فوائد تيمية من حديث الغربة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام

القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

فوائد تيمية من حديث الغربة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-08-11, 08:28   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
التوحيد الخالص
عضو محترف
 
الصورة الرمزية التوحيد الخالص
 

 

 
إحصائية العضو










Post فوائد تيمية من حديث الغربة

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه :
” فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : {بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ} :
- لَا يَقْتَضِي هَذَا أَنَّهُ إذَا صَارَ غَرِيبًا يَجُوزُ تَرْكُهُ – وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ، بَلْ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ، وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} ، وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}، {إذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ، {وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} . وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَبَيَّنَّا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ كَانَ دِينُهُمْ الْإِسْلَامَ مِنْ نُوحٍ إلَى الْمَسِيحِ. وَلِهَذَا لَمَّا بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ مِنْ الدِّينِ مَقْبُولًا بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ – حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ – عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {إنَّ اللَّهَ نَظَرَ إلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ – عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ – إلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} الْحَدِيثَ.
- وَلَا يَقْتَضِي هَذَا أَنَّهُ إذَا صَارَ غَرِيبًا أَنَّ الْمُتَمَسِّكَ بِهِ يَكُونُ فِي شَرٍّ بَلْ هُوَ أَسْعَدُ النَّاسِ كَمَا قَالَ فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ {فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ} .
و ” طُوبَى ” مِنْ الطِّيبِ ، قَالَ تَعَالَى {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ جِنْسِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ لِمَا كَانَ غَرِيبًا. وَهُمْ أَسْعَدُ النَّاسِ. أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَهُمْ أَعْلَى النَّاسِ دَرَجَةً بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ. وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أَيْ أَنَّ اللَّهَ حَسْبُك وَحَسْبُ مُتَّبِعِك. وَقَالَ تَعَالَى {إنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} وَقَالَ تَعَالَى {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} وَقَالَ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} .
- فَالْمُسْلِمُ الْمُتَّبِعُ لِلرَّسُولِ: اللَّهُ تَعَالَى حَسْبُهُ وَكَافِيهِ وَهُوَ وَلِيُّهُ حَيْثُ كَانَ وَمَتَى كَانَ. وَلِهَذَا يُوجَدُ الْمُسْلِمُونَ الْمُتَمَسِّكُونَ بِالْإِسْلَامِ فِي بِلَادِ الْكُفْرِ لَهُمْ السَّعَادَةُ كُلَّمَا كَانُوا أَتَمَّ تَمَسُّكًا بِالْإِسْلَامِ فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ شَرٌّ كَانَ بِذُنُوبِهِمْ؛ حَتَّى إنَّ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ إذَا رَأَوْا الْمُسْلِمَ الْقَائِمَ بِالْإِسْلَامِ عَظَّمُوهُ وَأَكْرَمُوهُ وَأَعْفَوْهُ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُونَ بِهَا الْمُنْتَسِبِينَ إلَى ظَاهِرِ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ بِحَقِيقَتِهِ لَمْ يُكْرِمْ. وَكَذَلِكَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ. فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَحْصُلَ لِلنَّاسِ فِي الدُّنْيَا شَرٌّ وَلِلَّهِ عَلَى عِبَادِهِ نِعَمٌ لَكِنْ الشَّرُّ الَّذِي يُصِيبُ الْمُسْلِمَ أَقَلُّ وَالنِّعَمُ الَّتِي تَصِلُ إلَيْهِ أَكْثَرُ. فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ اُبْتُلُوا بِأَذَى الْكُفَّارِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الدِّيَارِ فَاَلَّذِي حَصَلَ لِلْكُفَّارِ مِنْ الْهَلَاكِ كَانَ أَعْظَمَ بِكَثِيرِ وَاَلَّذِي كَانَ يَحْصُلُ لِلْكُفَّارِ مِنْ عِزٍّ أَوْ مَالٍ كَانَ يَحْصُلُ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْثَرُ مِنْهُ حَتَّى مِنْ الْأَجَانِبِ.
- فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مَعَ مَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَسْعَوْنَ فِي أَذَاهُ بِكُلِّ طَرِيقٍ – كَانَ اللَّهُ يَدْفَعُ عَنْهُ وَيُعِزُّهُ وَيَمْنَعُهُ وَيَنْصُرُهُ مِنْ حَيْثُ كَانَ أَعَزَّ قُرَيْشٍ مَا مِنْهُمْ إلَّا مَنْ كَانَ يَحْصُلُ لَهُ مَنْ يُؤْذِيه وَيُهِينُهُ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إذْ لِكُلِّ كَبِيرٍ كَبِيرٌ يُنَاظِرُهُ ويناويه وَيُعَادِيهِ. وَهَذِهِ حَالُ مَنْ لَمْ يَتَّبِعْ الْإِسْلَامَ – يَخَافُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَرْجُو بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَأَتْبَاعُهُ الَّذِينَ هَاجَرُوا إلَى الْحَبَشَةِ أَكْرَمَهُمْ مَلِكُ الْحَبَشَةِ وَأَعَزَّهُمْ غَايَةَ الْإِكْرَامِ وَالْعِزِّ وَاَلَّذِينَ هَاجَرُوا إلَى الْمَدِينَةِ فَكَانُوا أَكْرَمَ وَأَعَزَّ. وَاَلَّذِي كَانَ يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ أَذَى الدُّنْيَا كَانُوا يُعَوَّضُونَ عَنْهُ عَاجِلًا مِنْ الْإِيمَانِ وَحَلَاوَتِهِ وَلَذَّتِهِ مَا يَحْتَمِلُونَ بِهِ ذَلِكَ الْأَذَى. وَكَانَ أَعْدَاؤُهُمْ يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ الْأَذَى وَالشَّرِّ أَضْعَافُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ لَا آجِلًا وَلَا عَاجِلًا إذْ كَانُوا مُعَاقِبِينَ بِذُنُوبِهِمْ. وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ مُمْتَحِنِينَ لِيَخْلُصَ إيمَانُهُمْ وَتُكَفَّرَ سَيِّئَاتُهُمْ. وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَعْمَلُ لِلَّهِ فَإِنْ أُوذِيَ احْتَسَبَ أَذَاهُ عَلَى اللَّهِ وَإِنْ بَذَلَ سَعْيًا أَوْ مَالًا بَذَلَهُ لِلَّهِ فَاحْتَسَبَ أَجْرَهُ عَلَى اللَّهِ. - وَالْإِيمَانُ لَهُ حَلَاوَةٌ فِي الْقَلْبِ وَلَذَّةٌ لَا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَمَنْ كَانَ يُحِبُّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ وَمَنْ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ} أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: {ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدِ نَبِيًّا} .
- وَكَمَا أَنَّ اللَّهَ نَهَى نَبِيَّهُ أَنْ يُصِيبَهُ حَزَنٌ أَوْ ضِيقٌ مِمَّنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْإِسْلَامِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَكَذَلِكَ فِي آخِرِهِ. فَالْمُؤْمِنُ مَنْهِيٌّ أَنْ يَحْزَنَ عَلَيْهِمْ أَوْ يَكُونَ فِي ضَيْقٍ مِنْ مَكْرِهِمْ.
- وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ إذَا رَأَى الْمُنْكَرَ أَوْ تَغَيَّرَ كَثِيرٌ مِنْ أَحْوَالِ الْإِسْلَامِ جَزِعَ وَكَلَّ وَنَاحَ كَمَا يَنُوحُ أَهْلُ الْمَصَائِبِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ هَذَا؛ بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِالصَّبْرِ وَالتَّوَكُّلِ وَالثَّبَاتِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَأَنْ يُؤْمِنَ بِاَللَّهِ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَاَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ وَأَنَّ الْعَاقِبَةَ لِلتَّقْوَى. وَأَنَّ مَا يُصِيبُهُ فَهُوَ بِذُنُوبِهِ فَلْيَصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلْيَسْتَغْفِرْ لِذَنْبِهِ وَلْيُسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّهِ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ.

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {ثُمَّ يَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ} يَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ:
- أَحَدُهُمَا أَنَّهُ فِي أَمْكِنَةٍ وَأَزْمِنَةٍ يَعُودُ غَرِيبًا بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَظْهَرُ كَمَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ غَرِيبًا ثُمَّ ظَهَرَ. وَلِهَذَا قَالَ {سَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ} . وَهُوَ لَمَّا بَدَأَ كَانَ غَرِيبًا لَا يُعْرَفُ ثُمَّ ظَهَرَ وَعُرِفَ فَكَذَلِكَ يَعُودُ حَتَّى لَا يُعْرَفَ ثُمَّ يَظْهَرُ وَيُعْرَفُ. فَيَقِلُّ مَنْ يَعْرِفُهُ فِي أَثْنَاءِ الْأَمْرِ كَمَا كَانَ مَنْ يَعْرِفُهُ أَوَّلًا.
- وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ فِي آخِرِ الدُّنْيَا لَا يَبْقَى مُسْلِمًا إلَّا قَلِيلٌ. وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الدَّجَّالِ وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ عِنْدَ قُرْبِ السَّاعَةِ. وَحِينَئِذٍ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا تَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ثُمَّ تَقُومُ الْقِيَامَةُ. وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ} . وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَمِثْلُهُ مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ. فَقَدْ أَخْبَرَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ أَنَّهُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مُمْتَنِعَةٌ مِنْ أُمَّتِهِ عَلَى الْحَقِّ أَعِزَّاءٌ لَا يَضُرُّهُمْ الْمُخَالِفُ وَلَا خِلَافُ الْخَاذِلِ.
- فَأَمَّا بَقَاءُ الْإِسْلَامِ غَرِيبًا ذَلِيلًا فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا قَبْلَ السَّاعَةِ فَلَا يَكُونُ هَذَا. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {ثُمَّ يَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ} أَعْظَمُ مَا تَكُونُ غُرْبَتُهُ إذَا ارْتَدَّ الدَّاخِلُونَ فِيهِ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةً عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} . فَهَؤُلَاءِ يُقِيمُونَهُ إذَا ارْتَدَّ عَنْهُ أُولَئِكَ.
وَكَذَلِكَ بَدَأَ غَرِيبًا وَلَمْ يَزَلْ يَقْوَى حَتَّى انْتَشَرَ. فَهَكَذَا يَتَغَرَّبُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ ثُمَّ يَظْهَرُ حَتَّى يُقِيمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا وُلِّيَ قَدْ تَغَرَّبَ كَثِيرٌ مِنْ الْإِسْلَامِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ حَتَّى كَانَ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَعْرِفُ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ. فَأَظْهَرَ اللَّهُ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ مَا كَانَ غَرِيبًا.
وَفِي السُّنَنِ: {إنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فِي رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا} . وَالتَّجْدِيدُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الدُّرُوسِ وَذَاكَ هُوَ غُرْبَةُ الْإِسْلَامِ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ يُفِيدُ الْمُسْلِمَ أَنَّهُ :
- لَا يَغْتَمُّ بِقِلَّةِ مَنْ يَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْإِسْلَامِ وَلَا يَضِيقُ صَدْرُهُ بِذَلِكَ وَلَا يَكُونُ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ كَمَا كَانَ الْأَمْرُ حِينَ بَدَأَ. قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْبَرَاهِينِ الدَّالَّةِ عَلَى صِحَّةِ الْإِسْلَامِ.
- وَكَذَلِكَ إذَا تَغَرَّبَ يَحْتَاجُ صَاحِبُهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالْبَرَاهِينِ إلَى نَظِيرِ مَا احْتَاجَ إلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ. وَقَدْ قَالَ لَهُ {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} ، {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ، {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إنْ يَتَّبِعُونَ إلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إلَّا يَخْرُصُونَ} ، وَقَالَ تَعَالَى {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إنْ هُمْ إلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} .
- وَقَدْ تَكُونُ الْغُرْبَةُ فِي بَعْضِ شَرَائِعِهِ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَمْكِنَةِ. فَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَمْكِنَةِ يَخْفَى عَلَيْهِمْ مِنْ شَرَائِعِهِ مَا يَصِيرُ بِهِ غَرِيبًا بَيْنَهُمْ لَا يَعْرِفُهُ مِنْهُمْ إلَّا الْوَاحِدُ بَعْدَ الْوَاحِدِ. - وَمَعَ هَذَا فَطُوبَى لِمَنْ تَمَسَّكَ بِتِلْكَ الشَّرِيعَةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. فَإِنَّ إظْهَارَهُ وَالْأَمْرَ بِهِ وَالْإِنْكَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ هُوَ بِحَسَبِ الْقُوَّةِ وَالْأَعْوَانِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ}
وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ فِي النَّاسِ مَنْ حَصَلَ لَهُ سُوءٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِخِلَافِ مَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ وَأَتْبَاعَهُ فَهَذَا مِنْ ذُنُوبِهِ وَنَقْصِ إسْلَامِهِ كَالْهَزِيمَةِ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ. وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} ، وَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} ، {إنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ} ، {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} .
وَفِيمَا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ وَنَصْرِهِمْ وَنَجَاتِهِمْ وَهَلَاكِ أَعْدَائِهِمْ عِبْرَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ، هُوَ خِطَابٌ لِذَلِكَ الْقَرْنِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} . وَلِهَذَا بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ لَمَّا ارْتَدَّ مَنْ ارْتَدَّ مِنْ الْعَرَبِ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ لَا يَبْقَى مُؤْمِنٌ.
قِيلَ: قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} : خِطَابٌ لِكُلِّ مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ هَذَا الْخِطَابِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ} وَأَمْثَالِهَا. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} . وَكِلَاهُمَا وَقَعَ وَيَقَعُ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
فَإِنَّهُ مَا ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ طَائِفَةٌ إلَّا أَتَى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ يُجَاهِدُونَ عَنْهُ وَهُمْ الطَّائِفَةُ الْمَنْصُورَةُ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ. يَبِينُ ذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا فِي سِيَاقِ النَّهْيِ عَنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ، {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} – إلَى قَوْلِهِ – {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} . فَالْمُخَاطَبُونَ بِالنَّهْيِ عَنْ مُوَالَاةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى هَمّ الْمُخَاطَبُونَ بِآيَةِ الرِّدَّةِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ قُرُونِ الْأُمَّةِ. وَهُوَ لَمَّا نَهَى عَنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ وَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ تَوَلَّاهُمْ مِنْ الْمُخَاطَبِينَ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ بَيَّنَ أَنَّ مَنْ تَوَلَّاهُمْ وَارْتَدَّ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ لَا يَضُرُّ الْإِسْلَامَ شَيْئًا. بَلْ سَيَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ فَيَتَوَلَّوْنَ الْمُؤْمِنِينَ دُونَ الْكُفَّارِ وَيُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ كَمَا قَالَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} . فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْهُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ – لَا يَضُرُّونَ الْإِسْلَامَ شَيْئًا. بَلْ يُقِيمُ اللَّهُ مَنْ يُؤْمِنُ بِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ وَيَنْصُرُ دِينَهُ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ. وَأَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ مِمَّنْ جَاءَ اللَّهُ بِهِمْ لَمَّا ارْتَدَّ مَنْ ارْتَدَّ إذْ ذَاكَ. وَلَيْسَتْ الْآيَةُ مُخْتَصَّةً بِهِمْ وَلَا فِي الْحَدِيثِ مَا يُوجِبُ تَخْصِيصَهُمْ. بَلْ قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِغَيْرِ أَهْلِ الْيَمَنِ كَأَبْنَاءِ فَارِسَ لَا يَخْتَصُّ الْوَعْدُ بِهِمْ. بَلْ قَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إلَّا قَلِيلٌ} ، {إلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وَهَذَا أَيْضًا خِطَابٌ لِكُلِّ قَرْنٍ وَقَدْ أَخْبَرَ فِيهِ أَنَّهُ مَنْ نَكَلَ عَنْ الْجِهَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَذَّبَهُ وَاسْتَبْدَلَ بِهِ مَنْ يَقُومُ بِالْجِهَادِ. وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} . فَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ مَنْ يَتَوَلَّ عَنْ الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ أَوْ عَنْ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اُسْتُبْدِلَ بِهِ. فَهَذِهِ حَالُ الْجَبَانِ الْبَخِيلِ يَسْتَبْدِلُ اللَّهُ بِهِ مَنْ يَنْصُرُ الْإِسْلَامَ وَيُنْفِقُ فِيهِ. فَكَيْفَ تَكُونُ حَالُ أَصْلِ الْإِسْلَامِ مَنْ ارْتَدَّ عَنْهُ؟ أَتَى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّه وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ. وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ وَالْقِتَالِ وَالْمَالِ؛ مَعَ الطَّوَائِفِ الْأَرْبَعَةِ مُؤْمِنُونَ مُجَاهِدُونَ مَنْصُورُونَ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ كَمَا مِنْهُمْ مَنْ يَرْتَدُّ أَوْ مَنْ يَنْكُلُ عَنْ الْجِهَادِ وَالْإِنْفَاقِ.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} . فَهَذَا الْوَعْدُ مُنَاسِبٌ لِكُلِّ مَنْ اتَّصَفَ بِهَذَا الْوَصْفِ. فَلَمَّا اتَّصَفَ بِهِ الْأَوَّلُونَ اسْتَخْلَفَهُمْ اللَّهُ كَمَا وَعَدَ. وَقَدْ اتَّصَفَ بَعْدَهُمْ بِهِ قَوْمٌ بِحَسَبِ إيمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمْ الصَّالِحِ. فَمَنْ كَانَ أَكْمَلَ إيمَانًا وَعَمِلَ صَالِحًا كَانَ اسْتِخْلَافُهُ الْمَذْكُورُ أَتَمَّ. فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْصٌ وَخَلَلٌ كَانَ فِي تَمْكِينِهِ خَلَلٌ وَنَقْصٌ. وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا جَزَاءُ هَذَا الْعَمَلِ فَمَنْ قَامَ بِذَلِكَ الْعَمَلِ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْجَزَاءَ. لَكِنْ مَا بَقِيَ قَرْنٌ مِثْلَ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ فَلَا جَرَمَ مَا بَقِيَ قَرْنٌ يَتَمَكَّنُ تَمَكُّنَ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْت فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ} . وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ هَذَا لِبَعْضِ أَهْلِ الْقَرْنِ كَمَا يَحْصُلُ هَذَا لِبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ فِي بَعْضِ الْجِهَاتِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ رِيحًا تَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ} فَذَاكَ لَيْسَ فِيهِ رِدَّةٌ بَلْ فِيهِ مَوْتُ الْمُؤْمِنِينَ. وَهُوَ لَمْ يَقُلْ ” إذَا مَاتَ كُلُّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَسْتَبْدِلَ اللَّهُ مَوْضِعَهُ آخَرَ وَإِنَّمَا وَعَدَ بِهَذَا إذَا ارْتَدَّ بَعْضُهُمْ عَنْ دِينِهِ.
وَهُوَ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ وَلَا تَرْتَدُّ جَمِيعُهَا بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُبْقِيَ اللَّهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ هُوَ ظَاهِرٌ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ. فَإِذَا مَاتَ كُلُّ مُؤْمِنٍ فَقَدْ جَاءَتْ السَّاعَةُ.
وَهَذَا كَمَا فِي حَدِيثِ الْعِلْمِ {إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ. فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَّلُوا وَأَضَلُّوا} . وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ فِي الصِّحَاحِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” انتهى


[ مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (18 من صفحة 291 ) ]






منقول









 


رد مع اقتباس
قديم 2014-08-11, 08:30   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
أم احمد3
عضو متألق
 
إحصائية العضو










افتراضي

كبير جدا
ارجو التنظيم للاستفادة ...............










رد مع اقتباس
قديم 2014-08-11, 08:38   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
التوحيد الخالص
عضو محترف
 
الصورة الرمزية التوحيد الخالص
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة samra3 مشاهدة المشاركة
كبير جدا
ارجو التنظيم للاستفادة ...............
هذه مجموعة من الفوائد فوائد تيمية من حديث الغربة









رد مع اقتباس
قديم 2014-08-11, 08:40   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
أم احمد3
عضو متألق
 
إحصائية العضو










افتراضي

اعلم وهي مفيدة

لكن الاسطر قريبة جدا بحيث لا نرى بعضها البعض...وبارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2014-08-11, 11:19   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
fatimazahra2011
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية fatimazahra2011
 

 

 
الأوسمة
وسام التألق  في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي










رد مع اقتباس
قديم 2014-08-11, 12:03   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
التوحيد الخالص
عضو محترف
 
الصورة الرمزية التوحيد الخالص
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وفيكم يبارك الله










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الغربة, تيمية, جيدة, فوائد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 01:36

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc