتدفعها دفعًا لا شعوريًا إلى التضحية والعطاء.. وإسباغ الحنان، والشعور بالرحمة، أين أنت من كل هذا؟! ألست أمها؟ ما هو شعورك نحو ابنتك؟ أين أنت منها؟! إنها كنزك المخبوء عند كبرك... وبعد موتك... إنك إن لم ترحميها في صغرها... حرمت من رحمتها عند كبرك ... وبعد موتك ... أنت لو كانت معك كنوز قارون فإنها ستفنى ، ولكن الرحمة...والحنان... والتضحية... والصبر.... كلها نودعها في خزائن الله الذي لا تضيع عنده صغيرة... ولا كبيرة إلا أحصاها لنا، ثم يبارك لنا فيها... في أي عالم أيتها الأم تعيشين؟! طأطأت الأم رأسها، ثم التفت إلى البريئة ابنتها، وقالت لها: أين كنت البارحة..؟ فأجابت الطفلة بكل براءة... وكأنها تعبر عن مشكلتها بكل صدق. قالت الطفلة: ماما... لقد تناولت طعام العشاء البارحة مع المعلمة وأولادها... ثم نمت معهم... ورأيت المعلمة في الليل تمر علينا واحدًا واحدًا وتغطينا... إنها يا ماما تخاف على أولادها من البرد، ثم تناولنا وجبة الفطور أيضًا كلنا مع بعضنا... الفطور جميل يا ماما ولذيذ، وقد عملت لي المعلمة شطيرة من الجبن أكلتها في الفسحة المدرسية... كم سعدت يا أمي في بيت المعلمة... افطري معي يا أمي كل يوم... وتعشي معي... أرجوك يا أمي. نهضت الأم من مكانها وهي ممتعضة وغادرت تجر ابنتها وهي تتمتم قائلة: ويل لكما اليوم مني أيها السائق، وأنت أيتها الخادمة... هذا كل ما قدرت عليه هذه الأم ([3])...!! قلت: القصة لا تحتاج إلى تعليق، وهي مهداة إلى كل الأسر من الأمهات والآباء الذين يزيفون الأمومة والأبوة بالخدم والسائقين، ويظنون أن الأمومة والأبوة معاشرة وحمل وإنجاب فقط، ولا يعرفون أنها مسؤولية وأمانة وتربية. . . . يتبع ([1]) حكايتي مع شغالتي، بثنية العراقي. نقلاً عن: قصص واقعية مؤثرة ص(133). ([2]) مذكرات فتاة، محمد بن عبد العزيز الحميدي ص(39-43). ([3]) المرجع: الإصلاح، العدد (219). نقلاً عن كشكول الأسرة ص(58-61).
|
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]()
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]()
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]() قصة أخرى وخادمة استغلت الشباب المراهقين داخل الأسرة. فلما علم الأب بهذا الوضع المخزي أراد تسفيرها. فوقف أبناؤه معارضين قائلين: أنت تقضي شهوتك من زوجتك، فدعنا نحن أيضًا نقضي شهوتنا!!قصة أخرى دعت الابنة على أبيها كان ممن تأثرت أخلاقهم وأفكارهم بالنظرة المادية... فأصبح المال محبوبه الأول... وأعمت المادة بصيرته، فلم يعد يبصر إلا من خلال ثقوبها الضيقة... وأصبح المال ميزانه الذي يزن به الأمور... وكانت له ابنة بلغت مبلغ الزواج... وأخذ الخطاب على اختلاف مراتبهم يدقون أبوابه راغبين في الزواج من ابنته.فقال: آمين... آمين!! ولكنه كان يردهم بحجج واهية، ظاهرها المصلحة وباطنها المادة... مع أن من هؤلاء الخطاب أصحابُ دين وخلق... ممن أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بهم... ولكن كان لسان حاله يقول: أين الذي يدفع أكثر... والمنافع والمصالح من ورائه أكبر؟ ومرت الأيام... وظل على أحلامه المادية... ومرت الأعوام... وترك قطار الزمن ابنته في محطة العنوسة... وغادر الخطاب بابه... واتجهوا لغيره ممن لديهم بقية دين وخلق... ممن يرفضون بيع بناتهم كالنعاج في الحراج. وذبُل شباب ابنته.... وانطفأت نضارتها... وجف عودها ومع الأيام دب السقم في جوانحها... وأصيبت بداء عضال أضنى الأطباء شفاؤه.... ونقلت إلى المستشفى... وحانت لحظاتها الأخيرة... وأُخبر والدها بالأمر... فأفاق من عالمه المادي، وأتى مسرعًا ليرى ابنته في ثوب المرض بعد أن حرمها منذ زمن من ثوب الزفاف،نظر إليها مشفقًا عليها... نظرت إليه بعينين قد اغرورقت بالدمع، وأخذت تتمتم وتحرك شفتيها... دنا منها ليسمع ما تريد البوح به في لحظتها الأخيرة... فوجدها تطلب منه أن يقول آمين... فقال: آمين... ثم تمتمت مرة أخرى، وطلبت منه أن يقول آمين... فقال: آمين... ثم فعلت ذلك مرة ثالثة، وطلبت منه أن يقول آمين... فقالها. وبعد فترة من الصمت المشحون بالأسى... سألها برفق عن الدعاء الذي طلبت منه أن يؤمن عليه... فانحدرت دموعها الأخيرة... وأجابت بعد صمت بصوت واهن مليء بالأسى... لقد دعوت الله أن يحرمك الجنة كما حرمتني من الزواج. وطوى القبر في باطنه مأساة دامية... وبقي المجرم الذي أعمى الجشع بصيرته... بقي يندب نفسه وابنته... ويعض أصابع الندم... ولات ساعة مندم... هذه مأساة سمعنا بها وعرفناها، فيا ترى كم من المآسي من هذا النوع تمت في صمت، ولم نسمع بها... ما دام الناس في إعراض عن الحياة وفقه الشريعة وآدابها... فلا شك أن هناك الكثير من هذا النوع... وما خفي كان أعظم ([2]). عودة ... ولكن ولكن هذه الحكاية تتسم بالغرابة في طريقتها ومضمونها، فهل فكرنا أنه سوف يجيء من أولادنا من يكفر بملتنا، ويخرج من ديننا؟ هل دار بخلدك أيها الأب أنك قد تمسي أو تصبح فتجد أحد أبنائك أصبح كافرًا مرتدًا عن الدين؟ إنه أمر شديد الخطورة شديد الألم. رأيتها وهي تدخل مصلى المدرسة دخول الخائفين، ظهر عليها التوتر، وكأني بها لأول مرة تستمع للقرآن الكريم، تكلمت المحاضرة في المصلى فأجهشت بالبكاء، واستغربت المعلمة هذا الوضع، فأرادت أن تعرف أصل الحكاية؛ فكان السؤال: ما لي أراك قلقة ومتوترة، وتبدو عليك علامات الحزن الشديد؟ فأجابت: أتعرفين بأنني الآن يا معلمتي والآن فقط أسلمت ودخلت الدين الإسلامي! سادت الدهشة المكان، وبان عدم التصديق على مُحَيَّا المعلمة، فخرجت ابتسامة باهتة باردة كبرودة الجو الذي تقفان فيه، ثم قالت المعلمة: قولي الآن اهتديت وقررت ترك المعصية والعودة إلى الله، ولا تقولي أسلمت، فكلنا مسلمون يا صغيرتي، وأنت ابنة عائلة معروفة، ولا ينبغي لك أن تتفوهي بهذا الكلام. فقالت: أعرف أنك قد لا تصدقينني لعظم ما أقوله، ولكنها الحقيقة. قالت: كيف؟ فردت: حينما تُرك أمر تربيتنا للخدم والمربيات والسائقين، وعندما كانت فطرتنا سليمة لم تزرع فينا الأم بذور الإيمان، وعندما كان للثراء دور وللإهمال أثر في حياتنا؛ انحرفت عقيدتنا، فالأم مشغولة بكل شيء إلا بنا. اعتقدت أن الخادمة والمربية والسائق والمدرسة يغنون عن وجودها؛ فتربيت دون أن أسمع كلمة حق، ولم أوجَّه أي توجيه! وكما تعرفين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه...»