رِجْلا بوتفليقة ورِجْلا روزفلت ..! بقلم : الشريف بن واز
في 14/03/2014
وأنا أتابع الصور التي بثها التلفزيون الجزائري لمشهد إيداع الرئيس بوتفليقة لملف ترشحه لدى المجلس الدستوري، ألح علي سؤال صغير حين كنت أرى الموكب يقترب من مقر المجلس هو: هل سيظهرون الرئيس وهو “يترجل” من السيارة الرئاسية؟؟؟ هل سيظهرونه يعبر إلى المجلس الدستوري على كرسيه المتحرك ؟؟؟ لقد سألت نفسي هذا السؤال مباشرة بعد أن ظهر “رأس” بوتفليقة من زجاج سيارته التي تصدرت الموكب، وتذكرت عمارة بن يونس حين قال : “إن الرئيس يحكم برأسه لا برجليه”، فقلت في نفسي إنهم إذن وقد أظهروا “الرأس” سليما معافى لن يجدوا أي حرج في أن يظهروه ينزل من السيارة ويصعد إلى داخل المجلس على كرسي متحرك، مادام سيكون محاطا بكل حاشيته وفي كامل هيلمانه، ومادام “الرأس هو المهم وليس الرجلان” ! ومادامت اللغة العربية –التي لا يحبها عمارة بن يونس- أيضا تقول لنا إن الرأس والرئيس من الجذر اللغوي نفسه، بل وأكثر من ذلك إن الرأس هو الرئيس في الاستعمال اللغوي القديم فلطالما سمي رئيس القبيلة رأسها ! أليسوا هم من شبهوا الرئيس بوتفليقة بالرئيس الأمريكي الراحل فرانكلين روزفلت الذي مازال يحتفظ لنا الأرشيف بصوره وهو على كرسيه المتحرك ؟؟! أليس روزفلت هو من فاز بأربع عهدات رئاسية وهو لم يبرح كرسيه المتحرك ذاك ؟؟! أليس هو من قاد انتصار الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية كما قاد بوتفليقة انتصارنا على الإرهاب في العقد الماضي ؟؟ أليس روزفلت هو من خلص بلاده من ويلات مرحلة الكساد العظيم تماما كما خلصنا الرئيس بوتفليقة من المديونية الثقيلة التي كانت تجثم على صدرونا وتماما كما فتح الورشات الكبرى التي أنعشت اقتصاد البلاد بما هو نظير ما فعله روزفلت أيضا في حينه ؟؟!!
ومع ذلك، وعلى الرغم من ذلك، وعلى الرغم من أن مأثرة روزفلت تجعل الكرسي المتحرك وساما وليس نقيصة أبدا، إلا أن الجماعة أرادت أن تكون روزفلتية بامتياز حين قررت تلافي ظهور بوتفليقة على الكرسي المتحرك عند دخوله للمجلس، تماما كما كانت إدارة الرئيس روزفلت تشدد على عدم ظهوره على كرسيه المتحرك على شاشات التلفاز وأمام الصحفيين بمظهر العاجز الذي لا حول له ولا طول؛ إلا أنه مع كل هذا الاستنساخ المتعسف بين روزفلت وبوتفليقة، فإن هناك الكثير مما فات عمارة بن يونس وعمار سعداني وعمار غول وأحمد أويحي، وهم يحصون وجوه الشبه الواهية هذه.
إن ما فات هؤلاء الطبالين والزمارين هو أن الرئيس روزفلت حين توفي كان أصغر من بوتفليقة بنحو 12 سنة، وحين ترشح لعهدته الرابعة كان تقريبا في سن الرئيس بوتفليقة حين ترشح لعهدته الأولى! وأنه، فيما عدا الشلل الذي أصاب نصفه السفلي، كان في كامل حيويته وقد قام بالحملات الانتخابية للعهدات الأربع بنفسه، وأن صوته بقي إلى آخر يوم في حياته مجلجلا ملء السمع والبصر، وأنه صدح شهرا واحدا فقط قبل وفاته بخطابه أمام الكونغرس يعلن فيه هزيمة دول المحور بعد قمة يالطا التي ترأسها، وأنه توفي على مكتبه في كامل قوته وعطائه ! في حين أننا منذ سنتين لم نسمع من رئيسنا إلا هذه الكلمات الباهتة المبحوحة التي أعلن بها ترشحه، والتي تختلف كليا عما تعود الجزائريون منه من قوة الصوت وسيولة الخطابة !
إن ما فات المطبلين والمزمرين أن روزفلت الذي فاز يعهدات أربع بالفعل لم يقم بتغيير الدستور في سبيل ذلك، لأن مبدأ “تحديد العهدات” لم يكن منصوصا عليه في الدستور آنذاك، ولأنه كان إلى حينها مجرد “عرف” و”سنة حميدة” سنها الآباء الأوائل للولايات المتحدة خاصة واشنطن وجيفرسون والتزمت من بعدهما نحو قرن ونصف دون أن يتم دسترتها، ومع ذلك فقد اعتبر ترشح روزفلت سابقة واستثناء لم يتم التسامح فيه إلا بناء على ظروف أشد من ظروفنا بكثير وعلى إنجازات حقيقية لا وهمية !
إن ما فات الطبالين والزمارين هو أن التعديل الثاني والعشرين للدستور الذي ينص على تحديد العهدات الرئاسية، والذي تم تمريره سنة 1951 إنما اقترح سنة 1947، أي بعد وفاة روزفلت بنحو سنتين، وقد اقترح أساسا للحؤول دون تكرار السابقة الروزفلتية حتى لا تكون منفذا للحكم الفردي تحت أي ذريعة من الذرائع ! فروزفلت كان الاستثناء الذي أكد القاعدة لا الذي ألغاها كما حدث عندنا !
وأكثر من كل هذا فإن ما فات السيدين عمار سعداني وأحمد أويحي وهما يتفاءلان بروزفلت للعهدة الرابعة أن آخر ما ينبغي التفاؤل به لفخامته هو العهدة الرابعة لروزفلت ! لماذا ! لأنها ببساطة طالع سيء فروزفلت توفي بعد أقل من ثلاثة أشهر من فوزه بعهدته الرابعة
، ولهذا بالتحديد تم التفكير في تقييد العهدات الرئاسية ! ولو كنت مكان الرئيس أو مكان المقربين من الرئيس الذين يحرصون على سلامة الرئيس وطول عمره، لاعتبرت أويحي وسعداني نحسا على الرئيس ولقمت باستبعادهما من قيادة الحملة الانتخابية تحديدا، فلا شك أن الرئيس وحاشيته يؤمنون كغالبية الجزائريين بالطيرة والفأل والبركة ! ولا أظن أسماء عمار وعمار وعمارة ويحي تدل على طول العمر وزيادة في الحياة بقدر ما تدل على قصر الأول ونقص الثانية، فهي تماما كالأحلام تفسر بعكسها !
إن عمارة بن يونس الذي لا يكاد يفقه حديثا يريد أن يوهمنا أن الدولة بخير ما دامت تمشي على رأسها أي على رئيسها، ونحن نريد أن نقول له بأن الدولة لا تكون بخير إلا إذا كان رأسها في الأعلى وإلا إذا كانت تمشي على قدميها ورجليها، وأن رجلي روزفلت الحقيقيتين إنما هما ذاتهما رجلا الولايات المتحدة وهما القانون والمؤسسات، وهما أكثر رِجْلين يحتاجهما بوتفليقة وتحتاجهما جزائر اليوم؛ لهذا كله فرجلا بوتفليقة ليستا هما رجلي روزفلت على الإطلاق !
https://www.djelfanews.com/ar/%D8%B1%...%84%D9%85.html