العالم ليس قرية صغيرة

[أبو ساعدة]

كنّا نقول ونعتقد أنّ العالم قرية صغيرة، وقد يجوز أنْ يقَال ذلك، إذا ما نظرنا إلى التقدم المذهل الذي حققه الإنسان المعاصر في مجال الاتصال وغيره لربط أجزاء العالم بعضه ببعض... وتقريب مسافاته الزمانية والمكانية.

ولكن يبقى العالم مجهولةً جلّ أجزائه بالنسبة لكثير من الناس، فالإنسان رغم هذا التقدم الكبير إلاّ أنّه لم يحدد العالم ــ إلاّ افتراضيا ــ ولم يكشف عن كل أسراره ولم يسبر كل أغواره، وتبقى أماكنُ كثيره مجهولة لديه مستعصية عليه.

إنّ العالم فسيح، مترامية أطرافه، متنوعة تضاريسه، كثيرة ظواهره، متغيّرة طبيعته... فلقد نسمع عن حدث ما في مكان ما، ولكن تغيب عن علمنا أحداث لا حصر لها، وتُنقَل إلينا الأخبار كلّ يوم، ولكن لا تحكي لنا كل ما يجري في هذا العالم.

إنّ العالم مدن مزدحمة وقرى متناثرة ومداشر وأكواخ وقصور يسكنها الناس يعيشون فيها ويموتون، قصصهم كثيرة وأسرارهم كثيرة وأفراحهم كثيرة وأحزانهم كثيرة... ولا نعلم عنها شيئا إلا ما برز منها.

إنّ العالم جبال وسهول وصحارى وبحار تطوي أسرارا لا حد لها، نسمع عن القليل منها ولا يمكن أن نحيط بكل شيء فيها حتى ولو قُدّر لنا الوصول إليها.

إنّ العالم يسير في وجهة حددها له الخالق رب العالمين، ولا أحد من الخلق يدعي أنّه يستطيع أن يغيّر شيئا من هذه الحقيقة حتى لو ملك كل الوسائل المادية...

إنّ العالم أوسع وأكبر من القرية حقيقة ومجازا... حتى يدل ذلك على عظمة الخالق وقدرته ورحمته.

ثمّ إنّ العالم إنْ كان بالنسبة لمن في يده مفاتيح العلم والتكنولوجيا قرية صغيرة، فإنّه بالنسبة لنا ليس كذلك. بل هو فضاء بعيد الأقطار نضل فيه ونضيع في متاهاته، إلاّ بنور من الله. والسلام.