([3]) الحديث. وقد تحقق هذا الحديث، فأنا ولدت على الفطرة، ولكن أخذت المربية تعلمني دينها، وتبعدني عن الدين الإسلامي، وأخذت المدرسة الأجنبية تغرس في نفسي الولاء والحب للغرب، وتثير فيّ الأحقاد على الإسلام، وأنه دين التخلف، وتشوه الدين في نظري باستمرار. سألتها المعلمة: ولماذا لم تستفسري، أو تشُكَّي في صحة ما تقول؟ فأجابت: لقد كنت صغيرة، وليس لدى أمي استعداد للإجابة عن أسئلتي! وكنت أتساءل فلم أجد من يجيبني فصدقتها ووثقت بها. وتواصل المسكينة: لقد كبرت وأنا أعيش في غفلة من الأم وإهمال من الأب، وعدم رقابة من الأهل، سنوات طويلة مرت لم تأمرني أمي فيها بالصلاة، ولم توقظني لصلاة الفجر، هل تصدقين أنها لا تعرف هل أصوم رمضان أم لا؛ للفجوة الكبيرة التي بيننا؟ لقد كانت غفلة استمرت طويلاً خسرت سنوات عمر عظيمة، وفي المدرسة الثانوية أخذت الطالبات يلاحظن علي بعض التصرفات، وتشككت الزميلات في أمري، فأنا لا أؤدي الصلاة معهن، ولا استمع للمحاضرات، ولا أقرأ النشرات، ولا أذهب للمصلى!! فما كان من زميلاتي إلا أن قمن بنقل هذا الأمر لإحدى المعلمات الداعيات التي أحست بأمانة التعليم وعظم شأن الدعوة إلى الله، فتحرت عني حتى عرفت مشكلتي وأبعادها وبُعدي العظيم عن الله، وعتمة الضلالة التي أعيش بها، فأخذتني باللين وتوضيح الأمور، وظلت تسير معي خطوة بخطوة حتى وصلت إلى بر الأمان، أخذتني للمحاضرات داخل المدرسة وخارجها، فيسّر الله أمري، وشرح صدري، وأعلنتها توبة صادقة، وعودة إلى الله تعالى على يد هذه المربية الفاضلة. وبقيت الآن يا معلمتي أذرف دموع الندم والحسرة على ما مضى من عمري في الضياع. وتقول: لم أسجد لله طوال هذه السنوات الماضية، وأنا الآن عمري 17 سنة، ضاع عمري، وذهب شبابي، وأنا بعيدة عن الله، انجرفت وراء اعتقادات واهمة وأفكار منحلة، ولم تعلم أمي عن إسلامي؛ لأنها لا تعرف أصلاً بأني خرجت منه حتى أعود إليه!! وقفة: يظل بعض التائبين أسيرًا تحت وطأة الحسرة والندم، ويقضي ما بقي من عمره في البكاء المفرط، وتقطع قلبه الحسرة، ونسوا قوله تعالى: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{ [الزمر: 53]. وفي الصحيح ([4]) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها»([5]). لقد ضيعتني يا أبي!! استمر هذا الحال إلى أن تخرجت من المرحلة الثانوية... وذات يوم إذ بطارق على بابنا وكانت المفاجأة... عندما تصارخ إخوتي الصغار أبي... أبي، لم أصدق عيني وأنا أراه... إنه فعلاً هو... إنه أبي... ما الذي جاء به كان يحمل بين يديه الهدايا، واللعب، والحلوى، والملابس... قلت في نفسي لعل الله هداه، عمت السعادة قلبي، واستبشرت خيرًا... جلس معي ومع أمي، وأخذ يعتذر عن كل ما بدر منه، وأنه أحس بغلطته في حقنا... وأنه سيعوض تلك الأيام السالفة... إلخ ما قاله... ثم بعد ذلك لمحني وابتسم، وهو يقول: يا بنيتي ما شاء