في حديقة ما وبعد عصور ؛
أخيرا يلتقيها ..... وتلتقيه ...... و يلتقيان ؛
يجلسان على مضض وكأنه أول لقاء بينهما ؛
تشيح بوجهها عنه لتخترق الارض بنظراتها ، ثم تجيلها لتتفحص المكان ؛
أما هو فلا يسترعيه المكان ، فقد حفظه بكل تفاصيله مع تجارب الدنيا و تقلبات الزمان ؛
و يقطع كل منهما أنفاسه علّه يسمع صوتا أو همسا أو حتى دبيب كلمات ؛
لكن لاشيئ يحيي الذكريات ؛ حتى الهواء لا يحمل أدنى علامات الحياة ؛
وكأنهما اندمجا مع الحديقة ، ليشكلا تمثالين برونزين أخضرين علاهما الصدأ ؛
دوريات من نظرات مجنونة ، تندفع منهما لتـُهزم على جدار الصمت القابع بينهما ؛
كلٌ يصرخ في صمت ، علّه يستعطف ذاكرته حتى تدرّ عليه ولو بفتات كلمات ؛
ليفك بها طلاسم هذا السحر الأخرس الذي يشبه الشبح المقنع ؛
كل منهما يحاول أن يتقيأ ذكرياته ؛ أن يفتق كيس ألفاظه بحثا عن وصف ،
يرسم به معالم وجه هذا الآخر القابع أمامه ؛
يزداد الصمت تعقيدا !!
وقلبيهما في محاولة متكررة لفك شيفرة مراسلات العيون للعيون ؛
لكن كيف .....! وكل منهما له شيفرة جديدة ،
و رموز جديدة .....!! و ترددات جديدة .....!!
ولمـّا صار الصمت عبئا ثقيلا ، و ضربا من عذاب الروح للروح ؛
تكسّرت سهام النظرات و خمدت أنفاس أصوات استجداء الذكريات ؛
وتوقفت آلة فك الرموز ، و أغلقت أبواب البحث وتم حفظ القضية ؛
ووضع كل منهما ملف الآخر في رف باسم "مجهول"
لتدق ساعة الرحيل ،و يحمل كلاهما جثته و يغادر من ذات طريق الدخول ؛
لم يبق بالمكان إلاّ كهربة في الجوء ، سرعانما تلاشت مع أول هبة نسيم ؛
وعادت الحديقة كما كانت ..... ؛
تستقبل كل القصص الغريبة وكل العيون الكئيبة؛
ميلاد