![]() |
|
المواد العلمية و التقنية كل ما يخص المواد العلمية و التقنية: الرياضيات - العلوم الطبيعة والحياة - العلوم الفيزيائية - الهندسة المدنية - هندسة الطرائق - الهندسة الميكانيكية - الهندسة الكهربائية - إعلام آلي. |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
الوافي في العلوم الاسلامية بدون تحميل
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() حول الكتاب تـأليف: مخلوف زغبان، أستاذ علوم الشريعة. تصميم و إنجاز Lotphilosophie من هدي القرآن الكريم قال النبي صلى الله عليه وسلم ( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ) رواه البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه. الدرس الأول: النص القرآني: قال الله تعالى: ( إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُواْ خَيْراً مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُواْ أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُواْ بِالاَلْقَابِ بِيسَ الاِسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الاِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ اِجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمُ أَنْ يَّاكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيِّتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12) يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُم شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُم إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) ). سورة الحجرات الآية 10/13. معنى المفردات: -يسخر: يستهزئ ويحتقر. -تلمزوا: تعيبوا، واللمّاز يطلق أيضاً على النمّام. -تنابزوا: التنابز هو دعاء البعض للبعض بلقب يكرهه. -اجتنبوا: تنحوا وابتعدوا. -تجسّسوا: التجسّس هو استخدام الحواس في الوقوف على سيّئات الناس. -يغتب: من الغيبة وهي ذكر الإنسان بما يكره ويستقبح في غيبته. المعنى الإجمالي للنص: النص القرآني المتقدّم تضمّن أربع آيات في الآداب الاجتماعية، وما يجب على المؤمن الكامل الإيمان أن يتحلّى به من صفات محمودة تضمن له سعادة الدارين: 1) واجب الأخوة في الدّين التي تستوجب على المؤمنين التعاون والتناصر والتواصل والتناصح، والسعي في الخير إمّا بجلب الخير والمصلحة أو دفع الشر والضرر، والتواصي على الحق وعلى التقوى. 2) على المؤمن الكامل الإيمان المتصف بأخلاق الإسلام وآدابه ألّا يسخر من غيره مستهزئاً ومحتقراً لما في ذلك من إظهار خُبث النفس وحقارتها وسوء تربيتها، إذ كيف يتصوّر تكوين مجتمع صالح يسخر بعض أفراده من البعض الآخر ويستهزئ، وقد يكون المستهزأ به خيراً عند الله من المستهزئ عملاً وتقوى وصلاحاً ممّا يزيد في عظم الذنب وخبث المعصية. والمؤمن الحقيقي هو الذي لا يلمز أخاه ولا يعيبه، لأنّه في الحقيقة يعيب نفسه وينقص من قدرها حيث لا يشعر حين يعيب أخاه، لما نعلمه جميعاً من كون المسلمين كالجسد الواحد يتمّم بعضهم البعض الآخر. كما يجب على المؤمن ألَّا يدعو وينادي أخاه بالألقاب التي يكرهها والتي فيها تنقيص من قدره لما ينشأ عن ذلك من عداوة وبغضاء وتنافر الأفراد والجماعات. وأنّه حقًّا ممّا يعيب الإنسان ويقدح فيه أن يرتكب هاته الأعمال المنهي عنها والتي تنعته بصفة الفسق بعد إيمانه. والجمع بين الإيمان والفسق مستقبح لا ترضاه النفوس قويّة الإيمان، لذلك يجب على من تلبّس بها أن يتوب إلى الله ويكفّ عنها حتى لا يكون ظالماً متعدياً حدود الله بارتكاب العصيان بدل الطاعات المأمور بها. 3) والمؤمن الحق هو الذي يتجنّب الظنّ السيّئ بغيره وما ينشأ عنه من أوهام وتخيلات فاسدة ممّا لا خير فيه للفرد ولا للمجتمع، ومن إثم وذنب أمامه سبحانه. وعلى المؤمن كذلك أن يتجنب استعمال حواسّه في الوقوف على سيئات الناس ومعايبهم للتشهير بها والتنقيص من قيمتهم وأقدارهم، وإلحاق السوء بهم ممّا لا خير وراءه ولا مصلحة للأمّة الإسلامية، كما يجب على المؤمن ألَّا يذكر أخاه في غيبته بما يستقبح ويستكره من الأعمال والصفات، إلَّا إذا كان في الغيبة مصلحة للفرد والأمّة فهي مباحة كالتشنيع على المُجاهر بالمعصية والشهادة في المنازعات والخصومات مثلاً. وقد مثّل الله سبحانه المغتاب الناهش في أعراض الناس بآكل لحم أخيه الميت، فكيف يتصوّر من مؤمن أن يحبّ شيئاً حقُّه أن يكون مكروهاً منفّراً كما ينفر الإنسان ويكره أن يأكل لحماً وهذا اللحم هو لحم أخيه، وكون هذا الأخ ميتاً، ولا يخفى ما في هذا التصوير من بيان فداحة جرم الغيبة والتنفير منها. واتقوا الله الذي تسع معرفته كل شيء، وتوبوا إليه من أعمالكم المتقدّمة المنهي عنها، فهو التواب القابل لتوبة عباده، الرحيم بهم. 4) وبعد أن بيّن سبحانه الصفات التي يجب على المؤمن أن يتجنبها لأنها تنافي الإيمان الكامل، شَرَع في بيان مرض يعمّ الناس أجمعين سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين، فهو نداء للبشرية جمعاء، وهذا المرض هو التباهي بشرف الأصل، والفخر بلون البشرة أو ما نسميه حالياً بمرض العنصرية، الذي لا أساس له ولا مرجع، لأنّ الناس أمام الله سواسية، أصلهم واحد، وأبوهم آدم وأمّهم حواء، فلا فضل لقبيلة ولا لأمّة ولا لشعب ولا لجنس على كافّة البشر، وما خلقهم للتفاخر والتباهي بل خلقهم وكوّن منهم الشعوب والقبائل للتعارف والتعاون والتواصل، وإذا كان هناك فضل لأحد فبأعماله وخوفه من الله وبفعل الخير الذي يقدّمه للبشرية، لا بشرف آبائه ولون بشرته وما شابه ذلك، فهو سبحانه عليم خبير ببواطنكم لا يخفى عنه شيء من أعمالكم. العبر المستخلصة من النص: ـ يأمرنا الله سبحانه أن نتجنّب السخرية والاستهواء بغيرنا ولمزه وتعييبه والتنابز بالألقاب واجتناب الظن السيئ، وعدم التجسّس والغيبة ممّا لا مصلحة فيه. ـ النهي عن التفاخر بالشرف والنسب وإنما التفاخر بالتقوى والعمل الصالح. ـ إنّ مسؤولية بناء المجتمع الإسلامي العالمي تقع على عاتق الرجل والمرأة على السواء. ـ خلق الله تعالى آدم وحواء وجعل من ذريَّتهما الشعوب والقبائل والأجناس والألوان، فالناس كلُّهم إخوة، لذلك فلابدَّ لجسور التوادد والتواصل من أن تبقى قائمة بينهم، فلا تفاضل بين لون وآخر، أو عِرق وآخر، بل مساواة بين الجميع أمام الله تعالى، الذي يُكرَمُ الناسُ لديه على درجة تقواهم، فمن نال شرف التَّقوى حصل على وسام مرضاة الله، والله أعلم بأعمال مخلوقاته خبير بنواياهم. الدرس الثاني: النص القرآني: قال الله تعالى: ( إِنَّ اللهَ فَالِقُ الحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَمُخْرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ ذَلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُوفَكُونَ (95) فَالِقُ الاصْبَاحِ وَجَاعِلَ اليْلِ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ(96) وَهُوَ الْذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الْذِي أَنْشَأَكُم مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الْذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ اَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ اُنْظُرُواْ إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤمِنُونَ (99) ).سورة الأنعام الآية 95/99. معنى المفردات: -فالق الحبّ: شاقّه عن النبات، أو خالقه. -فأنّى توفكون: فكيف تصرفون عن عبادته. -فالق الإصباح: شاق ظلمته عن بياض النهار، أو خالقه. -حسباناً: أي بحساب مقدّر نيطت به مصالح الخلق. -فمستقرّ: في الأصلاب، وقيل في الأرحام. -ومستودع: في الأرحام، وقيل في الأصلاب. -خضراً: أخضرَ غضّاً. -متراكباً: متراكماً. -طلعها: هو أوّل ما يخرج من ثمر النخل في الكيزان. -قِنوان: عراجين كالعناقيد تنشق عن الكيزان. -دانية: متدلّية أو قريبة من المتناول. -ينعِـه: حال نضجه وإدراكه. المعنى الإجمالي للنص: هذه الآيات تتضمّن أخطر حكم تكليفي خاطب الله تعالى به الناس جميعاً في مختلف الأزمنة والأمكنة، وهو الإيمان بربوبيّة وألوهية الله وحده: الإيمان بأنّه وحده الخالق، وهو وحده المحيي والمميت، وهو الضارّ والنافع، وهو المسبّب لأسباب الكون جميعاً، وهو الذي خلق في الأشياء طبائعها ورتّب لها وظائفها أي أنّه هو الذي ( أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثَمَّ هَدَى ) طه الآية 50، وهو الذي يجمع الناس كلّهم ليوم الجمع الذي لا ريب فيه، فريق في الجنّة وفريق في السّعير. وتتضمّن أيضاً هذه الآيات الإقرار بأنّ الكون كلّه وما فيه من نجوم السماء ونجوم الأرض ( النّبات ) مسخّر للإنسان وحده. فنجوم السماء تهدي الإنسان في ظلمات البرّ والبحر، والكون كلّه يهديه في ظلمات الجهل لمعرفة الخالق الحق، الذي خلقه في أحسن تقويم، وهيأ له أسباب الحياة ليزداد في العرفان والارتقاء فيكتمل إيمانه ويطرد الشكّ عنه. ـ ( إِنَّ اللهَ فَالِقُ الحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَمُخْرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ ذَلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُوفَكُونَ ): فالله وحده الذي خلق الحبّ والنوى من العدم فأنبت منه الزرع والثمر على اختلاف أنواعه وأصنافه وأشكاله وطعومه. وهو الذي يخرج النبات وهو مصدر الحياة من الحبّ الذي هو ميِّت كالجماد، ويخرج الخشب الميِّت من النبات الحي. وقيل يخرج الولد المؤمن من الكافر، والولد الكافر من المؤمن. ذلك هو فعل الله وحده فكيف تُصرفون عن الإيمان به وتعدلون عن عبادته إلى الباطل. ـ ( فَالِقُ الاصْبَاحِ وَجَاعِلَ اليْلِ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ): الله خالق الضياء والظلام، وجعل الليل وما فيه من ظلام للراحة والسّكون من تعب ومشقّة العمل في النهار، والله يجري الشمس والقمر بحساب متقن لا يتغيّر ولا يضطرب، فهما سبب الصيف وما فيه من حرارة والشتاء وما فيه من برودة، قال الله تعالى: ( لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ القَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وُكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) يَسِ الآية 40. والكلّ يجري بتقدير الله العزيز الذي لا يمانع ولا يخالف، العليم بكلّ شيء. ـ ( وَهُوَ الْذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ): فالله الذي خلق النجوم يهتدي بها الإنسان في ظلمات البرّ والبحر، وهي زينة السماء، وخلقها رجوماً للشياطين، فتلك آيات كافية للاهتداء إلى الحق وتجنّب الباطل. ـ ( وَهُوَ الْذِي أَنْشَأَكُم مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ): والله وحده الذي خلق الإنسان من نفس واحدة قال تعالى: ( يَأَيُّهَا النَّاسُ اِتَّقُواْ رَبَّكُمُ الْذِي خَلَقَكُم مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً ) النساء الآية 1. ثم جعله عضواً مستقلاً بذاته، مستقرّ على ظهر الأرض ثم مستودع في الدار الآخرة بعد إكمال مهمّته ووظيفته في الحياة الدنيا. ـ ( وَهُوَ الْذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ اَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ اُنْظُرُواْ إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤمِنُونَ ) فالله الذي ضمن أسباب الحياة للإنسان من مشرب ومأكل مختلفاً ألوانه وطعومه وأشكاله وروائحه. ثم ختم الله هذه الآيات الدّالّة على قدرته جلّ وعلا بالدعوة إلى استعمال العقل، والحثّ على التفكير في قدرة الخالق وحكمته ورحمته، لأنّ إعمال العقل هو السبيل الوحيد الموصل إلى الإيمان المنتج للسّلوك الحسن والعمل القويم. العبر المستخلصة من النص: ـ الإيمان بأنّ الله هو المسبّب لأسباب الكون جميعاً. ـ الله وحده الذي يهدي الإنسان إلى الخير، وقد فطره على ذلك. ـ التدبّر في الكون من أسباب الهداية. ـ كلّ ما في الكون من شيء مسخّر للإنسان. ـ تأمّل قوله تعالى في هذه الآية : ( فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِباً ) أي إنّ الله يخرج الحبّ من النبات الأخضر و هذا ما أدركه العلم من أنّ النبات ينتج المواد الغذائية بواسطة خلايا الورقة الخضراء، إنّ أحسن معمل لدى الإنسان لا يقارن بنشاط ذلك المعمل الموجود في الورقة الخضراء فتأمّل سرّ تعبير القرآن الدّقيق . الدرس الثالث: النص القرآني: قال الله تعالى: ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الْذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الاَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلَاماً (63) وَالْذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً(64) وَالْذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اَصْرَفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَاماً (66) وَالْذِينَ إِذَا أَنْفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يُقْتِرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (67) وَالْذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَاباً(71) وَالْذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرَاماً (72) وَالْذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمًّا وُعُمْيَاناً (73) وَالْذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ اَزْوَاجِنَا وَذُرِيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74) أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَاماً (76) قُلْ مَا يَعْبَؤُاْ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً (77) ).سورة الفرقان الآية 63/77. معنى المفردات: -عباد الرحمان: مبتدأ خبره أولئك يجزون الغرفة، وإضافة العباد إلى الرحمان للتفضيل. -هوناً: هيِّنين متواضعين غير متكبِّرين. -قالوا سلاماً: قالوا قولًا سديداً فيه عفو وصفح وسلامة من الإثم. -كان غراماً: كان ملازماً وثابتاً. -لم يقتروا: لم يبخلوا ولم يضيّقوا على أنفسهم تضييق البخيل وضده يسرفوا. -قواماً: وسطاً، أما القوام بكسر القاف فهو ما يدوم عليه الأمر ويستقر. -أثاماً: جزاءً وعقاباً. -مهاناً: ذليلاً ومحتقراً. -لا يشهدون الزور: لا يدلون بالشهادة الباطلة، أو لا يحضرون محاضر الكذب. -اللغو: كل ما لا خير فيه من قول أو عمل. -كراماً: معرضين عنه، مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه والمشاركة فيه. -لم يخرّوا عليها صمًّا وعمياناً: خرّ بمعنى سقط، والمعنى أنهم إذا سمعوا آيات الله أقبلوا عليها واعين لها متبصرين بما فيها، ليس شأنهم شأن الكفار الذين إذا سمعوا آيات الله أعرضوا عنها كمن لا يسمع ولا يبصر. -قرّة أعين: تقرّ أعيننا بهم بمعنى تسكن وتهدأ. -الغرفة: أعلى مواضع الجنّة وأفضلها. -المستقر: محلّ الاستقرار. -المقام: مكان الإقامة. -ما يعبأ بكم ربي: لا يبالي بكم ربي، ولا يعتدّ بكم. من قولك لا أعبأ بالأمر أي لا أبالي به ولا أعتد. المعنى الإجمالي للنص: 1) الآيات الكريمة المتقدّمة في صفات المؤمنين الذين يستحقّون أن ينعتوا بعباد الرحمان، وهاته الصفات كما وردت في النص القرآني الكريم، بعضها إيجابي يجب على المؤمن الحق أن يتصف بها، وبعضها الآخر سلبي يجب على المؤمن أن يبتعد عنها ويحاربها في نفسه وطبائعه. فالصفات الإيجابية هي: التواضع، والحِلم، والتهجد ليلاً، والخوف من عذاب الله، والتذكر بآيات الله، ودعاء الله بصالح الأزواج والذرية. والصفات السلبية هي: ترك الإسراف والتقتير، والبعد عن الشرك والزنى والقتل، والبعد عن شهادة الزور وما لا خير فيه ولا فائدة من اللغو. 