الله عليك كبرت وأصبحت عروسة جميلة متى أفرح بك... فهمت أمي مغزاه... فقامت من المجلس... استغل هو الفرصة فقال لي: اسمعي يا بنيتي ستودعين حياة الفقر والعوز والحاجة... هناك شاب ذو خلق ودين، ومن عائلة ثرية جدًا... بل إنه يملك العقارات، والشركات، سيلبي لك كل طلباتك... سترفلين في الخير والنعيم... لا أريد إلا موافقتك... دب في نفسي الحزن والغم على حال والدي... إنه لم يتبدل... لم يتغير فيه شيء... إنه هو كما تركنا، ما زال حب الدنيا يجري في عروقه. قلت له: ألهذا الأمر جئتنا؟!! قال: لا... لقد اشتقت إليكم وأنا يا ابنتي لا أريد إلا مصلحتك... صدقيني... إنها فرصة ثمينة لن تتكرر... لا تضيعيها عليك. قلت له بلهجة حازمة: مصلحتي هي أمي وإخوتي الصغار... كيف سيعيشون وأنت متخلي عنهم... حتى المصروف، والنفقة لا تعطيهم كيف سيكون حالهم؟ أخشى عليهم من الضياع هذا ما يشغل بالي ويملأ تفكيري... أما الزواج فإنني لا أفكر فيه الآن. قال: لا عليك أعدك بأن أمك وإخوتك سيعيشون معي، وسأغدق عليهم بكل ما تشتهيه أنفسهم... ولكن فكري الآن في نفسك، سيحضر العريس غدًا، وسيأتي مأذون الأنكحة والشهود، وسيتم كل شيء... لم يمهلني لأتكلم... لأرفض... ليكون لي رأي... سلمت أمري إلى خالقي قلت: لعل زواجي هذا يخفف عن أمي وإخوتي. لعل الله يفرج عنهم... وفعلاً جاء غدًا بما يحمله من مخاوف ورهبة... لم أر العريس فقد خرج مسرعًا بعد أن تم عقد النكاح... بحجة أنه مشغول ولكثرة ارتباطاته... وحدد أبي موعد الزفاف... لم أوافق على هذا الزواج حتى نفذ أبي وعده لي في ضم أمي وإخوتي إليه... وفعلاً أسكنهم في بيت لا بأس به بالقرب من قصره الفخم... وأصبح ينفق عليهم... جاء يوم الزفاف... وعندما أراد العريس الدخول علي؛ ليأخذني إلى عش الزوجية... كانت الصاعقة التي جعلتني أجهش بالبكاء... بل أنهار... فذلك الشاب الممتلئ فتوة وحيوية ونشاطًا، لم يكن إلا رجلاً مسنًا يتوكأ على عصاه... رجلاً في السبعين من العمر... ولكم أن تتصوروا كيف يتم التوافق بين فتاة غضة تبلغ من العمر تسعة عشرة سنة مع إنسان في سن أجدادها. رفضت أن أذهب معه... أو أن أسير خطوة واحدة... أخذت أصرخ لقد خدعتني يا أبي لن أسامحك... كيف هُنت عليك إلى هذا الحد تبيعني بهذه السهولة ولأجل حفنة من دنيا... تقتل فيّ الحيوية والنشاط لأجل مطامع نفسك. هل تريد أن تقضي على زهرة عمري... وأن تذبل ريحانة شبابي مع رجل كهذا... هل تريد أن تدفنني حية مع إنسان بلغ من العمر عتيًا..؟!! ألا تتقي الله في... ألا تخاف عقابه... لم أشعر إلا وأبي ينهال علي ضربًا وسبًا وشتمًا... يقول: فضحتيني... أتريدين أن تجعليني في موقف حرج يا حمقاء، هذا رجلٌ ثري جدًا لن تجدي مثله، سترثين من ورائه الأموال الطائلة، ستعيشين معه في سعادة أنت لا تعرفين مصلحة نفسك... ثم إن بيني وبينه مصالح مشتركة... إنك بتصرفك هذا تفسدين علي كل شيء... وعندما رأى والدي رفضي الشديد لهذا الزواج... هددني بلهجة حادة وصارمة قائلاً: إذا لم تذهبي مع زوجك سأطرد أمك وإخوتك إلى قارعة الطريق... ولن يجدوا لهم