بماأن الله قد خلق الكائنات وأعطاها خصائص وغرائز لتساعدها على البقاء والتعايش فقد خص الانسان بخاصية تميزه بها عن باقى الكائنات ، وهذه الميزة هى العقل فبلاعقل يستطيع الانسان التمييز بين الاشياء كما أن لهذا الكائن خصائص فيزيولوجية وسيسيولوجية تميزه عن غيره، وبكل هذه الخصائص استطاع الانسان البقاء والتواصل مع الانسان فهو يعيش الشعور واللاشعور ،الاحساس والادراك، اللغة والفكر، الدال والمدلول، وهذان الاخيران يتميز بهما الانسان تميزا كبيرا ، وبما أنه يعيش فى مجتمعات تتواصل بينها بلغة يفهمها الجميع ورموز توافق عليها المجتمع ، فإنه يربط الالفاظ بمعانيها ودلالاتها المتعارف عليها فيا ترى من أين جاء هذا الربط بين اللفظة ومعناها الذي وضع لها ، وبصيغة اخري مالعلاقة بين الدال والمدلول ، وهل هذه العلاقة ضرورية أم اعتباطية ؟ وهل العلاقة التى تربط الدال بين المدلول علاقة اتصال ام انفصال؟
يرى أصحاب الاتجاه الثنائي أن الفصل بين الدال والمدلول ضروري وأن المدلول مقدم على الدال ، وفى هذا الصدد يقول الفيلسوف الفرنسي ديكارت إن الفكر ضروري لوجود اللغة لا العكس، وهو ماذهب إليه الفيلسوف الفرنسي برغسون عندما تكلم عن أسبقية الفكر عن اللغة وأنه لا بد منه حيث قال محتجا إن الانسان يعجز أحيانا عن إيجاد الالفاظ المناسبة ليعبر بها عن أفكاره ، وعليه فإن الفكر ديمومة متصل واللغة عاجزة منفصلة ، واحتج ديكارت بالببغاء والعقعق وأن الالفاظ عند تلك الحيوانات غير مفيدة لأنها غير مقصودة ، كذلك احتجوا بالصم البكم الذين لا يتلفظون إلا أنهم يعبرون عن أفكارهم ، فلو كانت اللغة متصلة بالفكر لعجز الصم البكم على التواصل ، ومن حججهم أيضا أن الصبي يعبر عن رغباته المختلفة بالصراخ ، وهل الصراخ دال على مدلول معين!!
إن هذا الفريق من الفلاسفة ينكر إنكارا تاما الاتصال بين الدال والمدلول ، ففى اللغة والفكر أيضا يقول فاليري إن أجمل الأشعار تلك التى لم تكتب ، ويقول العشاق والرومنسيون ما أرخص الحب إذا تحول الى كلمات ، وفى الدال والمدلول عموما سواء فى اللغة مع الفكر أو مع المسميات يتوافق أصحاب هذا المذهب مع أفلاطون لأنه ينسب أشياء الى عالم المثل وأخرى الى العالم المحسوس ، وهذه المحسوسات نزلت معنا من عالم المثل وما علينا الا تذكرها كما قال في الاخلاق مثلا أن الاخلاق مطلقة نزلت معنا من عالم المثل وماعلينا الا تذكرها ، ويقول ان الفكر من عالم المثل واللغة من العالم السفلى وان كل المسميات كالجبال والسماء والبحار وبالتالى فالدال مفصول عن مدلوله والعلاقة بينهما علاقة اعتباطية ، واختلاف المسميات لشئ واحد خير شاهد
إذا كان الفصل بين الدال والمدلول ممكن من الناحية النظرية ، فإنه من الناحية التطبيقية غير ذلك.
فى حين يرى أصحاب المذهب الأوحادي الاتصالى أمثال مرلبونتى ، دولكروا ، ديسوسير أنه يمكن الفصل بين الدال ومدلوله ، وليس عيبا فى تعدد الاسماء فى الشئ الواحد ، بل إن هذا التعدد فى حد ذاته دال من دواله لإن بين اللغة واللفظ خيط رفيع يجب معرفته ، وإن الالفاظ حصون المعانى كما قال هاملتن ، ويقول مرلبونتى اللغة وعاء الفكر وتقول جوليا كرستيفيا (اللغة ليست وعاء الفكر بل جسمه) ، ومنه فإن المسميات والاسماء شئ واحد ولا يمكن الفصل بين الدال ومدلوله لأنه هو نفسه عند كل الناس وإن اختلفت لغاتهم ومسمياتهم ، وان هذه المسميات فى حد ذاتها دال على هذا المدلول بعينه عندما تقول جبل فإنه يذهب ذهنك مباشرة الى الجبل المعروف ولا يذهب الى القط مثلا، كذلك بقية المسميات ، والحجة عندهم ملموسة وظاهرة فالقط قط والجبل جبل .
إذا كان لا يمكن الفصل بين الدال والمدلول فلماذا نجد عدة أسماء لنفس الشئ، فإن قالوا إنها لا تعدو أن كونها لغات ، فإننا نتسائل لماذا تعددت هذه اللغات إذن؟ أليس من الافضل أن تكون لغة واحدة لجميع الحيوانات الناطقة مادامت المسميات هي عينها الاسماء ومادام الدال بالمدلول متصلا!
من خلال الموقفين يتبين أن العلاقة بين الدال والمدلول علاقة قوية حيث أنه لا يمكن الفصل فى الاتصال والانفصال لأن كل من الفريقين له أدلة قوية ومن خلالها يمكن القول أن الدال والمدلول كالشئ الواحد وفى هذا يشبه ماكس مورل اللغة والفكر بالقطعة النقدية الواحدة وجهها الفكر ووجهها الاخر اللغة وجهان لعمة واحدة فإذا تمزقت الورقة تمزق الفكر واللغة معا ، كذلك يتضح جليا فى الدال والمدلول .
ختاما نقول إن العلاقة بين الدال والمدلول هى علاقة ضرورية ، وقد أحدثت جدلا واسعا بين العلماء والفلاسفة ، وهى علاقة قديمة قدمهما معا بل إن العلاقة بدأت يوم علم الله آدم الاسماء كلها ، فأبونا آدم عليه السلام تعلم مسميات الاسماء كلها وتعلم اللغات كلها من ذلك اليوم الى قيام الساعة ، حتى تلك المسميات التى نسميها اليوم واخترعت فى هذا العصر كالانترنت مثلا فإن أبانا آدم عليه السلام يعلمها ، ولو كان معنا اليوم لقال إن اسمها الانترنت، وهذا مصداقا لقوله تعالى : وعلم آدم الاسماء كلها.