2) هؤلاء المؤمنون المتصفون بصفات الكمال، المستحقّون للقب عباد الرحمان، هم الذين يجزون يوم القيامة بأحسن موضع في الجنّة وأفضله، جزاءً لهم على تحمّل مشاقّ الطاعات، ورفض الشهوات، وتحمّل مجاهدة النّفس ومحاربتها، ويلقّون فيها تحيّة من الله وسلاماً من الملائكة، وهم في هاته الغرفة خالدين، حيث طابت لهم، وحسنت مستقرًّا ومقاماً. 3) وختم الله سبحانه وتعالى هاته الآيات ببيان أنّه غنيّ عن الكلّ، وأنّه لولا عبادة بعض خلقه وإيمانهم واتباعهم لأوامره سبحانه ما كان ليعتدّ بهم ويبالي، لأنّ شرف الإنسان بطاعته ومعرفته، وبذلك يتميّز عن سائر المخلوقات الأخرى. أما أنتم يا كفار قريش الذين كذّبتم ما جاء به رسولي، وخالفتم أوامري، واتبعتم شهوات أنفسكم الأمّارة بالسّوء، فسوف تساقون إلى جهنّم خالدين فيها جزاء تكذيبكم. العبر المستخلصة من النص: ـ النص القرآني الكريم يدعونا إلى الاتصاف بصفات الكمال، ونبذ النقائص والموبقات. ـ التوسّل إلى الله بالدعاء واجب للوقاية من عذاب جهنّم الأليم. ـ التوسّط في المعيشة واجب شرعي. ـ الصبر طريق النجاح والنجاة. الدرس الرابع: النص القرآني: قال الله تعالى: ( قُلْ تَعَالَوَاْ اَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمُ أَلَّا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلَادَكُمْ مِنْ اِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الْتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُواْ مَالَ اليَتِيمِ إِلَّا بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَّكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ). سورة الأنعام الآية 151/ 153. معنى المفردات: -تعالوا: أقبلوا، وأصله أن يستعمله من كان في مكان عال ينادي به من كان أسفله. -اتل: أقرأ. -الإملاق: الفقر، وأملق إذا أنفق ماله حتى الفقر. - الفواحش: ما عظم جرمه وذنبه من كبائر الذنوب. -ما بطن: ما خفي واستتر. -لعلّكم تعقلون: لعلّكم ترشدون. -حتى يبلغ أشدّه: حتى يبلغ رشده ويصير قادراً على التصرّف في أمواله. -الكيل: كال إذا عيّن كمية الشيء ومقداره بواسطة آلة معدّة لذلك. -بالقسط: بالعدل وعدم النقصان. -إلا وسعها: إلا ما في استطاعتها القيام به. -لعلّكم تذكرون: لعلّكم تتعظون وتعتبرون. -صراطي: طريقي ومنهاجي. -السُبل: الأديان الأخرى. -لعلكم تتّقون: لعلكم تبتعدون وتتجنّبون الضلال وتتمسّكون بالحق. المعنى الإجمالي للنص: النص القرآني المتقدّم تضمن ثلاث آيات في توضيح أصول الفضائل وأنواع البر وأصول المحرّمات والكبائر، ليكون المسلم على بيّنة من دينه، وما يجب عليه القيام به أو تركه وتحاشيه وليعرف أهداف هذا الدّين الحكيم وما يرمي إليه من مكارم الأخلاق وتكوين نفس المسلم تكويناً صالحاً. وهي وصايا عشر، خمس منها بصيغة النهي والباقية بصيغة الأمر: 1) فمن المحرمات والذنوب العظيمة التي لا تُغفر الإشراك بالله، وعبادة ما لا يجدي نفعاً من الأصنام ومظاهر الطبيعة ونحوها، وترك عبادة الرحمان الذي تتمثّل فيه القدرة، وبين يديه مصير هذا العالم بما فيه من أراضي وسماوات، ولا يَخفي ما في هذا العمل من عدم تقدير الله حق قدره، لذلك نهى سبحانه عن الإشراك به. وأمر بالاقتصار على عبادته، لأنّه هو الذي يستحقّ غاية التعظيم. 2) الأمر بالإحسان إلى الوالدين لأنّهما السبب الظاهر في وجودنا، فالأم تلقى بسبب الحمل والوضع مشقّة، والأب يتحمّل من مصاعب الحياة أمرها، فلذلك يجب البرّ بهما وإعانتهما والترحّم عليهما بعد وفاتهما. ونظراً لمكانتهما وما يجب على الإنسان أن يقوم به نحوهما قَرن الله سبحانه الإحسان إليهما بعبادته، قال الله تعالى: ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) الإسراء 23. 3) النهي عن قتل الأولاد خوفاً من الفقر كما كانت تفعل بعض القبائل في الجاهلية، لِما في ذلك من الذنب العظيم الذي لا يُغفر، ولِما يتمثّل كذلك في هذا العمل من إبادة للجنس البشري، وما كان حقّهم أن يفعلوا ذلك فالذي خلقهم وضمن أرزاقهم وما تقوم عليه حياتهم قد ضمن لهؤلاء الأولاد كذلك أرزاقهم. 4) النهي عن ارتكاب الفواحش والذنوب الكبيرة ممّا تأمر به القوّة الشهوية أو النفس الأمارة بالسوء في حالتي الخفاء والجهر. فالفواحش الظاهرة قد يبتعد عنها الإنسان حياءً من الناس، أو خوفاً من ملامتهم، أو خشيةً من سلطة القانون، أمّا الابتعاد عن الفواحش الباطنة التي لا يطلّع عليها الناس لاتصالها بخفايا النفس فهي مرتّبة تتجه بالناس إلى الصعود نحو المشارف العليا للكمال، والسلوك المثالي، وفي هذا قال الله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنَ) الأعراف 33. 5) النهي عن القتل ظلماً وعدواناً لما في ذلك من الإثم العظيم أمام الله وأمام المجتمع، ولا يجوز مطلقاً لأيّ أحد أن يقتل أحداً إلَّا لسبب أوجبت فيه الشريعة الإسلامية القتل ( كالقصاص والردّة..)، مستعيناً في الوصول إلى حقّه بالطرق القانونية وبولاية الأمر من حكام وقضاة. 6) النهي عن التلاعب بأموال اليتيم الذي كُلّف الإنسان بالسّهر على مصالحه ورعايتها، فالواجب يقتضي منه أن يؤدّي هاته الرسالة السامية على أكمل وجه، ولا يستغلّ فرصة وصايته ويعتدي على أموال اليتيم ويستغلّها لنفسه بل يجب أن يسهر على هذا المال بالإنماء والمحافظة حتى يبلغ اليتيم سنّ الرشد فيعامله بما يعامل به سائر المسلمين داخل المجتمع الإسلامي. 7) الأمر بعدم بخس الكيل والميزان، لأنّ النقص فيهما سرقة، والسرقة محرّمة في الإسلام، بل من الأحسن للإنسان أن يكون صادقاً وفيّاً في كيله وميزانه لما في ذلك من إعطاء الناس حقوقهم وبراءة ذمّته يوم المرجع والحساب حيث تجزى كل نفس بما عملت حسب استطاعتها لأنّه سبحانه لا يكلّف البشر إلَّا بما يستطيعون القيام به. 8) الأمر بأداء الشهادة على حقيقتها وبالعدل في الأحكام الصادرة عن الإنسان أثناء الفصل بين الناس. وإن كان الظالم من ذوي القربى فلا يتردّد الإنسان في إعانته على الرجوع إلى الحق بإزالة ظلمه وعدوانه، ولا يخفى ما يسبب هذا المبدأ إذا حقّق من عدالة وإنصاف واستقرار أمن داخل المجتمع. 9) الأمر بالوفاء بالعهود لأنّ ذلك من كمال أخلاق الإنسان، سواء كان هذا العهد بينه وبين ربّه، أو بينه وبين نفسه أو إنسان آخر. 10) الأمر باتّباع سبيل الله القويم ودينه الواضح الجلّي. والنهي عن اتّباع مختلف الأديان والمناهج المضلّة عن الطريق الحق الموصلة إلى ما فيه رضا الله وإنعامه. الفوائد المستخلصة من النص: ـ النص القرآني تضمّن عشر وصايا: النهي عن الإشراك بالله، وقتل الأولاد خوفاً من الفقر، وارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما خفي، وقتل الغير ظلماً وعدواناً، والتلاعب بأموال اليتيم، والأمر بالإحسان إلى الوالدين، وعدم النقص من الكيل والميزان، واتّباع سبيل الله المتمثّل في الإسلام. من هدي السنّة النّبويّة قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( نَظََّر اللهُ امْرَءاً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثاً فَحَفِظَهُ حَتّى يُبَلِّغَهُ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَحْفَظُ لَهُ مِنْ سَامِعٍ ) رواه أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. الدرس الأول: نص الحديث الشريف: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّباً، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ فَقَالَ تَعَالَى: ( يَأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ )، وَقَالَ تَعَالَى: ( يَأَيُّهَا الْذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ (، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثٌ أَغْبَرْ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ ).رواه مسلم. التعريف براوي الحديث: هو الصحابي الجليل عبد الرحمن بن صخر الدوسي المكنّى بأبي هريرة، وهو من كبار الصحابة الذين حفظوا للأمّة الإسلامية هذا الركن العظيم ( السنّة النبويّة ) وقد رضي الله عنه، وهو من أكثر الصحابة رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنّه كان يلازمه ملازمة تامّة حتى شهد له الرسول الكريم بالحرص على الحديث، ودعا له بثبات الحفظ، فلم يسمع شيئاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حفظه. أسلم سنة سبعة للهجرة عام خيبر، روى عن الرسول عليه الصلاة والسلام 5374 حديثاً، اتفق البخاري ومسلم منها على ثلاثمائة وانفرد البخاري بثلاثة وسبعين. ولَّاه عمر رضي الله عنه على البحرين ثم المدينة المنوّرة، فمكث فيها حتى توفي سنة 57 هـ ودفن بالبقيع رضي الله عنه وأرضاه. معاني المفردات: -طيّب: جميل ومطهر ومقدس ومنزه عن العيوب والنقائص. -المؤمنون: الذين آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم. -المرسلون: الذين أرسلهم الله لهداية البشر. -الطيبات: التي تستسيغها النفوس المعتدلة. -أشعث: ثائر الرأس. -أغبر: متغيّر اللون لطول سفره. -يمدّ يديه: يرفعهما إلى السماء بالدعاء. -فأنّى: فكيف. المعنى الإجمالي للحديث: في هذا النداء الخالص للمؤمنين أمرهم سبحانه وتعالى أن يأكلوا من طيّبات ما رزقهم وأن يؤدوا حقّ النعمة بشكر المنعم جلّ شأنه فيخلصوا العبادة والدعاء له وحده، وألَّا يخلطوا بين الحلال والحرام، لأنّ الذي يتوجّه إلى الله بالدّعاء الخالص يستوجب ذلك عليه أن يحرّر سعيه للكسب من الحرام، وأن يتحرّى الحلال في الطعام وفي الشراب وفي اللباس..قال الله تعالى: (يَأَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) سورة البقرة 168. ولا شك أنّ الكسب الحلال يبارك الله تعالى جهد صاحبه ويرزقه من حيث لا يحتسب، وأنّ الكسب الحرام يمحقه الله ويبعثر ثروة صاحبه فلا ينال منه إلَّا الخيبة والخسارة في الدنيا وفي الآخرة. لقد اختلط على الناس فهمهم لدين الله فلم يفهموا كنهه، يقعون في الحرام ثم يلجأون إلى الله عند الحاجة فيتضرعون له ليمدّهم من فضله ويعطيهم من رزقه وهم لا يعلمون أنّ الله طيّب لا يقبل إلا طيّباً. فعلى المسلم أن يسعى للكسب من طريقه المشروع وأن يتجنّب الحرام. ومن يبذل طاقته، ويكدّ، ويكدح، فكدّه وكدحه في سبيل الله وهو صدقة ما بقي نفعه. عن كعب بن عمرة قال: ( مرّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جَلَده ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَاراً فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ. وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْهِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ. وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ. وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ). رواه الطبراني. ما يستفاد من الحديث: ـ ما كان خالص النفع فهو حلال طيّب، وما كان خالص الضرر فهو حرام خبيث. ـ أفضل وأطيب أنواع الكسب عمل الرجل بيده. ـ من أنواع الكسب الحرام: الربا، الاحتكار، القمار، التجارة بالمخدرات، تطفيف الكيل والتلاعب بالموازين، السرقة، أكل أموال الناس بالباطل... ـ أثبت العلم الحديث أنّ الطعام الحلال المفيد الكامل له أثر طيّب على السلوك. الدرس الثاني: نص الحديث الشريف: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: ( إِنَّ اللهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشَرَ حَسَنَاتِ إِلَى سَبْعِمِئَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ لَهُ عنِْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً ) رواه البخاري ومسلم. التعريف براوي الحديث: هو الصحابي الجليل أبو العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنه، بن عمّ رسل الله صلى الله عليه وسلم ، رضي الله عنهما. وُلد قبل الهجرة بثلاث وستين. كان من أغزر الصحابة علماً، دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ( اللَّهُمَّ فَقِّّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ الحِكْمَةَ وَالتَّأْوِيلَ )، فكان يُسمَّى البحر لسِعَة عِلمه، وكان عُمَر رضي الله عنه يدنّيه من مجلسه ويستعين به ويستشيره. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم 1660 حديثاً، اتفق البخاري ومسلم منها على خمسة وتسعين، وانفرد البخاري بثمانية وعشرين، ومسلم بتسعة وأربعين. توفي رضي الله عنه وأرضاه بالطائف سنة 68 للهجرة ودفن بها. معاني المفردات: -الحديث القدسي: هو الحديث الذي يضيف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً إلى الله عزّ وجلّ. -كتب: قدّر مقادير الحسنات والسيّئات. -الحسنات: كل ما فيه خير. -السيّئات: كل ما فيه شر. - بيّنَ: وضّح وفصّل -همّ: عزم ونوى. -يعملها: يقوم بها في الواقع. -كتبها: أمر الله الملائكة بكتابتها وتثبيتها. -عنده: أي في الملء الأعلى، و"عنده " للتشريف. -كاملة: من غير تنقيص. المعنى الإجمالي للحديث: من فضل الله تعالى على هذه الأمّة ورحمته الواسعة بمضاعفة الحسنات والتجاوز عن السيّئات. فإذا قصد المسلم الخير ولم يفعله كتب الله له بذلك حسنة واحدة لقاء نيّته الحسنة وسريرته الطيّبة، وإذا فعل الخير وحقّقه في الواقع فله بذلك أفضل الجزاء وأجزل الأجر ويضاعفه الله له أضعافاً كثيرة ما لا يعلمه إلا الله العليم القدير. أمّا إذا همّ بفعل سيّئ ثم تجّنبه خشية من الله فله بذلك حسنة تشجيعاً له على ترك المنكر، أمّا من يفعل السّوء ويصنعه في الواقع فيؤذي به نفسه أو غيره فمن عدل الله أنّه لا يمدّ له في الوزر وإنّما يكتب له بذلك سيّئة واحدة، وليس ذلك تشجيعاً على المنكر وإنّما ترغيباً في التوبة والرجوع إلى الله الذي يستطيع العذاب ويصفح ويغفر، وإن تاب العبد المذنب عفا الله عنه وبدّل سيئاته حسنات، انظر إلى فضل الله وكرمه في قوله: ( مَثَلُ الْذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَّشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة 261. ومن فضل الله كذلك أنّه جعل الحسنات سبب إزالة السيّئات فقال الله تعالى: ( إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) هود الآية 114. فالحديث يحثّ على العفو والصفح وسعة الصدر، وهو دلالة واضحة على فضل الله وعدله ورحمته بعباده. ما يستفاد من الحديث: ـ فضل الله على هذه الأمّة ورفع الإصر عنها. ـ عدم الإصرار على المعصيّة، والاستعاذة بالله تعالى من كلّ وسواس أو هاجس. ـ الترغيب في العمل الصالح ولو كان قليلاً، فإنّ الله تعالى يضاعف الأجر الصغير حتى يُصبح كبيراً. الدرس الثالث: نص الحديث الشريف: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبَهُ حَسَناً وَنعْلَهُ حَسَنَةً، قَالَ: إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُ الجَمَالَ، الكِبْرُ بَطْرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ). رواه مسلم. التعريف براوي الحديث: هو الصحابي الجليل أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود الهذلي، حليف بني زهرة. أسلم قديماً. وكان رضي الله عنه صاحب الهجرتين إلى الحبشة وإلى المدينة المنوّرة. وكان أوّل من جهر بالقرآن عند مقام الكعبة، قرأ سورة الرحمن. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يكرمه، وكان مشهوراً بأنّه صاحب سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وليّ قضاء الكوفة في خلافة عمر رضي الله عنه، وصدراً من خلافة عثمان رضي الله عنه، ثم رجع إلى المدينة المنوّرة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم 848 حديثاً، أخرج البخاري ومسلم منها أربعة وستين، وانفرد البخاري بواحد وعشرين، ومسلم بخمسة وثلاثين. توفي رضي الله عنه سنة 32 هـ بالمدينة المنوّرة ودفن بالبقيع. معاني المفردات: -مثقال ذرّة: وزن أصغر شيء. -كِبر: الكبر هو الارتفاع على الناس واحتقارهم، ودفع الحق. -رجل: قيل الرجل الذي سأل الرسول صلى الله عليه وسلم هو مالك بن مرارة الرهاوي، وقيل معاذ بن جبل، وقيل عبد الله بن عمرو بن العاص.. -حسن: جميل ولائق. -نعله: النعل هو الحذاء. -جميل: صاحب الأسماء الحسنى وصفات الكمال. وذو النور والبهجة. -بطر الحق: ردّه وعدم الإذعان له. -غَمْط الناس: احتقارهم وازدراؤهم. المعنى الإجمالي للحديث: التكبّر من كبائر الإثم التي نهى عنها الإسلام وحذّر منها أشدّ تحذير، وهو من العوامل التي تُبعد الإنسان عن الهداية إلى الطريق المستقيم، وتتسبّب في السُخط الإلهي، قال الله تعالى: ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الْذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ ) الأعراف 146. وقال عزّ وجلّ: ( إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْتَكْبِرِينَ ). النحل 23. وقال جلّ وعلا: ( كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ). غافر 35. والكبر من آفات المجتمعات في كلّ عصر ومصر لأنّ أضرارها لا تحصى: فهو الأنانية الطاغية التي تصرف عن محبّة الغير وتقديم الخدمات للمجتمع. وهو المولّد للضغائن والمنازعات بين أفراد المجتمع. وهو الذي يصمّ الآذان عن كل نصيحة من الغير فيجرّ إلى الخسران المبين. والتكبر على الناس يجرّ إلى التكبر على الله، وهناك الهلاك الأكيد، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَتَكَبَّرُ وَيَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتَى يُكْتَب فِي الجَبَّارِين فَيُصِيبُهُ مَا أَصَابَهُم). رواه مسلم. وأهمّ أسباب التكبر: اعتقاد الإنسان أنه مميّز على غيره بالعلم، أو المال، أو النسب، أو الجاه، أو القوة، أو كثرة الاتباع. وعلاج الكبر أن يعوّد الإنسان إلى نفسه بأن يتأمّل في منشأ خلقه، فهو من تراب ومن ماء مهين، ثم يموت فيقبر حيث يعود جيفة نتنة، قال الله تعالى: ( قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيْ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمِّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرُ ). عَبَسَ 17/21. ومظاهر التكبّر كثيرة أهمّها: ـ استعظام النفس، واحتقار الغير، ورفض الانقياد بالحق والرضوخ له. ـ الاختيال في المشية، قال الله تعالى: ( وَلَا تُصَاعِرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً اِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ). لقمان 18. ـ رفض النصيحة والاستنكاف عن الحق، قال الله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِيسَ المَهَادِ ). البقرة الآية 204/206. ـ محبّة أن يسعى الناس إليه ولا يسعى هو إليهم وأن يمثّلوا له قياماً إذا قدم أو مرّ بهم، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَثّلَ لَهُ الرِّجُالُ قِيَاماً فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مَنَ النَّارِ ) رواه أبو داود. ـ محبّة التقدّم على الغير في المشي أو في المجلس أو في الحديث أو نحو ذلك. ما يستفاد من الحديث: ـ عندما تكبّر إبليس ولم يذعن لأمر الله ابتلاه الله بالذلّة وطرده من الجنّة مهاناً. ـ الكبر ينمّ عن خِفَّة في العقل. ـ حقيقة التكبّر إنكار الحق وسلب حقوق الناس. ـ ليس من الكبر الاعتناء بالمظهر. الدرس الرابع: نص الحديث الشريف: عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ( مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِم وَتَرَاحُمِهِم وَتَعَاطُفِهِم مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى .) رواه البخاري ومسلم. التعريف براوي الحديث: هو النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري المكنّى بأبي عبد الله، وهو أوّل مولود في الإسلام من الأنصار، وُلد بعد الهجرة بأربعة أشهر ولأبيه صحبة بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ، تولّى قضاء الشام، ثم استعمله معاوية رضي الله عنه على الكوفة، وكان من الخطباء المشاهير. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مئة وأربعة عشر حديثاً، اتفق البخاري ومسلم على خمسة منها، وانفرد البخاري بحديث ومسلم بأربعة. قُتل رضي الله عنه بالشام سنة 64 هـ، ودُفن هناك. معاني المفردات: -مَثَل: صفة وحال. -توادّهم: تزاورهم وتواصلهم الجالب للمحبة. -تراحمهم: أن يرفق بعضهم على بعض بسبب أخوّة الإيمان. -تعاطفهم: أن يعاون بعضهم بعضاً عند الشدائد. -سائر الجسد: باقي الجسم. -الحمّى: الحرارة المرتفعة التي تسري في جميع البدن وتؤلمه. المعنى الإجمالي للحديث: يمثّل الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين في هذه الصفات الثلاث بالجسد الواحد، فكما أنّ الجسد إذا مرض منه عضو تألّم له الباقي، فلم يذق نوماً، سرت إليه حرارة الحمّى، فآلمته، فكذلك المؤمنون حقيقة إذا نابت واحد منهم نائبة شعر بألمه الباقون، فسرعوا بما فيهم من العواطف لدفع الألم عنه، وجلب الخير له، فالمسلمون في مجموعهم كشخص واحد وكل فرد منهم بالنسبة للمجموع كالعضو بالنسبة للشخص، فالخير يصيب الواحد منهم كأنّما أصاب كلهم، والشرّ ينوبه كأنما ناب جميعه، فليعتبر بهذا الحديث بعض الأمم الإسلامية التي لا تألم لما يصيب جارتها، بل ربنا ساعدت عدوّها على القضاء عليها. فالمؤمنون شأنهم التعاون والتناصر، والتظاهر والتكاتف على مصالحهم الخاصّة، والمصالح العامّة قال الله تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ العُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ ). المائدة الآية 2. ذلكم هو سلاح الائتلاف والاتحاد والوفاق، سلاح ضمّ اليد إلى اليد، والأخ للأخ، وترك النزاع جانباً. ما يستفاد من الحديث: ـ حثّ المسلمين على التعارف والتواصل. ـ التعاون بين المسلمين سبيل النجاح والنجاة. ـ التعاون بين المسلمين سلاح ماض وجيش غلاب وعدّة عتيدة. ـ من ثمار الإيمان الشعور بألم المسلمين. الدرس الخامس: نص الحديث الشريف: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الجَلِيسُ الصَّالِحِ وَالسُّوءِ كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ فَحَامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذّيكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً طَيِّبَةً وَنَافِخِ الكِيرِ إِمَّّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحاً خَبِيثَةً). رواه البخاري. وفي رواية أخرى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ كَمَثَلِ صَاحِبِ المِسْكِ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْهُ شَيْءٌ أَصَابَكَ مِنْ رِيحِهِ، وَمَثَلُ الجَلِيسِ السُّوءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الكِيرِ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْ سَوَادِهِ أَصَابَكَ مِنْ دُخَانِهِ ). رواه أبو داود والنسائي. التعريف براوي الحديث: * هو الصحابي الجليل أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري ( نسبة إلى الأشعر قبيلة باليمن). قَدِم مكّة وأسلم وعاد إلى قومه وأسلم معه نحو خمسين رجلاً من قومه. وكان حَسَن الصوت بالقرآن قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّكَ أُوتِيتَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ ).استعمله الرسول صلى الله عليه وسلم على زبيد وعدن، وساحل اليمن. وولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على البصرة والكوفة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم 360 حديثاً، اتفق البخاري ومسلم مها على تسعة وأربعين، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بخمسة عشر. توفي رضي الله عنه وأرضاه بالكوفة سنة 50 هـ عن ستين سنة. الصحابي الجليل أنس بن مالك بن النضر الخزرجي الأنصاري، أمّه أمّ سليم رضي الله عنها، أهدته أمّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشر سنين، لازم خدمته عليه الصلاة والسلام عشر سنين، تعلّم منه الأخلاق والمثل العليا، وكان حَسَن الصلاة وكثيرها، قال أبو هريرة فيه: ما رأيت أحداً أشبه بصلاة النبيّ من أنس. دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ( اللَهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ ). روى عن النبي عليه الصلاة والسلام الكثير من الأحاديث بلغت ألفين ومئتين وستة وثمانين حديثاً، اتّفق الشيخان منها على مئة وثمانية وستّين حديثاً، وانفرد البخاري بثمان، ومسلم بسبعين. توفي رضي الله عنه عن عمر تجاوز المئة وذلك سنة 93 هـ. معاني المفردات: -مَثَل: صفة وحال. -الجليس: المجالس القاعد معك. -المسك: نوع جيد من الطِيب يؤخذ من الغزال. -صاحب المسك: بائع الطيب وإن لم يكن مسكاً. -يحذيك: يعطيك. -تبتاع: تشتري. -أصابك: حلّ بك. -الكير: جراب من جلد تنفخ به النار. -صاحب الكير: الحداد، الذي يصنع آلات الحديد. -سواده: شرار ناره حيث يسود بعد أن ينطفئ. المعنى الإجمالي للحديث: يحثّ الرسول الأكرم على أن نحسن اختيار الصديق والرفيق حيث شبّه الرسول صلى الله عليه وسلم حال الجليس النافع والصديق الصالح بحال بائع المسك، فإنّك تنتفع به إذا اشتريت منه أو أهدى إليك بعض طيبه، وإذا لم يحصل ذلك فإنّك تشمّ رائحة الطيب الزاكية، وكذا الصديق الصالح تتبادل معه الحديث فيما يعود عليكما بخيري الدنيا والآخرة، أو يكون النصح والتوجيه من جانبه فقط فتنتفع بنصائحه وإرشاداته، أو لا يكون هذا ولا ذاك ولكن تنظر إلى وجهه وحال صلاحه فتتبع طريقته وتحاول أن تكون مثله فتزكو في نفسك محبّة الخير والصلاح. وشبّه النبي صلى الله عليه وسلم حال الجليس السيّئ الطباع والصديق الفاسد الأخلاق بحال الحدّاد الذي ينفخ الكير، فإنّه إذا طار شراره ووقع على ثيابك أحرقها بناره، وإذا لم يكن هذا فكفى أنّك تشمّ رائحة الدخان الكريهة وتضيق أنفاسك منها، وكذا الصديق الفاسد فإنّه قد يحملك أن تشاركه في أعمال الضرر والفساد وتسري عدوى الأخلاق الفاسدة إليك سريعاً فتصير عضواً فاسداً وإنساناً شرّيراً، وإذا أخذت الحذر والحيطة ولم تشاركه في فساده فإنّك لا تخلو من الضيق به ولا تسلم من التهمة وسوء السمعة بأنّك تصاحب الأشرار. فرحم الله مسلماً كرّم نفسه وابتعد عن مواطن الشبهات واختار أصدقاءه ورفاقه من الطيبين المخلصين الطاهرين. ما يستفاد من الحديث: ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُر أَحَدُكُم مَنْ يُخَالِل) رواه الترمذي، إن الصحبة الصالحة شرط لبلوغ مقام اليقين. ـ إن الظَّفَر بصحبة صالحة في زمن الفتنة لممّا يعينك على صلاح حالك مع الله سبحانه وتعالى وتقويم خُلقك وسلوكك مع الخَلق. ـ الصحبة الصالحة تقويك على الطاعة وتجنّبك المزالق والهفوات. تذكرك إذا نسيت، وتنصحك إذا انحرفت. إنّها ظَفَر لك في الدنيا وذخر لك في الآخرة. الدرس السادس: نص الحديث الشريف: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً على دابة فقال: ( يَا غُلَام، إِنِي أُعَلِمُكَ كَلِمَاتٍ: اِحْفَظِ اللهِ يَحْفَظْكَ، اِحْفَظِ اللهِ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِن بِاللهِ، وَاعْلَم أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ). رواه الترمذي. التعريف براوي الحديث: قد سبق التعريف به في درس ( سعة فضل الله وعدله وقدرته تعالى ). معاني المفردات: -الغلام: الصبي الذي لا يتجاوز التسع سنين. -أعلمك كلمات: أدلّك إلى أمر ينفعك الله به. -احفظ الله: اتّق الله وتعرّف عليه. -يحفظك: يقيك من الشرور والمهالك. -سألت: دعوت، وأردت السؤال. -استعنت: طلبت الإعانة والمساعدة. -الأمّة: جميع الخلق. -ينفعوك: يحقّقون لك ما تريد. -بشيء: ولو بسيط وقليل. -كتبه الله: قدّره الله وقضاه. -رُفعت الأقلام وجَفّت الصحف: أي أنّ ما قضاه وقدّره الله للإنسان لا يستطيع أي مخلوق تغيّيره. المعنى الإجمالي للحديث: هذا الحديث الذي أمامنا تعبير عجيب يحمل في بساطته حقيقة التوّكل على الله وحده الذي هو أعلى درجات الإيمان، ويكون ذلك بعلم واع لصفات الله العلى وأسمائه الحسنى، وفهم دقيق لتعاليمه العادلة التي أنزلها لعباده، وترجمتها إلى واقع منظور، من خلال التوسّل إلى الواحد القهار في المنشط والمكره بالدعاء والتضرّع، والاستعانة به وحده، لأنه ليس لأحد من خلقه أن يضرّ أو ينفع، أو يزيد أو أن ينقص في الصحيفة التي كتب الله فيها أقدار خلقه. وعلى المؤمن بالله أن يعلم أن جميع الخلق لا يملكون له ضراً ولا نفعاً وإن حاولوا بأقوالهم وأفعالهم. فإذا أطاع الله في الرَّخاء واتبع هديه كان معه عند الشدّة والحاجة ويجعل له مخرجاً وفرجاً. هذا الإيمان الكامل يحصّن الفرد من وساوس نفسه، ويقيه من مشاكل الدنيا النفسية والاجتماعية التي لا تنتهي، ويريح ذهنه من تعب الشرود، وعقله من عناء التفكير في إرضاء الغير، ويحرّر توجهه لله الخالق المنعم. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( اِحْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ تَعَرَّف عَلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ وَاعْلَم أَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبكَ وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئكَ وَاعْلَم أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرَبِ وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً ) رواه الترمذي. ما يستفاد من الحديث: ـ إنّ كمال الإيمان ثمرة العلم والتصديق بالقلب والتوكّل على الله وحده وإذا قوي صار يقيناً، وثمرته العمل الحسن والسلوك الطيّب. ـ التعرّف على الله والاتصال به من أهمّ الوسائل لقضاء الحاجات. ـ الاستعانة بالخلق فيما يقدرون على حوائج الدنيا لا يتعارض مع التوكّل على الله. يتبع....
|
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]() ضع ردا اذا نال موضوعي اعجابك |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]() موضوع رائع مشكوووووووور اخي الكريم |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]() العفووووووووووووووووووووووووووو |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||
|
![]() جزاك الله الف خير |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 6 | |||
|
![]() العفووووووووووووو وراح اكمل بقية الدروس باذن الله |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 7 | |||
|
![]() ان شاء الله |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 8 | |||
|
![]() القيم الإيمانيّة والتعبديّة الرقم الواجب في حق الله تعالى المستحيل في حق الله تعالى الرقم الواجب في حق الله تعالى لمستحيل في حق الله تعالى 01 الوجود العدم 08 الإرادة الكراهية 02 الوحدانية التعدّد 09 القدرة العجز 03 القدم الحدوث 10 الحياة الموت 04 البقاء الفناء 11 السمع الصمم 05 المخالفة للحوادث المشابهة للحوادث 12 البصر العمى 06 القيام بالنفس الاحتياج إلى الغير 13 الكلام البكم 07 العلم الجهل * تعريف وجود الله تعالى: إنّ الله الخالق الذي يستحقّ العبادة موجود بذاته وبصفاته وبأفعاله. * الدليل على وجود الله: هل أنت تحتاج إلى أدلّة تثبت لك أنّ الله الخالق البارئ الواجد موجود ؟ إنّ الحقيقة الإنسانية والفطرة البشرية تكذّبان هذا الإدعاء. فما من إنسان إلَّا وعنده شعور ذاتي أقوى من الشعور بالجوع والعطش بأنّه مخلوق، وأنّ له خالقاً. قال تعالى: ( أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُواْ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضَ بَلْ لَّا يُوقِنُونَ ) الطور الآية 35/36. وهذا الشعور الفطري يستيقظ عند وجود مثير يبعث على اليقظة، من ألم ينزل أو ضرّ يحيط، قل الله تعالى: ( وَإِذَا مَسَّ الاِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً اَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ ) يونس الآية 12. وحدانية الله تعالى: تعريف الوحدانية: أنّ الله تعالى واحد في ذاته، وواحد في صفاته، وواحد في أفعاله. فليس في الوجود ذات تشبه ذات الله تعالى وليس أحد متصفاً بصفة تشبه صفة الله تعالى وليس لأحد غير الله فِعل يشبه فعل الله تعالى. قال الله تعالى: ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُؤًا أَحَدٌ) سورة الإخلاص. الدليل على أنّّ ذات الله واحدة: قال الله تعالى: ـ ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا ) الأنبياء الآية 22. ـ ( مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَّلِدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ اِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) المؤمنون 91. ـ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُؤًا أَحَدٌ ) سورة الإخلاص. العلم طريق إلى الإيمان: يظن بعض الناس الذين لم يدركوا من العلم إلا قليلاً إن الكفر من ضروريات العلم وإن أكثر الناس علماً هم أشدّهم إلحاداً . والحقيقة أن العلم لا يؤدي بصاحبه إلى الإلحاد في أيّ عهد من العهود، فإنّ العالِم المنقّب عن الحقائق يجد نفسه في هذا الوجود في عالَم لا حدّ له. والعلماء بما أُوتوا من صفات النظر العميق والتحقيق الدقيق يقفون على أسرار الإبداع الإلهي في الوجود ممّا لا يظهر لغيرهم . فالتفكير والبحث والتأمّل باستعمال العقل والقلب في الخلق هو الطريق الوحيد إلى معرفة الله ومعرفة كماله، وبذلك ينشأ الإيمان الحقيقي. قال الله تعالى: ( أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الاَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوَ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ التِي فِي الصُّدُورِ ) الحج الآية 46. ( أَوَ لَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ قُلْ سِيرُواْ فِي الاَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شِيْءٍ قَدِيرٌ ) العنكبوت الآية 19/20. هذا الكون آية على وجود الله: من أعظم الدلائل على وجود الله: خلق الكون، فالأرض التي نعيش عليها والمجموعة الهائلة من النجوم التي تتراءى لنا تُبهر الناظر عند التأمّل فيها، فتقف النفس أمامها حائرة تسودها الرهبة و يسيطر عليها الإعجاب، فتزداد إيماناً بعظمة الخالق . والقرآن الكريم كثرت فيه الآيات التي تدعو الإنسان بأن يوجه نظره إلى خلق هذا الكون - من سمائه و أرضه - وتدعوه إلى التفكر في أسراره ليدعم إيمانه ويطرد الشك من نفسه قال الله: ( قُلُ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ ) يونس الآية101. فالقرآن يصرّح بأن الإلحاد إذا استمر بعد النظر في هذا الكون وما فيه من حِكم وأسرار تدلّ على التصميم وعلى وجود خالق له، فليست هناك أدلّة أقوى من هذه،كما أنه لن يؤثر في الملحدين أي دليل آخر. فالمؤمنون هم الذين يستدلون بخلق هذا الكون على وجود الله، جاء في القرآن ( خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّلْمُومِنِينَ ) العنكبوت الآية 44، وجاء أيضاً ( إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ لَآياتٍ لِّلْمُومِنِينَ ) الجاثـية الآية 3. أقوال العلماء في وجود الله: من أقوال الفقهاء: ـ قال أبو حنيفة: ما تقولون في رجل يقول لكم: إني رأيت سفينة مشحونة بالأحمال مملوءة من الأثقال قد احتوشها في لجّة البحر أمواج متلاطمة ورياح مختلفة وهي من بينها تجري مستوية ليس لها ملاّح يجريها، ولا متعهّد يدفعها. هل يجوز ذلك في العقل ؟ قالوا: هذا شيء لا يقبله العقل، فقال أبو حنيفة: يا سبحان الله ! إذا لم يجز في العقل سفينة تجري في البحر مستوية من غير متعهّد ولا مُجْر فكيف يجوز قيام الدنيا على اختلاف أحوالها، وتغيّر أعمالها، وسعة أطرافها، وتباين أكنافها من غير صانع وحافظ ؟. ـ سئل الشافعي رحمه الله، ما الدليل على وجود الله ؟ فقال: ورقة التوت، طعمها ولونها وريحها وطبعها واحد عندكم، فتأكلها دودة القز فيخرج منها الحرير، والنحل فيخرج منها العسل، والشاة فيخرج منها البعر، وتأكلها الظباء فيعقد في نوافجها المسك، فمن الذي جعل هذه الأشياء كذلك مع أن الطبع واحد؟ من أقوال الفلاسفة والعلماء: ـ قال ديكارت فيلسوف فرنسي: إني مع شعوري بنقص ذاتي أحسّ في الوقت ذاته بوجوب وجود ذات كاملة وأراني مضطر للاعتقاد بأن هذا الشعور قد غرسته في ذاتي تلك الذات الكاملة المتحليّة بجميع صفات الكمال وهي الله. ـ وقال: إني لم أخلق ذاتي بنفسي، وإلا فقد كنت أعطيتها جميع صفات الكمال التي أدركها. إذن أنا مخلوق بذات أخرى، وتلك الذات يجب أن تكون حائزة جميع صفات الكمال، وإلا اضطررت أن أطبق عليها التعليل الذي طبّقته على نفسي. ـ قال نيوتن وهو أكبر علماء الفلك في عصره:كيف تكوّنت أجسام الحيوانات بهذه الصناعة البديعة ولأي المقاصد وضعت أجزاؤها المختلفة ؟ هل يُعقل أن تُصنع العين الباصرة بدون علم بأصول الإبصار ونواميسه ؟ والأذن بدون علم بقوانين الصوت ؟ كيف يحدث أنّ حركات الحيوانات تتجدّد بإرادتها ومن أين جاء هذا الإلهام الفطري في نفوس الحيوانات ؟ شبهات منكري وجود الله والردّ عليها: الماديون لا يعتقدون أن للوجود خالقاً بل يقولون بأنّ كلّ ما في الوجود أزلي صادر عن المادة، والنواميس الطبيعية نشأت على سبيل الصدف وبلغت من الكمال والارتقاء عن طريق التطورات المتعاقبة، وقد سرت تعاليم المادة إلى بعض الناس فألحدوا فتصدى كثير من العلماء للرّدّ على هؤلاء وبيان فساد مزاعمهم، وإليك بعضاً من أقوالهم : ـ نظرية الصدفة: فسّرت الصدفة بحدوث شيء أو ظاهرة دون سبب ولا مرجع. الرّدّ على هذه الشبهة: لنفرض أنّ معك كيساً يحوي مئة قطعة رخام، تسع وتسعون منها سوداء وواحدة بيضاء. والآن هزّ الكيس وخذ منه واحدة: إنّ فرصة سحب القطعة البيضاء هي بنسبة واحد إلى مئة، والآن أعد قطع الرخام إلى الكيس، وأبدأ من جديد: إن فرصة سحب القطعة البيضاء مرتين متواليتين، هي بنسبة واحد إلى عشرة آلاف. والآن جرّب مرّة ثالثة، إن فرصة سحب تلك القطعة البيضاء ثلاث مرّات متوالية هي نسبة مئة مرّة عشرة آلاف أي بنسبة واحد من المليون، ثم جرّب مرّة أخرى أو مرّتين، تصبح الأرقام فلكية. * قال جون وليام كلوتس وهو عالم في الوراثة: إن هذا العالم الذي نعيش فيه، قد بلغ من الإتقان والتعقيد درجة تجعل من المحال أن يكون قد نشأ بمحض المصادفة، إنه مليء بالروائع والأمور المعقّدة التي تحتاج إلى مدبّر، والتي لا يمكن نسبتها إلى قَدَرٍ أعمى. ولا شك أن العلوم قد ساعدت على زيادة فهم وتقدير ظواهر هذا الكون المعقّدة، وهي بذلك تزيد من معرفتنا بالله ومن إيماننا بوجوده. ـ نظرية التصور المادي: أي لا وجود إلا للمادّة التي تدركها الحواس. الرّدّ على هذه الشبهة: الذين لا يؤمنون إلا بالمادة هم لا ينكرون وجود الجاذبية وقوانينها ولم يشاهدوها، بل رأوا آثارها، ويؤمنون بالعقل ولم يروه بل رأوا آثاره، ويؤمنون بالمغناطيسية وقد شاهدوا فقط الجذّاب الحديد إلى الحديد دون رؤية الجاذب. فواقع أمرهم يدلّ على أنهم آمنوا بأشياء لم تدركها حواسهم، ولكن آثارها هي التي دلّتهم عليها وهم فيها على يقين لا يخلطه شكّ. ـ نظرية التطور: التطور هو تغيّر هذه المخلوقات من حال إلى حال آخر يختلف تماماً عن الأصل. الرّد هذه الشبهة: قال أوستن كلارك العالم البيولوجي: لا توجد علامة واحدة تحمل على الاعتقاد بأن أياً من المراتب الحيوانية الكبرى ينحدر من غيره، إنّ كلّ مرحلة لها وجودها المتميّز الناتج عن عملية خلق خاصة ومتميّزة .. لقد ظهر الإنسان على الأرض في نفس الشكل الذي نراه عليه الآن. دليل الإتقان على وجود الله: هذه السماء وما فيها من بلايين النجوم المشتعلة والكواكب السيارة التي يحفظها قانون الجاذبية من أن تتصادم أو يرتطم بعضها بالكواكب السيارة والتي يحفظها قانون الجاذبية من أن تتصادم أو يرتطم بعضها بكوكبنا الأرضي الذي نعيش عليه فتنسفه. هذه الكرة الأرضية التي نعيش عليها وما فيها من نبات وحيوان وجبال وبحار كل ذلك لمنفعة الإنسان، إنّ هذا من البراهين القوّية على وجود قدرة إلهية حكيمة وعلى بطلان مزاعم الماديين بأن الكون وُجد صدفةً . يقول العلَّامة كريسي موريسون: " إنّ استعراض عجائب الطبيعة ليدلّ دلالة قاطعة على أنّ هناك تصميماً وقصداً في كلّ شيء، وثمّة برنامجاً ينفّذ بحذافيره طبقاً لمشيئة الخالق جلّ وعزّ ويقول: إنّ حجم الكرة الأرضية، وبُعدها عن الأرض، وبُعدها عن الشمس، ودرجة حرارة الشمس أشعتها الباعثة للحياة، وسُمك قشرة الأرض وكميّة الماء، ومقدار ثاني أكسيد الكربون، وحجم النتروجين، وظهور الإنسان وبقاء الحياة كلّ أولاء يدلّ على خروج النظام من الفوضى وعلى التصميم والقصد ". إنّ هذا التصميم والقصد هو الذي لفت القرآن إليه الأنظار في آيات كثيرة نذكر منها قوله تعالى: ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ وَاخْتِلافِ اليْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الاَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالاَرْضِ لَآياتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) البقرة الآية 164. فالأرض كرة معلّقة في الفضاء تدور حول نفسها فيكون بذلك الليل والنهار وبالتالي فإن دوران الأرض له تأثير على تحرّكات الرياح، والرياح تنقل بخار الماء من المحيطات إلى مسافات بعيدة داخل القارات حيث يمكن أن يتكاثف ويتحوّل إلى مطر، والمطر مصدر الماء العذب ولولاه لأصبحت الأرض جرداء خالية من كل أثر للحياة . هذا مع العلم أنّ ما وضعه الله من العناصر التي يمتصها النبات ويحولها إلى أنواع مختلفة من الغذاء يفتقر إليها الحيوان . هذه حقائق علمية عن سرّ الحياة على هذه الأرض فصّلته الآية القرآنية وبيّنت وجود التصميم في الطبيعة والعلاقة المنتظمة بين عناصرها كافة وهي دلائل واضحة على وحدانيته سبحانه وتعالى عن طريق العقل كما هو مطلوب في الآية : ( .. لَآياتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) البقرة الآية 164. وجاء في القرآن وصف قدرته سبحانه وتعالى : ( وَهُوَ الذِي مَدَّ الاَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اليْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الرعد الآية 3. فالرواسي في هذه الآية هي الجبال التي يحسبها الجاهل فضلة في الأرض لا حاجة إليها ولكنها ذات فائدة عظيمة إذ ينزل عليها الثلج فيبقي في ثناياها حافظاً لشرت الناس يذوب بالتدريج فتسيل منه الأنهار، ومن الماء تخرج أصناف متنوعة من الثمرات تتوقف حياتها على اختلاف الليل والنهار بهذا الطول المعروف الآن، فلو كان نهارنا وليْلنا أطول مما هما الآن عشر مرات لأحرقت شمس الصيف نباتاتنا نهاراً، ولتجمّد ليلاً كل نبات في الأرض. هذه هي الحقائق التي ذكرتها الآية القرآنية والتي تبيّن وجود التصميم في الطبيعة ووجود إرادة حكيمة وهي إرادة الله سبحانه وتعالى الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد. التنسيق في الكون دليل على وحدانية الله تعالى: إنّ هذا الكون وما فيه من النجوم التي يعجز العقل الإنساني عن معرفتها، أو الإحاطة بعددها، وعلى كثرة عددها فإنّ لكلّ نجم موقعاً ومساراً تسير فيه، لا تتعدّاه ولا تخرج عنه، ولو تعدّاه لاصطدم بآخر ممّا يؤدّي إلى اضطراب نظام الكون، واستحالة الحياة فيه، ووجود هذه النجوم يهتدي بها الإنسان في سيره وحلّه وترحاله حيث يستطيع أن يحدّد الاتجاهات. فإذا رفعنا أعيننا نحو السماء، فلا بدّ أن يستولي علينا العجب من كثرة ما نشاهده فيها من النجوم والكواكب السابحة فيها، التي تتّبع نظاماً دقيقاً لا تحيد عنه قيد أنملة، مهما مرّت بها الليالي، وتعاقبت عليه الفصول والأعوام والقرون، إنها تدور في أفلاكها بنظام يمكّننا من التنبؤ بما يحدث من الكسوف والخسوف قبل وقوعه بقرون عديدة، فهل يظن أحد بعد ذلك أن هذه الكواكب والنجوم قد لا تكون أكثر من تجمعات عشوائية من المادة تتخبط على غير هدى في الفضاء ؟ وإذا لم يكن لها نظام ثابت، ولم تتّبع قوانين معيّنة فهل كان من الممكن أن يثق الإنسان بها، ويهتدي بهديها في خضمّ البحار والمحيطات، وفي متاهات الطرق الجويّة التي تتبعها الطائرات ؟ فلا شك أن الأجرام السماوية تخضع لقوانين خاصة وتتّبع نظاماً معيّناً، وأنّها ليست حرّة تتخبّط في السماء كيف تشاء.. ولا يسع الإنسان إلا أن يمجّد الله الذي وضع ذلك النظام الرائع وتلك الدقّة البالغة التي تعبّر عن تماثل السلوك وتجانسه الذي يؤكد أن خالق هذا الكون واحد في ذاته وواحد في صفاته وواحد في أفعاله. بعض أمثلة التنسيق: الهواء: الذي نستنشقه مركّب من عدّة عناصر منها جزءان هامّان: جزء صالح لتنفس الإنسان، ويسمى باصطلاح الكيميائيين الأكسيجين، وجزء ضار به ويسمى الكاربون. فمن دقائق الارتباط ( التنسيق ) بين وحدات هذا الوجود والمعجز أن هذا الجزء الضار بالإنسان يتنفّسه النبات وهو نافع له. ففي الوقت الذي يكون الإنسان يستنشق الأكسيجين ويطرد الكاربون، يكون النبات يعمل عكس هذا. وتتمّ عملية التوازن بين الصادر والوارد من غاز الفحم البحر، فإنه يمتص كل زيادة موجودة في الجو إذا بلغت هذه الزيادة فوق الحدّ المناسب، فانظر إلى الرابطة التعاونية التكاملية بين الإنسان والنبات والبحر في شيء أهم عناصر الحياة وهو التنفّس. الطعام: أنت تأكل الطعام وهو مركّب من عدّة عناصر نباتية أو حيوانية يقسمها العلماء إلى بروتينات ونشويات ودهنيات وفيتامينات ومعادن. الزَهرة: ترى الزهرة في النبات ولها أوراقاً جميلة جذّابة ملوّنة بألوان مبهجة، فإذا سألت علماء النبات عن الحكمة في ذلك أجابوك بأنه إغراء للنحل وأشباهه من المخلوقات التي تمتصّ رحيق الأزهار لتسقط على الزهرة حتى إذا وقفت على عيدانها علقت حبوب اللقاح بأرجلها وانتقلت بذلك من الزهرة الذّكر إلى الزهرة الأنثى فيتمّ التلقيح. فبعض النباتات تلقّح نفسها بنفسها، وبعضها يأتيها اللقاح بواسطة الهواء والحشرات من نبتة أخرى. فسبحان القائل: ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهَ لَفَسَدَتَا ) الأنبياء الآية 22. فلو كان للكون صانعان فعند اختلافهما مثلاً أن يريد أحدهما تحريك جسم ويريد الآخر تسكينه، أو يريد أحدهما إحياءه والآخر إماتته: فإمّا أن يحصل مرادهما، أو يحصل مراد أحدهما ، أو لا يحصل مرادهما. والأوّل ممتنع، أنّه يستلزم الجمع بين الضدّين، والثالث ممتنع لأنّه يلزم خلو الجسم عن الحركة والسكون، وستلزم أيضاً عجز كل منهما، والعاجز لا يكون إلهاً وإذا حصل مراد أحدهما دون الآخر، كان هذا هو الإله القادر، والآخر عاجز لا يصلح للألوهية. الدرس الثاني: الإيمان: معنـاه: التّصديق الجازم الذي لا شكّ معه ولا ظنّ. أركانه: الإيمان بالله، الإيمان بالملائكة، الإيمان بالكتب، الإيمان بالرسل، الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بالقضاء والقدر. ضرورة الإيمان: تتّفق آراء الأطباء أن أخطر ما يهدّد سلامة الإنسان في عصره الحالي وعصوره المقبلة الشعور بالوحدة، هذا الإحساس الذي يتوّلد في نفس الإنسان لظروف خارجة عن إرادته إذ يتولاه في وقت معيّن وفي مكان محدّد أو بنتيجة إحساس داخلي فنجده قد نفر من الناس وانزوى عن المجتمع، وبدأ يتطوّر هذا الإحساس إلى شعور مدمّر بوحدة قاتلة فتسبّب له ضيقاً في صدره ويأساً من عمله وفشلاً في حياته، وبذلك يتهدّد مستقبله وينتهي دوره الإيجابي في الحياة. فقرّر الأطباء العلاج الناجع بعد بحث طويل ومحاولات عديدة وهو أن يغرس الإنسان الشعور بأنه ليس وحيداً وأنه مهما كان فلن يكون في لحظة ما بمفرده، ونصح الأطباء والعلماء أن يتعلّم الإنسان منذ طفولته أنه إذا كان يسير على جانب من الطريق فإن الله على الجانب الآخر. وهذا الإيمان الجازم له آثار قوية في حياة الفرد والمجتمع معاً: 1) آثار الإيمان في حياة الفرد: ـ الطمأنينة: وهي أهم عنصر في حياة الإنسان فكلما فقد الإيمان زادت المشاكل وقلَّ الأمن النفسي، ومن فقد الطمأنينة من داخله عجز عن جلبها، فالدّين يزرع الطمأنينة ويوضّح كيفية التعامل مع المشاكل. ـ التفاؤل والأمل: وهو أثر هامّ، أمل في الدنيا وذلك بالتعمير والبناء، وأمل في الآخرة وذلك بالإخلاص وحسن التدبير. ـ التمتّع باللّذات المعنوية: على اعتبار أنّ اللّذات الحسيّة ليست هي القصد الأول، بل إنّ لها نهاية وهناك لذات عقلية ومعنوية وروحية. 2) آثار الإيمان في حياة المجتمع: ولا يمكن إغفال أثر الإيمان في الناحية الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية حيث هي التي توجّه المجتمع للبناء وأنواع التعامل الاجتماعي مثل التكافل والاتحاد والتآزر وتجنّب الفرقة..، وأنواع التعامل الأخلاقي مثل احترام الغير بالمعاملة الحسنة وتجنّب الأخلاق القبيحة..، وأنواع التعامل الاقتصاديمثل إعانة الفقير وكفالة اليتيم وتجنّب التعامل بالربا والرشوة واحتكار المال..، وهكذا أثر الإيمان في ربط قلوب المؤمنين وإخائهم واعتقاد الإنسان شرف ما ينتمي إليه من عقيدة، وعظم الأمّة التي ينتسب إليها، والعمل من أجلها وابتغاء مرضاة الله وحده. والإيمان أساس العدل والمساواة والإحسان إلى الناس. فإذا أرادت الإنسانية مستقبلاً مشرقاً فلا يكون ذلك إلا بالإيمان الذي يحدّد ويوجّه مسيرة الكون إلى المستقبل المشرق. الدرس الثالث: التأدّب مع الله: اعلم أخي المسلم أنّ الأدب مع الله سبحانه وتعالى قوام هذا الدين الإسلامي. ومن تأدّب مع الله صار من أهل محبّته. فضائل التأدّب مع الله: إذا أخلص المسلم التأدب مع الله تعالى كتب له النجاح والسداد، والوصول إلى غاية المراد وحقّق له كلّ ما يرغب من مطالب الحياة الدنيا والحياة الآخرة. فهذا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لما تأدّب مع رب العالمين سبحانه وتعالى رفعه الله رفعة ما بعدها رفعة فأعطاه المقام المحمود، هذا المقام: أُفق وضيء طليق مرفرف عاش فيه قلب رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وبصره، فأعطاه الله تعالى ما لم يعط أحداً غيره ( من تواضع لله رفعه ). ولما تأدّب بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أثنى الله تعالى عليه فقال عز وجل: ( مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى ) النجم الآية 17. تأدّب الرسول rمع الله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة العظمى لنا جميعاً في كل شئ وخاصة في الأدب مع ربه سبحانه وتعالى فلقد كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتورّم منه الأقدام ولمّا تقول له عائشة رضي الله عنها يا رسول الله هوّن على نفسك إنّ الله قد غفر لك فيقول: ( يا عائشة أفلا أكون عبداً شكوراً )، كان صلى الله عليه وسلم يكثر من البكاء من خشية الله تعالى، ويكثر من الاستغفار، ويقول: ( والله إني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرّة ) رواه البخاري. يقول رب العالمين عن نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم سيّد الأولين والآخرين في كتابه العزيز: ( مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى ) النجم الآية 17، قال ابن القيم في معنى هذه الآية: هذا وصف لأدبه صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام إذ لم يلتفت جانباً ولا تجاوز ما رآه، وهذا كمال الأدب، والإخلال به أن يلتفت الناظر عن يمينه وعن شماله أو يتطلع أمام المنظور، فالالتفات زيغ، والتطلع إلى ما أمام المنظور طغيان ومجاوزة فكمال إقبال الناظر على المنظور ألاّ يصرف بصره عن يمينه أو شماله ولا يتجاوزه وفي هذه الآية أسرار عجيبة وهذا هو الأدب اللائق بأكمل البشر محمد صلى الله عليه وسلم. مظاهر التأدّب مع الله: التأدّب مع الله تعالى يكون بثلاثة أشياء: 1 ـ صيـانة الفكر: فمن الأدب مع الله أن نقابل ما أنعم الله علينا بواجب الشكر لله فهو وحده الذي خلقنا ورزقنا وأعطانا من فضله الكثير والكثير. والتعرّف على صفات الله العلى، وتنزيهه سبحانه عن كل عيب ونقص. 2 ـ صيـانة القلب: وذلك بالإيمـان بالله ، وإخلاص العبـادة له وحده، وبالتوكّل عليه، قال الله تعالى: ( فَإذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ ) آل عمران الآية 159، والتعوّد على حبّه سبحانه وحبّ رسوله صلى الله عليه وسلم. 3 ـ صيـانة الأفعال: وذلك بتأدية فرائض الله تعالى التي فرضها علينا مثل الصلوات الخمس في أوقاتها وبخشوع كامل ثم نؤدي بقية الفرائض من صيام وزكاة وحج لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً فأحب الأعمال وأفضلها عند الله تعالى التي تقرّب منه أكثر أداء الفرائض. ثم بعد ذلك نتعلّم مراقبته سبحانه وتعالى وخشيته ومن تعرّف على الله في الرّخاء يعرفه في الشدّة. ـ ومن الأدب مع الله تعالى أن لا يكون القَسَم إلا به: ( فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ). ـ ومن الأدب مع الله تعالى أن يحبّب المسلم الإسلام إلى غيره من غير المسلمين بأن ينشر تعاليمه السمحة عن طريق المعاملة بالحسنى. الدرس الرابع: العبــادة: معنى العبادة في اللغة: أصل العبودية الخضوع والذل. يقال طريق معبّد أي كثير الوطء عليه. والعبادة: الطاعة والاستكانة. وقيل التعبّد التنسّك. والعبادة غاية الطاعة والخضوع. معنى العبادة في الشرع: هي غاية الطاعة والتذلل والخضوع لله وحده الممزوج بالحبّ الكامل. فالعبادة لا تتحقق إلَّا بأمرين هامّين: ـ الالتزام بجميع تعاليم الله جلّ وعزّ التي أنزلها لعباده وبيّنها رسوله الكريم محمّد صلى الله عليه وسلم. وأساس هذه العبادة هو الشعور بكبرياء الله وقهره وقدرته وسلطانه، قال الله تعالى: ( وَللهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً ) الرعد الآية 15. ـ أن يصدر هذا الخضوع من قلب مؤمن بالله محبّ له. وأساس هذا الحبّ هو الشعور بفضل الله وكرمه وإحسانه، ويكون ذلك بمعرفة الله حقّ المعرفة. الغاية من العبادة: لماذا نعبد الله وهو الغني عنّا ؟ الجواب: من حقّ الله أن يفرض علينا ما يشاء، ويكلفنا ما يريد، بحكم أننا خلقه وهو المنعم علينا، ولنعلم أن الله لا يأمرنا إلا بما فيه خيرنا وصلاحنا نحن الفقراء وهو الودود الكريم البّر الرحيم الغني الحكيم. فالغاية من العبادة والخضوع والتذلل والاستكانة لله هي: ـ العبادة أداء الحق الإلهي: الأساس الأول لأداء العبادة هو اعتراف الإنسان بفقره وحاجته لله، واعتراف البشر بأن الله الذي خلقهم ورزقهم يجب أن يُعبد ويُشكر. وهم بذلك يوثّقون صلتهم بالله لأنّ الله أوّل من ينبغي توثيق الصلة به، إجلالاً لألوهيته، وإقراراً بفضله وابتغاءً لثوابه، واتّقاءً لعقابه. والعبادة جسم وروح والقبول الإلهي يكون لمن قدّمها حيّة لا ميّتة. والأساس في الطاعة أنها تجعل الإنسان يتحقّق بأوصاف عبوديته بين يدي ربّه ومع صنوف الخلق. ـ العبادة سبيل التحرر: عبادة الله وحده في الحقيقة عين الحرية لأنها تخرج من قلب الإنسان المخلص في عبادته لله كل أنواع العبودية المزعومة، وتعتق القلب من رقّ المخلوقين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وكل من استكبر عن عبادة الله لا بد أن يعبد غيره. فإنّ الإنسان حسّاس يتحرّك بالإرادة.. فمن لم يكن الله معبوده ومنتهى حبّه وإرادته، بل استكبر عن ذلك، فلا بد أن يكون له مراد محبوب يستعبده غير الله، فيكون عبداً لذلك المراد المحبوب إمّا المال، وإمّا الجاه، أو غير ذلك ممّا عبد من دون الله..). ـ العبادة سعادة النفس: ليس أجلب لسعادة الإنسان وسلامة ضميره من توجيه همّه إلى الله الواحد بالخضوع والحب. فالعبد السالم لرب واحد يطيعه ويلبي نداءه يكون ضميره مرتاح وقلبه منشرح. ـ العبادة راحة القلب والروح: قال ابن قيم الجوزية: ( إنه لا شيء أحبّ إلى القلوب من خالقها وفاطرها، فهو إلهها ومعبودها، ووليّها ومولاها، وربّها ومدبّرها ورازقها ومميتها ومحييها، فمحبته نعيم النفوس، وحياة الأرواح، وسرور النفوس وقوت القلوب، ونور العقول، وقرّة العيون، وعمارة الباطن..). وقال الدكتور يوسف القرضاوي: ( فالقلب لا يفلح ولا يصلح ولا ينعم ولا يبتهج ولا يلتذّ ولا يطمئن ولا يسكن إلا بعبادة ربه وحبّه، والإنابة إليه، وكلما تمكّنت محبّة الله من القلب، وقويت فيه أخرجت منه تألهه لما سواه وعبوديته له.. ). ـ العبادة تربية إلهية: إن العبادة التي شرعها الإسلام رياضة جليلة الآثار في تربية الأخلاق وتقويم الطباع. والعبادة تنافي الجفوة والقسوة، لأنها تواضع ولين جانب وسهولة خلق. إن الله شرع العبادة ليتواضع العباد بها وليستقبلوا بها رحمة الله، ثم يلقوا بها سائر الخلق وفي قلوبهم رقّة، وفي نفوسهم وداعة، وفي سيرتهم طيبة. الشعائر الكبرى: إن الشعائر الكبرى للعبادة هي الأسس التي تقوم عليها وتسمى بأركان الإسلام الفعلية، وتتمثّل في الصلاة والزكاة والحج والصيام. وعن أبي عبد الرحمان عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان ) رواه البخاري ومسلم. 1) عبادة الصلاة: الصلاة صلة بين العبد وخالقه، والإنسان في حاجة دائمة إلى تقوية هذه الصلة، ولذلك فرض الله عليه أن يقف بين يديه خمس مرّات في اليوم والليلة خاشعاً مطيعاً، ليشعر دائماً في حياته برقابة ربه ويعمل جاهداً لمرضاته، وبذلك تستقيم حياته، وتصلح أعماله. والصلاة تقوّي روابط الأخوّة بين أفراد المجتمع الذين يؤدّون الصلاة في جماعة. معنى الصلاة: الصلاة في اللغة: هي الدعاء، ومنه قوله تعالى: ( وَصَلِّ عَلَيْهِمُ إِنَّ صَلَوَاتِكَ سَكَنٌ لّهُمْ ) التوبة الآية 103. الصلاة في الشرع: هي أقوال وأفعال مخصوصة تبتدأ بالتكبير وتختتم بالتسليم. حكم الصلاة: شرّعت الصلاة ليلة الإسراء والمعراج، وهي واجبة وجوباً عينياً، ودلّ على وجوبها القرآن والسنّة: قال الله تعالى: ( وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَيُوتُواْ الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ) البيّنة 5. وقال عزّ وجلّ: ( فَإِنْ تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ) التوبة الآية 11. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ الأعمال أفضل ؟ قال: الصلاة لوقتها، قلت ثم أيّ ؟ قال: برّ الوالدين، قلت ثم أيّ ؟ قال: الجهاد في سبيل ) متفق عليه. منزلة الصلاة: الصلاة من الإسلام بمنزلة الرأس من الجسد، وهي عماد الدين ودعامته وركنه وشعيرته، والفارق بين الكفار والمسلمين، وهي شرط النجاة وحارسة الإيمان، وهي الصلة بين العبد وربّه، وهي قرّة العين، وراحة الضمير، ومناجاة المخلوق لخالقه، وهي تكفير للذّنوب والخطايا، وتطهير للنفوس من الرذائل، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( أرأيتم نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كلّ يوم خمس مرّات هل يبقى من دَرَنه شيء ؟ قالوا لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا ). متفق عليه. حكم ترك الصلاة: لا شك أنه من ترك الصلاة يعاقب في الآخرة أشدّ العقاب وتفوته مصالح الصلاة ومنافعها في الدنيا الكثيرة، قال الله تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ اليَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ المُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ ) المدّثر الآية 38/43. وقال الله تعالى: ( وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ المُشْرِكِينَ ) الروم 31. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة ) متفق عليه. 2) عبادة الزكاة: إن عناية الإسلام بعلاج الفقر، ورعاية الفقراء وذوي الحاجة والضعف لم يسبق لها نظير في ديانة سماوية، ولا في شريعة وضعية، سواء ما يتعلّق بجانب التربية والتوجيه، أو ما يتعلّق بجانب التشريع والتنظيم، أو ما يتعلّق بجانب التطبيق والتنفيذ. ومن أظهر الأدلة على اهتمام الإسلام بمشكلة الفقر، وعنايته بأمر الفقراء أنه منذ بزوغ فجر الإسلام في مكّة، والمسلمون يومئذ أفراد معدودون مضطهدون في دينهم، محارَبون في دعوتهم، ليس لهم دولة ولا كيان سياسي، وكان هذا الجانب الإنساني الاجتماعي موضع عناية بالغة واهتمام مستمرّ من القرآن الكريم. ذكره القرآن أحياناً باسم إطعام المسكين والحض عليه، وأحياناً تحت عنوان الإنفاق ممّا رزق الله، وتارة باسم أداء حقّ السائل والمحروم، والمسكين وابن السبيل، وطوراً بعنوان الزكاةوغير ذلك من الأسماء والعناوين. معنى الزكاة: الزكاة لغة: مصدر زكا إذا نما وزاد، يقال زكا الزرع إذا نما، وزكت النفس إذا طهرت وصلحت، ومنه قوله تعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) الأعلى الآية 14. الزكاة شرعاً: هي إخراج جزء مقدّر من المال، شرط وجوبها وإعطائه لمستحقيه، إذا بلغ المال النصاب. ويسمى هذا الجزء زكاة لأنه يزيد البركة في المال ويطهره من الآفات. حكم الزكاة: شرّعت الزكاة في السنة الثانية من الهجرة على كل من توفّرت فيه شروطها، والزكاة من أهمّ الفروض العينية، وهي ركن من أركان الإسلام الخمسة، قال تعالى: ( وَالذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ ) المعارج الآية 24/25. وقال الله تعالى: ( وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ) البقرة الآية 83. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان ) رواه البخاري ومسلم. عقاب مانع الزكاة: حرّم الإسلام منع الزكاة وعاقب على تركها في الدنيا والآخرة، أما العقوبة التي في الدنيا: فتؤخذ منه عُنْوة لقوله تعالى: ( فَإِنْ تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمُ ) التوبة الآية 5. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ( والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة ) رواه البخاري. وأمّا التي في الآخرة: فسخط الله وسوء الحساب وعذاب النار، قال الله تعالى: ( وَالذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ اَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُم وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) التوبة الآية 34/35. الحكمة من مشروعية الزكاة: شرّع الإسلام الزكاة لحِكم جليلة وعظيمة منها: الزكاة عبادة مالية يزكو فاعلها عند الله وتعلو مرتبته ويشهد لذلك قوله تعالى: ( خُذْ مِنَ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ) التوبة 103. وهي تشعر بشكر الله عزّ وجلّ على ما أنعم به على عبده من نعمة المال، كما تغرس في النفوس أن المال مال الله وأن الأغنياء خلفاء الله، والفقراء عيال الله، وأنّ أحبّ خلفاء الله أبرّهم بعياله، وأنّ البرّ ذمّة وفريضة وليس منّة وعطاء. والزكاة تزيد في البركة وتحصّن المال من الضياع وتحفظه من التلف، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة واستعينوا على أمواج البلاء بالدعاء ). فالزكاة قاعدة اجتماعية من أسمى القواعد السماوية، إذ تضمن للفقراء حقّ في أموال الأغنياء، وتحارب الميْز الطبقي الذي لا تعترف به شريعة الإسلام، وتجعل الغني يشعر بذلك النقص الذي يعيشه الفقير، فيخصّص له من أمواله حقّاً يساهم به في دفع الأذى عنه، الشيء الذي يزيد في ربط أواصر المجتمع الإسلامي. ولا تقتصر حكمة الزكاة على ما ذكر فقط، فهي تلقّننا معنى التضامن والتعاون الذي يغرس في أفئدتنا الرحمة والشفقة نحو تلك الطبقة التي تفترش الأرض وتلتحف السماء، أو التي لا تحصل على قوت يومها إلا بعد تعب ومشقّة. وما يُؤسف له أن الزكاة لا تُخرج على حقيقتها ، فلو أدى كل مسلم واجبه، ودُفعت الزكاة لمن يستحقّها لانقطع هذا الجيش من المتوسّلين والضعفاء، الذين تُدمى لهم أفئدة المسلمين المقدّرين لواجبات الإسلام ومراميه الإنسانية البعيدة المدى. 3) عبادة الحج: عُرف الحج عند العرب منذ عهد إبراهيم الخليل عليه السلام وابنه إسماعيل عليه السلام حيث انتشرت عبادة الأصنام فأمر سبحانه إبراهيم وابنه إسماعيل أن يبنيا البيت المقدّس العتيق لعبادته وحده فصدعا بالأمر شُكراً له جلّت قدرته على ما أنعم عليهما من نعمة التوحيد، قال الله تعالى: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ) البقرة الآية 127. كما أمرهما أن يبعدا عن كل رجس: ( وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) البقرة الآية 124. فالكعبة على هذا أوّل بيت بني في العالم بأسره لعبادة الله وحده (إِنَّ أَوَّل بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ) آل عمران الآية 96. ثم توفى إبراهيم ومن بعده إسماعيل عليهما السلام، وبحكم تتابع العصور وما يخلّفه عاملا الزمن والإنسان من أثر النسيان والزيادة والنقصان فقد تبدّلت وتغيّرت مناسك الحج التي رسمها سبحانه لإبراهيم حيث أشرك الناس بالله الأصنام والأوثان، وجعلوها شفعاء وقدّموا لها القرابين، وطافوا بالبيت عراة الأجسام مشبّكين أصابعهم يصفّرون ويصفّقون، قال الله تعالى: ( وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ البَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ) الأنفال 35. معنى الحج: الحج في اللغة: هو مطلق القصد. الحج في الشرع: هو التوجّه بإحرام إلى بيت الله الحرام للقيام بأعمال مشروعة. حكم الحج: شرّع الحج في أواخر السنة التاسعة من الهجرة، وهو فرض عين على كل مسلم ومسلمة مرّة واحدة في العمر، على من استطاع إليه سبيلاً، قال الله تعالى: ( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) آل عمران 97. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عباس رضي الله عنه ![]() الحكمة من الحج: والحج بالإضافة إلى كونه عبادة مالية وجسدية في آن واحد فهو يتضمّن حِكماً ومزايا كثيرة تشير إليها هذه الآية القرآنية الجامعة: ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَاتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَاتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الاَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ البَائِسَ الفَقِيرَ ). الحج الآية 27/28. فأولاً، الحج مناسبة لاجتماع المسلمين في صعيد واحد داخل مؤتمر سنوي موحّد يتكوّن من مختلف الأجناس والألوان واللغات، تجمعهم عقيدة الإسلام وأخوّة دينية خالدة هي أخوّة الإسلام التي تعتبر مُقدَّمة على أخوّة الدم والنسب. وثانياً، هذا التجمّع الإسلامي الضخم يكون فرصة لتبادل الرأي وتبادل المنفعة الروحية والاقتصادية والاجتماعية بين الجماعة الإسلامية الموحّدة فتتم شخصيتهم وتقوى دولتهم ويتمّم بعضهم بعضاً، ويعرفون بذلك مهمّتهم الحقيقية في الحياة التي هي إسعاد البشرية عن طريق المحبّة والتعاون. وثالثاً، فهذا التجمّع العظيم لا سيما الوقوف بعرفة يذكّر المسلمين باليوم الذي يقفون بين يدي الله فلا ينفع الإنسان إلا ما قدّمت يداه من عمل صالح، فيقوّى ضميرهم الديني وتضعف نفوسهم الأمّارة بالسوء. 4) عبادة الصوم: لا يختص الإسلام وحده بهذه الفريضة بل إنها عُرفت عند سائر الأمم منذ أقدم العصور، فقد عرفها اليونان والرومان كما ثبت أن موسى عليه السلام صام أربعين يوماً، وما يزال اليهود إلى يومنا هذا يصومون أسبوعاً تذكاراً لخراب أورشليم وأخذها، وكما أن التوراة فرضت عليهم صيام اليوم العاشر من الشهر السابع، وثبت كذلك أن عيسى عليه السلام والحواريين كانوا يصومون الصوم الكبير الذي قبل عيد الفصح، ولا زال النصارى إلى يومنا هذا تبعاً لكنائسهم المختلفة يصومون عن اللحم أو البيض واللبن، وعن السمك أو كل ذي روح. ولمّا قدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة صام من كل شهر ثلاثة أيام، ويوم عاشوراء قبل أن يفرض سبحانه صيام شهر رمضان، وحيث يقول الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامَ كَمَا كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ) البقرة الآية 183/184. وقد خُصّ شهر رمضان بالصيام تعظيماً لأهمّ حدث وقع في تاريخ الإسلام، لأنّ فيه نزل القرآن العظيم على خاتم المرسلين ثم تتابع نزوله بعد ذلك منجّماً بالتدرّج، قال الله تعالى: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ ) البقرة الآية 185. معنى الصيام: الصيام في اللغة: هو الإمساك مطلقاً. الصيام في الشرع: هو الإمساك عن المفطرات يوماً كاملاً من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. حكم الصيام: شُرّع صيام رمضان في السنة الثانية للهجرة النبوية، وهو فرض على كل مسلم ومسلمة، وركن من أركان الإسلام الخمسة، قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامَ كَمَا كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ ) البقرة الآية 183/ 184. الحكمة من مشروعية الصيام: الصيام إلى جانبه شهر تقديس وإكبار لأحداث وقعت فيه، فهو كذلك شهر المزايا الكبرى والحِكم العظمى: ـ ففيه تسمو النفس عن الدنايا وتتّصل بعالم الروح، ويتغلّب الإنسان على وساوس النفس الأمارة بالسوء، حيث يكون الصيام وِقاء وجُنّة من سفاسف الأمور التي يعتادها الإنسان في حياته، حيث روى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربّه: (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنّة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إني صائم... ) متفق عليه. ـ وفيه كذلك يتحقّق العطف الاجتماعي، لأنّ الصائم عندما يجوع يتذكّر حالة الفقراء في عموم الأوقات، فيدفعه ذلك إلى الشعور بالرحمة نحو هذه الطائفة المحرومة من البشر، لا سيما وأن الرحمة عند الإنسان تنشأ عن الألم والتجربة. ـ تحقيق المساواة بين الأغنياء والفقراء في أروع مظاهرها، وهذه أقوى قاعدة تبنى عليها سعادة البشرية إذا طبّقت وروعيت. ـ تقوية الإرادة بطريقة الصبر، إذ أن الصوم هو الوسيلة الفعالة لتحقيق سلطان الروح على الجسد، فيعيش الإنسان مالكاً زمام نفسه لا أسيرها. ـ ثم إنّ الصوم في الأخير ينفع الإنسان بالاقلاع عن بعض عاداته التي يألفها طول السَّنة من أكل وشرب، فتتغيّر رائحة فمه، ويشعر بألم الجوع مع القدرة على دفعه، ثم يقدّر هذه النعم الكثيرة المتنوّعة التي أنعم الله بها عليه، ويحقق ثواباً وأجراً عند الله تعالى. الدرس الخامس: الحكم الشّرعي: معنى الحكم الشرعي: الحكم في اللغة: القضاء والأمر، ومنه قوله تعالى: ( إِنِ الحُكْمُ إِلَّا للهِ ) يوسف الآية 40. أي القضاء والأمر. الحكم الشرعي في الاصطلاح: هو خطاب الله تعالى المتعلّق بأفعال المكلّفين اقتضاءً أو تخييراً أو وضعاً. شرح التعريف: ـ خطاب الله: هو كلامه عز وجل أو ما يرجع إلى كلامه وهي السُنّة أو سائر الأدلة التي نصّبه الشارع لمعرفة حكمه. ـ اقتضاء: وهو طلباً، سواء كان طلب الفعل أو طلب الترك، وسواء كان هذا الطلب على سبيل الإلزام أو على غير سبيل الإلزام. ـ تخييراً: وهو التسوية بين فعل شيء أو عدم فعله ويسمّى كذلك بالإباحة. ـ وضعاً: وهو جعل الشيء لشيء آخر، أو شرطاً له أو مانعاً منه... أقسام الحكم الشّرعي: ينقسم الحكم الشرعي إلى قسمين: الحكم التكليفي والحكم الوضعي. وسوف لا نتطرّق للحكم الوضعي لأنه غير مقرّر. الحكم التكليفي: معنى الحكم التكليفي: هو ما يقتضي طلب الفعل أو تركه أو التخيير فيه بين الفعل والترك. أقسامه الحكم التكليفي: قسّم علماء أصول الفقه الحكم التكليفي إلى خمسة أقسام وهي: 1) الواجب: ويسمّى الفرض وهو ما طلب المشرّع ( الله أو الرسول ) من المكلّفين فعله على سبيل الإلزام يثاب فاعله ويعاقب تاركه. مثال: قال الله تعالى: ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) الإسراء الآية 23. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من رأى منكم منكراً فليغيّره.. ) رواه مسلم. 2) المندوب: ويسمّى المستحب وهو ما طلب المشرّع من المكلّفين فعله على سبيل غير الإلزام يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه. مثال: قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنْتُم بِدَيْنٍ اِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ) البقرة الآية 282. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من توضأ يوم الجمعة فبهاو نعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل ) رواه أبو داود. 3) المباح: هو ما ترك المشرّع للمكلّفين التخيير فيه، إن شاؤوا فعلوه وإن شاؤوا تركوه. مثال: قال الله تعالى: ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُواْ فِي الاَرْضِ.. ) الجمعة الآية 10. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي.. ) متفق عليه. 4) المكروه: وهو ما طلب المشرّع من المكلّفين تركه على سبيل الإلزام يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله. مثال: قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الذِينَ آمُنُواْ لَا تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ اِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْهَا وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) المائدة الآية 101. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن أبغض الحلال عند الله الطلاق) رواه أبو داود. 5) الحرام: وهو ما طلب المشرّع من المكلّفين تركه على سبيل الإلزام يثاب تاركه ويعاقب فاعله. مثال: قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالاَنْصَابُ وَالاَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المائدة 90. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظنّ فإن الظنّ أكذب الحديث.. ) رواه البخاري. الغاية من التكليف: لاشك أن الإسلام لم يكلّف الإنسان إلا إذا توفّرت فيه شروط التكليف الكاملة، وهي: ـ أن يكون الإنسان قادراً على فهم الكلام الموجّه إليه. ـ أن يكون أهلاً لما كلّف به، أي عاقلاً وبالغاً ومستطيعاً. * فالغاية من التكليف بعد هذه الشروط هي ضبط سلوك المكلّف وتوجيهه، لأن المكلّف يصلح لأداء الواجبات، فتصرفاته معتبرة تترتب عليها آثارها، ويؤاخذ بأقواله وأفعاله. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 9 | |||
|