مسكنًا، أو مأوى لأنني قد تصرفت في البيت القديم، وستكونين أنت السبب في ذلك... حينها أسقط في يدي... عرفت أنه لا فائدة من احتجاجاتي، ولن يلتفت أحد إلى اعتراضاتي... رمقت أبي بعينين حزينتين وقلت له: لقد ضيعتني يا أبي، لقد ذبحتني بغير سكين... كيف تلقى الله؟!! ما موقفك يوم القصاص عندما أقف أنا وأنت بين يدي الجبار... لقد ظلمتني يا أبي، وظلمت عائلتك معي. واسَتْنِي أمي قائلة: بنيتي لا تقبلي بهذا العرض الرخيص... ولا تدفني نفسك مع هذا الإنسان لا عليك من تهديدات أبيك... سنتحمل العناء فقد اعتدنا عليه... ولنا الله؛ لن يتخلى عنا... وأهل الخير والأيادي البيضاء كثيرون، ولن يقصروا معنا. قلت لها: أمي يكفيك ما عانيته أنت وإخوتي، أما أنا فليس أمامي سوى الصبر واللجوء إلى الله، ولن يضيعني... فقط أريدك أن تدعي الله لي... بكت أمي، وهي تفوض أمرها إلى الله احتضنتني بكل شفقة ورحمة وهي تقول: كان الله في عونك يا بنيتي، كوني مع الله يكن معك، ولعله يُحدث لك بعد ذلك فرجًا ومخرجًا. عشت مع هذا الإنسان ولا مجال للتوافق بيني وبينه في أي شيء... إذا أراد الاقتراب مني اشمأززت... أرمقه بعيني أتساءل... هل هذا هو الزواج الذي كنت أحلم به؟!! كنت أتمنى شخصًا يفهمني وأفهمه، إنسانًا يعينني على الخير... يرشدني إلى الصلاح... فلم أجد من ذلك شيئًا... هذا نصيبي والحمد لله على كل حال. كان دائمًا يشتمني ويسبني... وأنا صامتة... بل ويضربني بعصاه، ويحقرني، بل وصل به الأمر إلى أن يشك بي حتى أصبح يحبسني، وإذا أراد الخروج من منزله أغلق علي الباب بالمفاتيح والأقفال... ولا أدري هل يظن أنني سأهرب وليت الأمر اقتصر على هذا الحد، بل كان إنسانًا شحيحًا بخيلاً مثله مثل والدي تمامًا... كان سيء الخلق... يتهاون في طاعته لربه...لا يبحث إلا عن شهوات نفسه. أقول: سبحان الله! إنسان في هذا العمر، وأقرانه، وأصحابه قد واراهم التراب، وغيبهم الموت... ومع هذا لا يتعظ... حاولت أن أتعايش مع هذه الحياة المريرة الكئيبة، ولكنني لم أستطع... من يراني من شدة الغموم والأحزان يظنني عجوزًا في الستين، ولا يصدق أنني فتاة العشرين ربيعًا. أصبحت حياتي كلها خريفًا جحيمًا لا يطاق... لقد ضاقت علي الأرض بما رحبت، النوم فارق جفوني، وشهيتي انعدمت من كل شيء... تكالبت علي الأمراض من كل حدب وصوب... كنت أرفع أكفَّ الضراعة إلى الواحد الديان أن يكشف عني هذا البلاء... ويزيل عني هذا العناء... تجرعت المأساة والألم... والغصص والأحزان... طالما رددت: لقد ضيعتني يا أبي... هذا ما جنته يداك... لقد ملكت ما أردت من الدنيا، ولكن كان ذلك على حساب فلذة كبدك وأبنائك... أبي لقد ضيعت الأمانة... ألا تتقي الله فينا، إن الله سائلك عنا وعن رعيتك، فماذا سيكون جوابك غدًا، وأنت لم تتحمل المسؤولية، ولم ترعَ الأمانة؟!! ([7]). يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله سائل كل راع عما استرعاه»([8]). تطعن طفليها بسكين وتحرقهما بماء النار وفجأة دبت الخلافات بين الزوجين، وازدادت حدة المشاكل ليقاطع كل منهما الآخر. شعرت