الإخوان المسلمين: تاريخ من العمالة تحت ستار الدين... إعداد: سعد الله الخليل
سعد الله الخليل
منذ نشأة جماعة الإخوان المسلمين في الإسماعيلية بمصر برئاسة حسن البنا عام 1928م، تبنت الحل الإسلامي للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية كشعار لجذب الجماهير عبر اللعب على أوتار دينية مذهبية، تدغدغ بها مشاعر البسطاء: غالبية الشعب، فيما مارست دور الحديقة الخلفية للعديد من الأنظمة الحاكمة منذ تأسيسها بعهد الملك فؤاد ذو الأصول التركية، والذي عانى من قوة الأحزاب السياسية القائمة على نظم ليبرالية، فقام بتسهيل انتشار الإخوان في القاهرة ليكون تيار معارض للأحزاب السياسية، وكان أول دعم تلقاه الأخوان المسلمين 500 جنية باعتراف حسن البنا في مذكراته، من ضابط في الفرقة m6 بالمخابرات البريطانية (كان سعر جنيه الذهب 96 قرش)، رغم أن الحركة قامت على مبدأي تحرر الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي، وتطبيق الدولة الإسلامية أحكام الإسلام ونظامه الاجتماعي.
رفض حسن البنا الحزبية وأعلن عداءه للأحزاب السياسية، معتبراً إياها نتاج أنظمة مستوردة ولا تتلاءم مع البيئة المصرية، وكانت هذه لعبة المخابرات البريطانية لتدمير الأحزاب المصرية.
وبمتابعة القراءة السريعة لتاريخ الإخوان: فمع خروج بريطانيا من مصر عام 1936 تمركزت الجماعة على طول قناة السويس، لتأمين مصالحها، ووقفت مع الملك ضد حزب الوفد الذي كان يمثل أغلبية شعب مصر.
وفي أوائل الخمسينيات وقف الإخوان مع العسكر ضد الشعب، ثم ضد جمال عبد الناصر لمصلحة الأمريكان وحاولوا اغتياله أكثر من مرة، وفي بداية السبعينيات وقفوا مع السادات ضد اليسار والقوميين، وبنهايتها ساندوا كامب ديفيد ضد كافة القوى المصرية، وفي التسعينيات دعموا قانون الإيجارات الزراعية ضد الفلاحين، وعام 2005 دخلوا الانتخابات ضمن دوائر المناهضين لمبارك وامتنعوا بدوائر أحزاب السلطة، كما وقف الإخوان عام 2011 مع المجلس العسكري ضد الثوار لحين استلام السلطة 2012 فانقلبوا عليه كما انقلبوا على الوفد.
تاريخ دموي...
للإخوان المسلمين في مصر وأينما تواجدوا، تاريخ إجرامي، فقد قسم حسن البنا تكوين الجماعة لثلاثة أجيال:
جيل التكوين: وعليه أن يستمع، والطاعة ليست فرض عليه.
الجيل المحارب أو جيل الجهاد: وعليه التنفيذ، والطاعة التامة فرض عليه.
ليأتي بعد ذلك جيل الانتصار وهذا الذي سيتولى أمر المسلمين بعد الانتهاء من الحروب التي ستخوضها الجماعة، ليحكموا بالشريعة الإسلامية في دولة الخلافة التي تتوارث الحكم.
بدأ حسن البنا عام 1938 ينتقل بجماعته لجيل الجهاد بتحويل جزء منها من العمل المدني الدعوي، للعمل العسكري، فأنشأ فرق للرحلات تطورت إلى كتائب ثم إلى أسر لتصبح لاحقاً تنظيماً مسلح شعاره: الموت في سبيل الله والتضحية بكل ما هو غال ونفيس.
ومن بدايات عملياتهم: اغتيال أحمد باشا ماهر رئيس وزراء مصر، على يد محمود العيسوي أحد المنتمين للحزب الوطني عام 1945، تلاه تفجير عدد من أقسام الشرطة، واستمرت مسيرة الإرهاب حتى عام 1948، حيث حُلت جماعة الإخوان المسلمين بكل فروعها في البلاد، وصودرت أموالها وممتلكاتها، فقرروا الانتقام من النقراشي باشا رئيس الوزراء واغتالوه رداً على قرار حل الجماعة.
حاضر الجماعة بمصر...
يطلق على معظم قادة جماعة الإخوان المسلمين منذ التسعينيات: صقور أو حمائم، ويعتبر المرشد الأعلى للجماعة مصطفى مشهور من الحرس القديم الأكثر تشدداً، وخلفاؤه: مأمون الهضيبي ومحمد مهدي عاكف، وعبد المنعم عبد الفتوح الذي ترك الجماعة، فيما يمثل عصام العريان الجيل الصاعد (الحمائم) لقيادات الإخوان وهم يمثلون رؤية جديدة كسياسيين منذ أيام الجامعة، ولم يكونوا ثوريين كغيرهم من الجيل القديم، واليهم ينتمي مرسي.
فسلوك الإخوان منذ تأسيس الحركة قام على استغلال الدين وفق مصالحهم وترسيخ علاقاتهم مع القوى الحاكمة لتنفيذ مشاريعهم، واستعملهم مبارك كفزاعة للغرب ولإفهامهم أن البديل له هو التطرف، مقابل منحه الإخوان الفرصة لترسيخ نفوذهم الاقتصادي، عبر مشاريع مالية، وخيرت الشاطر مثال على ذلك، بهدف توظيف الأموال في الانتخابات وبالتنسيق معه.
وسياسة الإخوان هي التنصل من الوعود التي يقطعونها على أنفسهم، فمحمد مرسي عارض بمجلس الشعب المعونات الأميركية ووصفها بمعونة الشيطان، ليوافق الآن عليها بحجة: الضرورات تبيح المحظورات.
العمالة بالوثائق...
كثيرة هي الكتابات التي كشفت ارتباط الإخوان بالمخابرات البريطانية ومنها كتاب الباحث والصحفي البريطاني مارك كورتس الشؤون السرية: التواطؤ البريطاني مع الإسلام الراديكالي عام 2010، والذي اعتمد فيه على وثائق المخابرات البريطانية نفسها التي تكشف تعاون مخابراتي سري بين الإخوان المسلمين وبريطانيا، وكون العمالة وخدمة أهداف الغرب والصهيونية، منهجاً متجذراً لدى حركة إخوان مصر وسوريا والأردن.
ففي الفصل الرابع يكشف الكاتب استعانة بريطانيا بإخوان الأردن، لمواجهة التيار القومي العربي في العاصمة عمان عام 1957، والتي كانت تقدم لهم الدعم المالي والأسلحة بتوجيه من الملك حسين لإسقاط حكومة القوميين العرب.
كما كشف الدور ذاته في سوريا حيث كان إخوانها الأداة الرئيسية التي راهن عليها الغرب لضرب التيارات القومية واليسارية العربية عام 1957، وكان المخطط أن يتحرك الإخوان لتنفيذ عمليات شغب واغتيالات، بالتزامن مع تحركات عشائرية في دير الزور ودرعا، وبمساندة الأردن والعراق، وحشد قوات تركية على الحدود الشمالية لتتدخل قوات الغرب عسكرياً بحجة تقديم العون للشعب السوري لإنقاذه من مؤامرة شيوعية، إلا أن وعي الشعب العربي السوري في حينها أحبط ذلك المخطط.