![]() القيم الاجتماعية والأسرية إنما أولادنا بيننا *** أكباد تمشي على الأرض العلاقة الأسرية في الإسلام: إذا كانت معظم الحضارات السالفة قد عزفت ألواناً متعدّدة من الأُسَر طبعت حياتها بطابع يعكس فلسفة كل أمّة من تلك الأمم فإن الأمّة الإسلامية قد انفردت عن غيرها من الأمم بنظام أسري وتربوي متميّز قادر على تكوين أجيال مسلمة متوازنة قادرة على تحمّل المسؤولية الكاملة في تحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، ويأتي في طليعة المسألة هنا تكريم الإسلام للأم باعتبارها الركيزة الأولى للبيت والأسرة. فقد أوجب لها الإسلام كامل الاهتمام والعناية ما لم نجده عند الأمم السالفة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ( جاء رجل إلى رسول الله rفقال يا رسول الله مَن أحقّ الناس بحسن صحبتي ؟ قال أمّك. قال ثّم مَن ؟ قال: أمّك. قال ثّم مَن ؟ قال: أمّك. قال ثمّ مَن ؟ قال أبوك ) متفق عليه. بناء الأسرة والمحافظة عليها: الأسرة في الإسلام يبدأ بناؤها بالزواج الشرعي الذي تستقرّ وتستمرّ به الحياة الزوجية، فالأسرة السعيدة هي حصن للرجل وستر للمرأة، قال الله تعالى: ( هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ) البقرة الآية 187. والأسرة السعيدة هي السكن الروحي والنفسي، وفيها المودّة والرحمة، قال الله تعالى: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم الآية 21. الأسرة الشريفة التي يؤدّي فيها كل أفرادها واجباتهم سوف يتخرّج منها الرجال الذين يستطيعون مواجه الحياة بحكمة وصبر، ويتخرّج منها النساء القانتات اللاتي يتحصنّ بالعفّة الكرامة. والحفاظ على الأسرة يحتاج إلى تعاون بين جميع أفرادها على تحمّل أعباء الحياة وواجباتها. ويحتاج إلى آداب واستعدادات وتقوى وإيمان. وقد جعل الإسلام مناهجاً مشتركة بين جميع أعضاء الأسرة، ودعاهم إلى تطبيقها على واقع حياتهم حتى تخيّم عليهم السعادة، ويعيشون جميعاً في نعيم وارف وهي: 1) الحبّ والمودّة: دعا الإسلام إلى سيادة الحبّ والمودّة والتآلف بين أفراد الأسرة وأن يجتنبوا عن كل ما يعكّر صفْوَ الحياة والعيش، وتقع المسؤولية بالدرجة الأولى على المرأة فإنها باستطاعتها أن تحوّل البيت إلى روضة أو جحيم، فإذا قامت بواجبها، وراعت ما عليها من الآداب كانت الفذّة المؤمنة. وإذا التزمت المرأة برعاية زوجها، وأدّت حقوقه وواجباته شاعت المودّة بينهما وتكوّن رباط من الحبّ العميق بين أفراد الأسرة، الأمر الذي يؤدي إلى التكوين السليم للتربية الناجحة. 2) التعاون: وحثّ الإسلام على التعاون فيما بينهما على شؤون الحياة، وتدبير أمور البيت وأن يعيشوا جميعاً في جوّ متبادل من الودّ والتعاون، والمسؤولية تقع في ذلك على زعيم الأسرة وهو الزوج، فقد طلب الإسلام منه أن يقوم برعاية زوجته ويشترك معها في شؤون منزله، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتولى خدمة البيت مع نسائه، ومن الطبيعي أن ذلك يخلق في نفوس الأبناء روحاً من العواطف النبيلة التي هي من أهمّ العناصر الذاتية في التربية السليمة. 3) الاحترام المتبادل: وحث الإسلام على تبادل الاحترام، ومراعاة الآداب بين أعضاء الأسرة فعلى الكبير أن يعطف على الصغير، وعلى الصغير أن يقوم بإجلال الكبير وتوقيره، إن مراعاة هذه الآداب تخلق في داخل البيت جوًّا من الفضيلة والقيم الكريمة، وهي توجب تنمية السلوك الكامل في نفس الطفل، وتبعثه إلى الانطلاق في ميادين التعاون مع أسرته ومجتمعه. الدرس الثاني: المسلم لا يعمل لخير نفسه فقط، بل لخيرها وخير غيرها، والعمل التطوّعي يعوّد به نفسه البذل، ويثبّت فيها خُلق الكرم، وينفع بها المجتمع. ذلك ما ينبغي للمسلم نحو الناس: أن يكون نفّاعاً لهم بقدر ما يستطيع، لا يدّخر وسعاً لجلب الخير لهم، ودفع الشر عنهم، فلو أمكنه أن يقوم بكل ذلك فيتصدّق ويعمل، ويعين وينفع، ويأمر بالخير، ويمسك عن الشر كلّ من يقوم به. معنى العمل التطوّعي: التطوّع في اللغة: هو التبرّع لعمل شيء من دون مقابل، أو الانخراط في جمعية خيرية بالرضا. العمل التطوّعي في الشرع:مساهمة الأفراد في أعمال الرعاية والتنمية الاجتماعية سواء بالرأي أو بالعمل أو بالتمويل أو بغير ذلك من دون مقابل. والتطوّع هو الجهد الذي يقوم به الفرد باختياره لتقديم خدمة للمجتمع دون توقع لأجر مادي مقابل هذا الجهد. معنى الواجب الكفائي: الواجب الكفائي هو ما طلب المشرّع فعله على سبيل الإلزام من مجموع المكلّفين لا من جميعهم ( أيْ ليس من كل فرد منهم ). والقصد من ذلك هو وقوع هذا الواجب بنفسه ولو من طرف فرد واحد، لأن المصلحة تتحقّق من بعض المكلّفين. أمّا إذا لم يأته أحد فهم آثمون جميعاً. مثال الواجب الكفائي: الجهاد في سبيل الله. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. القضاء والإفتاء. ردّ السلام. صلاة الجنازة... مجالات العمل التطوّعي في المجتمع: لكلّ مسلم حق المشاركة في بناء المجتمع بما له من طاقة زائدة تطوّعاً في شتّى الميادين التربوية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها: المجال التربوي: التطوّع لخدمة المعرفة وتنمية القدرات العقلية والحرفية، وتنمية الملكات الروحية والفنّيّة والجمالية، كي تُشاع هذه المعرفة لكل الناس أطفالاً ورجالاً ونساءً، وذلك بإنشاء الأندية والرابطات والجمعيات في كل مكان. المجال الاجتماعي: التصدّي للرذيلة وأسباب الفساد بجميع الوسائل المتاحة، وذلك بإعانة ذا الحاجة من مظلوم يستغيث، ومكروب يستجير، وعاجز يستعين. مساعدة المكروب بتفريج كربته، وتخفيف بليّته. وإعانة العاجز على قضاء مآربه، وتحقيق أمانيه. ويكون ذلك بالتعاون وغرس الوعي الاجتماعي الذي يقوم على الأخوّة والتكافل، وتعليم الفضيلة. المجال الاقتصادي: العمل على إقامة صندوق مشترك يكون محور التعاون المالي بين أفراد المجتمع، هدفه تنظيم المساعدات المالية لإعانة الفقراء بالتصدّق عليهم والإقراض لهم، وتحمّل الديْن عنهم... فضل العمل: للعمل الفضل العظيم في حياة الفرد والمجتمع، فبالعمل تزكو النفس، وتقوّم الأخلاق، وتقوى العلاقات الإنسانية، وتنتظم الحياة، وتصان ضرورات الإنسان. وبالعمل يزيد الإنتاج، وتنمو الثروة فتكون للأمّة السيادة، ويكون لها المجد. ـ إن الله تعالى أعدّ للعاملين الأجر الوافر ولا يضيع عمل الإنسان وجهده، قال الله تعالى: ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًّا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُم اللهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) التوبة الآية 120/121 ـ إن منزلة الإنسان عند الله بقدر ما يقدّم من عمل، قال الله تعالى: ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُواْ وَلِنُوَفِّيَهُم أَعْمَالَهُمْ وَهُم لَا يُظْلَمُونَ ) الأحقاف 19. ـ وليس للجنّة سبيل سوى العمل، قال الله تعالى: ( وَنُودُواْ أَنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ ) الأعراف الآية 43. بالعمل تكون للإنسان العزّة والخلافة في الأرض، قال الله تعالى: ( وَعَدَ اللهُ الْذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمِا اسْتَخْلَفَ الْذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُم الْذِي إِرْتَضَى لَهُم وَلَيُبَدِلَنَّهُم مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِم أَمْناً )النور الآية 55. ـ والذي لا يعمل فهو في خسر ونقص، يعرّضه للضلال والشقاء، قال الله تعالى: (وَالعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الْذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ ) سورة العصر. دور العمل التطوّعي في خدمة الفرد والمجتمع: إن العمل التطوّعي بمثابة المتنفّس للفرد الذي يمتلك الطاقة الزائدة، فيفجّرها في الخير وفي خدمة الصالح العام، بما لديه من خبرات ومعارف. ويعدّ السوار المنيع والحاجز الحصين للمجتمع الذي يقيه من مصائب الحياة ومتاعبها التي يبتلى بها بعض أفراده. أهميّة العمل التطوّعي للشباب: 1. تعزيز انتماء ومشاركة الشباب في مجتمعهم. 2. تنمية قدرات الشباب ومهاراتهم الشخصية والعلمية والعملية. 3. يتيح للشباب التعرّف على الثغرات التي تشوب نظام الخدمات في المجتمع. 4. يتيح للشباب الفرصة للتعبير عن آرائهم وأفكارهم في القضايا العامّة التي تهمّ المجتمع. 5. يوفّر للشباب فرصة تأدية الخدمات بأنفسهم وحلّ المشاكل بجهدهم الشخصي. 6. يوفّر للشباب فرصة المشاركة في تحديد الأولويات التي يحتاجها المجتمع، والمشاركة في اتخاذ القرارات. الدرس الثالث: نظرة الإسلام إلى المجتمع: المجتمع هو المحيط الذي يعيش فيه الإنسان. الذي يتكوّن من مجموع أسر، التي تربطها الحقوق والواجبات، ويعيش الفرد فيه بروح الجماعة ومصلحتها وآمالها، فلا يرى لنفسه وجوداً بغيرها ولا امتداداً إلا فيها. المجتمع المسلم: هو المجتمع الربّاني، الناس فيه أسرة واحدة لا فضل فيه لعربيّ على عجميّ، ولا لعجميّ على عربيّ إلا بالتقوى. ولا يوزن الناس فيه بالأحساب والأنساب، مجتمع عالمي لا عنصريّ ولا قومي، ولا يعرف التعصّب. مجتمع مفتوح لجميع بني الإنسان. مجتمع مفتاح شخصيته: الدين والإيمان وعقيدة الإسلام. مجتمع ينفر من الترف، ويعمل بالأسباب ويتوكّل على الله. من خصائصه العدالة والقسط. مجتمع يؤمن باستخدام المواهب والتخطيط للمستقبل، ويضع الرجل المناسب في مكانه. الآفات والمفاسد الاجتماعية وأخطارها: الآفات والمفاسد الاجتماعية هي كل ما نهى الله عنه، وما نص القرآن والسنة النبوية الصحيحة على تحريمه، قال الله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَ الإِثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ ) الأعراف 33. والآفات الاجتماعية إذا أردنا عدّها فكثيرة ، نذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر: الظلم. قطع الطريق. قتل الأبرياء. الخمر وما شابهها كالمخدرات. الزنا وما شابهه كمحرمات الزواج والاغتصاب. الإجهاض. القذف ( الاتهام بالباطل ). شهادة الزور. السرقة. الغش. الربا. الرشوة. أكل مال اليتيم. الاحتكار... ولا شك أن لهذه الآفات والمفاسد أخطار كثيرة: ـ فهي تؤدّي إلى ظلمة القلب وقسوته، وابتعاد صاحبه عن الله، فيصير مصدر شرّ في المجتمع، فلا يلقى المجتمع منه إلا الإفساد والتخريب، ويكون مصيره الخسران في الدنيا والآخرة. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يزيد في العمر إلا البّر ولا يردّ القدر إلا الدعاء وأنّ الرجل ليُحرَم الرزق بخطيئة يعملها ) رواه ابن ماجه. وإذا كانت الآفات سبب الفقر فإنّ الطاعات سبب إدرار الرزق على الفرد والمجتمع، قال الله تعالى: ( وَلَوَ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ) الأعراف الآية 96. ـ تؤدّي إلى غضب الله وعقابه للإنسان، وهذا العقاب إمّا أن يكون بالظواهر الطبيعية كالفيضانات أو الزلازل أو القحط والجفاف، وإما أن يكون بالثورات والحروب المدمّرة، قال الله تعالى: ( فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِم وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِم قَرْناً آخَرِينَ ) الأنعام الآية 6. وقال عزّ وجلّ: ( مِمَّا خَطِيئَاتِهِم أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُم مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصَاراً ) نوح الآية 25. ـ وهي من أهمّ العوامل في شقاء الإنسان لما لها من أضرار بالفرد والمجتمع على حدّ سواء، تضرّ بالفرد في صحّته وعقله وماله وعمله، وتضرّ بالمجتمع بجعله منقسماً على نفسه، وضعيفاً في تماسكه، قال الله تعالى: ( قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُم عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُم أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُم أَوْ يَلْبِسَكُم شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ) الأنعام الآية 65. محاربة الإسلام للآفات والمفاسد الاجتماعية: الدّين هو العنصر الهام في معالجة الآفات والمفاسد الفردية والاجتماعية، لأنّ الدّين هو الطريق إلى العقل كما هو الطريق إلى القلب، فالدّين يعالج الآفات من أصلها ولا يترك لها مكاناً في قلب الإنسان، وذلك بالمساعدة للتغلّب على التوترات التي يتعرّض لها الإنسان والتي تحرّضه على الوقوع في الآفات والمفاسد بأنواعها. ومن عظمة الإسلام أنّه قبل أن حارب الآفات الاجتماعية عالجها بشتّى الوسائل التربوية منها: ـ الشعور بالإثم: الإسلام يدعو الإنسان إلى الاعتراف بذنبه أمام الله، وطلب الغفران منه وحده، لأنّ الله هو الذي يساعد المذنب على تجاوز الخطأ، وتجديد الحياة نحو الأفضل، قال الله تعالى: ( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَه ُثُمَّ يَسْتَغْفِر ِاللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً ) النساء الآية 110 . ـ التوبة: فالتوبة أسلوب من أساليب تكفير الذنب، وهي المدخل إلى المغفرة، وهي المتنفّس للمشاعر الثائرة والشفاء للنفس التي عذبها الإحساس بالخطيئة، قال الله تعالى: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الْذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنْفُسِهِم لَا تَقْنَطُواْ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوِ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر 53. ـ تربية النفس على خشية الله: لقد لفت القرآن أنظار الناس إلى أهوال القيامة وما فيها من عذاب أليم وشديد أعدّه الله للذين يقترفون الآفات ويتعدّون على الحرمات بأسلوب رهيب يصل إلى أعماق النفس ويثير فيها أحاسيس الخوف من الوقوع في الآفات، ويكون الدّافع إلى القيام بالطاعات والقربات من الله. ـ سدّ جميع الذرائع التي تدفع إلى الوقوع في الآفات الاجتماعية، وذلك بتقديم الإعانات الفعلية كالمساعدات المالية قصد تجاوز الأزمات النفسية والأخلاقية والاقتصادية، فشرّع لذلك الإسلام كفالة اليتيم للتحصين من التشرّد المؤدي إلى الآفات الاجتماعية الخانقة، وشرّع الزواج وتسهيل سبله لتفادي الوقوع في الزنا وما شاكله، وشرّع الزكاة للتّحصين من السرقة وأشكالها... ـ فمن أبى بعد كل هذا العلاج إلا الاعتداء والوقوع في الآفات والمفاسد استحق العقوبة، وهي نوعان: 1) الكفارة: وهي ما يكفّر الإنسان به ذنبه، المحدّد شرعاً. ككفّارة اليمين المنعقدة وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ومن لم يستطع يصوم ثلاثة أيام. وكفّارة القتل الخطأ وهي الديّة يسلّمها إلى أهل المقتول، وغيرها. 