الزوجة بالتقارب الشديد بين طفليها وزوجها وترحيبهما بالإقامة معه، ففكرت في إيذائهما على طريقتها الغربية الخالية من أية عقيدة، فقررت قتلهما بطريقة منظمة، بحيث تبعد الشك عنها، وذات يوم اقتربت من فراشهما وهما نائمان بعد أن قبلاها... اقتربت منهما، وسحبت سكينًا طويلة نصلحها حاد، اقتربت من الأول وطعنته، ثم عجلت بالثاني ليصرخ الطفلان صرخة الوداع بصوت عالٍ... ارتعشت الأم وفقدت أمومتها، فسكبت عليهما الأسيد (ماء النار) لتشوه وجهيهما، ويلقيان حتفهما في الحال. بعد ذلك ذهبت إلى المطبخ لتغسل أداة الجريمة وتدفن ملابسها. وبعد ذلك تبلغ الشرطة وتدعي أن عصابة اقتحمت منزلها، وقتلت طفليها. لكن حبال الكذب بالية، ولا يصح إلا الصحيح... كذبت الشرطة أقوالها وفندت إدعاءاتها، فشرحُ الجريمة مختلف تمامًا عن تلك التي روتها الأم، ساورت الشكوك رجال الشرطة بعد اكتشافهم لجرح طفيف على رقبتها، كما عجزت عن تفسير سبب وجود بصماتها على السكين، وكذلك وجود كميات كبيرة من الدماء أمام حوض المطبخ. حاصرها المحققون، وأمطروها بالأسئلة، وأغرقوها بالألغاز والطلاسم حول مسرح الجريمة، رفضت في البداية التعاون معهم، لكنها سرعان ما انهارت، وكشفت الحقيقة، واعترفت بجريمتها النكراء، وإقدامها عليها متعمدة انتقامًا من زوجها. هنا حمدت الله على أننا نعيش في مجتمع مسلم محافظ يحفظ للأمومة وللأسرة كيانها، ويجعل من البنين زينة الحياة الدنيا، فالأسرة بذرة في وحدة الأمة واستقرارها، والترابط الأسري خطوة طيبة في تشكيل المجتمع المسلم المتماسك ([9]). ضيعني زوجي فضاع أولادي في أحيان كثيرة تكون الحقيقة مرة مرارة العلقم... قاسية قسوة الصخر... سوداء حالكة كسواد الليل البهيم... ورغم حقيقتها تكون أحيانًا أقرب إلى الخيال منها إلى الواقعية، وفي هذا العصر المتطور الذي تحولت فيه كثيرٌ من الأحلام إلى حقائق مرئية وملموسة... لم يقتصر التطور في المفيد، بل تسرب إلى السيئ، واستطاع الشيطان أن يعمل على تدمير أسر بكاملها والعياذ بالله. وأنا من هذه الأسر وإليكم قصتي بل مأساتي...كنت ككل فتاة في الدنيا لها أحلامها الخضراء المورقة وأمانيها البيضاء الكثيرة، وآمالها العراض... أحلم بالشهادة، ثم بالزوج الحبيب، والحياة الهانئة الكريمة، والأولاد والبيت الجميل... لم تكن أحلامي كغيري من الفتيات اللاتي يطمحن إلى الزواج من زوج غني، أو ذي منصب كبير... يسافرن في كل عام مرة على الأقل أو مرتين للسياحة...كانت أقصى أماني حصولي على الشهادة الثانوية العامة لأعمل بها، واتخذ من العمل سلاحًا، وزوج يعرف كيف يحبني ويسعدني، وأولاد يملؤون حياتي بالبهجة والسعادة، ويكونون لي سندًا عند المشيب. حصلت على الكفاءة المتوسطة، وكانت فرحتي بها لا توصف فهي تعني لي منتصف الطريق... وبينما أنا أعانق باقي أحلامي، وأحلق في سماء خيالي بعد حصولي على الثانوية العامة، إذا بفارس الأحلام يطرق بابي... ووجدت نفسي أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما الموافقة على الزواج من هذا الطارق، أو البقاء في بيت فقد مصدر الحنان والحبّ والعطف المتدفق... وانتظار قادمة جديدة زرع التفكير فيها الرعب في نفسي والقلق الدائم من مستقبل أسود ينتظرني... فحكايات زوجة الأب بأنواعها المختلفة القاسية لم تترك مجالاً في فكري لطرق القلق، وكأن زوجة الأب عدو لدود، أو جرثومة معدية تسبب الفتك والدمار... رغم طيبة بعضهن... كان عبد الله وهذا اسمه يحمل الصفات التي كنت أتمناها في زوج المستقبل... وشاءت إرادة الله تعالى أن يتم زواجي منه... ويشل نصف حلمي الأول. سارت حياتي مع عبد الله في البداية كأسعد ما تكون الحياة الزوجية، كان يحبني كثيرًا، ويدللني أكثر يحاول إرضائي بكل الوسائل، وحين يغضب علي ويشتمني رغمًا عنه أجده بعد ساعات قلائل قد جاء معتذرًا عما بدر منه... وفي وسط هذا كله نسيت فكرة إكمال تعليمي. ولم يمض عام على زواجنا حتى رزقت منه بابني البكر خالد... كانت فرحتنا به فوق الوصف خصوصًا في السنة الأولى من عمره، وما إن بلغ عامه الثاني حتى بدأت السُّحب القاتمة تحط رحالها في بيتنا، كان عبد الله يقول لي: إن طريقة تربيتك لابنك خطأ! وأنا أقول له: إن تربيتي لابني ليست خطأ، ورأيك ليس في محله. ويدور النقاش الحاد بيننا فيخرج غاضبًا تاركًا لي البيت. ومرت الأيام بنا تارة حلوة مشرقة، وتارة مرة كئيبة. ورزقت بولدين ومع دخولهما حياتي دخلت مشاكل كثيرة، وكثرت مسؤولياتي تجاههم وتجاه والدهم الذي أصبح كثير الغضب، عصبي المزاج، يضيق لأتفه الأسباب، حاولت بكل ما أستطيع أن أجعله يعود لطبيعته الأولى، ولكن عبثًا كنت أحاول... وفي غمضة عين من المعاناة التي كنت أرضخ تحت وطأتها، وجدت نفسي وأطفالي الثلاثة في حكم المشردين، عندما أرسل لي بالسكين التي فصلتني عنه وفصلته عن أولاده، وحالت بينهم وبين الحياة السعيدة المستقرة وبين المستقبل المضيء، وحكمت عليهم بأن يعيشوا أيتامًا ووالدهم حي يرزق، تلقيت هذه الطعنة بأسى وحسرة شديدتين، وقد شعرت بالضياع مع أولادي وأنا أرى نفسي في غابة الحياة الموحشة. كانت دموعي هي المنشفة الوحيدة التي تخفف آلامي وتطفئ لوعة قلبي، وحرقة نفسي... بعد تفكير طويل مضن أدركت أنني بحاجة إلى الوظيفة التي أرجو أن يجعلها الله سببًا في تأمين مستقبل أطفالي... لحظة ذاك احترقت أسفًا وندمًا؛ لأني لم أكمل تعليمي... وضيعت حلمين بدلاً من حلم واحد. اتكلت على الله سبحانه وتعالى، وسلمت أمري وأمر أولادي إليه... وأكرمني الله بوجود وظيفة ساعدتني على توفير متطلبات الحياة لهم... ورغبة في تأمين حياة كريمة لهم، ومستوى معقول من المعيشة... عاد لي حلمي الأول في إكمال دراستي... وساعدني الله ووفقني فدرست حتى حصلت على الثانوية، ثم الشهادة الجامعية فتحسن مركزي الوظيفي والمالي... ابني البكر بعد فترة من الزمن حصل على الشهادة الجامعية، ثم الوظيفة فالزواج... كانت سعادتي لا توصف وأنا أرى أن حصادي أثمر... ومضت الحياة بي وأنا أكافح كي أقدم لولدي الصغيرين ما قدمت للكبير... فأكون بذلك قد أكملت رسالتي ودوري كأم وأب ومسؤولة... وأنا في قمة الشعور بالأمان والاستقرار النفسي... أحسست ببوادر عاصفة مدمرة توشك على المرور من بيتي... شعرت بالخوف يعصرني، وتحولت الراحة إلى قلق وتفكير دائم...حينما سمعت عن غول المخدرات الذي بدأ يغزو أجساد الشباب، ويحيل ربيعهم إلى خريف دائم... سعيد ابني المتوسط أدمن المخدرات... هالني هذا الأمر وأنا أتلقاه، وكأنني أتلقى خبر وفاته... واشتد خوفي على الابن الأصغر الذي ذهب ليعيش مع جده منذ شهور قليلة. الدموع كانت سلوتي الوحيدة، والأمل في الله كان النور الذي يضيء حياتي رغم سوادها... تفككت أسرتي، وتفرق أولادي... الكبير انشغل بحياته الجديدة، ولم أعد أراه إلا كل فترة طويلة، عدم سؤاله عليّ وعلى إخوته كان يزيدني خوفًا، ويعذبني، ويشعرني بالضياع التام... الأوسط أصبح من رائدي السجون لا يكاد يخرج أو يفيق حتى يعود وهو محطم... الأصغر لم يجد الاهتمام والرعاية الكافية في بيت جده، فأصبح يجد في الشوارع ما يفقده في البيت... أصدقاء السوء استغلوا طفولته البريئة... وصغر سنه... وأعطوه ذات يوم سيجارة ليدخنها ويستمتع... كان عُمَر آنذاك في الثالثة عشرة من عمره... كان يدخن في غفلة من جده ومني حين يأتي لزيارتي... لم تمض سنوات ثلاث حتى جره أصدقاء السوء إلى تناول الحشيش، ثم الهيروين... حتى أدمنه... بكيت كثيرًا وأنا أرى أحلامي، لولا أن تداركتهم رحمة الله... عالجت الصغير في مستشفى الأمل وشُفي... وعولج الأوسط وخرج من السجن بعد معاناة مريرة من الآلام. حمدت الله كثيرًا وسجدت له وأنا مدركة أن ما يصيب الإنسان منا ما هو إلا قدر مكتوب... وما علينا إلا الصبر والشكر والحمد له في كل الحالات. هذه قصتي أسوقها لكم لتأخذوا العبرة منها، وتحافظوا على أولادكم، وتعرفوا أي نوع من الأصدقاء يصادقون ([10]). وفي هذه القصة أيضًا تبكيت وذم لهذا الوالد الذي ترك مسؤوليته تجاه أبنائه، وتخلى عنهم في وقت هم أمس الحاجة إليه، فكان سببًا مباشرًا في ضياعهم وانحرافهم. . . . يتبع ([1]) في بيوتنا قنابل موقوتة، محي الدين عبد الحميد، نقلاً عن: قصص واقعية مؤثرة ص(129-131). ([2]) المرجع: النور، العدد (99)، نقلاً عن: كشكول الأسرة ص(34، 35). ([3]) رواه البخاري ومسلم. ([4]) رواه مسلم. ([5]) مأساة طالبة ص(58-61). ([6]) رواه البخاري ومسلم. ([7]) لقد ضيعتني يا أبي، ص(58-66). ([8]) رواه البخاري ومسلم. ([9]) قصص وسط الزحام (1/24-26). ([10]) مأساة نورة ص(31-37). |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||
|
![]()
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 6 | |||
|
![]() السلام عليكم اخي هاد وقت شكون لي يضرب ولدو او بنتو ايام زمان وقت اجداد كان يعاقب ولدو وآن لي خرج طبيب مهندس مقاول اذن |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 7 | ||||
|
![]() اقتباس:
وعليكم السلام تم إضافة موضوع أبناء يعذبون أبائهم |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 8 | |||
|
![]() التربية هي كل شئ والزمان تبدل |
|||
![]() |
![]() |
الكلمات الدلالية (Tags) |
مثال, أبنائهم, يعذبون |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc