هذا ما كانت تقوله المرحومة لبوتفليقة
"الله يحلّي كلامَك ويعَلّي علامَك ويَهلك ظُلاّمك.. يا عبد العزيز"
2009.07.06 جريدةالشروق
الرئيس يدعو لوالدته بالرحمة منصورية غزلاوي .. الأم التي أنجبت الرئيس والمحامي والأستاذ والطبيب
بمنطقة سيدي الداودي حيث ينام الولي الصالح سيدي الداودي بن نصر أحد أعلام تلمسان وصاحب تصحيح كتاب البخاري، وليس بعيدا عن أول مسجد أنشئ بالمغرب العربي بمنطقة أغادير، ولدت الفقيدة غزلاوي منصورية ابنة المرحوم غزلاوي جلول والأم المرحومة بن صغير يمينة.
الراحلة منصورية والدة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة ترعرعت في وسط عائلي محافظ وعرفت منذ طفولتها كيف تساهم بطريقتها في مساعدة والدتها على تربية إخوتها وأخواتها بومدين، عويشة وماما باعتبارها البنت البكر في عائلة غزلاوي الذي كان والدها يشتغل فلاحا، لترافق والدتها يمينة طيلة اليوم في أعمال البيت إلى أن زفت إلى زوجها أحمد بوتفليقة الذي ينحدر من عائلة مقيمة بمدينة ندرومة والذي كان يشتغل على ممارسة التجارة، منجبة خمسة أطفال: عبد العزيز، ناصر، عبد الغني، زهور ولطيفة، وكان عبد العزيز يكبرهم سنا.
تقول السيدة لمياء غزلاوي ابنة زكية ابنة شقيق الراحلة منصورية لدى استضافتها لنا بمنزل العائلة بسيدي الداودي، كانت الفقيدة كثيرة التردد على هذا المنزل باعتبار أن زكية ابنة الأخ الوحيدة في العائلة، إذ كانت تجد راحة بالها وهي تنزل إلى سيدي الداودي ، هنالك حيث تنام ذاكرة منصورية التي عرفت بطيبتها وحسن خلقها وجمالها وأناقة لباسها وثقافتها التي اكتسبتها بعصاميتها، وهي خزان ثقافي مهم كان ينهل منه أبناؤها خاصة عبد العزيز، هذا الابن الذي كشفت بشأنه السيدة لمياء أنه كان أقرب المقربين إلى قلبها وأعز أبنائها، "خاصة وأنه التحق بصفوف جبهة وجيش التحرير الوطني صغير السن ولم يكن يزورها إلا في أوقات متباعدة وخفية من أن يكتشف أمره من قبل الإستعمار الفرنسي الغاشم".
العلاقة التي كانت تربط الأم بالابن كانت أكبر بكثير من مجرد علاقة طبيعية، بل كانت تتعداها إلى التفكير اليومي في مصير ابنها المجاهد الذي فضل الوطن وضحى بشبابه من أجل نصرة الوطن، وبقي على ذلك إلى أن استقلت الجزائر، تقول غزلاوي لمياء "إن عبد العزيز لم يضح فقط بشبابه من أجل أفراد عائلته وإنما فضل مساعدة العائلة والوقوف بجنب والدته خاصة بعد وفاة والده أحمد، وأصبح يناديه الجميع من أفراد العائلة بـ"حبيبي" وهو الإسم الذي كانت تناديه به منصورية رحمها الله .." ..منصورية التي كانت تعشق الكعك التلمساني والتي كانت تذهب خصيصا إلى منزل عائلة الغزلاوي بسيدي الداودي من أجل اقتنائه، والتي كانت تفضل أكلة "الببوش الحار" من يد زكية ابنة أخيها الوحيدة، كانت تحب أيضا أن تأخذ وهي عائدة لمنزلها بتلمسان قبل تنقلها للعاصمة، بعض "المكانس" المصنوعة بالحلفاء التي كانت منطقة سيدي الداودي مشهورة بصناعتها. ولا تزال السيدة لمياء تذكر وهي صغيرة عندما كانت ترسلها الراحلة منصورية من أجل شراء عشبة تيكندز: "أذكر جيدا كلما كانت تأتي منصورية إلى بيتنا تطلب مني شراء لها عشبة تيكندز، التي كانت تستعملها كمسكن لآلام المفاصل على مستوى الركبتين والساقين، حيث كانت تعاني كثيرا من الآلام، وكنت أصطحبها إلى الحمام من أجل استعمال هذه العشبة".
الفقيدة منصورية لم تكن فقط تلك المرأة المكافحة من أجل تدريس وتربية أبنائها وإنما كانت المرافقة الدائمة لعبد العزيز بوتفليقة من خلال دعواتها وحرصها الدائم على أن يأكل من يدها، وهو ما زاد من تعلق الابن بأمه إلى درجة تقول السيدة لمياء "عبد العزيز ومنذ توليه رئاسة الجزائر لم يترك يوما والدته خلفه بل أخذها معه إلى العاصمة، لقد كانت تمثل له كل شيء، لم يكن يغادر أرض الوطن نحو أي دولة أو أي محفل دون أن يسمع دعواتها وهي تقول له (الله يحلي كلامك، يعلي علامك ويهلك ظلاّمك).
الراحلة منصورية عرفت أيضا، وهي إحدى الميزات التي تميزت بها عن باقي كل من يعرفها، أنها كانت تكره أيما كره من يشتكي لدون الله العلي القدير، وهو ما أشارت إليه محدثتنا "لقد كانت تمقت من يأتيها شاكيا، كانت تحب أن ترى البسمة مرتسمة على شفاء الناس، وكانت تحب الفرح والسعادة ومولعة بالأطفال كثيرا، كانت تحمل دوما في حقيبتها كمشة كبيرة من الحلوى، وكنت أنا دائما أنتظر بفارغ الصبر مجيء عمتي منصورية..كنت أنتظر الحلوى، وعطفها وحنانها التي لم تكن تبخل عليه على جميع أطفال سيدي الداودي ممن تعرفهم...". تركنا السيدة لمياء غزلاوي التي نشكرها كثيرا على ما قدمته لنا من مساعدة وعلى حسن الضيافة الذي حظينا بها، ونحن ندخل منزل عائلة غزلاوي الذي لا يزال يحمل بين زواياه وأماكنه شيئا من ذاكرة المرحومة منصورية رحمها الله وأسكنها فسيح جنانه.
عائلة بوتفليقة بمستغانم..بعيدة عن السياسة وإغراءاتها
تلقت عائلة رئيس الجمهورية بولاية مستغانم المتمثلة في شقيقته الكبرى وصهره الدكتور بالمنصور خبر وفاة الوالدة والجدة منصورية بكثير من الحزن، حيث ما تزال عائلة بوتفليقة في مستغانم تعيش تحت الظل وبعيدا عن الأضواء وخارج اهتمام وتتبع شرائح واسعة من المجتمع المحلي لأخبارها، على خلفية أن لها امتداد داخل سرايا الحكم طيلة فترة استقرارها بمدينة مستغانم والتي تفوق 30 سنة قاومت خلالها العائلة مختلف أنواع الإغراءات ومحاولة إغراقها بمستنقع السياسة والسياسيين.
عائلة الرئيس لا يمكن الفصل في مجال ظروف عيشها بينها وبين أبسط عائلة مستغانمية، فشقيقة الرئيس ربة بيت تكفلت بشؤون والدتها منذ عشرات السنين، وهي تقيم الآن بشقة من ثلاث غرف بحي 5 جويلية المعروف باسم "لاسيتي حرام عليكم". لقد عانت عائلة الرئيس على غرار العائلات الجزائرية من أزمة سكن خانقة وصهره كان يتخذ من مسكنه العائلي بدائرة عين تادلس جناحا خاصا لمزاولة نشاطه في طب الأطفال، علما أن العائلة لم تنقطع أبدا عن زيارة الحاجة منصورية حتى لحظاتها الأخيرة.
بوتفليقة كان يرى في والدته الواحة الحقيقية خلال فترة قطعه الصحراء وإبعاده عن الحكم
كشف أحد أقارب الرئيس بوتفليقة، وهو من أبناء عمومته الذي يحمل نفس اللقب ويقطن رفقة عائلته بين ولايتي بلعباس ووهران، أن رحيل الوالدة والجدة الحاجة غزلاوي منصورية، يمثل فاجعة كبيرة، بالنسبة للرئيس الذي كان الأكثر التصاقا بها وقربا منها، منذ نعومة أظافره وعبر جميع مراحل حياته السياسية وكذا الشخصية، وأضاف ذات المصدر الذي رفض الكشف عن هويته، أن "بوتفليقة الابن لا يختلف كثيرا عن بوتفليقة الرئيس، فهو حنون جدا، ويحب التعامل بدبلوماسية مع جميع الناس، وهي العادة التي اكتسبها من والدته التي شاطرته سنين العزلة، وكانت تسافر إليه دوما خلال قطعه الصحراء لمدة عشرين عاما بعيدا عن السلطة"، مثلما يحب هو أن يصف فترة غيابه عن الساحة بعد رحيل الزعيم هواري بومدين، حتى أن محدثنا استعمل عبارة أن الرئيس "كان يرى في والدته الواحة الحقيقية في تلك الصحراء".
زروال ماتت والدته في الحج وبن بلة عندما كان في السجن
بومدين جلس لأجلها على التراب والشاذلي فارقها في لهيب الأزمة
لا يوجد يُتم مثل افتقاد الأم الحنون، حتى ولو كان المصاب رئيسا للجمهورية.. وحتى لو كان قد جاوز سن السبعين كما هو الحال مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي فقد والدته أول أمس وعمره جاوز الثانية والسبعين، ومع ذلك يبقى حزن فقدان الأم لا يضاهيه أي حزن.. والأم هي دائما نقطة ضعف العظماء والزعماء عبر التاريخ، وفي الجزائر أيضا، حيث كان الأمير عبد القادر يصطحب أمه في حروبه وترحاله، كما يصطحب سيفه وقلمه، وكما كان يرعب الفرنسيين بفروسيته وسياسته كان يتحوّل كالحمل الوديع أمامها، ورفض وهي في أرذل العمر أن يؤدي مناسك الحج، وقال أنه يخشى أن يعود من البقاع المقدسة ويجدها من الراحلين، فظلّ يأخذها معه إلى نابليون الثالث الذي كان ينحني لتقبيل يدها، ولما ماتت حزن عليها كما لم يفعل مع أي أحد آخر، وأرشيف الأمير عبد القادر يؤكد أن الرسائل التي كانت تصله من عظماء العالم تسأله دائما عن أحوال أمه، لأن العظيم عبد القادر كان "إبن أمّه".. أما تعلّق أول رئيس جزائري أحمد بن بلّه بأمه فقد فاق التصوّر، وعندما تم إدخاله السجن ظلّت تزوره، وقال في شهادته على العصر أن عملية تفتيشها وتعريتها هي التي أودت بحياتها عندما أصيبت بحمى شديدة في أواخر الستينات، وتميزت علاقة الراحل هواري بومدين بأمه "الحاجة تونس" إبنة منطقة قالمة بخصوصية عجيبة وتبقى صورته وهو يفترش معها الأرض - وكان رئيسا مرعبا - من أهم صور تعلّق الجزائري بوالدته حتى ولو كان رئيسا.. أما الشاذلي بن جديد فقد افتقد أمه المدعوة "صالحة بن جديد" في لهيب الأزمة قبل أيام من مغادرته الرئاسة، حيث توفيت عن عمر يناهز الثمانين وإبنها رئيسا في عمر يناهز 63 عاما، وهي من منطقة تدعى "السبعة" التي تتبع حاليا للطارف وتبعد عن عنابة بحوالي 45 كلم.
وعاش الرئيس المغتال محمد بوضياف يتما مبكرا، إذ توفت والدته عام 1949 قبل الثورة وهي المرحومة خديجة بلعبيدي إبنة مدينة بوسعادة، وكان عمر محمد حينها 32 سنة فقط، وبقي في كنف والده خير الدين الذي توفي أواخر الخمسينات من القرن الماضي.. أما الرئيس الأسبق اليمين زروال الذي عاد صباح أمس الاثنين إلى باتنة بعد رحلة علاج في أنجلترا فلم يشهد موت أمه التي توفيت وهي تؤدي مناسك الحج وهي مدفونة حاليا بالبقاع المقدسة.. وتعلّق الجزائريين بأمهاتهم ليس حكرا على عامة الناس، لأجل ذلك يأكل الحزن قلوب الجميع، لأنها ست الكل والمرأة المقدسة التي نعزي برحيلها الرئيس.. وستبقى الجنة دوما تحت أقدامهن.
شاءت الصدف أن تفارق الحياة في ذكرى الاستقلال:
هكذا كانت علاقة بوتفليقة بوالدته
ودّعت والدة الرئيس بوتفليقة الحياة الفانية، الحاجة منصورية غزلاوي عن عمر تجاوز الـ93 عاما. والدة الرئيس التي كانت أقرب شخص إلى قلبه على الإطلاق، عرفت بتأثيرها الكبير في حياته، فكانت له السند طيلة مشواره العائلي والثوري والسياسي، وكل من تقرّب من العائلة يشهد للأدوار الفعالة التي كانت تلعبها للحفاظ على شمل العائلة ملموما، على الرغم من أنها كانت الزوجة الثانية لأحمد بوتفليقة والد الرئيس.
الحاجة منصورية، ابنة تلمسان وعلى الرغم من الفترة التي قضتها بوجدة المغربية، أين قطنت العائلة لفترة، فإن الحبل السري للعائلة ظل مربوطا بالثورة الجزائرية، فبيتها هناك بقي دائما مفتوحا أمام المجاهدين وشكل دائما محجا ووجهة لكبار المجاهدين خلال الثورة التحريرية من أمثال الرئيس الأسبق هواري بومدين وعبد الحفيظ بوصوف وغيرهم كُثر، حيث اتفقت العديد من الشهادات أنها كانت تستقبل المجاهدين وتسهر شخصيا على راحتهم ، لتشاء الصدف أن ترحل عن الحياة في ذكرى الـ47 للاستقلال، وكأن تاريخ الجزائر يأبى إلا أن بسجل رحيلها.
والدة بوتفليقة أنجبت 6 أبناء، كان عبد العزيز أكبرهم وإسمه الأصلي عبد القادر، وحسب ما يتداول أنه كان أقربهم إليها، وأشقاؤه هم عبد الغني، مصطفى وسعيد وعبد الرحيم، وله أختين شقيقتين هما لطيفة وزهور، وعلى الرغم من أن فاطمة ويمينة وعائشة هن بنات الزوجة الأولى فإن علاقتهن بقيت دائما وطيدة مع إخوتهم والحاجة منصورية للحظات الأخيرة من عمرها، وذلك لحرصها على صلة الرحم، ويقول مقربون من العائلة أن والدة الرئيس الفقيدة التي عانت من مرض عضال لازمها الفراش مدة طويلة، لم يمنعها من جمع شمل العائلة بصفة دائمة في بيتها، كما كان يحرص الأبناء على صيام شهر رمضان ملتئمين في بيتها.
وحسب معلومات من مصادر مقربة من العائلة، فإن الرئيس كان حريصا لأبعد الحدود على إحراز رضى الوالدة، ويسعى لنيل مباركتها لكل تصرفاته وخياراته، شأنه في ذلك شأن الإبن البار، حتى أن الملفات الكبرى للبلاد والمسؤولية الملقاة على عاتقه لم تحل بينه وبين أمه التي كان يزورها يوميا، وحرص حتى على التنقل معها في بعض رحلاتها الإستشفائية.