2) الحدّ: وهو العقوبة المقدّرة شرعاً. كالقصاص من القاتل العمد، وقطع يد السارق الذي توفرت فيه شروط الحد، والجلد لشارب الخمر والزاني، وغيرها من الحدود. الدرس الرابع: الطفـولة: الأطفال زينة الحياة الدنيا تسرّ الفؤاد بمشاهدتهم، وتقرّ العين برؤيتهم، وتبتهج النفس بمحادثتهم ، هُم شباب الغد الذي تنعقد عليهم آمال المستقبل، قال الله تعالى: ( المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ) الكهف الآية 46. يقول الله عز وجل: ( يَأَيُّهَا الْذِينَ آمَنُواْ قُواْ أَنْفُسَكُم وَأَهْلِيكُم نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم الآية 6. التربية في عصر النبوّة: كان النبي صلى الله عليه وسلم المربّي الأول الذي قام بهذه المهمّة التربوية فرسم نماذج تربوية للطفولة لم يسبق لها مثيل في عالم الرعاية بالأطفال حيث يشرف بنفسه وبأسلوبه الخاص الفريد في تنشئة تلك البراعم التي لم تنفتح والأغصان التي لم يشتدّ عودها بعد. ولم تكن هذه التربية قاصرة على من يعيش في كنف النبي صلى الله عليه وسلم أو من يعيش تحت سقف بيته بل كان ذلك مبدأ تربويًّا ينتهجه لأمّته عامّة ويرسّخه لكلّ الأجيال من بعده ليقتفوا أثره ويسيروا على منهجه التربوي عملاً بقوله تعال: ( لَقَدْ كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرِ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً ) الأحزاب الآية 21. ولو تتبعنا مراحل المنهج التربوي النبوي في عالم الطفولة لرأينا أن مرحلة التربية تبدأ منذ أن يكون الطفل سِرًّا في عالم الغيب وذلك ليضمن له الأصل والمنبت الطيّب والحضن الأمين، فدعا الزوج لاختيار الزوجة الصالحة التي ستكون مصدر عزّة الطفل ومربيته على الفضائل، كما دعا أهل الزوجة على القبول بالزوج الصالح فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من زوّج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها ) رواه ابن حبّان. وهكذا تتدرّج العناية بالطفل والاهتمام به من خلال توجيهات نبويّة كريمة في كل مرحلة من مراحل نموِّ الطفل عقلياً ونفسياً وجسدياً بدءً من التربية العقدية السليمة ومروراً بالتربية الاجتماعية والخلقية والعاطفية، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم نموذجاً فريداً للأبوّة الكريمة في حياة البشرية، يفرح بقدوم الأطفال ويشارك في اختيار أسمائهم ويحنّ عليهم فيمازحهم ويلاعبهم ويضمهم إلى صدره الكريم ويُقبّلهم بفمه، فإنّ هذا يعطيهم الجوّ النفسي للحياة الإنسانية، وبذلك كان من ثمار هذه التربية الفذّة أن أنشأت أسرة متماسكة مثالية حقاً في إيمانها وعبادتها وأخلاقها ومعاملتها وإذا كانت الأسرة كذلك فلا شك أنّ المجتمع بدوره كان مثاليًّا وخاصّة المجتمع في عهده صلى الله عليه وسلم. حقوق الطفل: لقد اهتم الإسلام بالطفل في كل مراحل حياته: جنيناً، ورضيعاً، وصبياً، ويافعاً، ثم شابًّا إلى أن يصل إلى مرحلة الرجولة. ـ ولقد أوجب الإسلام على الأم رعاية جنينها، والمحافظة عليه، وأباح لها أن تفطر إذا شعرت أنّ صيامها خطراً على جنينها أو رضيعها، كما ينبّهها إلى عدم تناول ما يضرّ بالجنين من مأكل ومشرب، وحرّم على الأم الإجهاض إلا إذا كان خطراً على حياتها، قال تعالى: ( وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُم وَإِيَّاكُم إِنَّ قَتْلَهُم كَانَ خِطْئاً كَبِيراً ) الإسراء الآية 31. ـ وحفظ للطفل حقّه في النسب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وأيّما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه، احجب الله تعالى منه وفضحه على رؤوس الأوّلين والآخرين يوم القيامة ) رواه أبو داود والنسائي. ـ كما حفظ للطفل حقوقه المالية من النفقة عليه وعلى والديه أثناء الحمل وبعده، وحفظ له حقّ الوصيّة، والوقف. وغيرها من الحقوق التي تتصل بالمولود حين ولادته مثل: ـ استحباب البشارة والتهنئة عند الولادة. ـ استحباب الأذان في أذنه اليمني والإقامة في أذنه اليسرى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من وُلد له ولد فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم يضرّه أم الصبيان ) رواه ابن السني. ـ حلق شعر المولود والتصدّق بوزن شعره ذهباً على الفقراء، قال صلى الله عليه وسلم: (كلّ مولود مرهون بعقيقته تُذبح عنه يوم سابعه ويُحلّق ويسمّى ) رواه أبوداد والترمذي. ـ عقيقة المولود، قال عليه الصلاة والسلام: ( مع الغلام عقيقته فأهرقوا عليه دماً وأميطوا عنه الأذى ) متفق عليه. ـ ختان المولود، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقصّ الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط ) متفق عليه. ـ رعاية الطفل ( جسدياً ووجدانياً وسلوكياً واجتماعياً ) وحضانته ورضاعه، وهنا يقرر القرآن الكريم حقيقة فائدة الرضاع من حليب الأم المعقّم، والذي هو أصح غذاء من كل أنواع الحليب الصناعي، وفائدته الغذائية والنفسية المهمّة للطفل والأم معاً. مجالات تربية الطفل: لقد اهتّم الإسلام بمرحلة الطفولة، لأنها اللبنة الأساسية في بناء شخصية الفرد إيجاباً أو سلباً، وفقاً لما يلاقيه من اهتمام، وهذا الاعتناء من أبلغ الأثر في بنائه النفسي الإيجابي الذي بدوره ينعكس على تكوين المجتمع المسلم. جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا رسول الله ما حقّ ابني هذا ؟ قال: تحسّن اسمه وأدبه وضعه موضعاً حسناً ) رواه الطوسي. هناك العديد من جوانب العناية التي أولاها الإسلام للطفل: أولاً: التربية الجسمية: تلخّص السنة النبوية رعاية الطفل جسمياً فيما يلي: ـ النفقة عليه: عن ثوبان بن مجدد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ). ـ وقايته من الأمراض: من مقاصد الشريعة الإسلامية، حفظ النفس في ثلاثة معان هي: إقامة أصله بشرعية التناسل، وحفظ بقائه من جهة المأكل والمشرب، وذلك يحفظه من الداخل، والملبس والمسكن، وذلك يحفظه من الخارج، وحفظ ما يتغذى به أن يكون ممّا لا يضرّ أو يقتل.. ـ إبعاد الطفل عن تناول الحرام، فإن للتغذية أثراً فعالاً في سلوك الطفل. فالتغذية الملوّثة بالحرام تؤثر أثراً ذاتياً في دخائل النفس، وتوقف فعالياتها السلوكية، فتغرس فيها النزعات الشريرة كالقسوة، والاعتداء والهجوم المتطرف على الغير... ـ تعويدهم بعض السلوكات الصحيّة كالنظافة والطهارة والرياضة، قال عليه الصلاة والسلام: ( علّموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل ) أخرجه البيهقي. ثانياً: التربية العقلية: وهذه التربية تتعلّق بتعليم الطفل القراءة والكتابة، وحفظ آيات القرآن الكريم وأحاديث النبيّ عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. وتعليمه العقيدة الإسلامية الصحيحة. وتعويده على التأمّل في ملكوت السماوات والأرض. وتعليمه العلوم الدنيوية التي تنفعه في مستقبله. ثالثاً: التربية النفسية: ذلك بالإحسان إليهم ورحمتهم وملاعبتهم وإدخال السرور عليهم، والتسوية بينهم، ومصاحبتهم في سنّهم المبكّر ومراقبة سلوكهم، وتعليمهم الإيمان، والعبادات، وأعمال البرّ ومكارم الأخلاق وآداب السُنّة. وهذه التربية هي أسباب الحياة الحقيقية: حياة القلب والروح والسعادة الأبدية. فإذا التزم الآباء بهذه المحدّدات التربوية المستمدة من الكتاب والسُنّة النبوية المطهّرة، لأدّى هذا إلى وضع الركائز الأساسية لمقوّمات البناء النفسي السليم للطفل حتى يكون قادراً على مواجهة التحدّي الحضاري عبر الأزمنة المختلفة. الدرس الخامس: هدي النبي صلى الله عليه وسلم في بيته: قدوة المسلمين في هذا المجال هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كان أكرم الناس وألطفهم لأسرته وذلك بما تشهد به سيرته حيث لم يثبت عنه أهان واحدة من زوجاته بشتم أو سبّ أو ضرب أو غير ذلك من وجوه الإيذاء بل كان صلى الله عليه وسلم أعظم البشرية برًّا بزوجاته وإحساناً لهنّ وأوصى بهن كثيراً وحضّ على تكريمهنّ وحذّر من الإساءة إليهنّ ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( إنّ من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله ) رواه الترمذي. وكان صلى الله عليه وسلم يستشيرهنّ وينزل على رأيهنّ في أمور سياسته كما صنع يوم الحديبية، وكان صلى الله عليه وسلم إذا خلا مع أهله ألين الناس، ضحّاكًا بسّامًا، وكان يقول: ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي..). وكان صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله ما دام في البيت، يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويحلب شاته، ويعمل بيده، ويخدم نفسه. وكان صلى الله عليه وسلم أرحم الناس بالأطفال، رآه عمر بن الخطاب حاملاً الحسن والحسين على عاتقه، فقال: نِعم الفرس تحتكما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ونِعم الفارسان هما، وكان أحدهما أو كلاهما يعتلي ظهره إن سجد، فلا ينهرهما، وصلّى وأمامة على عاتقه، وهى ابنة ابنته زينب، فكان إذا ركع وضعها، وإذا رفع وضعها، أما إذا جاءته ابنته فاطمة، فإنه يبادرها باللُّقيا، ويقبّلها ثم يأخذ بيدها ويجيء بها حتى يجلسها في مكانه. ثم هو لا يترفع على عبيده في مأكل ولا ملبس، ويخدم من خدمه، ولم يقل لخادمه أفٍ قط، ولا عاتبه على فعل شيء أو تركه. أسباب استقرار البيت واستمراره: لاستقرار واستمرار البيت لابد أن تسوده الأمور التالية بشكل نبيل: 1 ـتوفير الاستقرار والأمن والحماية وتبادل الحُبّ والعطف بين الزوجين من ناحية، وبينهما وبين الأولاد من ناحية أخرى، فإنّ الأسرة إذا غادرها الحبّ، وهجرها العطف لابد أن تتفاعل فيها عوامل الانهيار والهدم. إن الحبّ المتبادل هو العامل الفعال الذي يدفع كل واحد من أفراد الأسرة إلى أن يتحمّل مسؤولياته برحابة صدر. 2 ـ يجب أن يسود التعاون المشترك في المجالات المختلفة بين أفراد العائلة. لكي لا تشلّ الأسرة عن حيويتها، ونشاطها بصورة مستمرّة، فإن التعاون يزيل الإرهاق، ويذيب التذمّر مِن تحمّل المسؤوليات. وكذلك يوطّد علاقات أفراد الأسرة بعضهم مع بعض. ولا يدع مجالاً لأن يتسرّب التفكّك إلى ربوع العائلة المسلمة التي تلتزم بمبدأ التعاون، والتكافل الاجتماعيين. 3 ـ تبادل الاحترام والتوقير والإحسان، سواءً من جانب الصغير للكبير، أو من جانب الكبير للصغير، فإن الاحترام والإحسان يزرعان بذور الشعور بالشخصية، ويغرسان أوتاداً توطّد العلاقات الأسرية بين الأفراد. 4 ـ إطـاعة الأب من قِبل جميع أفراد العائلة لأنّه يمثّل النقطة المركزية في الأسرة، ولأنّه أعرف بالمصالح الفردية والاجتماعية لكل واحد منهم، وطبيعي أنّ الإسلام يقرّر الطاعة للأب في حدود طاعة الخالق. 5 ـ قيام الوالد بواجب النفقة، وتجهيز الملبس، والمسكن للزوجة والأولاد في مقابل قوامته عليهم. 6 ـ أن تمدّ الأسرة الأطفـال بالبيئة الصالحة لتحقق حاجـاتهم البيولوجية والاجتماعية، وليست وظيفة الأسرة مقتصرة على إنجاب الأطفال فإنّ الاقتصار عليها يمحو الفوارق الطبيعية بين الإنسان والحيوان. 7 ـ أن تمدّهم بالوسائل التي تهيّئ لهم تكوين ذواتهم داخل المجتمع. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 10 | |||
|
![]() القيم الاقتصاديّة والماليّة |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 11 | |||
|
![]() القيم الفكرية والعقلية جتا ب = جتا ب. حا أ، أي : Cos A = Cos a Sinus B في علم الطب : قد غلب على الأطباء العرب تقسيم الطب إلى كليات وجزئيات، وإلى قسم نظري وقسم عملي. فذلك ما نجده عند أبي الوليد ابن رشد ( توفي سنة 595 هـ / 1198 م ) مثلاً في كتاب " الكليّات في الطب ". وتشتمل الكليّات الطبيّة على معرفة الأركان والأمزجة والأخلاط والأعضاء وتشريحها، وأسباب الأمراض وعلاماتها. وتشتمل الجزئيات الطبيّة على الأمراض الجزئية سواء ما اختص منها بعضو أو ما لم يختص بعضو، ثم على المعالجات، وقد اختلف في أمر الأدوية: فهي عند ابن سينا مثلاً إما مندرجة في الطب النظري إذا كانت مفردة. فهي إذن من الكليات. وإمّا مندرجة في الطب العملي إذا كانت مركبّة، فهي إذن من الجزئيات، وهي عند ابن رشد مثلاً من " الآلات التي تحصل بها الغايات " فهي الوسائل التي تحفظ بها الصحة ويُزال المرض، ولا فرق بين الأدوية المفردة والأدوية المركّبة في انتمائها إلى " الكليات الطبية ". وقد أخذ الأطباء العرب مجمل آرائهم في القسمين الكلي والجزئي أو النظري والعملي من الطب الإبقراطي والجالينوسي، مع تفاوت في اعتماد المصدرين. لكن من الظلم لهم أن نقول إنهم قد انحصروا في النموذجين الطبيّين الذين ذكرنا وأنهم كانوا يكتفون بالنقل عن الأصول. فإن المبادئ العامّة والأسس النظرية كانت يونانية، لكن تناوُل العلم بالممارسة والتطبيق قد أدى إلى إخراجه من العلم القياسي النظري القائم على الاستدلال والبرهنة العقلية إلى العلم التجريبي القائم على المشاهدة والملاحظة العلمية. وهذا الانتقال هو الذي مكّن بعض الأطباء من الخروج عن النموذج الجالينوسي الخالص والإسهام بتصورات جديدة في تطور العلم. ونريد أن نخصّ من المجالات التي برزت فيها ثلاثة: أ ـ في الجراحة: لم تكن الجراحة ـ عامّة ـ من المباحث الأساسية في الطب الجالينوسي على ما أقرّه الاسكندرانيون على الأقل، فهي من الطب العملي، بل هي في الطب العملي من باب " أعمال اليد " الذي كان يعدّ من " أعمال الخدام للطبيب "، ولذلك قلّ الاهتمام بمسائل الجراحة في المؤلفات الطبيّة العامّة إذ كاد الذين عنوا بأعمال اليد لا يخرجون عن جبر الكسور والفصد والحجامة والكي والبط. ولا شكّ أنّ أوّل من عنى بها عناية حقيقية هو أبو القاسم الزهراوي. فقد خص الزهراوي الجراحة بمقالة تامّة مستقلة هي المقالة الثلاثون من كتابه " التصريف لمن عجز عن التأليف ". والمقالة في ثلاثة أبواب وكل باب في جملة من الفصول. والباب الأول في الكي والثاني في الجراحة والثالث في الجبر والخلع. ب ـ في التشريح: وقد كان التشريح معدوداً من الكليات لأنّ موضوعه الأساسي هو معرفة الأعضاء المكوّنة للبدن. وقد اعتمد فيه المسلمون اعتماداً كبيراً على القدامى وخاصة على جالينوس. ولم يسمح لجالينوس مذهبه القياسي أن يتفطن إلى كل العناصر المكوّنة للبدن والتي يظهرها علم التشريح. ثم إنّ التشريح في العرف الإسلامي قد ارتبط بالتحريم فكان الأطباء يظهرون الابتعاد عنه إمّا بصدق وإمّا تُقية. ومن أشهر الأطبّاء الذين أظهروا التقية في تناولهم التشريح ابن النفيس، ولو لا ممارسته التشريح لما استطاع أن ينتقد أخطاء السابقين. وخاصة جالينوس وابن سينا. وأن يخالفهم ويأتي بالجديد. وقد نتج عن هذا النقد اكتشاف ابن النفيس الدورة الدموية الصغرى أو الرئوية وقد كان اكتشافه هذا موضع تنويه كبير. ج ـ في تشخيص المرض: والتشخيص قد برع فيه أطباء مسلمون كثيرون براعة كبيرة، وهم يسمونه " تقدمة المعرفة " ولهم في ذلك وسائل من أهمّها "النظر في ماء المريض " أي في بوله. ولكن هناك حالات أخرى دالّة على فطنة الطبيب وقوّة ملاحظته وقوّة خبرته بمعرفة الأمراض وأعراضها وأسبابها، ولذلك كله دور حاسم في معرفة سبل العلاج وشفاء المريض. وخاصة في عيون الأنباء لابن أبي أصيبعة كثير من حالات التشخيص التي سماها " نوادر". فإنّ الغالب على مؤلفاتهم الاكتفاء إمّا بذكر ما اعتقدوه حقاً ممّا نقلوه من الطب وقاموا بتجربته، وإمّا بذكر خلاصات تجاربهم دون أن يحفلوا بذكر الجزئيات والتفاصيل، رغم ما لها من أهميّة، ولعلّ إغفالهم ذلك راجع إلى ملازمة التواضع وكراهة الحديث عن النفس. ومن المؤلفات النادرة التي اشتملت على نماذج من تجارب مؤلفيها كتاب "التيسير في المداواة والتدبير" لأبي مروان عبد الملك ابن زهر ( توفي سنة 557 هـ / 1162م ). وقد كان أمره فيما يبدو مشهوراّ في الأندلس، فقد ذكر ابن أبي أصيبعة أنّه لم يكن في زمانه من يماثله في مزاولة أعمال صناعة الطب وله حكايات كثيرة في معرفة الأمراض ومداواتها ممّا لم يسبقه أحد من الأطباء إلى مثل ذلك. تلك أمثلة من إسهامات العقل العربي الإسلامي. وهي أمثلة محدودة في النوع وفي العدد ولكنّها تعدّ نماذج دالة على مظاهر عامّة من جملة مظاهر أخرى قد اختصّ بها بعض عن بعض من العلماء. فإنّ الإضافات في تاريخ العلوم عند المسلمين لم تكن نابعة من اتجاه فكري ما أو مدرسة من المدارس، بل هي في الغالب نتاج أفراد قد أكسبتهم الخبرة ما لم يكتسبه غيرهم في المجال الذي أضافوا فيه. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 12 | |||
|
![]() القيم الإعلاميّة والتواصليّة |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 13 | |||
|
![]() القيم الصحيّة والبيئيّة |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 14 | |||
|
![]() يتبع....... |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 15 | |||
|
![]()
|
|||
![]() |
![]() |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الاسلامية, العلوم, الوافي, تحميل, بدون |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc