إثبات علوّ الله على خلقه . - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد

قسم العقيدة و التوحيد تعرض فيه مواضيع الإيمان و التوحيد على منهج أهل السنة و الجماعة ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

إثبات علوّ الله على خلقه .

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-10-27, 21:48   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
أبو هاجر القحطاني
عضو فضي
 
الصورة الرمزية أبو هاجر القحطاني
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B11 إثبات علوّ الله على خلقه .

طامة على راس الأشاعرة ..

تصريح أكثر من 100 صحابي وتابعي بعلو الله وفوقيته على خلقه
أولاً : أقوال الصحابة :

1 - الصحابي الجليل حُمَيدُ بنُ ثوَرٍ :
أبو المثنى الهلالي، شاعرٌ مشهورٌ إسلاميٌّ، أدركَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالسنّ... روى الزُبيرُ بنُ بكارٍ عنْ أبيهِ، أنَّ حميدَ بنَ ثورٍ وفدَ على بعضِ بني أميّة، فقالَ: ما جاءَ بكَ! فقال:
أتاكَ بي اللهُ الذي فـوقَ عَرْشِـهِ وخـيرٌ ومعروفٌ عليـك دلـيلُ[2]
2 - ابنُ عَبّاسٍ
عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّه دخلَ على عائشةَ رضي الله عنها وهيَ تموتُ، فقالَ لهَا: «كنتِ أحبَّ نساءِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولمْ يكُنْ يُحِبُّ إلَّا طيِّبًا، وأنزلَ اللهُ براءَتَكِ منْ فَوْقِ سَبْعِ سماواتٍ»[3].
وقال رضي الله عنه فِي قولهِ تَعَالَى: {ثُمَّ لآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف: 17]: لم يستطعْ أنْ يقولَ: منْ فوقهم؛ عَلِمَ أنَّ الله منْ فوقهم[4].
3 - زينبُ بنتُ جَحْشٍ :
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ زَيْنَبَ بِنت جَحْشٍ كَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: «زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سماوات» وفي لفظٍ: كانتْ تقولُ: «إِنَّ اللهَ أَنْكَحَنِي فِي السَّمَاءِ»[5].
4 - ابنُ مَسْعُودٍ
قالَ ابنُ مسعود رضي الله عنه: «العَرْشُ فَوْقَ المَاءِ، واللهُ فَوْقَ العَرْشِ لا يَخْفَى عليهِ شيءٌ منْ أَعْمَالِكُم»[6].
5 - عَائِشَةُ
قالتْ رضي الله عنها: «وأيمُ اللهِ إنِّي لأَخْشَى لو كُنْتُ أُحِبُّ قَتْلَهُ لَقَتَلْتُ - تعني عثمان ـ، وَلَكِنْ عَلِمَ اللهُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ أَنِّي لَمْ أُحِبَّ قَتْلَهُ»[7].

6 - الصحابي الجليل أَبو ذَرٍّ
عَنِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قالَ: «لمَّا بَلغَ أبا ذرٍّ مَبعثُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ لأخيهِ: ارْكَبْ إلى هذا الوادِي فاعْلَمْ لي عِلْمَ هذا الرَّجُلِ الذي يَزْعُمُ أنَّهُ نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ»[8].
قولهُ: (يأتيهِ الخبرُ مِنَ السَّماءِ) المرادُ بهِ الوحيُ. وهلْ يوحي إلَّا الله سبحانه وتعالى. فهوَ كغيرهِ مِنَ الأحاديثِ الدَّالَّةِ على العُلُوِّ والفَوْقِيَّةِ.
7 -الصحابي الجليل ابنُ عُمَرَ
عن زيدِ بنِ أَسْلَمٍ قالَ: مَرَّ ابنُ عمرُ براعٍ فقال: هلْ منْ جَزَرَةٍ؟ فقالَ: ليسَ هاهنا ربُّها، قالَ ابنُ عمر: تقولُ لهُ: أكلَهَا الذئبُ. قالَ: فرفَعَ رأسَهُ إلى السَّماءِ وقالَ: فَأَيْنَ اللهُ؟ فقالَ ابنُ عمر: أنا واللهُ أحقُّ أنْ أقولَ: أَيْنَ اللهُ؟ واشترى الراعي والغنمَ، فأعتقهُ، وأعطاهُ الغنمَ[9].

أقوال التابعين رحمهم الله في علو الله على خلقه :

8- مَسروقٌ
كَانَ مسروقٌ إِذَا حَدَّثَ عنْ عائشةَ قَالَ: حدَّثتني الصِّدِّيقةُ بنتُ الصِّدِّيقِ، حبيبةُ حبيبِ اللهِ، المُبَرَّأَةُ منْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ[10].
9 - أيوبُ السُّخْتِيَانِيُّ 131هـ)
قالَ أيُّوبُ السُّخْتِيَانِيُّ - وذكرَ المعتزلةَ -: «إِنَّما مدارُ القومِ على أنْ يَقُولوا ليسَ في السَّماءِ شيءٌ»[11].
10 - سليمان التِّيميُّ143 هـ
قَالَ سليمانٌ التِّيمِيُّ رحمه الله: «لَوْ سُئِلتُ أينَ اللهُ؟ لقلتُ: فِي السَّمَاءِ »[12].
11 - مقاتلُ بنُ حِيَّانَ (قبل150هـ)
قالَ عالمُ خراسانَ مقاتلُ بن حِيَّانَ رحمه الله في قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7]: «هُوَ على عَرْشِهِ وعِلْمُهُ مَعَهُمْ»[13].
12 - الأَوزاعيُّ (157هـ)
قالَ عالمُ الشَّامِ الأوزاعيُّ رحمه الله: كُنَّا - والتَّابعونَ متوافرونَ - نقولُ: «إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ على عرشهِ، ونؤمنُ بما وَرَدَتْ بهِ السُّنَّةُ منْ صِفَاتِهِ»[14].
قالَ شيخُ الاسلامِ ابنُ تيميَّةَ معلِّقًا: «فقدْ حكى الأوزاعيُّ - وهوَ أحدُ الأئمَّةِ الأربعةِ في عصرِ تابعي التابعينَ الذين همْ مالكٌ، إمامُ أهلِ الحجازِ، والأوزاعيُّ إمامُ أهلِ الشَّامِ، والليثُ إمامُ أهلِ مصرَ، والثَّوريُّ إمامُ أهلِ العراقِ - حكىَ شُهْرَةَ القولِ في زمنِ التَّابعينَ بالإيمانِ بأنَّ الله فوقَ العرشِ، وبصفاتهِ السَّمعية[15]؛ وإنَّما قالَ الأوزاعيُّ هذَا بعدَ ظهورِ مذهبِ جهمٍ، المنكِرِ لكونِ اللهِ فوقَ عرشهِ، والنَّافي لصفاتهِ، ليعرفَ النَّاسُ أنَّ مذهبَ السَّلف كانَ خلافَ ذلكَ»[16].
فقد تبيَّنَ للقارئ اللَّبيبِ أنَّ نفيَ علوِّ الله على العرشِ، مقولةُ جهمِ بنِ صفوانَ الضالُّ المبتدعُ، رأسُ الجهميَّةِ، الذي زرَعَ شرًّا عظيمًا.
فكيفَ تطيبُ نفسُ مؤمنٍ، بلْ نفسُ عاقلٍ: أن يسلكَ سبيلَ الجهميَّةِ، ويَدَعَ سبيلَ الذين أنعمَ الله عليهم من النبيِّين والصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ والصالحينَ؟!
فبعدًا لمن كان جهمٌ سلفَهُ، واستبدلَ سبيلَهُ بسبيلِ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وصحابتِهِ.
وما عوضٌ لنا منهاجُ جهمٍ بمنهاجِ ابنِ آمنةَ الأمينِ
فرحمَ الله من قال بقولِ أهل الحديث الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، وتركَ دينَ جهمٍ وشيعتَهُ.
جعلنا الله سبحانه وتعالى ممن هُديَ إلى صراطه المستقيم، ووفَّقنا لاتباع رضى ربِّ العالمين، والاقتداء بنبيه محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيين، والسلف الصالحين.
13 - سفيانُ الثوريُّ عالمُ زمانهِ (161هـ)
قَالَ معدانُ: سألتُ سفيانَ الثوريَّ عنْ قولهِ عزَّ وجلَّ: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] قَالَ: عِلْمُهُ[17].
14 - مالك إمام دار الهجرة (179هـ)
قالَ الإمامُ مالك رحمه الله: «اللهُ في السَّمَاءِ، وعِلْمُهُ في كُلِّ مَكَانٍ لا يَخْلُو منهُ شَيءٌ»[18].
15 - حمَّادُ بنُ زيدٍ البصريّ (179هـ)
قال حمَّادُ بنُ زيدٍ رحمه الله وهو شيخ الإمام البخاري: «إنَّما يَدُورُونَ على أنْ يقولوا ليسَ في السَّمَاءِ إلهٌ. يعني الجهميَّة»[19].
قال الذهبيُّ رحمه الله معقِّبًا: «مقالةُ السَّلفِ وأئمَّةِ السنَّةِ؛ بلْ والصَّحابةُ واللهُ ورسولهُ والمؤمنونَ، أنَّ الله عزَّ وجلَّ فِي السَّمَاءِ، وأنَّ اللهَ عَلَى العرشِ، وأنَّ اللهَ فَوْقَ سماواته، وأنَّه ينزلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنيا، وحُجَّتهم على ذلكَ النُّصوصُ والآثارُ.
ومقالةُ الجهميَّةِ: أنَّ الله تباركَ وتعالى في جميعِ الأمكنةِ، تعالى الله عنْ قولهم، بلْ هوَ معنا أينمَا كنَّا بعلمهِ.
ومقالةُ مُتَأَخِّري المتكلِّمينَ [مِنَ المعتزلةِ والماتريديةِ والأشعريةِ]: أنَّ الله تعالى ليسَ في السَّمَاءِ، ولا على العرشِ، ولا على السَّمَاوَاتِ، ولا في الأرضِ، ولا داخلَ العالمِ، ولا خارجَ العالمِ، ولا هوَ بائنٌ عنْ خلقهِ ولا متَّصلٌ بهم! وقالوا: جميعُ هذهِ الأشياءِ صفاتٌ للأجسامِ والله تعالى فمنزَّهٌ عَنِ الجسمِ!.
قالَ لهم أهلُ السنَّةِ والأثرِ: نحنُ لاَ نخوضُ في ذلكَ، ونقولُ ما ذكرناهُ اتِّباعًا للنُّصوصِ، وإنْ زعمتم... ولا نقولُ بقولكمْ، فإنَّ هذهِ السلوبَ نعوتُ المعدومِ، تعالى الله جلّ جلاله عَنِ العدمِ، بلْ هوَ موجودٌ متميِّزٌ عنْ خلقهِ، موصوفٌ بما وصفَ بهِ نفسَهُ، منْ أنَّهُ فَوْقَ العَرْشِ بِلاَ كَيْفٍ»[20].
أقولُ: أرجو أنْ يتدبَّرَ كلامُ هذا الإمامِ.
فقدْ ذكرَ في مسألةِ علوِّ الله تعالى ثلاثةَ مذاهبَ:
الأولُ: مذهبُ أهلِ السنَّةِ والجماعةِ أصحابِ الحديثِ: وهو أنَّ الله فوقَ العالَمِ بائنٌ منْ خَلْقِهِ عَالٍ على العَرْشٍ، وأنَّ هذا هو قولُ اللهِ ورسولِه صلى الله عليه وسلم وجميعِ المؤمنين.
والثاني: قولُ أصحابِ جَهْم بنِ صَفْوانَ: وهو أنَّ الله تعالى في كلِّ مكانٍ، وهو قولُ الحُلوليةِ.
والثالثُ: قولُ المُعَطِّلةِ كالمعتزلةِ والماتريديةِ والأشعريةِ: وهو أنَّ الله تعالى لا فوقَ العالَمِ ولا تحتهُ ولا داخلَ العالمِ ولا خارجَهُ ولا مُتَّصِلٌ بالعالَمِ ولا منفصلٌ عنهُ[21].
16 - عبدُ اللّه بنُ المباركِ، شيخُ الإسلامِ (181هـ)
قالَ عليُّ بنُ الحسنِ بن شقيق: قلتُ لعبدِ الله بنِ المبارك: كيفَ نعرفُ ربَّنا عزَّ وجلَّ؟ قَالَ: «بِأَنَّهُ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى العَرْشِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ»[22].
فرحم الله ابن المبارك، لقد أتى بأصل المعرفة التي لا يصلح لأحدٍ معرفةٌ ولا إقرارٌ بالله سبحانه إلَّا بها، وهو المباينة لخلقه جلَّ وعلا، والعلو على العرش[23]. فمن لم يعرفه بذلك، لم يعرف إلهه الذي يعبده.
قالَ الذهبيُّ معقِّبًا: قلتُ: الجهميَّةُ يقولونَ: إنَّ الباري تعالى في كلِّ مكانٍ، والسَّلفُ يقولونَ: إنَّ عِلْمَ الباري في كلِّ مكانٍ، ويحتجُّونَ بقولهِ تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]، يعني بالعلمِ، ويقولونَ: إنَّهُ على عَرْشِهِ اسْتَوَى كمَا نطقَ بهِ القرآنُ والسنَّةُ... ومعلومٌ عندَ أهلِ العلمِ مِنَ الطوائفِ أنَّ مذهبَ السَّلفِ إمرارُ آياتِ الصِّفاتِ وأحاديثهَا كمَا جاءتْ منْ غيرِ تأويلٍ ولا تحريفٍ، ولا تشبيهٍ ولا تكييفٍ، فإنَّ الكلامَ في الصِّفاتِ فرعٌ على الكلامِ في الذَّاتِ المقدَّسةِ.
وقدْ عَلِمَ المسلمونَ أنَّ ذاتَ الباري موجودةٌ حقيقةً، لا مِثْلَ لها، وكذلكَ صفاتهُ تعالى موجودةٌ، لا مِثْلَ لها[24].
17 - جرير الضبيُّ، محدِّث الري (188هـ)
قال جريرُ بنُ عبدِ الحميد رحمه الله: «كلامُ الجهميَّةِ أَوَّلهُ عَسَلٌ وآخِرُهُ سُمٌّ، وإنَّما يحاولونَ أنْ يقولوا: ليسَ في السَّمَاءِ إلهٌ»[25].
18 - عبدُ الرحمنِ بنُ مهدي (198هـ)
قال الذهبيُّ رحمه الله: نقلَ غيرُ واحدٍ بإسنادٍ صحيحٍ عنْ عبدِ الرحمنِ - الذي يقولُ فيهِ عليُّ بنُ المديني: حافظُ الأمَّةِ، لو حلفتُ بينَ الركنِ والمقامِ لحلفتُ أنِّي ما رأيتُ أعلمَ منْ ابنِ مهدي - قال:
«إنَّ الجهميَّةَ أرادوا أنْ يَنْفُوا أن يكونَ اللهُ كَلَّمَ موسى؛ وأنْ يكونَ على العَرْشِ، أرى أنْ يُسْتَتابُوا، فإنْ تابوا وإلا ضُرِبَتْ أعناقُهُمْ»[26].
19 - أبو معاذ البلخي الفقيه (199هـ)
قال أبو قُدامةَ السرخسيُّ: سمعتُ أبا معاذٍ خالدَ بنَ سليمانَ بفرغانةَ يقولُ: «كانَ جهمٌ على معبرِ ترمذ، وكانَ فصيحَ اللِّسانِ، ولمْ يكنْ لهُ علمٌ ولا مجالسةٌ لأهلِ العلمِ، فكلَّم السمنية، فقالوا لهُ: صفْ لنَا ربَّكَ عزَّ وجلَّ الذي تعبدهُ، فدخلَ البيتَ لا يخرجُ منهُ، ثمَّ خرجَ إليهم بعدَ أيَّامٍ، فقالَ: هوَ هذا الهواءُ مَعَ كلِّ شيءٍ، وفي كلِّ شيءٍ، ولا يخلو منهُ شيءٌ، فقالَ أبو معاذ البلخيُّ الفقيهُ: كذَبَ عدوُّ اللهِ، بل اللهُ جلّ جلاله على العَرْشِ كمَا وَصَفَ نَفْسَهُ»[27].
وقال يحيى بنُ أيوب: سمعتُ أبا نُعيمٍ البلخيَّ قالَ: «كَانَ رجلٌ منْ أهلِ مرو صديقًا لجهمٍ ثمَّ قطعهُ وجفاهُ فقيلَ لهُ: لِمَ جفوتهُ؟ فقالَ: جاء منهُ ما لا يحتملُ، قرأتُ يومًا آيةَ كذاَ وكذَا - نسيهَا يحيى - فقالَ: ما كانَ أظرف محمَّدًا، فاحتملتهَا، ثمَّ قرأ سورةَ طه، فلمَّا قالَ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5] قالَ: أمَا واللهِ لو وجدتُ سبيلًا إلى حَكِّها لَحَكَكْتُهَا مِنَ المصحفِ، فاحتملتهَا. ثمَّ قرأَ سورةَ القصصِ، فلمَّا انتهى إلى ذكرِ موسى قالَ: ما هذا؟ ذكر قصةً في موضعٍ فلم يُتِمَّها ثمَّ ذكرَ ههنا فلمْ يُتِمَّها، ثمَّ رمى بالمصحفِ من حِجْرِهِ برجليهِ!!! فَوَثَبْتُ عليهِ»[28].
فهذا شيخُ النَّافينَ لعلوِّ الربِّ عَلَى عرشهِ ومُبَايَنَتِهِ منْ خَلْقِهِ.
وذكرَ ابنُ أبي حاتم عنهُ بإسنادهِ عَنِ الأصمعيِّ قَالَ: قَدِمَتِ امرأةُ جَهْمٍ فقالَ رجلٌ عندهَا: اللهُ عَلَى عَرْشِهِ. فقالتْ: محدودٌ عَلَى محدودٍ. قَالَ الأصمعيُّ: هي كافرةٌ بهذهِ المقالةِ.
فهذهِ المقالةُ إِمَامَاهَا هَذَا الرجلُ وامرأتهُ وما أَوْلاهُ بأنْ {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ *}{وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ *} [المسد: 4 - 5][29].
20 - منصورُ بن عمار (200هـ)
كتبَ بِشْرٌ المرِّيسيُّ إلى منصور بن عمَّار يسألهُ عنْ قولهِ تعالى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5] كيفَ استوى؟
فكتبَ إليهِ: «اسْتِوَاؤُهُ غيرُ محدودٍ، والجوابُ فيه تَكَلُّفٌ، مُسَاءَلَتُكَ عنهُ بِدْعَةٌ، والإيمانُ بِجُمْلَةِ ذَلِكَ وَاجِبٌ»[30].










 


قديم 2013-10-27, 21:55   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
أبو هاجر القحطاني
عضو فضي
 
الصورة الرمزية أبو هاجر القحطاني
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي

نتابع أقوال علماء أهل السنة والجماعة في أن الرحمن على العرش استوى وأنه عالي على خلقه وأنه فوق العرش على الحقيقة لا الخيال والوهم :

21- الإمامُ الشافعيُّ (204هـ)
قال رحمه الله: «القولُ فِي السنَّةِ التي أنا عليهَا، ورأيتُ أصحابَنا عليهَا، أهلَ الحديثِ الذينَ رأيتهم فأخذتُ عنهم، مثلُ سفيانَ ومالكٍ وغيرهمَا: الإقرارُ بشهادةِ أنْ لاَ إلهَ إلَّا الله وأنَّ محمدًا رَسُولُ الله، وأنَّ اللهَ عَلَى عرشِهِ فِي سمائِهِ يقربُ منْ خَلْقِهِ كيفَ شاءَ»[31].
«وأنَّ الله عزَّ وجلَّ يُرى فِي الآخرةِ يَنْظُرُ إليهِ المؤمنونَ عيانًا جهارًا، ويسمعونَ كلامَهُ. وأَنَّهُ فَوْقَ العَرْشِ»[32].
وقال رحمه الله في «الرسالةِ»: «الحمدُ للهِ الذي هوَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ وفَوْقَ ما يَصِفُهُ خَلْقُهُ»[33].
قال ابنُ القيِّمُ رحمه الله: «فأثبتَ في هذهِ الكلمةِ أنَّ صفاتهِ إنَّما تُتلقَّى بالسَّمعِ، لا بآراءِ الخلقِ، وأنَّ أوصافَهُ فوقَ ما يصفهُ بهِ الخلقُ، فتضمَّنتْ هذهِ الكلمةُ، إثباتَ صفاتِ الكمالِ الذي أثبتهُ لنفسهِ، وتنزيهَهُ عَنِ العيوبِ والنَّقائصِ والتَّمثيلِ، وأنَّ ما وصفَ بهِ نَفْسَهُ فهوَ الذي يُوصَفُ بهِ، لا مَا وَصَفَهُ به الخلقُ»[34].


22-يزيدُ بنُ هارونَ الواسطيُّ (206هـ)
قال يزيدُ بنُ هارون رحمه الله: « مَنْ زَعَمَ أنَّ {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} على خِلاَفِ ما يَقِرُ في قُلُوبِ العَامَّةِ فهوَ جَهْمِيٌّ»[35].
قال الذهبيُّ معقِّبًا: «وهذا الذي قالهُ هوَ الحقُّ؛ لأنَّهُ لو كانَ معناهُ على خلافِ ما يَقِرُ فى القلوبِ السَّليمةِ مِنَ الأهواءِ، والفطرةِ الصَّحيحةِ مِنَ الأدواءِ، لوجبَ على الصَّحَّابةِ والتَّابعينَ أنْ يُبَيِّنوا أنَّ استواءَ الله على عرشِهِ على خلافِ ما فَطَرَ اللهُ عليهِ خَلْقَهُ، وَجَبَلَهُم على اعتقادِهِ، اللهمَّ إلَّا أنْ يكونَ في بعضِ الأغبياءِ منْ يفهمُ مِنْ أنَّ الله في السَّماء، أو على العرشِ [أنَّه محيِّزٌ وأنَّهما حَيِّزٌ له]، وأنَّ العرشَ محيطٌ بهِ، فكيَّفَ ذلكَ في ذهنهِ وبفهمهِ، كمَا بدر في الشَّاهدِ من أيِّ جسمٍ كانَ، على أيِّ جسمٍ، فهذا حالُ جاهلٍ و[مَا] أظنُّ أنَّ أحدًا اعتقدَ ذلكَ مِنَ العامَّةِ ولا قالهُ، وحاشَا يزيدَ بنَ هارونَ أنْ يكونَ مرادُهُ هذا وإنَّما مرادهُ ما تقدَّمَ»[36].
وقالَ شيخُ الاسلامِ رحمه الله: والذي تقرَّرَ في قلوبِ العامَّةِ هوَ ما فطرَ الله تعالى عليهِ الخليقةَ منْ توجُّههَا إلى ربِّها تعالى عنْدَ النوازلِ والشدائدِ والدُّعَاءِ والرغباتِ إليهِ تعالى نحوَ العُلُوِّ، لا يلْتفتُ يُمْنَةً ولا يُسْرَةً منْ غيرِ موقفٍ وقفهم عليه، ولكن فطرةَ الله التي فطَرَ النَّاسَ عليهَا، وما منْ مولودٍ إلَّا هوَ يولدُ على هذهِ الفطرةِ يجهِّمهُ وينقلهُ إلى التَّعْطيلِ منْ يقيَّض لهُ.


23 - سعيدُ بن عامر الضبعيُّ عالِمُ البصرة (208هـ)
ذكرَ سعيدُ بنُ عامرٍ الضبعيُّ الجهميَّةَ فقالَ: همْ شرٌّ قولًا مِنَ اليهودِ والنَّصارى، قَدِ اجتمعَ اليهودُ والنَّصارى، وأهلُ الأديانِ مَعَ المسلمينَ، عَلَى أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ عَلَى العَرْشِ. وقالوا هم: لَيْسَ عَلَى شيءٍ[37].


24 - عبدُ الله بن أبي جعفر الرازيُّ
قالَ صالحُ بنُ الضريسِ: «جعلَ عبدُ الله بنُ أبي جعفرٍ الرازيُّ يضربُ رأسَ قرابةٍ لهُ يرى برأيِّ جهمٍ، فرأيتهُ يضربُ بالنَّعلِ على رأسهِ ويقولُ: لا، حتَّى تقول: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5] بائِنٌ منْ خَلْقِهِ»[38].

25 - القعنبيُّ (221هـ)
قَالَ بنانُ بنُ أحمدَ: كنَّا عند القعنبيِّ رحمه الله، فسمعَ رجلًا مِنَ الجهميَّةِ يقولُ: الرَّحْمنُ عَلَى العرشِ استولى. فقال القعنبيُّ: « مَنْ لا يُوقِن أنَّ الرَّحْمن عَلَى العرش استوى كَمَا يَقِرُ فِي قلوبِ العامَّةِ، فهو جَهْمِيٌّ»

[39].
26 - عاصمُ بن علي شيخ البخاري (221هـ)
قَالَ رحمه الله: «ناظرتُ جهمًا فتبيَّنَ مِنْ كلامهِ أنَّه لاَ يؤمنُ أنَّ فِي السَّمَاء ربًّا»[40].
27 - هشام بن عبيد الله الرَّازيُّ (221هـ)
قَالَ ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا عليُّ بنُ الحسنِ بنِ يزيدَ السُّلميُّ: سمعتُ أبي يقولُ: «سمعتُ هشامَ بنَ عبيدِ الله الرَّازيَّ - وحبسَ رجلًا فِي التَّجَهُّم فتابَ فجيءَ بِهِ إليهِ ليمتحنهُ - فقالَ لهُ: أَتَشْهَدُ أنَّ اللهَ عَلَى عَرْشِهِ بائنٌ منْ خَلْقِهِ؟ فقالَ: لاَ أدري مَا بائنٌ منْ خَلْقِهِ. فقالَ: رُدُّوهُ فإنَّهُ لَمْ يَتُبْ بَعْدُ»[41].
28 - بِشْر الحافي، زاهدُ العصرِ (227هـ)
قال حمزةُ بنُ دَهْقَانَ: «قلتُ لبشرِ بنِ الحارث: أحبُّ أنْ أخلوَ معكَ. قال: إذا شئتَ فيكونُ يومًا. فرأيتهُ قدْ دخلَ قُبةً، فصلَّى فيهَا أربعَ رَكَعَاتٍ لا أحْسِنُ أصلِّي مثلَهَا، فسمعتُهُ يقولُ في سجودهِ: اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ فَوْقَ عَرْشِكَ أنَّ الذُّلَّ أحبُّ إليَّ مِنَ الشَّرَفِ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ فَوْقَ عَرْشِكَ أنَّ الفقرَ أَحبُّ إليَّ مِنَ الغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّك تَعْلَمُ فَوْقَ عَرْشِكَ أنِّي لا أُوثِرُ عَلى حُبِّكَ شيئًا.
فلمَّا سمعتهُ، أخذني الشهيقُ والبكاءُ، فقالَ: اللهمَّ إنَّك تعلمُ أنِّي لو أعلمُ أنَّ هذا هاهنا، لم أتكلَّمْ»[42].
29 - محمدُ بن مصعب العابدُ: شيخُ بغداد (228هـ)
قالَ محمَّدُ بنُ مصعب العابد رحمه الله: «مَنْ زَعَمَ أنَّكَ لا تتكَلَّمُ ولا تُرى في الآخرةِ، فهوَ كافرٌ بوجهكَ، أَشْهَدُ أنَّكَ فَوْقَ العَرْشِ، فَوْقَ سَبعِ سَمَاوَاتٍ، ليسَ كمَا تقولُ أعداءُ اللهِ الزنادقةُ»[43].


30 - نُعَيمُ بن حمَّاد الخزاعيُّ الحافظ (228هـ)
قال الرماديُّ: سألتُ نعيمَ بنَ حمَّادٍ عنْ قولِ اللهِ تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد: 4] قالَ: «معناهُ أنَّهُ لا يَخْفَى عليهِ خافيةٌ بِعِلْمِهِ، ألا تَرَى قولَهُ: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7]»[44].
وقالَ رحمه الله: « منْ شَبَّهَ اللهَ بِخَلْقِهِ، فقدْ كَفَرَ، ومنْ أنكرَ ما وَصَفَ بهِ نفسَهُ، فقدْ كَفَرَ، وليسَ ما وصفَ بهِ نفسَهُ وَلاَ رسولُهُ تشبيهًا»[45].
وعقَّبَ الذهبيُّ عَلَى هذا الكلامِ بقولهِ: «قلتُ: هذاَ الكلامُ حقٌّ، نعوذُ باللهِ مِنَ التَّشبيهِ ومنْ إنكارِ أحاديثِ الصِّفاتِ، فما يُنْكِرُ الثَابتَ منهَا مَنْ فَقُهَ، وإنَّما بعدَ الإيمانِ بها هنا مقامانِ مذمومانِ:
تأويلُهَا وصرفُهَا عنْ موضوعِ الخِطابِ، فمَا أَوَّلَها السَّلفُ وَلاَ حَرَّفوا ألفاظَهَا عنْ مواضعِهَا؛ بلْ آمنوا بهَا، وأَمَرُّوهَا كَمَا جاءتْ.
المقامُ الثاني: المبالغةُ فِي إثباتها، وتصوُّرُهَا منْ جنسِ صفاتِ البشرِ، وتشكُّلهَا فِي الذِّهنِ، فهذا جهلٌ وضلالٌ، وإنَّما الصِّفةُ تابعةٌ للموصوفِ؛ فإذا كانَ الموصوفُ عزَّ وجلَّ لمْ نرَهُ، وَلاَ أخبرنَا أحدٌ أنَّهُ عاينهُ مَعَ قولهِ لنَا فِي تنزيلهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] فكيفَ بقيَ لأذهاننا مجالٌ فِي إثباتِ كيفيَّةِ الباري، تعالى الله عنْ ذلكَ، فكذلكَ صفاتُهُ المُقَدَّسَةُ، نُقِرُّ بهَا ونعتقدُ أنَّها حقٌّ، وَلاَ نُمَثِّلها أصلًا وَلاَ نَتَشَكَّلُهَا»[46].
31 - أبو عبد الله بن الأعرابي، لغوي زمانه (231هـ)
قَالَ داودُ بنُ عليٍّ: كنَّا عندَ ابنِ الأعرابيِّ، فأتاهُ رجلٌ فقالَ: يا أبَا عبدِ الله، ما معنى قولهِ تعالى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، قالَ: هُوَ على عَرْشِهِ كمَا أَخْبَرَ، فقالَ الرجلُ: ليسَ كذلكَ! إنَّما معناهُ استولى، فقالَ: اسكُتْ، ما يدريكَ ما هذا؟ العربُ لا تقولُ للرجلِ استولى على الشيءِ حتَّى يكونَ لهُ فيهِ مضادٌّ، فأيُّهما غلبَ، قيلَ: استولى، والله تعالى لا مضادَّ لهُ، وهُوَ على عَرْشِهِ كمَا أَخْبرَ. ثمَّ قالَ: الاستيلاءُ بعدَ المُغالبةِ، قال النَّابغةُ:
ألا لمثلِكَ أو من أنتَ سـابقُـه سبقَ الجوادُ إذا استولَى على الأَمَدِ[47]
32 - أبو معمر القطيعي (236هـ)
قال رحمه الله: «آخرُ كلامِ الجهميَّةِ أنَّه ليسَ في السَّماءِ إلهٌ»[48].
قال الإمامُ الذهبيُّ معقِّبًا على هذا الأثرِ: «قلتُ: بلْ قولهم: إنَّه عزَّ وجلَّ في السَّماءِ وفي الأرضِ، لا امتيازَ للسَّماءِ. وقولُ عمومِ أمَّةِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللهَ في السَّمَاءِ، يُطلقونَ ذلكَ وِفْقَ ما جاءتِ النُّصوصُ بإطلاقهِ، ولا يخوضونَ في تأويلاتِ المتكلِّمينَ، مَعَ جَزْمِ الكُلِّ بأنَّه تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]»[49].
33 - إسحاق بن راهويه عالم خراسان (238هـ)
قَالَ إسحاقُ بنُ راهويه رحمه الله: «قَالَ اللهُ تَعَالَى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5] إجماعُ أهلِ العِلْمِ أَنَّهُ فَوْقَ العَرْشِ اسْتَوَى، ويعلمُ كلَّ شيءٍ فِي أسفلِ الأرضِ السَّابعةِ.
قال الذهبيُّ معلِّقًا: اسمع وَيْحَكَ إِلَى هَذَا الإمامِ كيفَ نقلَ الإجماعَ عَلَى هذهِ المسألةِ الشَّريفةِ»[50].
34 - قُتَيْبَةُ بنُ سعيدٍ: شيخُ خراسانَ (240هـ)
قال قُتَيْبَةُ بنُ سعيد رحمه الله: هذا قولُ الأئمَّةِ في الإسلامِ السنَّةِ والجماعةِ: نَعْرِفُ ربَّنا في السَّمَاءِ السَّابعةِ على عَرْشِهِ، كمَا قالَ جلّ جلاله: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5].
فهذا قتيبةُ في إمامتهِ وصدقهِ قدْ نقلَ الإجماعَ على المسألةِ، وقدْ لقيَ مالكًا والليثَ وحمَّادَ بنَ زيدٍ والكبارَ، وعمَّرَ دهرًا وازدحمَ الحفَّاظُ على بابهِ[51].
35 - أحمدُ بن حنبل شيخُ الإسلام (241هـ)
قالَ الإمامُ أحمد رحمه الله في «الردِّ على الزنادقةِ والجهميَّةِ» (ص48 - 49):
« أَنْكَرْتُم أن يكونَ اللهُ على العَرْشِ، وقد قال تعالى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5] وقال: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [يونس: 3]، وقدْ أخبرنَا أنَّهُ في السَّماءِ فقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} [الملك: 16]، {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [الملك: 17]، وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]، وقال: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55]، وقال: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158]، وقال: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ} [الأنبياء: 19]، وقال: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}، وقال: {ذِي الْمَعَارِجِ} [المعارج: 3]، وقال: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18] وقال: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255]. فهذا خبرُ اللهِ أخبرنَا أنَّهُ في السَّماءِ.
وإنَّما معنى قولهِ جلَّ ثناؤه: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام: 3]، يقولُ: هوَ إلهُ مَنْ في السَّماواتِ وإلهُ مَنْ في الأرضِ، وهُوَ على العَرْشِ وقدْ أحاطَ عِلْمُهُ بما دونَ العرشِ، ولا يخلو منْ علمِ الله مكانٌ، ولا يكونُ علمُ الله في مكانٍ دونَ مكانٍ، فذلكَ قولُه: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12]»[52].
وقال يوسفُ بن موسى القطان شيخُ أبي بكرٍ الخلال: «قيلَ لأبي عبد الله: اللهُ فَوْق السَّمَاءِ السَّابِعَةِ على عَرْشِهِ بَائِنٌ منْ خَلْقِهِ، وقُدْرَتُهُ وعِلْمُهُ بِكُلِّ مَكَانٍ؟ قالَ: نعمْ هوَ على عرشهِ ولا يخلو شيءٌ منْ علمهِ»[53].
وقال حنبلُ بنُ إسحاقَ: قلتُ لأبي عبدِ الله: ما معنى قولهِ: {وَهُوَ مَعَكُمْ} و{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ}؟ قال: عِلْمُهُ عِلْمُهُ.
وقال أبو بكرٍ المروزيُّ: حدثني محمدُ بن إبراهيم القيسيُّ قالَ: قلتُ لأحمدَ بنَ حنبلٍ: يُحكى عَنِ ابنِ المباركَ أنَّه قيلَ لهُ: كيفَ نعرفُ ربَّنَا؟ قالَ: في السَّماءِ السَّابِعَةِ على عَرْشِهِ. قال أحمدُ: هكذا هوَ عندنَا[54].
36 - الإمام الربانيُّ محمدُ بن أسلم الطوسيُّ (242هـ)
قالَ محمَّدُ بنُ أسلم رحمه الله: قال لي عبدُ الله بنُ طاهرٍ: بلغني أنَّكَ ترفعُ رأسَكَ إلى السَّماءِ، فقلتُ: ولِمَ؟ وهَلْ أَرْجُو الخَيْرَ إلَّا مِمَّنْ هُوَ فِي السَّمَاءِ[55]؟
37 - الحارثُ بن أسد المحاسبيُّ (243هـ)
قال الزاهدُ المشهورُ الحارثُ بنُ أسدٍ المحاسبيُّ رحمه الله في «فهمِ القرآنِ»:
«وأمَّا قوله: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5] {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18]، و{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16]، و{إِذًا لاَبْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء: 42]. فهذهِ وغيرُهَا مثلُ قولِهِ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، وقولهُ: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة: 5]. فهذا مَقْطَعٌ يوجبُ أنَّهُ فوقَ العرشِ، فوقَ الأشياءِ، منزَّهٌ عَنِ الدُّخولِ في خلقهِ، لا يخفى عليهِ منهم خافية، لأنَّهُ أبانَ في هذهِ الآياتِ أنَّ ذاتَهُ بنفسهِ فوقَ عبادهِ لأنَّهُ قال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} [الملك: 16]، يعني: فوقَ العرشِ، والعرشُ على السَّمَاءِ، لأنَّ مَنْ كانَ فوقَ شيء على السَّمَاءِ فهوَ في السَّمَاءِ، وقدْ قالَ مثلَ ذلكَ: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ} [التوبة: 2]، يعني: على الأرضِ لا يريدُ الدخولَ في جوفِها، وكذلكَ قولُهُ: {وَلأَُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71]، يعني: فوقهُ. وقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16]، ثمَّ فصَّلَ فقالَ: {أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} [الملك: 16] ولم يصلهُ بمعنًى فَيشْتبهُ ذلكَ، فلم يكنْ لذلكَ معنًى إذ فصَّلَ بقولهِ: {فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] - ثمَّ اسْتَأْنَفَ التخويفَ بالخسْفِ - إلَّا أنَّهُ عَلَى العَرْشِ فَوْقَ السَّمَاءِ. وقال: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة: 5]، وقال: {تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4]، فبيَّنَ عروجَ الأمرِ، وعروجَ الملائكةِ، ثمَّ وصفَ صعودَهَا بالارتفاعِ صاعدةً إليهِ...
فإذا صَعَدُوا إلى العرشِ فقدْ صَعَدُوا إلى الله جلَّ وعزَّ، وإنْ كانوا لمْ يَرَوْهُ، ولم يُسَاووهُ في الارتفاعِ في عُلُوِّهِ، فإنَّهم قدْ صَعَدُوا مِنَ الأرضِ، وعَرَجُوا بالأمرِ إلى العُلُوِّ الذي اللهُ عزَّ وجلَّ فوقَهُ...
وقالَ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]. وكلامُ الملائكةِ أكثرُ وأطيبُ منْ كلامِ الآدميينَ، فلمْ يَقُلْ ينزلُ إليهِ الكَلِمُ الطَّيِّبُ.
وقال عنْ عيسى عليه السلام: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158]، ولمْ يقلْ عندَهُ.
وقالَ عنْ فرعونَ: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} [غافر: 36 - 37 ]، ثمَّ استأنفَ فقالَ: {وَإِنِّي لأََظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: 36 - 37]، فيمَا قالَ لي إنَّهُ في السَّماءِ، فطلبهُ حيثُ قال لهُ موسى مَعَ الظَّنِّ منهُ بموسى عليه السلام أنَّهُ كاذبٌ، ولوْ أنَّ موسى عليه السلام، أخبرهُ أنَّه في كلِّ مكانٍ بذاتهِ، لطلبهُ في الأرضِ أو في بيتهِ وبَدَنِهِ ولمْ يَتَعَنَّ بِبُنْيَانِ الصَّرْحِ»[56].
وكذلكَ قولهُ: {فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] فلمْ يقلْ في السَّمَاءِ ثمَّ قطعَ كمَا قالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} [الملك: 16]، فقال: {فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]، فأخبرَ أنَّهُ إلهُ أهلِ السَّماءِ وإلهُ أهلِ الأرضِ.
وذلكَ موجودٌ في اللُّغةِ إذْ يقولُ القائلُ: مَنْ بِخُراسان؟ فيقالُ: ابنُ طاهرٍ. وإنَّما هوَ في موضعٍ. فجايزٌ أنْ يقالَ: ابنُ طاهرٍ أميرٌ في خراسانَ، فيكونُ أميرًا في بلْخ وسَمَرْقَند وكلِّ مدنها. هذا وإنَّما هوَ في موضعٍ واحدٍ، يخفى عليهِ مَا وراءَ بيتهِ، ولو كانَ على ظاهرِ اللَّفظِ وفي معنى الكونِ، ما جازَ أنْ يقالَ أميرٌ في البلدِ الذي هو فيهِ لأنَّهُ في موضعٍ واحدٍ منْ بيتهِ، أو حيثُ كانَ، إنَّما هوَ في موضعِ جلوسِهِ، وليسَ هوَ في دارهِ أميرٌ ولا في بيتهِ كلِّهِ، وإنَّما هو في موضعٍ منهُ، لو كانَ هذَا معنى الكونِ، فكيفَ العالي فوقَ كلِّ شيء؟! لا يخفى عليهِ شيءٌ مِنَ الأشياءِ يُدَبِّرُهُ، فهو إلهُ أهلِ السَّماءِ، وإلهُ أهلِ الأرضِ لا إلهَ فيهما سواهُ، فهوَ فيهمَا إلهٌ إذْ كانَ مدبِّرًا لهما وما فيهما وهُوَ على عَرْشِهِ فَوْقَ كُلِّ شَيءٍ بَاقٍ[57].
38 - عبدُ الوهاب الوراق ُ (250هـ)
قال رحمه الله: «مَنْ زَعَمَ أنَّ اللهَ هاهنا فهو جَهْمِيٌّ خَبِيثٌ، إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ فَوْقَ العَرْشِ، وعِلْمُهُ مُحِيطٌ بالدُّنيا والآخِرَةِ»[58].
39 - خَشَيْشُ بن أصرم (253هـ)
قال أبو عاصم خَشيشُ بن أصرم رحمه الله: «وقدْ أنكرَ جهمٌ أنْ يكونَ اللهُ على العَرْشِ، وقالَ الله تباركَ وتعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ} [السجدة: 4]، وقالَ: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]، وقالَ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5] وقالَ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَانُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59].
قالَ أبو عاصم: منْ كفرَ بآيةٍ منْ كتابِ الله؛ فقدْ كفرَ بهِ أجمع، فمنْ أنكرَ العرشَ؛ فقدْ كفرَ بالله. وجاءتِ الآثارُ بأنَّ لله عرشًا، وأنَّهُ على عرشهِ»[59].
قالَ أبو عاصم: وأنكرَ جهمٌ أنْ يكونَ اللهُ في السَّماءِ دونَ الأرضِ... وقدْ دلَّ في كتابهِ أنَّهُ في السَّماءِ دونَ الأرضِ... ثمَّ ذكرَ الآياتِ الدَّالَّةِ على عُلوِّ الله إلى أنْ قالَ:
لوْ كانَ في الأرضِ كمَا هوَ في السَّماء لم ينزلْ مِنَ السَّماءِ إلى الأرضِ شيءٌ، ولكانَ يصعدُ مِنَ الأرضِ إلى السَّماءِ كما ينزلُ مِنَ السَّماءِ إلى الأرضِ، وقدْ جاءتِ الآثارُ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ الله عزَّ وجلَّ في السَّماء دونَ الأرضِ[60].
40 - الذهلي ُّ (258هـ)
قال الحاكمُ: قرأتُ بخطِ أبي عمرو المستملي: سئلَ محمدُ بنُ يحيى عنْ حديثِ عبدِ الله بن معاوية عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لِيَعْلَمِ العَبْدُ أنَّ اللهَ معهُ حيثُ كانَ»[61]، فقالَ: يريدُ أنَّ اللهَ عِلْمُهُ محيطٌ بكلِّ مكانٍ، واللهُ على العَرْشِ[62].
41 - إسماعيل بن يحيى المزنيُّ (264هـ)
قالَ محمَّدُ بنُ إسماعيل الترمذي: سمعتُ المزنيَّ يقولُ: «لا يَصِحُّ لأحدٍ توحيدٌ حتىَّ يعلمَ أنَّ اللهَ تعالى على العَرْشِ بصفاتهِ. قلتُ لهُ: مثلُ أيِّ شيءٍ؟ قالَ: سَمِيعٌ بَصِيرٌ عَلِيمٌ»[63].
وقَالَ رحمه الله فِي «شرحِ السنَّةِ»: «(عالٍ) عَلَى عرشهِ (فِي مجدهِ بذاتِهِ)... عَالٍ عَلَى عَرْشِهِ، بَائِنٌ منْ خَلْقِهِ»[64].
قال العلامةُ الألبانيُّ رحمه الله: «واعلمْ أنَّ لفظةَ (بائنٌ) كَثُرَ ورودُهَا فِي عقيدةِ السَّلفِ فِي قولهم: «هَوَ تَعَالى عَلَى عَرْشِهِ، بائِنٌ من خَلْقِهِ» وحكاها أبو زرعة وأبو حاتم الرّازيانِ عَنِ العلماءِ فِي جميعِ الأمصارِ، وإنَّما نطقَ العلماءُ بهاتَيْنِ اللفظَتَيْنِ: «بذاتهِ» و «بائنٌ» - بعدَ أنْ لم تكونَا معروفتينِ فِي عهدِ الصَّحابةِ رضي الله عنهم - لمَّا ابتدعَ الجهمُ[65] وأتباعهُ القولَ بأنَّ الله فِي كلِّ مكانٍ، فاقتضت ضرورةُ البيانِ أنْ يتلفَّظَ هؤلاءِ الأئمَّةِ الأعلامِ بلفظِ «بائنٌ» دونَ أنْ ينكرهُ أحدٌ منهم»[66].
42 - أبو زُرعة الرازيُّ (264هـ)
قَالَ عبدُ الرَّحْمن بن أبي حاتم: سألتُ أبي وأبا زرعةَ عَن مذاهبِ أهلِ السنَّةِ فِي أصولِ الدِّينِ، وما أدركا عَلَيهِ العلماءُ فِي جميعِ الأمصارِ ومَا يعتقدانِ فِي ذلكَ؟ فقالا:
«أدركنَا العلماءَ فِي جميعِ الأمصارِ - حجازًا وعراقًا وشامًا ويَمَنًا - فكانَ منْ مذهبهم:
وأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ منْ خَلْقِهِ كَمَا وصفَ نفسَهُ فِي كتابهِ وعلى لسانِ رسولهِ صلى الله عليه وسلم بلا كيفٍ، أحاطَ بكلِّ شيءٍ علمًا {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]»[67].
وقال أبو زرعة الرازي رحمه الله: «المعطِّلةُ النَّافيةُ الذينَ ينكرونَ صفاتِ الله عزَّ وجلَّ التي وصفَ بها نفسَهُ في كتابهِ وعلى لسانِ نبيِّهِ صلى الله عليه وسلم، ويكذِّبونَ بالأخبارِ الصحاحِ التي جاءتْ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في الصفاتِ ويتأوَّلونها بآرائهم المنكوسةِ على موافقةِ ما اعتقدوا منَ الضلالةِ وينسبونَ رواتها إلى التشبيهِ، فمنْ نسبَ الواصفينَ ربَّهم تبارك وتعالى بما وصفَ بهِ نفسهُ في كتابهِ وعلى لسانِ نبيِّهِ صلى الله عليه وسلم منْ غيرِ تمثيلٍ ولا تشبيهٍ إلى التشبيهِ فهو معطِّلٌ نافٍ، ويستدلُّ عليهم بنسبتهم إيَّاهم إلى التشبيه أنَّهم معطِّلةٌ نافيةٌ، كذلكَ كانَ أهلُ العلمِ يقولونَ منهم: عبد الله بن المبارك ووكيع بن الجراح»[68].
43 - أبو حَاتِمٍ الرازيُّ (277هـ)
قال الحافظُ أبو القاسم الطبريُّ: وجدتُ في كتابِ أبي حاتمٍ محمدِ ابن إدريس بن المنذر الحنظليِّ ممَّا سُمِعَ منهُ يقولُ: «مذهبنا واختيارنا اتِّباعُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابهِ والتَّابعينَ منْ بعدهم، والتَّمسُّكُ بمذاهبِ أهلِ الأثرِ مثلُ الشَّافعيِّ وأحمدَ وإسحاقَ وأبي عبيدٍ رحمهمُ الله تعالى، ولزومُ الكتابِ والسنَّةِ، ونعتقدُ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ على عَرْشِهِ، بَائِنٌ منْ خَلْقِهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]»[69].
44 - حَرْب الكَرْمَانِيُّ (280هـ)
قال أبو محمد حرب بن إسماعيل الكرماني فِي «مسائلهِ المعروفةِ» التي نقلهَا عَنْ أحمدَ وإسحاقَ وغيرهمَا: «وهو سبحانه بائنٌ من خلقهِ لا يخلو منْ علمه مكانٌ، وللهُ عرشٌ، وللعرشِ حَمَلَةٌ يحملونهُ... واللهُ عَلَى عَرْشِهِ عزَّ ذِكْرُهُ وتعالى جَدُّهُ وَلاَ إلهَ غيرهُ... ينزلُ كلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنيا، كيفَ شَاءَ وكمَا شاءَ، ليسَ كمثلهِ شيءٌ وهوَ السَّميعُ البصيرُ»[70].
45 - ابنُ قُتَيْبَةَ (276هـ)
قَالَ الإمامُ العالمُ ابنُ قُتَيْبَةَ رحمه الله: «نحنُ نقولُ فِي قولهِ: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7]: إنَّهُ معهم بالعلمِ بمَا هم عَلَيهِ، كَمَا تقولُ للرجلِ وجهتهُ إِلَى بلدٍ شاسعٍ، ووكلتهُ بأمرٍ من أموركَ: احذرِ التقصيرَ والإغفالَ لشيءٍ ممَّا تقدَّمتُ فيهِ إليكَ فإنِّي معكَ. تريدُ أنَّهُ لاَ يخفى عليَّ تقصيركَ أَوْ جدُّكَ للإشرافِ عليكَ والبحثِ عنْ أموركَ...
وكيفَ يسوغُ لأحدٍ أنْ يقولَ: إنَّهُ بكلِّ مكانٍ عَلَى الحلولِ مَعَ قولهِ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5] وقولهِ تَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10].
وكيفَ يصعدُ إليهِ شيءٌ هُوَ معهُ؟ أَوْ يرفعُ إليهِ عملٌ وَهُوَ عندهُ؟ وكيفَ تعرجُ الملائكةُ والرُّوحُ إليهِ يومَ القيامة؟»[71].
46 - أبو عيسى الترمذيُّ (279هـ)
قالَ الحافظُ أبو عيسى الترمذيُّ رحمه الله: «وهُوَ عَلَى العَرْشِ كمَا وَصَفَ نَفْسَهُ في كِتَابِهِ»[72].
47 - عثمانُ بنُ سعيد الدّارِمِيُّ الحافظُ (280هـ)
قالَ رحمه الله: «قد اتَّفقتِ الكلمةُ مِنَ المسلمينَ أنَّ اللهَ فَوْقَ عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ»[73].
قَالَ الذهبيُّ معقِّبًا: «قلتُ: أوضحُ شيءٍ فِي هَذَا البابِ قوله عزَّ وجلَّ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]. فَلْيُمَرَّ كَمَا جاءَ، كَمَا هُوَ معلومٌ منْ مذهبِ السَّلفِ، ويُنهى الشَّخصُ عَنْ المراقبةِ والجدالِ، وتأويلاتِ المعتزلةِ، {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ} [آل عمران: 53]»[74].
وقال الذهبي رحمه الله: «كان عثمانُ الدارميُّ جِذْعًا في أَعْيُنِ المُبْتَدِعَةِ»[75].
48 - ثَعْلَب إمامُ العربية (291هـ)
قَالَ الحافظُ أبو القاسمِ اللالكائيُّ فِي كتابِ «السنَّةِ»: وجدتُ بخطِّ الدارقطنيِّ عنْ إسحاقَ الكاذي قَالَ: سمعتُ أبا العبَّاسِ ثعلبَ يقولُ: «استوى: أقبلَ عَلَيهِ وإنْ لَمْ يكن معوَّجًا. {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: 29] أقبلَ. و{اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [السجدة: 4] عَلاَ. واستوى وجهه: اتَّصلَ. واستوى القمرُ: امتلأَ. واستوى زيدٌ وعمرو: تشابها فِي فعلهما وإنْ لَمْ تتشابه شخوصهما. هَذَا الَّذِي نعرفُ منْ كلامِ العرب»[76].
49 - أبو مُسْلِمٍ الكجيُّ الحافظُ (292هـ)
قال أبو مسلم الكجي: خرجتُ فإذا الحمامُ قد فُتحَ سَحَرًا، فقلتُ للحمامي: أدخلَ أحدٌ؟ قَالَ: لا، فدخلتُ، فساعةَ فتحتُ البابَ قَالَ لي قائلٌ: أبو مسلم! أسلمْ تسلمُ، ثمَّ أنشأ يقولُ:
لَكَ الحَمْدُ إمَّا عَلَى نِعْمَةٍ وإمَّا عَلَى نِقْمَةٍ تُدْفَعُ
تشاءُ فتفعل مـَا شِئْتَـهُ وتَسْمَـعُ مـن حَيْـثُ لا نَسْمَـعُ
قالَ: فبادرتُ وخرجتُ وأنا جَزِعٌ، فقلتُ للحماميِّ: أليسَ زعمتَ أنَّهُ ليسَ في الحمَّامِ أحدٌ؟
قَالَ: ذاك جنيٌّ يترايا لنا فِي كلِّ حينٍ ينشدنا، فقلتُ: هلْ عندكَ منْ شعرهِ شيءٌ؟ قالَ: نعم وأنشدني:
أَيُّها المُذْنِبُ المُفَرِّطُ مَهْلًا كم تَمَادَى وَتَكْسِبُ الذَّنْبَ جَهْلًا
كَـمْ وكَـمْ تُسْخِـطُ الجِلِيـلَ بفعلٍ سَمْـجٍ وهـوَ يُحْسِـنُ الصُنْـعَ فِعْـلًا
كيـفَ تَـهْـدَا جُفُـونُ مَـنْ لَيْـسَ يدري أَرَضِـي عنـهُ مَـنْ عَلَى العَـرْشِ أَمْ لاَ[77]
50 - عَمْرُو بنُ عثمانَ المكيُّ (297هـ)
صنَّف كتابًا سمَّاه «التعرُّفُ بأحوالِ العبّادِ والمتعبدينَ» قال: «باب ما يجيءُ بهِ الشَّيطانُ للتائبينَ» وذكر أنَّهُ يدفعهم في القنوطِ، ثمَّ في الغرورِ وطولِ الأمدِ، ثمَّ في التَّوحيدِ. فقالَ: «منْ أعظمِ ما يوسوسُ في «التَّوحيدِ» بالتشكل أو في صفاتِ الربِّ بالتمثيلِ والتَّشبيهِ، أو بالجحودِ لها والتَّعطيلِ.
فلا تذهبْ في أحدِ الجانبينِ، لا معطِّلًا ولا مشبِّهًا، وارضَ لله بما رضيَ بهِ لنفسهِ، وقفْ عندَ خبرهِ لنفسهِ مسلمًا، مستسلمًا، مصدِّقًا، بلا مباحثةِ التنفيرِ ولا مناسبةِ التنقيرِ.
فهو تباركَ وتعالى المستوي على عرشهِ بعظمةِ جلالهِ فوقَ كلِّ مكانٍ - تبارك وتعالى - النَّازلُ كلَّ ليلةٍ إلى السَّمَاءِ الدنيا ليتقرَّبَ إليهِ خلقهُ بالعبادةِ، وليرغبوا إليهِ بالوسيلةِ.
إلى أنْ قالَ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]. القائل: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ *}{أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ *} [الملك: 16 - 17].
تعالى وتقدَّسَ أنْ يكونَ في الأرضِ كمَا هوَ في السَّمَاءِ، جلَّ عنْ ذلكَ علوًّا كبيرًا»[78].
51 - ابنُ أبي شَيْبَةَ (297هـ)
قال رحمه الله في «كتاب العرش»:
«ذكروا أنَّ الجهميَّةَ يقولون: أنْ ليسَ بينَ اللهِ عزَّ وجلَّ وبينَ خلقهِ حجابٌ، وأنكروا العرشَ، وأَنْ يكونَ هو فوقهُ وفوقَ السَّماواتِ، وقالوا: إنَّه في كلِّ مكانٍ...
وقدْ علمَ العالِمُونَ، أنَّ اللهَ قبلَ أنْ يخلقَ خلقَهُ قدْ كانَ متخلِّصًا منْ خلقهِ، بائنًا منهم، فكيفَ دخلَ فيهم؟! تبارك وتعالى أنْ يوصفَ بهذهِ الصِّفةِ، بلْ هُوَ فَوْقَ العَرْشِ كمَا قالَ، محيطٌ بالعرشِ، متخلِّصٌ منْ خلقهِ بيِّنٌ منهم، علمهُ في خلقهِ لا يخرجونَ منْ علمهِ...
قال عزَّ وجلَّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة: 7]، وقال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد: 4]، ففسَّرَ العلماءُ قولَهُ: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد: 4] يعني: عِلْمَهُ، وقالَ عزَّ وجلَّ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، فاللهُ تعالى استوى على العرشِ يرى كلَّ شيءٍ في السَّماواتِ والأرضينَ، ويعلمُ ويسمعُ كلَّ ذلكَ بعينهِ وهُوَ فَوْقَ العَرْشِ، يرى ويسمعُ ما في الأرضِ السفلى، ولكنَّهُ خلقَ العرشَ كما خلقَ الخلقَ لمَّا شاءَ، وكيفَ شاءَ، وما يحملهُ إلَّا عظمتهُ فقالَ: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ *} [السجدة: 5]، وقال عزَّ وجلَّ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]، وقال عزَّ وجلَّ: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آل عمران: 55]، وقال: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا}{بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 157، 158] وأجمعَ الخلقُ جميعًا أنَّهم إذا دَعَوْا اللهَ جميعًا، رفعوا أيديهمْ إلى السَّماءِ، فلو كانَ اللهُ عزَّ وجلَّ في الأرضِ السُّفلى، ما كانوا يرفعونَ أيديهمْ إلى السَّماءِ وهو معهم في الأرضِ.
ثمَّ تواترتِ الأخبارُ أنَّ الله تعالى خلقَ العرشَ فاسْتَوَى عليهِ بذاتِهِ... فَهُوَ فَوْقَ السَّماواتِ وفَوْقَ العَرْشِ بِذَاتِهِ مُتَخَلِّصًا منْ خلقهِ، بائنًا منهم، علمهُ في خلقهِ، لا يخرجونَ من علمهِ»[79].
52 - زكريا السَّاجيُّ (307هـ)
قَالَ الإمامُ الحافظُ محدِّثُ البصرةِ السَّاجيُّ: «القولُ فِي السنُّةِ الَّتِي رأيتُ عَلَيْهَا أهلَ الحديثِ الَّذِينَ لقيتهم أنَّ اللهَ عَلَى عَرْشِهِ فِي سمائِهِ يَقْرُبُ منْ خَلْقِهِ كَيْفَ شاءَ - وذكرَ سائرَ الاعتقادِ»[80].
53 - محمدُ بن جرير الطبريُّ (310هـ)
قَالَ الطبريُّ رحمه الله: « وحسبُ امرئٍ أنْ يعلمَ أنَّ ربَّهُ هوَ الّذي عَلَى العَرْشِ استوى، لهُ مَا فِي السَّماواتِ وما فِي الأرضِ وما بينهما وما تحتَ الثَّرى، فمنْ تجاوزَ ذلكَ فقدْ خابَ وخَسِرَ وضَلَّ وهَلَكَ»[81].
وقالَ رحمه الله في تفسيرِ قولهِ تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7]: «وعَنَى بقوله: {هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7] بمعنى أنَّهُ مُشَاهِدُهم بعلمهِ، وَهُوَ على عَرْشِهِ»[82].
وقالَ رحمه الله في تفسيرِ قولهِ تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]، يقولُ: «وهو شاهدٌ لكم أيُّها النَّاسُ أينما كنتم يعلمكم، ويعلمُ أعمالَكُم، ومُتَقَلَّبَكمْ ومَثْوَاكُمْ، وهُوَ على عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ السَّبْعِ»[83].
وقالَ رحمه الله: «وأولى المعاني بقولِ الله جلَّ ثناؤهُ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ} [البقرة: 29] عَلاَ عليهنَّ وارتفعَ فَدَبَّرَهُنَّ بقدْرتهِ وخَلَقَهُنَّ سبعَ سمواتٍ»[84].
54 - ابنُ الأخرم (311هـ)
قالَ رحمه الله: « واللهُ تعالى على العَرْشِ وعِلْمُهُ مُحِيطٌ بالدُّنيا والآخرةِ»[85].
55 - إمام الأئمة ابنُ خُزَيْمَةَ (311هـ)
قالَ رحمه الله: « مَنْ لمْ يُقِرَّ بأنَّ اللهَ تعالى على عَرْشِهِ قَدِ اسْتَوَى فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ فَهُوَ كَافِرٌ بِرَبِّه، يُسْتَتَابُ فإِنْ تَابَ وإلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ وأُلْقِيَ على بَعْضِ المَزَابِلِ حَيْثُ لا يَتَأَذَّى المُسْلِمُونَ والمُعَاهَدُونَ بنَتَنِ رِيْحِ جِيْفَتِهِ، وكَانَ مَالُهُ فَيْئًا لا يَرِثُهُ أَحَدٌ مِنَ المُسْلِمِينَ؛ إِذِ «المُسْلِمُ لا يَرِثُ الكَافِرَ»، كمَا قال صلى الله عليه وسلم»[86].
56 - نِفْطَوَيْه شيخُ العربية (323هـ)
صنَّفَ الإمامُ النَّحويُّ نفطويه كتابًا في «الردِّ على الجهميَّةِ» وذكرَ فيه أشياء منهَا: قولُ ابنِ الأعرابيِّ الذي مضى ثمَّ قالَ: وسمعتُ داودَ بنَ عليٍّ يقولُ: كانَ المريسيُّ - لا رحمه الله - يقولُ: سبحانَ ربِّي الأسفل. قال: وهذا جهلٌ منْ قائلهِ، وردٌّ لنصِّ كتابِ اللهِ إذْ يقولُ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16][87].










قديم 2013-10-27, 22:22   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
أبو هاجر القحطاني
عضو فضي
 
الصورة الرمزية أبو هاجر القحطاني
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B8

نتابع أقوال علماء أهل السنة في فوقيته على العرش وأنه بائن عن خلقه لا كما يقول الزنادقة الذين يشبهون الله بالمعدومات تعالى الله عما يقول الظالمون علو كبيرا

57- أبو الحسن الأشعريُّ (324هـ)
قالَ الإمامُ أبو الحسن الأشعريُّ رحمه الله فِي كتابِ «الإبانةِ فِي أصولِ الدِّيانةِ» فِي بابِ الاسْتِوَاءِ: إنْ قالَ قائلٌ: «ما تقولونَ في الاستواءِ؟ قِيلَ لهُ: نقولُ: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ مستوٍ عَلَى عرشهِ، كَمَا قَالَ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، وقدْ قَالَ الله عزَّ وجلَّ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، وقالَ: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158]، وقالَ عزَّ وجلَّ: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة: 5]، وقالَ حكايةً عنْ فرعونَ:{يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأََظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: 36 - 37]، كذَّبَ موسى عليه السلام فِي قولهِ: إنَّ الله عزَّ وجلَّ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ. وقال عزَّ وجلَّ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} [الملك: 16]، فالسَّماواتُ فوقَهَا العرشُ. فلمَّا كَانَ العرشُ فَوْقَ السَّمَاوَات قَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16]، لأنَّهُ مستوٍ عَلَى العرشِ الَّذِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ، وكُلُّ مَا عَلا فهو سماء. فالعرشُ أعلى السَّماوات وليسَ إِذَا قَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16]، يعني جميعَ السَّمَاوَاتِ، وإنَّما أرادَ العرشَ الَّذِي هُوَ أعلى السَّمَاوَاتِ. ألاَ ترى أنَّ الله عزَّ وجلَّ ذكرَ السَّمَاوَاتِ فقال: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [نوح: 16]، ولم يُرِدْ أنَّ القمرَ يملأهنَّ جميعًا وأنَّهُ فيهنَّ جميعًا.
وقدْ قالَ قائلونَ من المعتزلةِ والجهميَّةِ والحروريةِ: إنَّ قولَ الله عزَّ وجلَّ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، إنَّه استولى وملكَ وقهرَ، وإنَّهُ عزَّ وجلَّ في كلِّ مكانٍ، وجحدوا أنْ يكونَ الله عزَّ وجلَّ على عرشهِ كمَا قالَ أهلُ الحقِّ، وذهبوا في «الاستواءِ» إلى القدرةِ، ولو كانَ هذا كما ذكروهُ كانَ لا فرقَ بينَ العرشِ والأرضِ، فالله سبحانهُ قادرٌ عليها وعلى الحشوشِ وعلى كلِّ ما في العالمِ. فلو كانَ الله مستويًا على العرشِ بمعنى الاستيلاءِ - وهو سبحانهُ مُسْتَوْلٍ على الأشياءِ كلِّها - لكانَ مستويًا على العرشِ وعلى الأرضِ وعلى السَّمَاءِ وعلى الحشوشِ والأقذارِ، لأنَّه قادرٌ على الأشياءِ مُسْتَوْلٍ عليهَا، وإذا كانَ قادرًا على الأشياءِ كلِّها - ولم يَجِزْ عندَ أحدٍ منَ المسلمينَ أنْ يقولَ: إنَّ الله عزَّ وجلَّ مستوٍ على الحشوشِ والأخليةِ - لم يَجِزْ أنْ يكونَ الاستواءُ على العرشِ الاستيلاءَ الذي هو عامٌّ في الأشياءِ كلِّها، ووجبَ أنْ يكونَ معناهُ استواءً يختصُّ العرشَ دونَ الأشياءِ كلِّها»[1].
قَالَ الذهبيُّ رحمه الله: «لو انتهى أصحابُنا المتكلِّمونَ إِلَى مقالةِ أبي الحسنِ هذهِ ولَزِمُوهَا لأحسنوا، ولكنَّهم خاضُوا كخوضِ حكماءِ الأوائلِ فِي الأشياءِ، ومَشَوْا خلفَ المنطقِ، فلا قُوَّةَ إلَّا بالله»

[2] .
58 -الإمام البَرْبَهَارِيُّ صاحب كتاب السنة (329هـ)
قالَ رحمه الله: «اعلمْ رحمكَ الله: أنَّ الكلامَ في الرَّبِّ تعالى مُحْدَثٌ، وهو بدعةٌ وضلالةٌ، ولا يُتكلَّمُ في الرَّبِّ إلا بما وصفَ بهِ نفسَهُ عزَّ وجلَّ في القرآنِ، وما بيَّنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأصحابهِ، فهوَ جلَّ ثناؤهُ واحدٌ: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
ربُّنا أوَّلٌ بلا مَتَى، وآخرٌ بلا مُنتهى، يعلمُ السِّرَّ وأخفى، وَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ اسْتَوَى، وعِلْمُهُ بكلِّ مكانٍ، ولا يخلو منْ علمِهِ مكانٌ»

[3] .
59 - الوزير عليُّ بنُ عيسى (334هـ)
قال محمَّدُ بنُ عليِّ بن حبيش: دخلَ أبو بكرٍ الشبليُّ رحمه الله دارَ المرضى ليعالجَ، فدخلَ عليهِ الوزيرُ عليُّ بنُ عيسى عائدًا، فقال الشِّبليُّ: ما فعلَ ربُّكَ؟ قَالَ: « الربُّ عزَّ وجلّ فِي السَّمَاءِ يَقْضِي ويُمْضِي»[4].
60 - العلَّامة أبو بكر الضِّبْعِيُّ (342هـ)
قالَ رحمه الله: «قَدْ تضعُ العربُ «فِي» موضع «عَلَى» قَالَ الله تَعَالَى: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ} [التوبة: 2]، وقالَ: {وَلأَُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] ومعناهُ عَلَى الأرضِ وعلى النَّخلِ، فكذلكَ قولهُ: {مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] أيْ مَنْ عَلَى العرشِ، كَمَا صَحَّتِ الأخبارُ عنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم»[5].
61 - ابنُ شعبان (355هـ)
قال الذهبيُّ رحمه الله: «رأيتُ له[6] تأليفًا في تسميةِ الرواةِ عنْ مالكٍ، أولهُ: الحمدُ لله الحميدِ، ذي الرُّشدِ والتسديدِ، والحمدُ لله أحقُّ ما بُدِي، وأولى منْ شكر، الواحدِ الصَّمدِ، جَـلَّ عَنِ المَثَلِ فلا شَبَهَ لهُ ولا عَدْلَ، عَالٍ على عَرْشِهِ، فهوَ دَانٍ بِعِلْمِهِ، وذكرَ باقي الخطبة»[7].
62 - الإمام العلامة صاحب التصانيف السلفية أبو بكر الآجُرِّيُّ (360هـ) :
صنَّفَ الحافظُ الزَّاهدُ الآجُرِّيُّ المجاورُ بحرمِ الله كتابَ «الشَّريعةِ» فمنْ أبوابهِ: «بـابُ التحذيرِ منْ مذاهبِ الحلوليَّةِ» ثمَّ قَالَ: أمَّا بعدُ: فإنِّي أحذِّرُ إخواني مِنَ المؤمنينَ مذهبَ الحلوليَّةِ: الذينَ لَعِبَ بهمُ الشَّيطانُ، فخرجوا بسوءِ مذهبهم عنْ طريقِ أهلِ العلمِ.
مذاهبهم قبيحةٌ، لاَ تكونُ إلَّا فِي كلِّ مفتونٍ هالكٍ، زعموا أنَّ الله عزَّ وجلَّ حالٌّ فِي كلِّ شيءٍ، حتَّى أخرجهم سوءُ مذهبهم إِلَى أنْ تكلَّموا فِي الله عزَّ وجلَّ بِمَا ينكرهُ العلماءُ العقلاءُ.
لاَ يوافقُ قولَهم كتابٌ وَلاَ سنَّةٌ، وَلاَ قولُ الصَّحابةِ، وَلاَ قولُ أئمَّةِ المسلمينَ، وإنِّي لأستوحشُ أنْ أذكرَ قبيحَ أفعالهم تنزيهًا منِّي لجلالِ اللهِ عزَّ وجلَّ وعظمتهِ، كَمَا قَالَ ابنُ المبارك رَحمةُ الله عليهِ: «إنَّا لنستطيعُ أنْ نحكيَ كلامَ اليهودِ والنَّصارى، وَلاَ نستطيعُ أنْ نحكيَ كلامَ الجهميَّةِ».
ثمَّ إنَّهم إِذَا أنكرَ عليهمْ سوءُ مذهبهم، قالوا: لنا حجَّةٌ منْ كتابِ الله عزَّ وجلَّ.
فإذا قِيلَ لهم: مَا الحجَّةُ؟!
قالوا: قَالَ الله عزَّ وجلَّ فِي كتابهِ فِي سورةِ المجادلة: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7] وبقولهِ عزَّ وجلَّ: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} - إِلَى قوله - {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد 3 - 4].
فلبَّسوا عَلَى السَّامعِ منهم بِمَا تَأَوَّلوهُ، وفَسَّروا القرآنَ عَلَى مَا تهوى نفوسهم، فضلُّوا وأضلُّوا. فمنْ سمعهم ممَّنْ جهلَ العلمَ، ظنَّ أنَّ القولَ كَمَا قالوه، وليسَ هُوَ كَمَا تأوَّلوهُ عندَ أهلِ العلمِ.
والذي يذهبُ إليهِ أهلُ العلمِ: أنَّ الله عزَّ وجلَّ سبحانَهُ عَلَى عرشهِ فَوْقَ سماواتهِ، وعلمهُ محيطٌ بكلِّ شيءٍ، قَدْ أحاطَ علمهُ فِي جميعِ مَا خلقَ فِي السَّمَاوَاتِ العلا، وبجميعِ مَا فِي سبعِ أرضينَ وما بينهما، وما تحتَ الثَّرى وما بينهما، يعلمُ السِّرَّ وأخفى، ويعلمُ خائنةَ الأعينِ وما تخفي الصُّدور، ويعلمُ الخطرةَ والهمَّةَ، ويعلمُ مَا توسوسُ بِهِ النُّفوسُ، يسمعُ ويرى، لاَ يعزبُ عَنِ الله عزَّ وجلَّ مثقالُ ذرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ والأرضينَ وما بينهنَّ، إلَّا وقدْ أحاطَ عِلْمُهُ بهِ، وهوَ عَلَى عَرْشِهِ سُبْحَانهُ العَلِيُّ الأَعْلَى، تُرفعُ إليه أعمالُ العبادِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا مِنَ الملائكةِ الذينَ يَرْفَعُونها باللَّيلِ والنَّهارِ.
فإنْ قَالَ قائلٌ: فإيش معنى قولِهِ: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة: 7] الآية... التي بِهَا يحتجُّون؟
قِيلَ لهُ: عِلْمُهُ عزَّ وجلَّ، واللهُ عزَّ وجلَّ عَلَى عرشهِ، وعِلْمُهُ محيطٌ بهم، وبكلِّ شيءٍ منْ خلقهِ، كذا فسَّرهُ أهلُ العلمِ، والآيةُ يدلُّ أوَّلها وآخرهَا عَلَى أنَّهُ العلمُ.
فإنْ قَالَ قائلٌ: كيفَ؟!
قِيلَ: قَالَ الله عزَّ وجلَّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ}...} [المجادلة: 7] إلى آخرِ الآيةِ قوله: {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7].
فابتدأَ الله عزَّ وجلَّ الآيةَ بالعلمِ، وختمهَا بالعلمِ، فعِلْمُهُ عزَّ وجلَّ محيطٌ بجميعِ خلقهِ، وَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ، وهذا قولُ المسلمينَ.
وفي كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ آياتٌ تَدُلُّ عَلَى أنَّ اللهَ تبارك وتعالى فِي السَّمَاءِ عَلَى عرشهِ، وعِلْمُهُ محيطٌ بجميعِ خَلْقِهِ. ثمَّ ذكرَ آياتٍ دالَّةً عَلَى العُلُوِّ، وذكرَ جُمْلَةً مِنَ الأحاديثِ إِلَى أنْ قَالَ:
فهذه السننُ قَدِ اتَّفقتْ معانيها، ويُصَدِّقُ بعضُهَا بعضًا، وكلُّها تَدُلُّ عَلَى مَا قلنا، أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ عَلَى عَرْشِهِ، فَوْقَ سماواتِهِ، وقدْ أحاطَ عِلْمُهُ بكلِّ شيءٍ، وأنَّهُ سميعٌ بصيرٌ، عليمٌ خبيرٌ.
وقدْ قَالَ جلَّ ذِكْرُهُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *} [الأعلى: 1].
وقدْ علَّمَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم أمَّتهُ أنْ يقولوا فِي السُّجودِ: «سبحان ربِّيَ الأعلى» ثلاثًا.
وهذا كُلُّهُ يُقَوِّي مَا قلنا: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ العَلِيُّ الأعلى، عَلَى عرشهِ، فَوْقَ السَّمَاوَاتِ العلا، وعِلْمُهُ محيطٌ بكلِّ شيءٍ، خلافَ مَا قالتهُ الحُلولِيَّةُ، نعوذُ باللهِ منْ سوءِ مذهبهم...
وممَّا يُلَبِّسونَ بهِ على منْ لا عِلْمَ معهُ احْتَجُّوا بقولهِ عزَّ وجلَّ: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام: 3] وبقولهِ: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84].
وهذا كلُّهُ إنَّما يطلبونَ بهِ الفتنةَ، كمَا قالَ الله تعالى: {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7].
وعندَ أهلِ العلمِ مِنْ أهلِ الحقِّ: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ *} [الأنعام: 3] فهوَ كمَا قالَ أهلُ العلمِ ممَّا جاءتْ بهِ السننُ: إنَّ الله عزَّ وجلَّ على عَرْشِهِ، وعِلْمُهُ مُحِيطٌ بجميعِ خَلْقِهِ، يعلمُ ما تُسِرُّونَ وما تُعْلِنُونَ، يعلمُ الجهرَ مِنَ القولِ ويعلمُ ما تَكْتُمُونَ.
وقولهُ عزَّ وجلَّ: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] فمعناهُ: أنَّهُ جلَّ ذكرهُ إلهُ مَنْ في السَّمواتِ، وإلهُ منْ في الأرضِ، إلهٌ يُعبدُ في السَّمواتِ، وإلهٌ يُعبدُ في الأرضِ، هكذا فسَّرهُ العلماءُ[8].
63 - الحافظُ أبو الشيخ (369هـ)
قَالَ محدِّثُ أصبهانَ أبو محمد ابن حيَّان رحمه الله فِي كتاب «العظمة»[9] له:
ذِكْرُ عَرْشِ الرَّبِّ تباركَ وتعالى وكُرْسِيِّهِ، وعِظَمِ خَلْقِهِما، وعُلُوِّ الرَّبِّ فَوْقَ عَرْشِهِ.
ثمَّ ساقَ جملةً مِنَ الأحاديثِ فِي ذَلِكَ.
64 - العلاّمة أبو بكر الإسماعيليُّ (371هـ)
قَالَ رحمه الله فِي كتابِ «اعتقادِ أئمَّةِ الحديثِ» (ص50):
«ويعتقدونَ أنَّ الله تَعَالَى... اسْتَوى عَلَى العرشِ، بلا كيفٍ. فإنَّ الله تَعَالَى انتهى منْ ذَلِكَ إِلَى أنَّهُ استوى عَلَى العرشِ، ولمْ يذكرْ كيفَ كَانَ اسْتِوَاؤُهُ».
65 - أبو الحسن بنُ مهدي المتكلِّمُ (380هـ)
قالَ في كتابِ «مشكل الآياتِ» لهُ في بابِ قولهِ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]:
«اعلمْ - عصمنا الله وإيَّاكَ مِنَ الزيغِ برحمته - أنَّ الله سبحانه في السَّمَاء فوقَ كلِّ شيءٍ، مستوٍ على عرشهِ، بمعنى أنَّه عَالٍ عليه، ومعنى الاستواءِ: الاعتلاءُ، كمَا تقولُ: استويتُ على ظهرِ الدَّابةِ، واستويتُ على السَّطحِ، يعني: عَلَوْتُهُ، واستوتِ الشَّمسُ على رأسي، واستوى الطيرُ على قمَّةِ رأسي، بمعنى علا في الجوِّ، فوجدَ فوقَ رأسي.
والقديمُ جلّ جلاله، عالٍ على عرشهِ، يَدُلُّكَ أنَّه في السَّماء عالٍ على عرشهِ، قولُه: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16]، وقولهُ: {يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55]، وقوله: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50] وقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]، وقوله: {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة: 5]، وزعمَ البلخيُّ: أنَّ استواءَ الله على العرشِ، هو الاستيلاءُ عليهِ، مأخوذٌ منْ قولِ العربِ: استوى بشرٌ على العراقِ، أي: استولى عليها.
قالَ: ممَّا يدلُّ على أنَّ الاستواءَ - هاهنا - ليسَ بالاستيلاءِ، أنَّه لو كانَ كذلكَ، لم يكنْ ينبغي أنْ يخُصَّ العرشَ بالاستيلاءِ عليهِ، دونَ سائرِ خَلقهِ، إذْ هوَ مُسْتَوْلٍ على العرشِ، وعلى سائرِ خلقهِ، ليسَ للعرشِ مَزِيَّةٌ على مَا وصفْتهُ، فبَانَ بذلكَ فسادُ قولهِ.
ثمَّ يقالُ لهُ أيضًا: إنَّ الاستواءَ، ليسَ هوَ الاستيلاءَ، الذي هوَ مِنْ قولِ العربِ: استوى فلانٌ على كذا، أي: استولى، إذ تَمَكَّنَ منهُ بعدَ أنْ لمْ يكنْ مُتَمَكِّنًا، فلمَّا كانَ الباري عزَّ وجلَّ لا يوصفُ بالتَّمَكُّنِ بعدَ أنْ لمْ يكنْ مُتَمَكِّنًا، لمْ يُصْرفُ معنى الاستواءِ إلى الاستيلاءِ.
ثمَّ قالَ: فإنْ قيلَ: ما تقولونَ في قولهِ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16]؟
قيلَ لهُ: معنى ذلكَ أنَّهُ فوقَ السَّماءِ على العَرْشِ، كمَا قالَ: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ} [التوبة: 20]، بمعنى على الأرضِ، وقال: {وَلأَُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] يعني على جذوعِ النَّخْلِ، فكذلكَ قولهُ: {فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] بمعنى: فَوْقَ السَّمَاءِ على العَرْشِ.
فإنِ استدلُّوا بقولهِم على أنَّه في كلِّ مكانٍ بقولهِ سبحانهُ: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] قيلَ لهُ: ليسَ الأمرُ في ذلكَ على ما سبقَ إلى قلوبكم، إنَّما أرادَ بذلكَ أنَّه إلهٌ عندَ أهلِ الأرضِ وإلهٌ عندَ أهلِ السَّماءِ، كقولكَ: زيدٌ نبيلٌ عندَ أهلِ العراقِ وعندَ أهلِ الحجازِ، وليسُ يوجبُ هذا أنَّ ذاتهُ بالعراقِ والحجازِ.
فإنْ قيلَ: فمَا تقولونَ في قولهِ: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام: 3]؟
قيلَ لهُ: إنَّ بعضَ القرَّاءِ يجعلُ الوقفَ في {السَّمَاوَاتِ} [الأنعام: 3] ثمَّ يبتدئُ: {وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ} [الأنعام: 3]، وكيفما كانَ، فلو أنَّ قائلًا قالَ: فلانٌ بالشَّامِ والعراقِ ملكٌ، لدلَّ على أنَّ ملكهُ بالشَّامِ والعراقِ، لا أنَّ ذاتهُ فيهما.
فإنْ قيلَ: فما يقولُ في قولهِ سبحانهُ: {يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة: 7].
قيلَ لهُ: كونُ الشَّيءِ مَعَ الشَّيءِ على وجوهٍ: منها بالنُّصرةِ، ومنهَا بالصحبةِ، ومنهَا بالمماسةِ، ومنها بالعلمِ. فمعنى هذا القولِ عندنا: أنَّه مَعَ كلِّ الخلقِ بالعلمِ، بمعنى أنَّه يعلمهم ولا يخفى عليه منهم شيءٌ سبحانَهُ...
وإنَّما أمرنَا الله تعالى برفعِ أيدينا قاصدينَ إليهِ برفعهمَا نحوَ العرشِ الذي هوَ مستوٍ عليهِ كمَا قالَ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]»[10].
66 - ابنُ بطَّة (387هـ)
قَالَ الإمامُ الزاهدُ أبو عبد الله بن بطّة العكبري شيخُ الحنابلةِ فِي «الإبانة»:
«بابُ الإيمانُ بأنَّ الله عزَّ وجلَّ على عَرْشِهِ بائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وعِلْمُهُ مُحِيطٌ بجميعِ خَلْقِهِ. أجمعَ المسلمونَ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابعينَ، وجميعُ أهلِ العلمِ مِنَ المؤمنينَ أنَّ الله تباركَ وتعالى على عَرْشِهِ، فَوْقَ سَمَاواتِهِ، بائِنٌ منْ خَلْقَهِ، وعِلْمُهُ مُحِيطٌ بجميعِ خَلْقِهِ، لا يأبى ذلكَ، ولا يُنْكِرُهُ إلَّا مَنِ انْتَحَلَ مذاهبَ الحُلوليَّةِ: وهمْ قومٌ زاغتْ قلوبهم، واسْتَهْوَتْهُمُ الشَّياطينُ فمَرَقُوا مِنَ الدِّينِ.
وقالوا: إنَّ الله ذاته لا يخلو منهُ مكانٌ.
فقالوا: إنَّهُ في الأرضِ كمَا هو في السَّماءِ، وهو بذاتهِ حَالٌّ في جميعِ الأشياءِ.
وقدْ أكذبهمُ القرآنُ والسُّنَّةُ وأقاويلُ الصَّحابةِ والتَّابعينَ مِنْ علماءِ المسلمينَ.
فقيلَ للحلوليِّةِ: لِمَ أنكرتمْ أنْ يكونَ اللهُ تعالى على العرشِ؟
وقال اللهُ تَعَالَى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]. وقال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَانُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59].
فهذا خبرُ الله أَخْبَرَ بهِ عنْ نَفْسِهِ، وأنَّهُ على العَرْشِ.
وقال: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ} [الأنعام: 3]، ثمَّ قالَ: {وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ} [الأنعام: 3]، فأخبرَ أنَّهُ في السَّماءِ، وأنَّهُ بِعِلْمِهِ في الأرضِ.
وقَالَ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]، فهلْ يكونُ الصُّعودُ إلَّا إلى ما علا؟.
وقَالَ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *} [الأعلى: 1] فَأَخْبَرَ أنَّهُ أعلى مِنْ خلقِهِ.
وقَالَ: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50]، فأخبرَ أنَّهُ فوقَ الملائكةِ.
وقدْ أخبرنَا اللهُ تعالى أنَّهُ في السَّمَاءِ على العرشِ.
أَوَ مَا سَمِعَ الحُلوليُّ قولَ الله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ *}{أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ *} [الملك: 16 - 17]. وقولَه لعيسى عليه السلام: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55]. وقَالَ: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158]. وقَالَ: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18 و61]. وقَالَ: {مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ *}{تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 3 - 4]. وقَالَ: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} [الأنبياء: 19]. وقَالَ: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} [غافر: 15]، ومِثْلُ هذا كثيرٌ في كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
فأمَّا قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]، فهوَ كمَا قالَ العلماءُ: عِلْمُهُ.
وأمَّا قولُهُ: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام: 3]، كمَا قالَ: {وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ} [الأنعام: 3]، ومعناهُ أيضًا: أنَّهُ هوَ اللهُ في السَّماواتِ، وهوَ اللهُ في الأرضِ.
وتصديقُ ذلكَ في كتابِ الله: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84].
واحْتَجَّ الجَهْمِيُّ بقولِ الله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7].
فقالوا: إنَّ الله معنا وفينا.
وقدْ فسَّر العلماءُ هذهِ الآية: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ} [المجادلة: 7] إلى قولهِ: {هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7]، إنَّما عنى بذلكَ: عِلْمُهُ، ألاَ ترى أنَّهُ قالَ في أوَّلِ الآيةِ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7]، فرجعتِ الهاءُ والواوُ منْ هو على عِلْمِهِ لا على ذَاتِهِ.ثمَّ قالَ في آخرِ الآيةِ: {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7]، فعادَ الوصفُ إلى العلمِ، وبَيَّنَ أنَّهُ إنَّما أرادَ بذلكَ العِلْمَ، وأنَّهُ عليمٌ بأمورِهم كُلِّها»[11].
وقالَ رحمه الله: «بابُ ذِكْرِ العَرْشِ والإيمانِ بأنَّ لله تعالى عَرْشًا فوقَ السَّمواتِ السَّبْعِ.
اعلموا - رحمكمُ الله -: أنَّ الجهميةَ تجحدُ أنَّ لله عرشًا، وقالوا: لا نقولُ إنَّ اللهَ على العَرْشِ؛ لأنَّهُ أعظمُ مِنَ العرشِ، ومتىَ اعترفنا أنَّه على العرشِ؛ فقدْ حَدَّدْناهُ، وقدْ خَلَتْ منهُ أماكنُ كثيرةٌ غيرُ العرشِ؛ فرَدُّوا نصَّ التنزيلِ، وكذَّبوا أخبارَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم.
قال اللهُ تعالى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]. وقال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَانُ} [الفرقان: 59].وقال: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7].
وجاءتِ الأخبارُ، وصحيحُ الآثارِ منْ جهةِ النَّقلِ عَنْ أهلِ العدالةِ، وأئمَّةِ المسلمينَ عَنِ المصطفى صلى الله عليه وسلم منْ ذِكْرِ العرشِ ما لا يُنْكِرُهُ إلا المُلْحِدَةُ الضَّالَّةُ»[12].
67 - ابنُ أبي زيدٍ القيرواني إمام المالكية وصاحب الرسالة المشهورة في المذهب (386هـ)
قالَ الإمامُ أبو محمد بن أبي زيد المغربي شيخُ المالكية في كتابهِ «الجامع»:
«ممَّا اجتمعتِ الأئمةُ عليهِ منْ أمورِ الديانةِ ومِنَ السننِ التي خلافُهَا بدعةٌ وضلالةٌ أنَّ الله - تبارك وتعالى - فوقَ سماواتِهِ على عَرْشِهِ دونَ أرضِهِ وأنَّهُ في كُلِّ مكانٍ بِعِلْمِهِ»[13].
وقال رحمه الله في أوَّلِ رسالتهِ المشهورةِ في مذهبِ مالكٍ الإمام:
«وأنَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ المَجِيدُ بِذَاتِهِ، وهُوَ في كُلِّ مَكِانٍ بِعِلْمِهِ»[14].
قالَ الإمامُ الذهبيُّ معقِّبًا:... واللهُ تعالى خالقُ كلِّ شيءٍ بذاتهِ، ومُدَبِّرُ الخلائقِ بذاتهِ، بِلاَ مُعينٍ، ولا مُؤازِرٍ؛ وإنَّما أرادَ ابنُ أبي زيدٍ وغيرهُ التَّفرقةَ بينَ كونه تعالى معنَا، وبينَ كونهِ تعالى فوقَ العرشِ، فهوَ كمَا قالَ: ومعنَا بالعلمِ، وأنَّهُ على العرشِ كما أعلمنا حيثُ يقولُ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، وقدْ تلفَّظَ بالكلمةِ المذكورةِ جماعةٌ مِنَ العلماءِ كمَا قدَّمناه[15].
وكانَ رحمه الله عَلَى طريقةِ السَّلفِ فِي الأصولِ، لاَ يدري الكلامَ، وَلاَ يتأوَّلُ، فنسألُ الله التَّوفيقَ[16].
68 - ابنُ مَنْدَه (395هـ)
قالَ رحمه الله في «كتابِ التَّوحيدِ»: «ذِكْرُ الآيِ المَتْلُوَّةِ والأخبارِ المأثورةِ في أنَّ الله عزَّ وجلَّ على العَرْشِ فَوْقَ خَلْقِهِ بَائِنًا عنهم وبدءِ خلقِ العرشِ والماءِ، ثمَّ ذكرَ ثلاثَ آياتٍ في استواءِ الرَّحمنِ على العَرْشِ»[17].
وقالَ رحمه الله: ذِكْرُ الآياتِ المَتْلوَّةِ والأخبارِ المأثورةِ بنقلِ الرواةِ المقبولةِ التي تَدُلُّ على أنَّ الله تعالى فوقَ سماواتِهِ وعَرْشِهِ وخَلْقِهِ قاهرًا لهم عالمًا بهم. ثمَّ ذكرَ آياتٍ دالَّةً على العُلُوِّ. وساقَ جُمْلةً مِنَ الأحاديثِ في ذلكَ[18].
69 - ابنُ أبي زمْنِين (399هـ)
قالَ رحمه الله: «ومنْ قولِ أهلِ السُّنَّةِ: أنَّ الله عزَّ وجلَّ خَلَقَ العَرْشَ واختصَّهُ بالعُلُوِّ والارتفاعِ فوقَ جميعِ ما خلقَ، ثمَّ استوى عليهِ كيفَ شاءَ، كمَا أخبرَ عنْ نفسهِ... فسبحانَ مَنْ بَعُدَ فلا يُرى، وقرُبَ بِعِلْمِهِ وقُدْرَتِهِ فسَمِعَ النَّجْوَى»[19].
70 - القَصّابُ (400هـ)
قال الحافظُ الإمامُ أبو أحمد بن علي بن محمد المجاهد في «كتابِ السنَّةِ»:
كلُّ صفةٍ وصفَ اللهُ بها نفسهُ، أو وصفهُ بها نبيُّهُ، فهيَ صفةٌ حقيقيَّةٌ لا مجازًا»[20].
71 - ابنُ الباقلانيُّ (403هـ)
قال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب البصري الباقلاني في كتابِ «التمهيدِ» منْ تأليفهِ:
«فإنْ قالوا: فهلْ تقولونَ إنَّه فِي كلِّ مكانٍ؟
قِيلَ: مَعاذَ الله! بلْ هُوَ مستوٍ عَلَى العرشِ، كَمَا أخبرَ فِي كتابهِ فقال: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] وقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} [الملك: 16]. ولوْ كَانَ فِي كلِّ مكانٍ، لكانَ فِي جوفِ الإنسانِ وفمهِ وفي الحشوشِ والمواضعِ التي يُرْغَبُ عنْ ذكرهَا - تَعَالَى اللهُ عنْ ذَلِكَ!ـ ولوجبَ أن يزيدَ بزيادةِ الأماكنِ إِذَا خلقَ منها مَا لَمْ يكن خلقهُ، وينقصُ بنقصانها إِذَا بطلَ منها مَا كَانَ؛ ولصحَّ أنْ يرْغبَ إليهِ إِلَى نحو الأرضِ وإلى وراءِ ظهورنَا وعنْ أيماننا وشمائلنَا. وهذا مَا قَدْ أجمعَ المسلمونَ عَلَى خلافهِ وتخطئةِ قائلهِ.
فإنْ قالوا: أَفَلَيْسَ قَدْ قَالَ الله عزَّ وجلَّ: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] - فأخبرَ أنَّهُ فِي السَّمَاءِ وفي الأرضِ - وقال: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ *} [النحل: 128]، وقال: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:]، وقال: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة: 7] فِي نظائر لهذهِ الآياتِ. فمَا أنكرتم أنَّهُ فِي كلِّ مكانٍ؟
يقالُ لهم: قولُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] المرادُ بِهِ أنَّه إلهٌ عندَ أهلِ السَّمَاءِ وإلهٌ عندَ أهلِ الأرضِ، كَمَا تقولُ العربُ: «فلانٌ نبيلٌ مطاعٌ بالعراقِ ونبيلٌ مطاعٌ بالحجازِ» يعنونَ بذلكَ أنَّهُ مطاعٌ فِي المِصْرَيْنِ وعندَ أهلهمَا، وليسَ يَعْنُونَ أنَّ ذاتَ المذكورِ بالحجازِ والعراقِ موجودةٌ.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ *} [النحل: 128]، يعني: بالحفظِ والنَّصرِ والتّأييدِ، ولم يردْ أنَّ ذاتهُ معهم - تَعَالَى عنْ ذَلِكَ!
وقوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] محمولٌ عَلَى هَذَا التأويلِ.
وقوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7] يعني: أنَّه عالمٌ بهم وبمَا خفيَ منْ سرائرهم ونجواهم. وهذا إنَّما يُستعملُ كَمَا وردَ بِهِ القرآنُ. فلذلكَ لاَ يجوزُ أنْ يقالَ - قياسًا عَلَى هَذَا -: إنَّ الله سبحانهُ بالبردانِ وبمدينةِ السَّلامِ، وإنَّه تَعَالَى مَعَ الثَّورِ ومَعَ الحمارِ؛ وَلاَ أنْ يُقالَ: إنَّهُ مَعَ الفسَّاقِ والمُجَّان ومَعَ المصعدينِ إِلَى حلوانَ، قياسًا عَلَى قولهِ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ *} [النحل: 128] فوجبَ أنْ يكونَ التأويلُ عَلَى مَا وصفناهُ.
وَلاَ يجوزُ أن يكونَ معنى استوائِهِ عَلَى العرشِ هُوَ استيلاؤهُ عَلَيهِ كَمَا قَالَ الشَّاعرُ:
قَدِ اسْـتَوَى بِشْرٌ عَلـَى العـراقِ من غـيرِ سَيْـفٍ ودَمٍ مِهْـرَاقِ
لأنَّ الاستيلاءَ هُوَ القدرةُ والقهرُ، والله تَعَالَى لَمْ يَزَلْ قادرًا قاهرًا عزيزًا مقتدرًا. وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] يقتضي استفتاحَ هَذَا الوصفِ بعدَ أنْ لَمْ يكنْ؛ فَبَطَلَ مَا قالوهُ»[21].
قال الذهبي رحمه الله: «فهذا النفس نفس هذا الإمامِ، وأينَ مثلُهُ في تبحُّرهِ وذكائهِ وبصرهِ بالمللِ فلقد امتلأ الوجودُ بقومٍ لا يدرونَ ما السلفَ، ولا يعرفونَ إلَّا السلبَ، ونفيَ الصفاتِ وردَّهَا، صمٌّ بكمٌّ عتمٌّ عجمٌّ، يدعونَ إلى العقلِ، ولا يكونونَ على النَّقلِ، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون»[22].
72 - ابنُ موهب (406هـ)
قَالَ العلَّامةُ أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ موهب المالكيُّ فِي شرحهِ لرسالةِ الإمامِ محمَّد بن أبي زيد:
«أمَّا قولهُ: (إِنَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ المَجِيدِ بِذَاتِهِ) فمعنى (فَوْقَ) و(على) عندَ جميعِ العربِ واحدٌ. وفي الكتابِ والسنَّةِ تصديقُ ذلكَ، وَهُوَ قوله تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]، وقال: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، وقال: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50].
وساقَ حديثَ الجاريةِ والمعراجِ إِلَى سدرةِ المنتهى، إِلَى أنْ قَالَ:
«وقدْ تأتي لفظةُ (فِي) فِي لغةِ العربِ بمعنى فوق، كقولهِ تَعَالَى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} [الملك: 15] و{فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] و {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16]. قَالَ أهلُ التَّأويلِ: يريدُ فوقهَا، وَهُوَ قولُ مالكٍ ممَّا فهمهُ عمَّنْ أدركَ مِنَ التَّابعينَ ممَّا فَهِمُوهُ عَنِ الصَّحابةِ، ممَّا فهموهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّ اللهَ فِي السَّماءِ، يعني فَوْقَها وعَلَيْهَا، فلذلكَ قَالَ الشيخُ أبو محمَّد: (إنَّهُ فَوْقَ عَرْشِه) ثمَّ بيَّنَ أنَّ عُلُوَّهُ فَوْقَ عرشِهِ إنَّما هُوَ بذاتهِ لأنَّه تَعَالَى بائنٌ عنْ جميعِ خلقهِ بلا كيفٍ، وَهُوَ فِي كُلِّ مكانٍ بِعِلْمِهِ لاَ بِذَاتِهِ. إِذْ لاَ تحويهِ الأماكنُ، لأنَّهُ أعظمُ منهَا، قَدْ كَانَ وَلاَ مكانَ».
ثمَّ سردَ كلامًا طويلًا إِلَى أنْ قَالَ: «فلمَّا أيقنَ المنصفونَ إفرادَ ذِكْرِهِ بالاستواءِ عَلَى عَرْشِهِ بعدَ خلقِ سماواتِهِ وأرضِهِ، وتخصيصِهِ بصفةِ الاستواءِ، عَلِمُوا أنَّ الاسْتِوَاءَ هنا غيرُ الاستيلاءِ ونحوِهِ، فأَقَرُّوا بوصفِهِ بالاستواءِ عَلَى عرشهِ، وأنَّهُ عَلَى الحقيقةِ لاَ عَلَى المَجازِ، لأنَّهُ الصَّادقُ فِي قِيْلِهِ، وَوَقَفُوا عنْ تكييفِ ذَلِكَ وتمثيلِهِ، إذْ لَيْسَ كمثلِهِ شيءٌ»[23].
73 - مَعْمَرُ بنُ زيادٍ (418هـ)
قالَ الإمامُ العارفُ أبو منصور مَعْمَرُ بن أحمد بن زياد الأصبهاني رحمه الله: «أحببتُ أنْ أوصيَ أصحابي بوصيةٍ مِنَ السنَّةِ، وأجمعُ ما كانَ عليهِ أهلُ الحديثِ والأثرِ، وأهلُ المعرفةِ والتَّصوفِ»، فذكرَ أشياءَ إلى أنْ قالَ فيهَا: «وأنَّ الله استوى على عَرْشِهِ بلا كَيْفٍ ولا تَشْبِيهٍ ولا تأويلٍ، والاستواءُ معقولٌ والكيفُ فيهِ مجهولٌ، وأنَّهُ عزَّ وجلَّ بائنٌ منْ خلقهِ، والخلقُ منهُ بائنونَ بلا حلولٍ ولا مُمَازَجَةٍ، ولا اختلاطٍ ولا مُلاَصَقَةٍ، وأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ينزلُ كلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدُّنيا كيفَ يشاءُ فيقولُ: «هَلْ منْ دَاعٍ فأستجيبَ لهُ؟ حتىَّ يَطْلُعَ الفَجْرُ»، ونزولُ الرَّبِّ إلى السَّماءِ بلا كَيْفٍ ولا تَشْبِيهٍ، ولا تَأْوِيلٍ، فمَنْ أَنْكَرَ النُّزُولَ أو تَأَوَّلَ فهوَ مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ»[24].
74 - أبو القاسم اللاَلكَائِيُّ (418هـ)
قَالَ الإمامُ الحافظُ أبو القاسم هبةُ الله بن الحسن الطبري الشافعي مصنِّف كتاب «شرح اعتقاد أهل السنّة» وَهُوَ مجلَّدٌ ضخمٌ:
«سياقُ مَا رُوي فِي قوله تَعَالَى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5] وأنَّ اللهَ عَلَى عَرْشِهِ فِي السَّمَاءِ:
قَالَ عزَّ وجلَّ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10].
وقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} [الملك: 16].
وقال: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} [الأنعام: 16].
فدلَّتْ هذهِ الآيةُ أنَّهُ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ وعِلْمُهُ مُحِيطٌ بكلِّ مكانٍ مِنْ أرضهِ وسمائهِ.
ورُوي ذَلِكَ مِنَ الصَّحابة: عنْ عمرَ وابنِ مسعودٍ وابنِ عبَّاسٍ وأمِّ سلمة رضي الله عنهم.
ومِنَ التَّابعين: ربيعة بن أبي عبد الرَّحْمن وسليمان التيمي ومقاتل بن حيَّان.
وبهِ قَالَ مِنَ الفقهاءِ: مالكُ بنُ أنسٍ وسفيانُ الثوريُّ وأحمدُ بنُ حنبل»[25].
75 - السُّلطانُ (421هـ)
قال أبو علي بن البنَّاء: «حكى عليُّ بن الحسين العكبري أنَّهُ سمعَ أبا مسعودٍ أحمدَ بنَ محمد البجلي قال: دخلَ ابنُ فورك على السُّلطانِ محمود[26]، فقالَ: لا يجوزُ أنْ يُوصفَ اللهُ بالفوقيَّةِ لأنَّ لازمَ ذلكَ وصفُهُ بالتَّحتيَّةِ، فمنْ جازَ أنْ يكونَ لهُ فوقٌ، جازَ أن يكونَ له تحتٌ. فقال السُّلطانُ: ما أنا وصفتُهُ حتَّى يُلْزِمَنِي، بلْ هوَ وَصَفَ نَفْسَهُ. فبُهتَ ابنُ فورك، فلمَّا خرجَ مِنْ عندهِ ماتَ. فيقالُ: انشقَّتْ مَرارَتُه»[27].
76 - يحيى بنُ عمَّارٍ (422هـ)
قال المفسِّرُ الحنبليُّ يحيى بنُ عمَّارٍ رحمه الله: «كلُّ مسلمٍ منْ أوَّلِ العصرِ إلى عصـرنَا هذا إذا دعَا اللهَ سبحانهُ رفعَ يدَيْهِ إلى السَّماءِ. والمسلمونَ منْ عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، يقولونَ في الصَّلاةِ ما أمرهمُ الله تعالى بهِ في قولهِ تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *} [الأعلى: 1].
ولا حاجةَ لله سبحانه وتعالى إلى العرشِ، لكنَّ المؤمنينَ كانوا محتاجينَ إلى معرفةِ ربِّهم عزَّ وجلَّ. وكلُّ منْ عبدَ شيئًا أشارَ إلى موضعٍ، أوْ ذكرَ مِنْ معبودهِ علامةً. فجبَّارُنَا وخالِقُنا، إنَّما خَلَقَ عرشَهُ ليقولَ عبدهُ المؤمنُ، إذا سُئلَ عنْ ربِّهِ عزَّ وجلَّ أينَ هوَ الرحمنُ؟ عَلَى العَرْشِ اسْتَوىَ، معناه فوقَ كُلِّ مُحْدَثٍ عَلَى عَرْشِهِ العظيمِ، وَلاَ كيفيَّةَ وَلاَ شَبَهَ.
ولا نحتاجُ في هذا البابِ إلى قولٍ أكثرَ منْ هذا أنْ نؤمنَ بهِ، وننفيَ الكيفيَّةَ عنهُ، ونتَّقيَ الشَّكَّ فيهِ، ونوقنَ بأنَّ ما قالهُ اللهُ سبحانه وتعالى ورسولُه صلى الله عليه وسلم، ولا نتفكَّرُ في ذلكَ، ولا نسلِّطُ عليهِ الوهمَ والخاطرَ والوسواسَ.
وتعلمُ حقًّا يقينًا أنَّ كلَّ ما تُصُوِّر في همِّكَ ووهمكَ منْ كيفيَّةٍ أو تشبيهٍ، فاللهُ بخلافهِ وغيرهِ.
نقولُ: هُوَ بِذَاتِهِ على العَرْشِ، وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بكُلِّ شَيءٍ»[28].
وقال رحمه الله: لا نقولُ كمَا قالتِ الجهميَّةُ: إنَّهُ تعالى مداخلٌ للأمكنةِ وممازجٌ بكلِّ شيءٍ ولا نعلمُ أينَ هوَ؟ بلْ نقولُ هُوَ بِذَاتِهِ عَلَى العَرْشِ وعِلْمُهُ مُحِيطٌ بكلِّ شَيءٍ، وعلمهُ وسمعهُ وبصرهُ وقدرتهُ مُدْرِكَةٌ لكلِّ شيءٍ. وذلكَ معنى قولهِ: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]، فهذَا الذي قلناهُ هوَ كمَا قالَ اللهُ وقالهُ رسولهُ.
77 - القادرُ بالله أميرُ المؤمنين (422هـ)
لهُ معتقدٌ مشهورٌ، قرئَ ببغدادَ بمشهدٍ منْ علمائها وأئمَّتها، وأنَّهُ قولُ أهلِ السنَّةِ والجماعةِ، وفيهِ أشياء حسنة. منْ ذلكَ:
«وأنَّهُ خَلَقَ العرشَ لا لحاجةٍ، واسْتَوَى عليهِ كيفَ شاءَ لا استواءَ راحةٍ، وكلُّ صفةٍ وصفَ بها نفسَهُ، أو وصفَهُ بها رسولُهُ فهي صفةٌ حقيقيةٌ لا صفةُ مجازٍ، وكلامُ اللهِ غيرُ مخلوقٍ أنزَلَهُ على رسولِهِ صلى الله عليه وسلم»[29].
78 - أبو عمر الطلمنكيُّ (429هـ)
قالَ في كتابِ «الوصولِ إلى معرفةِ الأصولِ» وهوَ مجلدانِ: «أجمعَ المسـلمونَ منْ أهلِ السنَّةِ على أنَّ معنى قولِهِ: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]، ونحو ذلكَ مِنَ القرآنِ أنَّهُ عِلْمُهُ، وأنَّ اللهَ تعالى فوقَ السَّماواتِ بذَاتِهِ، مستوٍ على عَرْشِهِ كَيْفَ شَاءَ.
وقالَ أهلُ السُّنَّةِ في قولِهِ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]: إنَّ الاستواءَ مِنَ اللهِ على عَرْشِهِ على الحَقِيقَةِ لا على المَجَازِ»[30].
[1] الإبانة (ص69 - 71).
[2] العلوّ (ص1254 - 1255).
[3] شرح السنة (ص24)، للبربهاري.
[4] العلوّ (ص1258)، وصححه الألباني في«مختصر العلو» (ص244).
[5] العلوّ (ص1264).
[6] أي: العلامة ابن شعبان، أبو إسحاق شيخ المالكية، محمد بن القاسم بن شعبان بن محمد بن ربيعة العماري المصري، من ولد عمّار بن ياسر.
[7] السير (16/79).
[8] الشريعة (ص1072 - 1105)، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عمر بن سليمان الدميجي.
[9] (2/543).
[10] تأويل الآيات المشكلة - ورقة 132/أ - 135/أ (مخطوط في مكتبة طلعت، ضمن دار الكتب في القاهرة).
[11] راجع: المختار من الإبانة (3/136 - 144).
[12] المصدر السابق (ص168).
[13] كتاب الجامع (ص139 - 141).
[14] مقدمة ابن أبي زيد القيرواني لكتابه الرسالة (ص56).
[15] مختصر العلوّ (ص255).
[16] السير (12/17).
[17] كتاب التوحيد (3/185).
[18] انظر: كتاب التوحيد (3/185 - 190).
[19] أصول السنَّة (ص88).
[20] تذكرة الحفاظ (3/338 - 339).
[21] التمهيد (ص260 - 262).
[22] مختصر العلو (ص259).
[23] مختصر العلوّ (ص282 - 283).
[24] الفتوى الحموية (ص377 - 378).
[25] شرح أصول اعتقاد أهل السنّة والجماعة (3/429 - 430).
[26] هو الملك يمين الدولة، فاتح الهند، أبو القاسم، محمود بن سيد الأمراء ناصر الدولة سُبُكْتِكين، التركيّ، صاحب خراسان والهند وغير ذلك.
[27] السير (17/487).
[28] الحجة في بيان المحجة (2/106 - 107).
[29] مختصر العلو (ص263).
[30] مختصر العلو (ص264).









قديم 2013-10-28, 08:07   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
لمعة السيف
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية لمعة السيف
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاكم الله خيرا










قديم 2013-11-25, 16:02   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
أبو هاجر القحطاني
عضو فضي
 
الصورة الرمزية أبو هاجر القحطاني
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










M001

بارك الله فيكم يرفع لأهميته البالغة










قديم 2013-11-25, 16:33   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
youcef19003
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية youcef19003
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك اخي الكريم










قديم 2013-11-25, 18:10   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
قطــــوف الجنــــة
عضو متألق
 
الصورة الرمزية قطــــوف الجنــــة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيكم










قديم 2013-11-25, 23:42   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
ابو الفداء الجلفي
محظور
 
إحصائية العضو










456ty

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يونس بلخيري مشاهدة المشاركة
نتابع أقوال علماء أهل السنة في فوقيته على العرش وأنه بائن عن خلقه لا كما يقول الزنادقة الذين يشبهون الله بالمعدومات تعالى الله عما يقول الظالمون علو كبيرا


57- أبو الحسن الأشعريُّ (324هـ)
قالَ الإمامُ أبو الحسن الأشعريُّ رحمه الله فِي كتابِ «الإبانةِ فِي أصولِ الدِّيانةِ» فِي بابِ الاسْتِوَاءِ: إنْ قالَ قائلٌ: «ما تقولونَ في الاستواءِ؟ قِيلَ لهُ: نقولُ: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ مستوٍ عَلَى عرشهِ، كَمَا قَالَ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، وقدْ قَالَ الله عزَّ وجلَّ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، وقالَ: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158]، وقالَ عزَّ وجلَّ: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة: 5]، وقالَ حكايةً عنْ فرعونَ:{يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأََظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: 36 - 37]، كذَّبَ موسى عليه السلام فِي قولهِ: إنَّ الله عزَّ وجلَّ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ. وقال عزَّ وجلَّ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} [الملك: 16]، فالسَّماواتُ فوقَهَا العرشُ. فلمَّا كَانَ العرشُ فَوْقَ السَّمَاوَات قَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16]، لأنَّهُ مستوٍ عَلَى العرشِ الَّذِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ، وكُلُّ مَا عَلا فهو سماء. فالعرشُ أعلى السَّماوات وليسَ إِذَا قَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16]، يعني جميعَ السَّمَاوَاتِ، وإنَّما أرادَ العرشَ الَّذِي هُوَ أعلى السَّمَاوَاتِ. ألاَ ترى أنَّ الله عزَّ وجلَّ ذكرَ السَّمَاوَاتِ فقال: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [نوح: 16]، ولم يُرِدْ أنَّ القمرَ يملأهنَّ جميعًا وأنَّهُ فيهنَّ جميعًا.
وقدْ قالَ قائلونَ من المعتزلةِ والجهميَّةِ والحروريةِ: إنَّ قولَ الله عزَّ وجلَّ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، إنَّه استولى وملكَ وقهرَ، وإنَّهُ عزَّ وجلَّ في كلِّ مكانٍ، وجحدوا أنْ يكونَ الله عزَّ وجلَّ على عرشهِ كمَا قالَ أهلُ الحقِّ، وذهبوا في «الاستواءِ» إلى القدرةِ، ولو كانَ هذا كما ذكروهُ كانَ لا فرقَ بينَ العرشِ والأرضِ، فالله سبحانهُ قادرٌ عليها وعلى الحشوشِ وعلى كلِّ ما في العالمِ. فلو كانَ الله مستويًا على العرشِ بمعنى الاستيلاءِ - وهو سبحانهُ مُسْتَوْلٍ على الأشياءِ كلِّها - لكانَ مستويًا على العرشِ وعلى الأرضِ وعلى السَّمَاءِ وعلى الحشوشِ والأقذارِ، لأنَّه قادرٌ على الأشياءِ مُسْتَوْلٍ عليهَا، وإذا كانَ قادرًا على الأشياءِ كلِّها - ولم يَجِزْ عندَ أحدٍ منَ المسلمينَ أنْ يقولَ: إنَّ الله عزَّ وجلَّ مستوٍ على الحشوشِ والأخليةِ - لم يَجِزْ أنْ يكونَ الاستواءُ على العرشِ الاستيلاءَ الذي هو عامٌّ في الأشياءِ كلِّها، ووجبَ أنْ يكونَ معناهُ استواءً يختصُّ العرشَ دونَ الأشياءِ كلِّها»[1].
قَالَ الذهبيُّ رحمه الله: «لو انتهى أصحابُنا المتكلِّمونَ إِلَى مقالةِ أبي الحسنِ هذهِ ولَزِمُوهَا لأحسنوا، ولكنَّهم خاضُوا كخوضِ حكماءِ الأوائلِ فِي الأشياءِ، ومَشَوْا خلفَ المنطقِ، فلا قُوَّةَ إلَّا بالله»

[2] .
58 -الإمام البَرْبَهَارِيُّ صاحب كتاب السنة (329هـ)
قالَ رحمه الله: «اعلمْ رحمكَ الله: أنَّ الكلامَ في الرَّبِّ تعالى مُحْدَثٌ، وهو بدعةٌ وضلالةٌ، ولا يُتكلَّمُ في الرَّبِّ إلا بما وصفَ بهِ نفسَهُ عزَّ وجلَّ في القرآنِ، وما بيَّنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأصحابهِ، فهوَ جلَّ ثناؤهُ واحدٌ: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
ربُّنا أوَّلٌ بلا مَتَى، وآخرٌ بلا مُنتهى، يعلمُ السِّرَّ وأخفى، وَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ اسْتَوَى، وعِلْمُهُ بكلِّ مكانٍ، ولا يخلو منْ علمِهِ مكانٌ»

[3] .
59 - الوزير عليُّ بنُ عيسى (334هـ)
قال محمَّدُ بنُ عليِّ بن حبيش: دخلَ أبو بكرٍ الشبليُّ رحمه الله دارَ المرضى ليعالجَ، فدخلَ عليهِ الوزيرُ عليُّ بنُ عيسى عائدًا، فقال الشِّبليُّ: ما فعلَ ربُّكَ؟ قَالَ: « الربُّ عزَّ وجلّ فِي السَّمَاءِ يَقْضِي ويُمْضِي»[4].
60 - العلَّامة أبو بكر الضِّبْعِيُّ (342هـ)
قالَ رحمه الله: «قَدْ تضعُ العربُ «فِي» موضع «عَلَى» قَالَ الله تَعَالَى: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ} [التوبة: 2]، وقالَ: {وَلأَُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] ومعناهُ عَلَى الأرضِ وعلى النَّخلِ، فكذلكَ قولهُ: {مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] أيْ مَنْ عَلَى العرشِ، كَمَا صَحَّتِ الأخبارُ عنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم»[5].
61 - ابنُ شعبان (355هـ)
قال الذهبيُّ رحمه الله: «رأيتُ له[6] تأليفًا في تسميةِ الرواةِ عنْ مالكٍ، أولهُ: الحمدُ لله الحميدِ، ذي الرُّشدِ والتسديدِ، والحمدُ لله أحقُّ ما بُدِي، وأولى منْ شكر، الواحدِ الصَّمدِ، جَـلَّ عَنِ المَثَلِ فلا شَبَهَ لهُ ولا عَدْلَ، عَالٍ على عَرْشِهِ، فهوَ دَانٍ بِعِلْمِهِ، وذكرَ باقي الخطبة»[7].
62 - الإمام العلامة صاحب التصانيف السلفية أبو بكر الآجُرِّيُّ (360هـ) :
صنَّفَ الحافظُ الزَّاهدُ الآجُرِّيُّ المجاورُ بحرمِ الله كتابَ «الشَّريعةِ» فمنْ أبوابهِ: «بـابُ التحذيرِ منْ مذاهبِ الحلوليَّةِ» ثمَّ قَالَ: أمَّا بعدُ: فإنِّي أحذِّرُ إخواني مِنَ المؤمنينَ مذهبَ الحلوليَّةِ: الذينَ لَعِبَ بهمُ الشَّيطانُ، فخرجوا بسوءِ مذهبهم عنْ طريقِ أهلِ العلمِ.
مذاهبهم قبيحةٌ، لاَ تكونُ إلَّا فِي كلِّ مفتونٍ هالكٍ، زعموا أنَّ الله عزَّ وجلَّ حالٌّ فِي كلِّ شيءٍ، حتَّى أخرجهم سوءُ مذهبهم إِلَى أنْ تكلَّموا فِي الله عزَّ وجلَّ بِمَا ينكرهُ العلماءُ العقلاءُ.
لاَ يوافقُ قولَهم كتابٌ وَلاَ سنَّةٌ، وَلاَ قولُ الصَّحابةِ، وَلاَ قولُ أئمَّةِ المسلمينَ، وإنِّي لأستوحشُ أنْ أذكرَ قبيحَ أفعالهم تنزيهًا منِّي لجلالِ اللهِ عزَّ وجلَّ وعظمتهِ، كَمَا قَالَ ابنُ المبارك رَحمةُ الله عليهِ: «إنَّا لنستطيعُ أنْ نحكيَ كلامَ اليهودِ والنَّصارى، وَلاَ نستطيعُ أنْ نحكيَ كلامَ الجهميَّةِ».
ثمَّ إنَّهم إِذَا أنكرَ عليهمْ سوءُ مذهبهم، قالوا: لنا حجَّةٌ منْ كتابِ الله عزَّ وجلَّ.
فإذا قِيلَ لهم: مَا الحجَّةُ؟!
قالوا: قَالَ الله عزَّ وجلَّ فِي كتابهِ فِي سورةِ المجادلة: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7] وبقولهِ عزَّ وجلَّ: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} - إِلَى قوله - {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد 3 - 4].
فلبَّسوا عَلَى السَّامعِ منهم بِمَا تَأَوَّلوهُ، وفَسَّروا القرآنَ عَلَى مَا تهوى نفوسهم، فضلُّوا وأضلُّوا. فمنْ سمعهم ممَّنْ جهلَ العلمَ، ظنَّ أنَّ القولَ كَمَا قالوه، وليسَ هُوَ كَمَا تأوَّلوهُ عندَ أهلِ العلمِ.
والذي يذهبُ إليهِ أهلُ العلمِ: أنَّ الله عزَّ وجلَّ سبحانَهُ عَلَى عرشهِ فَوْقَ سماواتهِ، وعلمهُ محيطٌ بكلِّ شيءٍ، قَدْ أحاطَ علمهُ فِي جميعِ مَا خلقَ فِي السَّمَاوَاتِ العلا، وبجميعِ مَا فِي سبعِ أرضينَ وما بينهما، وما تحتَ الثَّرى وما بينهما، يعلمُ السِّرَّ وأخفى، ويعلمُ خائنةَ الأعينِ وما تخفي الصُّدور، ويعلمُ الخطرةَ والهمَّةَ، ويعلمُ مَا توسوسُ بِهِ النُّفوسُ، يسمعُ ويرى، لاَ يعزبُ عَنِ الله عزَّ وجلَّ مثقالُ ذرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ والأرضينَ وما بينهنَّ، إلَّا وقدْ أحاطَ عِلْمُهُ بهِ، وهوَ عَلَى عَرْشِهِ سُبْحَانهُ العَلِيُّ الأَعْلَى، تُرفعُ إليه أعمالُ العبادِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا مِنَ الملائكةِ الذينَ يَرْفَعُونها باللَّيلِ والنَّهارِ.
فإنْ قَالَ قائلٌ: فإيش معنى قولِهِ: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة: 7] الآية... التي بِهَا يحتجُّون؟
قِيلَ لهُ: عِلْمُهُ عزَّ وجلَّ، واللهُ عزَّ وجلَّ عَلَى عرشهِ، وعِلْمُهُ محيطٌ بهم، وبكلِّ شيءٍ منْ خلقهِ، كذا فسَّرهُ أهلُ العلمِ، والآيةُ يدلُّ أوَّلها وآخرهَا عَلَى أنَّهُ العلمُ.
فإنْ قَالَ قائلٌ: كيفَ؟!
قِيلَ: قَالَ الله عزَّ وجلَّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ}...} [المجادلة: 7] إلى آخرِ الآيةِ قوله: {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7].
فابتدأَ الله عزَّ وجلَّ الآيةَ بالعلمِ، وختمهَا بالعلمِ، فعِلْمُهُ عزَّ وجلَّ محيطٌ بجميعِ خلقهِ، وَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ، وهذا قولُ المسلمينَ.
وفي كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ آياتٌ تَدُلُّ عَلَى أنَّ اللهَ تبارك وتعالى فِي السَّمَاءِ عَلَى عرشهِ، وعِلْمُهُ محيطٌ بجميعِ خَلْقِهِ. ثمَّ ذكرَ آياتٍ دالَّةً عَلَى العُلُوِّ، وذكرَ جُمْلَةً مِنَ الأحاديثِ إِلَى أنْ قَالَ:
فهذه السننُ قَدِ اتَّفقتْ معانيها، ويُصَدِّقُ بعضُهَا بعضًا، وكلُّها تَدُلُّ عَلَى مَا قلنا، أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ عَلَى عَرْشِهِ، فَوْقَ سماواتِهِ، وقدْ أحاطَ عِلْمُهُ بكلِّ شيءٍ، وأنَّهُ سميعٌ بصيرٌ، عليمٌ خبيرٌ.
وقدْ قَالَ جلَّ ذِكْرُهُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *} [الأعلى: 1].
وقدْ علَّمَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم أمَّتهُ أنْ يقولوا فِي السُّجودِ: «سبحان ربِّيَ الأعلى» ثلاثًا.
وهذا كُلُّهُ يُقَوِّي مَا قلنا: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ العَلِيُّ الأعلى، عَلَى عرشهِ، فَوْقَ السَّمَاوَاتِ العلا، وعِلْمُهُ محيطٌ بكلِّ شيءٍ، خلافَ مَا قالتهُ الحُلولِيَّةُ، نعوذُ باللهِ منْ سوءِ مذهبهم...
وممَّا يُلَبِّسونَ بهِ على منْ لا عِلْمَ معهُ احْتَجُّوا بقولهِ عزَّ وجلَّ: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام: 3] وبقولهِ: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84].
وهذا كلُّهُ إنَّما يطلبونَ بهِ الفتنةَ، كمَا قالَ الله تعالى: {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7].
وعندَ أهلِ العلمِ مِنْ أهلِ الحقِّ: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ *} [الأنعام: 3] فهوَ كمَا قالَ أهلُ العلمِ ممَّا جاءتْ بهِ السننُ: إنَّ الله عزَّ وجلَّ على عَرْشِهِ، وعِلْمُهُ مُحِيطٌ بجميعِ خَلْقِهِ، يعلمُ ما تُسِرُّونَ وما تُعْلِنُونَ، يعلمُ الجهرَ مِنَ القولِ ويعلمُ ما تَكْتُمُونَ.
وقولهُ عزَّ وجلَّ: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] فمعناهُ: أنَّهُ جلَّ ذكرهُ إلهُ مَنْ في السَّمواتِ، وإلهُ منْ في الأرضِ، إلهٌ يُعبدُ في السَّمواتِ، وإلهٌ يُعبدُ في الأرضِ، هكذا فسَّرهُ العلماءُ[8].
63 - الحافظُ أبو الشيخ (369هـ)
قَالَ محدِّثُ أصبهانَ أبو محمد ابن حيَّان رحمه الله فِي كتاب «العظمة»[9] له:
ذِكْرُ عَرْشِ الرَّبِّ تباركَ وتعالى وكُرْسِيِّهِ، وعِظَمِ خَلْقِهِما، وعُلُوِّ الرَّبِّ فَوْقَ عَرْشِهِ.
ثمَّ ساقَ جملةً مِنَ الأحاديثِ فِي ذَلِكَ.
64 - العلاّمة أبو بكر الإسماعيليُّ (371هـ)
قَالَ رحمه الله فِي كتابِ «اعتقادِ أئمَّةِ الحديثِ» (ص50):
«ويعتقدونَ أنَّ الله تَعَالَى... اسْتَوى عَلَى العرشِ، بلا كيفٍ. فإنَّ الله تَعَالَى انتهى منْ ذَلِكَ إِلَى أنَّهُ استوى عَلَى العرشِ، ولمْ يذكرْ كيفَ كَانَ اسْتِوَاؤُهُ».
65 - أبو الحسن بنُ مهدي المتكلِّمُ (380هـ)
قالَ في كتابِ «مشكل الآياتِ» لهُ في بابِ قولهِ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]:
«اعلمْ - عصمنا الله وإيَّاكَ مِنَ الزيغِ برحمته - أنَّ الله سبحانه في السَّمَاء فوقَ كلِّ شيءٍ، مستوٍ على عرشهِ، بمعنى أنَّه عَالٍ عليه، ومعنى الاستواءِ: الاعتلاءُ، كمَا تقولُ: استويتُ على ظهرِ الدَّابةِ، واستويتُ على السَّطحِ، يعني: عَلَوْتُهُ، واستوتِ الشَّمسُ على رأسي، واستوى الطيرُ على قمَّةِ رأسي، بمعنى علا في الجوِّ، فوجدَ فوقَ رأسي.
والقديمُ جلّ جلاله، عالٍ على عرشهِ، يَدُلُّكَ أنَّه في السَّماء عالٍ على عرشهِ، قولُه: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16]، وقولهُ: {يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55]، وقوله: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50] وقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]، وقوله: {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة: 5]، وزعمَ البلخيُّ: أنَّ استواءَ الله على العرشِ، هو الاستيلاءُ عليهِ، مأخوذٌ منْ قولِ العربِ: استوى بشرٌ على العراقِ، أي: استولى عليها.
قالَ: ممَّا يدلُّ على أنَّ الاستواءَ - هاهنا - ليسَ بالاستيلاءِ، أنَّه لو كانَ كذلكَ، لم يكنْ ينبغي أنْ يخُصَّ العرشَ بالاستيلاءِ عليهِ، دونَ سائرِ خَلقهِ، إذْ هوَ مُسْتَوْلٍ على العرشِ، وعلى سائرِ خلقهِ، ليسَ للعرشِ مَزِيَّةٌ على مَا وصفْتهُ، فبَانَ بذلكَ فسادُ قولهِ.
ثمَّ يقالُ لهُ أيضًا: إنَّ الاستواءَ، ليسَ هوَ الاستيلاءَ، الذي هوَ مِنْ قولِ العربِ: استوى فلانٌ على كذا، أي: استولى، إذ تَمَكَّنَ منهُ بعدَ أنْ لمْ يكنْ مُتَمَكِّنًا، فلمَّا كانَ الباري عزَّ وجلَّ لا يوصفُ بالتَّمَكُّنِ بعدَ أنْ لمْ يكنْ مُتَمَكِّنًا، لمْ يُصْرفُ معنى الاستواءِ إلى الاستيلاءِ.
ثمَّ قالَ: فإنْ قيلَ: ما تقولونَ في قولهِ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16]؟
قيلَ لهُ: معنى ذلكَ أنَّهُ فوقَ السَّماءِ على العَرْشِ، كمَا قالَ: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ} [التوبة: 20]، بمعنى على الأرضِ، وقال: {وَلأَُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] يعني على جذوعِ النَّخْلِ، فكذلكَ قولهُ: {فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] بمعنى: فَوْقَ السَّمَاءِ على العَرْشِ.
فإنِ استدلُّوا بقولهِم على أنَّه في كلِّ مكانٍ بقولهِ سبحانهُ: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] قيلَ لهُ: ليسَ الأمرُ في ذلكَ على ما سبقَ إلى قلوبكم، إنَّما أرادَ بذلكَ أنَّه إلهٌ عندَ أهلِ الأرضِ وإلهٌ عندَ أهلِ السَّماءِ، كقولكَ: زيدٌ نبيلٌ عندَ أهلِ العراقِ وعندَ أهلِ الحجازِ، وليسُ يوجبُ هذا أنَّ ذاتهُ بالعراقِ والحجازِ.
فإنْ قيلَ: فمَا تقولونَ في قولهِ: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام: 3]؟
قيلَ لهُ: إنَّ بعضَ القرَّاءِ يجعلُ الوقفَ في {السَّمَاوَاتِ} [الأنعام: 3] ثمَّ يبتدئُ: {وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ} [الأنعام: 3]، وكيفما كانَ، فلو أنَّ قائلًا قالَ: فلانٌ بالشَّامِ والعراقِ ملكٌ، لدلَّ على أنَّ ملكهُ بالشَّامِ والعراقِ، لا أنَّ ذاتهُ فيهما.
فإنْ قيلَ: فما يقولُ في قولهِ سبحانهُ: {يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة: 7].
قيلَ لهُ: كونُ الشَّيءِ مَعَ الشَّيءِ على وجوهٍ: منها بالنُّصرةِ، ومنهَا بالصحبةِ، ومنهَا بالمماسةِ، ومنها بالعلمِ. فمعنى هذا القولِ عندنا: أنَّه مَعَ كلِّ الخلقِ بالعلمِ، بمعنى أنَّه يعلمهم ولا يخفى عليه منهم شيءٌ سبحانَهُ...
وإنَّما أمرنَا الله تعالى برفعِ أيدينا قاصدينَ إليهِ برفعهمَا نحوَ العرشِ الذي هوَ مستوٍ عليهِ كمَا قالَ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]»[10].
66 - ابنُ بطَّة (387هـ)
قَالَ الإمامُ الزاهدُ أبو عبد الله بن بطّة العكبري شيخُ الحنابلةِ فِي «الإبانة»:
«بابُ الإيمانُ بأنَّ الله عزَّ وجلَّ على عَرْشِهِ بائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وعِلْمُهُ مُحِيطٌ بجميعِ خَلْقِهِ. أجمعَ المسلمونَ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابعينَ، وجميعُ أهلِ العلمِ مِنَ المؤمنينَ أنَّ الله تباركَ وتعالى على عَرْشِهِ، فَوْقَ سَمَاواتِهِ، بائِنٌ منْ خَلْقَهِ، وعِلْمُهُ مُحِيطٌ بجميعِ خَلْقِهِ، لا يأبى ذلكَ، ولا يُنْكِرُهُ إلَّا مَنِ انْتَحَلَ مذاهبَ الحُلوليَّةِ: وهمْ قومٌ زاغتْ قلوبهم، واسْتَهْوَتْهُمُ الشَّياطينُ فمَرَقُوا مِنَ الدِّينِ.
وقالوا: إنَّ الله ذاته لا يخلو منهُ مكانٌ.
فقالوا: إنَّهُ في الأرضِ كمَا هو في السَّماءِ، وهو بذاتهِ حَالٌّ في جميعِ الأشياءِ.
وقدْ أكذبهمُ القرآنُ والسُّنَّةُ وأقاويلُ الصَّحابةِ والتَّابعينَ مِنْ علماءِ المسلمينَ.
فقيلَ للحلوليِّةِ: لِمَ أنكرتمْ أنْ يكونَ اللهُ تعالى على العرشِ؟
وقال اللهُ تَعَالَى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]. وقال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَانُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59].
فهذا خبرُ الله أَخْبَرَ بهِ عنْ نَفْسِهِ، وأنَّهُ على العَرْشِ.
وقال: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ} [الأنعام: 3]، ثمَّ قالَ: {وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ} [الأنعام: 3]، فأخبرَ أنَّهُ في السَّماءِ، وأنَّهُ بِعِلْمِهِ في الأرضِ.
وقَالَ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]، فهلْ يكونُ الصُّعودُ إلَّا إلى ما علا؟.
وقَالَ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *} [الأعلى: 1] فَأَخْبَرَ أنَّهُ أعلى مِنْ خلقِهِ.
وقَالَ: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50]، فأخبرَ أنَّهُ فوقَ الملائكةِ.
وقدْ أخبرنَا اللهُ تعالى أنَّهُ في السَّمَاءِ على العرشِ.
أَوَ مَا سَمِعَ الحُلوليُّ قولَ الله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ *}{أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ *} [الملك: 16 - 17]. وقولَه لعيسى عليه السلام: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55]. وقَالَ: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158]. وقَالَ: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18 و61]. وقَالَ: {مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ *}{تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 3 - 4]. وقَالَ: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} [الأنبياء: 19]. وقَالَ: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} [غافر: 15]، ومِثْلُ هذا كثيرٌ في كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
فأمَّا قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]، فهوَ كمَا قالَ العلماءُ: عِلْمُهُ.
وأمَّا قولُهُ: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام: 3]، كمَا قالَ: {وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ} [الأنعام: 3]، ومعناهُ أيضًا: أنَّهُ هوَ اللهُ في السَّماواتِ، وهوَ اللهُ في الأرضِ.
وتصديقُ ذلكَ في كتابِ الله: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84].
واحْتَجَّ الجَهْمِيُّ بقولِ الله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7].
فقالوا: إنَّ الله معنا وفينا.
وقدْ فسَّر العلماءُ هذهِ الآية: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ} [المجادلة: 7] إلى قولهِ: {هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7]، إنَّما عنى بذلكَ: عِلْمُهُ، ألاَ ترى أنَّهُ قالَ في أوَّلِ الآيةِ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7]، فرجعتِ الهاءُ والواوُ منْ هو على عِلْمِهِ لا على ذَاتِهِ.ثمَّ قالَ في آخرِ الآيةِ: {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7]، فعادَ الوصفُ إلى العلمِ، وبَيَّنَ أنَّهُ إنَّما أرادَ بذلكَ العِلْمَ، وأنَّهُ عليمٌ بأمورِهم كُلِّها»[11].
وقالَ رحمه الله: «بابُ ذِكْرِ العَرْشِ والإيمانِ بأنَّ لله تعالى عَرْشًا فوقَ السَّمواتِ السَّبْعِ.
اعلموا - رحمكمُ الله -: أنَّ الجهميةَ تجحدُ أنَّ لله عرشًا، وقالوا: لا نقولُ إنَّ اللهَ على العَرْشِ؛ لأنَّهُ أعظمُ مِنَ العرشِ، ومتىَ اعترفنا أنَّه على العرشِ؛ فقدْ حَدَّدْناهُ، وقدْ خَلَتْ منهُ أماكنُ كثيرةٌ غيرُ العرشِ؛ فرَدُّوا نصَّ التنزيلِ، وكذَّبوا أخبارَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم.
قال اللهُ تعالى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]. وقال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَانُ} [الفرقان: 59].وقال: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7].
وجاءتِ الأخبارُ، وصحيحُ الآثارِ منْ جهةِ النَّقلِ عَنْ أهلِ العدالةِ، وأئمَّةِ المسلمينَ عَنِ المصطفى صلى الله عليه وسلم منْ ذِكْرِ العرشِ ما لا يُنْكِرُهُ إلا المُلْحِدَةُ الضَّالَّةُ»[12].
67 - ابنُ أبي زيدٍ القيرواني إمام المالكية وصاحب الرسالة المشهورة في المذهب (386هـ)
قالَ الإمامُ أبو محمد بن أبي زيد المغربي شيخُ المالكية في كتابهِ «الجامع»:
«ممَّا اجتمعتِ الأئمةُ عليهِ منْ أمورِ الديانةِ ومِنَ السننِ التي خلافُهَا بدعةٌ وضلالةٌ أنَّ الله - تبارك وتعالى - فوقَ سماواتِهِ على عَرْشِهِ دونَ أرضِهِ وأنَّهُ في كُلِّ مكانٍ بِعِلْمِهِ»[13].
وقال رحمه الله في أوَّلِ رسالتهِ المشهورةِ في مذهبِ مالكٍ الإمام:
«وأنَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ المَجِيدُ بِذَاتِهِ، وهُوَ في كُلِّ مَكِانٍ بِعِلْمِهِ»[14].
قالَ الإمامُ الذهبيُّ معقِّبًا:... واللهُ تعالى خالقُ كلِّ شيءٍ بذاتهِ، ومُدَبِّرُ الخلائقِ بذاتهِ، بِلاَ مُعينٍ، ولا مُؤازِرٍ؛ وإنَّما أرادَ ابنُ أبي زيدٍ وغيرهُ التَّفرقةَ بينَ كونه تعالى معنَا، وبينَ كونهِ تعالى فوقَ العرشِ، فهوَ كمَا قالَ: ومعنَا بالعلمِ، وأنَّهُ على العرشِ كما أعلمنا حيثُ يقولُ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، وقدْ تلفَّظَ بالكلمةِ المذكورةِ جماعةٌ مِنَ العلماءِ كمَا قدَّمناه[15].
وكانَ رحمه الله عَلَى طريقةِ السَّلفِ فِي الأصولِ، لاَ يدري الكلامَ، وَلاَ يتأوَّلُ، فنسألُ الله التَّوفيقَ[16].
68 - ابنُ مَنْدَه (395هـ)
قالَ رحمه الله في «كتابِ التَّوحيدِ»: «ذِكْرُ الآيِ المَتْلُوَّةِ والأخبارِ المأثورةِ في أنَّ الله عزَّ وجلَّ على العَرْشِ فَوْقَ خَلْقِهِ بَائِنًا عنهم وبدءِ خلقِ العرشِ والماءِ، ثمَّ ذكرَ ثلاثَ آياتٍ في استواءِ الرَّحمنِ على العَرْشِ»[17].
وقالَ رحمه الله: ذِكْرُ الآياتِ المَتْلوَّةِ والأخبارِ المأثورةِ بنقلِ الرواةِ المقبولةِ التي تَدُلُّ على أنَّ الله تعالى فوقَ سماواتِهِ وعَرْشِهِ وخَلْقِهِ قاهرًا لهم عالمًا بهم. ثمَّ ذكرَ آياتٍ دالَّةً على العُلُوِّ. وساقَ جُمْلةً مِنَ الأحاديثِ في ذلكَ[18].
69 - ابنُ أبي زمْنِين (399هـ)
قالَ رحمه الله: «ومنْ قولِ أهلِ السُّنَّةِ: أنَّ الله عزَّ وجلَّ خَلَقَ العَرْشَ واختصَّهُ بالعُلُوِّ والارتفاعِ فوقَ جميعِ ما خلقَ، ثمَّ استوى عليهِ كيفَ شاءَ، كمَا أخبرَ عنْ نفسهِ... فسبحانَ مَنْ بَعُدَ فلا يُرى، وقرُبَ بِعِلْمِهِ وقُدْرَتِهِ فسَمِعَ النَّجْوَى»[19].
70 - القَصّابُ (400هـ)
قال الحافظُ الإمامُ أبو أحمد بن علي بن محمد المجاهد في «كتابِ السنَّةِ»:
كلُّ صفةٍ وصفَ اللهُ بها نفسهُ، أو وصفهُ بها نبيُّهُ، فهيَ صفةٌ حقيقيَّةٌ لا مجازًا»[20].
71 - ابنُ الباقلانيُّ (403هـ)
قال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب البصري الباقلاني في كتابِ «التمهيدِ» منْ تأليفهِ:
«فإنْ قالوا: فهلْ تقولونَ إنَّه فِي كلِّ مكانٍ؟
قِيلَ: مَعاذَ الله! بلْ هُوَ مستوٍ عَلَى العرشِ، كَمَا أخبرَ فِي كتابهِ فقال: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] وقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} [الملك: 16]. ولوْ كَانَ فِي كلِّ مكانٍ، لكانَ فِي جوفِ الإنسانِ وفمهِ وفي الحشوشِ والمواضعِ التي يُرْغَبُ عنْ ذكرهَا - تَعَالَى اللهُ عنْ ذَلِكَ!ـ ولوجبَ أن يزيدَ بزيادةِ الأماكنِ إِذَا خلقَ منها مَا لَمْ يكن خلقهُ، وينقصُ بنقصانها إِذَا بطلَ منها مَا كَانَ؛ ولصحَّ أنْ يرْغبَ إليهِ إِلَى نحو الأرضِ وإلى وراءِ ظهورنَا وعنْ أيماننا وشمائلنَا. وهذا مَا قَدْ أجمعَ المسلمونَ عَلَى خلافهِ وتخطئةِ قائلهِ.
فإنْ قالوا: أَفَلَيْسَ قَدْ قَالَ الله عزَّ وجلَّ: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] - فأخبرَ أنَّهُ فِي السَّمَاءِ وفي الأرضِ - وقال: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ *} [النحل: 128]، وقال: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:]، وقال: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة: 7] فِي نظائر لهذهِ الآياتِ. فمَا أنكرتم أنَّهُ فِي كلِّ مكانٍ؟
يقالُ لهم: قولُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] المرادُ بِهِ أنَّه إلهٌ عندَ أهلِ السَّمَاءِ وإلهٌ عندَ أهلِ الأرضِ، كَمَا تقولُ العربُ: «فلانٌ نبيلٌ مطاعٌ بالعراقِ ونبيلٌ مطاعٌ بالحجازِ» يعنونَ بذلكَ أنَّهُ مطاعٌ فِي المِصْرَيْنِ وعندَ أهلهمَا، وليسَ يَعْنُونَ أنَّ ذاتَ المذكورِ بالحجازِ والعراقِ موجودةٌ.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ *} [النحل: 128]، يعني: بالحفظِ والنَّصرِ والتّأييدِ، ولم يردْ أنَّ ذاتهُ معهم - تَعَالَى عنْ ذَلِكَ!
وقوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] محمولٌ عَلَى هَذَا التأويلِ.
وقوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7] يعني: أنَّه عالمٌ بهم وبمَا خفيَ منْ سرائرهم ونجواهم. وهذا إنَّما يُستعملُ كَمَا وردَ بِهِ القرآنُ. فلذلكَ لاَ يجوزُ أنْ يقالَ - قياسًا عَلَى هَذَا -: إنَّ الله سبحانهُ بالبردانِ وبمدينةِ السَّلامِ، وإنَّه تَعَالَى مَعَ الثَّورِ ومَعَ الحمارِ؛ وَلاَ أنْ يُقالَ: إنَّهُ مَعَ الفسَّاقِ والمُجَّان ومَعَ المصعدينِ إِلَى حلوانَ، قياسًا عَلَى قولهِ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ *} [النحل: 128] فوجبَ أنْ يكونَ التأويلُ عَلَى مَا وصفناهُ.
وَلاَ يجوزُ أن يكونَ معنى استوائِهِ عَلَى العرشِ هُوَ استيلاؤهُ عَلَيهِ كَمَا قَالَ الشَّاعرُ:
قَدِ اسْـتَوَى بِشْرٌ عَلـَى العـراقِ من غـيرِ سَيْـفٍ ودَمٍ مِهْـرَاقِ
لأنَّ الاستيلاءَ هُوَ القدرةُ والقهرُ، والله تَعَالَى لَمْ يَزَلْ قادرًا قاهرًا عزيزًا مقتدرًا. وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] يقتضي استفتاحَ هَذَا الوصفِ بعدَ أنْ لَمْ يكنْ؛ فَبَطَلَ مَا قالوهُ»[21].
قال الذهبي رحمه الله: «فهذا النفس نفس هذا الإمامِ، وأينَ مثلُهُ في تبحُّرهِ وذكائهِ وبصرهِ بالمللِ فلقد امتلأ الوجودُ بقومٍ لا يدرونَ ما السلفَ، ولا يعرفونَ إلَّا السلبَ، ونفيَ الصفاتِ وردَّهَا، صمٌّ بكمٌّ عتمٌّ عجمٌّ، يدعونَ إلى العقلِ، ولا يكونونَ على النَّقلِ، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون»[22].
72 - ابنُ موهب (406هـ)
قَالَ العلَّامةُ أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ موهب المالكيُّ فِي شرحهِ لرسالةِ الإمامِ محمَّد بن أبي زيد:
«أمَّا قولهُ: (إِنَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ المَجِيدِ بِذَاتِهِ) فمعنى (فَوْقَ) و(على) عندَ جميعِ العربِ واحدٌ. وفي الكتابِ والسنَّةِ تصديقُ ذلكَ، وَهُوَ قوله تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]، وقال: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، وقال: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50].
وساقَ حديثَ الجاريةِ والمعراجِ إِلَى سدرةِ المنتهى، إِلَى أنْ قَالَ:
«وقدْ تأتي لفظةُ (فِي) فِي لغةِ العربِ بمعنى فوق، كقولهِ تَعَالَى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} [الملك: 15] و{فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] و {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16]. قَالَ أهلُ التَّأويلِ: يريدُ فوقهَا، وَهُوَ قولُ مالكٍ ممَّا فهمهُ عمَّنْ أدركَ مِنَ التَّابعينَ ممَّا فَهِمُوهُ عَنِ الصَّحابةِ، ممَّا فهموهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّ اللهَ فِي السَّماءِ، يعني فَوْقَها وعَلَيْهَا، فلذلكَ قَالَ الشيخُ أبو محمَّد: (إنَّهُ فَوْقَ عَرْشِه) ثمَّ بيَّنَ أنَّ عُلُوَّهُ فَوْقَ عرشِهِ إنَّما هُوَ بذاتهِ لأنَّه تَعَالَى بائنٌ عنْ جميعِ خلقهِ بلا كيفٍ، وَهُوَ فِي كُلِّ مكانٍ بِعِلْمِهِ لاَ بِذَاتِهِ. إِذْ لاَ تحويهِ الأماكنُ، لأنَّهُ أعظمُ منهَا، قَدْ كَانَ وَلاَ مكانَ».
ثمَّ سردَ كلامًا طويلًا إِلَى أنْ قَالَ: «فلمَّا أيقنَ المنصفونَ إفرادَ ذِكْرِهِ بالاستواءِ عَلَى عَرْشِهِ بعدَ خلقِ سماواتِهِ وأرضِهِ، وتخصيصِهِ بصفةِ الاستواءِ، عَلِمُوا أنَّ الاسْتِوَاءَ هنا غيرُ الاستيلاءِ ونحوِهِ، فأَقَرُّوا بوصفِهِ بالاستواءِ عَلَى عرشهِ، وأنَّهُ عَلَى الحقيقةِ لاَ عَلَى المَجازِ، لأنَّهُ الصَّادقُ فِي قِيْلِهِ، وَوَقَفُوا عنْ تكييفِ ذَلِكَ وتمثيلِهِ، إذْ لَيْسَ كمثلِهِ شيءٌ»[23].
73 - مَعْمَرُ بنُ زيادٍ (418هـ)
قالَ الإمامُ العارفُ أبو منصور مَعْمَرُ بن أحمد بن زياد الأصبهاني رحمه الله: «أحببتُ أنْ أوصيَ أصحابي بوصيةٍ مِنَ السنَّةِ، وأجمعُ ما كانَ عليهِ أهلُ الحديثِ والأثرِ، وأهلُ المعرفةِ والتَّصوفِ»، فذكرَ أشياءَ إلى أنْ قالَ فيهَا: «وأنَّ الله استوى على عَرْشِهِ بلا كَيْفٍ ولا تَشْبِيهٍ ولا تأويلٍ، والاستواءُ معقولٌ والكيفُ فيهِ مجهولٌ، وأنَّهُ عزَّ وجلَّ بائنٌ منْ خلقهِ، والخلقُ منهُ بائنونَ بلا حلولٍ ولا مُمَازَجَةٍ، ولا اختلاطٍ ولا مُلاَصَقَةٍ، وأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ينزلُ كلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدُّنيا كيفَ يشاءُ فيقولُ: «هَلْ منْ دَاعٍ فأستجيبَ لهُ؟ حتىَّ يَطْلُعَ الفَجْرُ»، ونزولُ الرَّبِّ إلى السَّماءِ بلا كَيْفٍ ولا تَشْبِيهٍ، ولا تَأْوِيلٍ، فمَنْ أَنْكَرَ النُّزُولَ أو تَأَوَّلَ فهوَ مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ»[24].
74 - أبو القاسم اللاَلكَائِيُّ (418هـ)
قَالَ الإمامُ الحافظُ أبو القاسم هبةُ الله بن الحسن الطبري الشافعي مصنِّف كتاب «شرح اعتقاد أهل السنّة» وَهُوَ مجلَّدٌ ضخمٌ:
«سياقُ مَا رُوي فِي قوله تَعَالَى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5] وأنَّ اللهَ عَلَى عَرْشِهِ فِي السَّمَاءِ:
قَالَ عزَّ وجلَّ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10].
وقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} [الملك: 16].
وقال: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} [الأنعام: 16].
فدلَّتْ هذهِ الآيةُ أنَّهُ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ وعِلْمُهُ مُحِيطٌ بكلِّ مكانٍ مِنْ أرضهِ وسمائهِ.
ورُوي ذَلِكَ مِنَ الصَّحابة: عنْ عمرَ وابنِ مسعودٍ وابنِ عبَّاسٍ وأمِّ سلمة رضي الله عنهم.
ومِنَ التَّابعين: ربيعة بن أبي عبد الرَّحْمن وسليمان التيمي ومقاتل بن حيَّان.
وبهِ قَالَ مِنَ الفقهاءِ: مالكُ بنُ أنسٍ وسفيانُ الثوريُّ وأحمدُ بنُ حنبل»[25].
75 - السُّلطانُ (421هـ)
قال أبو علي بن البنَّاء: «حكى عليُّ بن الحسين العكبري أنَّهُ سمعَ أبا مسعودٍ أحمدَ بنَ محمد البجلي قال: دخلَ ابنُ فورك على السُّلطانِ محمود[26]، فقالَ: لا يجوزُ أنْ يُوصفَ اللهُ بالفوقيَّةِ لأنَّ لازمَ ذلكَ وصفُهُ بالتَّحتيَّةِ، فمنْ جازَ أنْ يكونَ لهُ فوقٌ، جازَ أن يكونَ له تحتٌ. فقال السُّلطانُ: ما أنا وصفتُهُ حتَّى يُلْزِمَنِي، بلْ هوَ وَصَفَ نَفْسَهُ. فبُهتَ ابنُ فورك، فلمَّا خرجَ مِنْ عندهِ ماتَ. فيقالُ: انشقَّتْ مَرارَتُه»[27].
76 - يحيى بنُ عمَّارٍ (422هـ)
قال المفسِّرُ الحنبليُّ يحيى بنُ عمَّارٍ رحمه الله: «كلُّ مسلمٍ منْ أوَّلِ العصرِ إلى عصـرنَا هذا إذا دعَا اللهَ سبحانهُ رفعَ يدَيْهِ إلى السَّماءِ. والمسلمونَ منْ عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، يقولونَ في الصَّلاةِ ما أمرهمُ الله تعالى بهِ في قولهِ تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *} [الأعلى: 1].
ولا حاجةَ لله سبحانه وتعالى إلى العرشِ، لكنَّ المؤمنينَ كانوا محتاجينَ إلى معرفةِ ربِّهم عزَّ وجلَّ. وكلُّ منْ عبدَ شيئًا أشارَ إلى موضعٍ، أوْ ذكرَ مِنْ معبودهِ علامةً. فجبَّارُنَا وخالِقُنا، إنَّما خَلَقَ عرشَهُ ليقولَ عبدهُ المؤمنُ، إذا سُئلَ عنْ ربِّهِ عزَّ وجلَّ أينَ هوَ الرحمنُ؟ عَلَى العَرْشِ اسْتَوىَ، معناه فوقَ كُلِّ مُحْدَثٍ عَلَى عَرْشِهِ العظيمِ، وَلاَ كيفيَّةَ وَلاَ شَبَهَ.
ولا نحتاجُ في هذا البابِ إلى قولٍ أكثرَ منْ هذا أنْ نؤمنَ بهِ، وننفيَ الكيفيَّةَ عنهُ، ونتَّقيَ الشَّكَّ فيهِ، ونوقنَ بأنَّ ما قالهُ اللهُ سبحانه وتعالى ورسولُه صلى الله عليه وسلم، ولا نتفكَّرُ في ذلكَ، ولا نسلِّطُ عليهِ الوهمَ والخاطرَ والوسواسَ.
وتعلمُ حقًّا يقينًا أنَّ كلَّ ما تُصُوِّر في همِّكَ ووهمكَ منْ كيفيَّةٍ أو تشبيهٍ، فاللهُ بخلافهِ وغيرهِ.
نقولُ: هُوَ بِذَاتِهِ على العَرْشِ، وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بكُلِّ شَيءٍ»[28].
وقال رحمه الله: لا نقولُ كمَا قالتِ الجهميَّةُ: إنَّهُ تعالى مداخلٌ للأمكنةِ وممازجٌ بكلِّ شيءٍ ولا نعلمُ أينَ هوَ؟ بلْ نقولُ هُوَ بِذَاتِهِ عَلَى العَرْشِ وعِلْمُهُ مُحِيطٌ بكلِّ شَيءٍ، وعلمهُ وسمعهُ وبصرهُ وقدرتهُ مُدْرِكَةٌ لكلِّ شيءٍ. وذلكَ معنى قولهِ: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]، فهذَا الذي قلناهُ هوَ كمَا قالَ اللهُ وقالهُ رسولهُ.
77 - القادرُ بالله أميرُ المؤمنين (422هـ)
لهُ معتقدٌ مشهورٌ، قرئَ ببغدادَ بمشهدٍ منْ علمائها وأئمَّتها، وأنَّهُ قولُ أهلِ السنَّةِ والجماعةِ، وفيهِ أشياء حسنة. منْ ذلكَ:
«وأنَّهُ خَلَقَ العرشَ لا لحاجةٍ، واسْتَوَى عليهِ كيفَ شاءَ لا استواءَ راحةٍ، وكلُّ صفةٍ وصفَ بها نفسَهُ، أو وصفَهُ بها رسولُهُ فهي صفةٌ حقيقيةٌ لا صفةُ مجازٍ، وكلامُ اللهِ غيرُ مخلوقٍ أنزَلَهُ على رسولِهِ صلى الله عليه وسلم»[29].
78 - أبو عمر الطلمنكيُّ (429هـ)
قالَ في كتابِ «الوصولِ إلى معرفةِ الأصولِ» وهوَ مجلدانِ: «أجمعَ المسـلمونَ منْ أهلِ السنَّةِ على أنَّ معنى قولِهِ: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]، ونحو ذلكَ مِنَ القرآنِ أنَّهُ عِلْمُهُ، وأنَّ اللهَ تعالى فوقَ السَّماواتِ بذَاتِهِ، مستوٍ على عَرْشِهِ كَيْفَ شَاءَ.
وقالَ أهلُ السُّنَّةِ في قولِهِ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]: إنَّ الاستواءَ مِنَ اللهِ على عَرْشِهِ على الحَقِيقَةِ لا على المَجَازِ»[30].
[1] الإبانة (ص69 - 71).
[2] العلوّ (ص1254 - 1255).
[3] شرح السنة (ص24)، للبربهاري.
[4] العلوّ (ص1258)، وصححه الألباني في«مختصر العلو» (ص244).
[5] العلوّ (ص1264).
[6] أي: العلامة ابن شعبان، أبو إسحاق شيخ المالكية، محمد بن القاسم بن شعبان بن محمد بن ربيعة العماري المصري، من ولد عمّار بن ياسر.
[7] السير (16/79).
[8] الشريعة (ص1072 - 1105)، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عمر بن سليمان الدميجي.
[9] (2/543).
[10] تأويل الآيات المشكلة - ورقة 132/أ - 135/أ (مخطوط في مكتبة طلعت، ضمن دار الكتب في القاهرة).
[11] راجع: المختار من الإبانة (3/136 - 144).
[12] المصدر السابق (ص168).
[13] كتاب الجامع (ص139 - 141).
[14] مقدمة ابن أبي زيد القيرواني لكتابه الرسالة (ص56).
[15] مختصر العلوّ (ص255).
[16] السير (12/17).
[17] كتاب التوحيد (3/185).
[18] انظر: كتاب التوحيد (3/185 - 190).
[19] أصول السنَّة (ص88).
[20] تذكرة الحفاظ (3/338 - 339).
[21] التمهيد (ص260 - 262).
[22] مختصر العلو (ص259).
[23] مختصر العلوّ (ص282 - 283).
[24] الفتوى الحموية (ص377 - 378).
[25] شرح أصول اعتقاد أهل السنّة والجماعة (3/429 - 430).
[26] هو الملك يمين الدولة، فاتح الهند، أبو القاسم، محمود بن سيد الأمراء ناصر الدولة سُبُكْتِكين، التركيّ، صاحب خراسان والهند وغير ذلك.
[27] السير (17/487).
[28] الحجة في بيان المحجة (2/106 - 107).
[29] مختصر العلو (ص263).
[30] مختصر العلو (ص264).
-جميع ما نقلت من كتبكم لا غير
-هل هو على العرش بذاته كما تقول الكرامية المجسمة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
-

الكرامية

أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام، وإنما عددناه من الصفاتية، لأنه كان ممن يثبت الصفات إلا أنه ينتهي فيها إلى التجسيم والتشبيه‏.‏وقد ذكرنا‏:‏ كيفية خروجه وانتسابه إلى أهل السنة فيما قدمناه ذكره‏.‏
وهم طوائف بلغ عددهم إلى اثنتي عشرة فرقة ،وأصولها ستة‏:‏ العابدية، والتونية ،والزرينية ،والإسحاقية، والواحدية، وأقربهم‏:‏ الهيصمية‏.‏ ولكل واحدة منهم رأي، إلا أنه لما يصدر ذلك من علماء معتبرين بل عن سفهاء أغتام جاهلين لم نفردها مذهباً، وأوردنا مذهب صاحب المقالة،وأشرنا إلى ما يتفرع منه .
نص أبو عبد الله على أن معبوده على العرش استقراراً وعلى أنه بجهة فوق ذاتاً‏.‏وأطلق عليه اسم الجوهر فقال في كتابه المسمى عذاب القبر‏:‏ إنه إحدى الذات إحدى الجوهر وإنه مماس للعرش من الصفحة العليا‏.‏ وجوز‏ الانتقال،والتحول،والنزول،ومنهم من قال: إنه على بعض أجزاء العرش،
‏ وقال بعضهم‏:‏ امتلأ العرش به‏.وصار المتأخر ون منهم‏:‏ إلى أنه تعالى بجهة فوق وأنه محاذ للعرش‏.‏









قديم 2013-11-26, 07:02   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
youcef19003
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية youcef19003
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك على المعلومات القيمة










قديم 2013-11-26, 09:11   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
nabi1 m
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية nabi1 m
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك
جزاكم الله خيرا









قديم 2013-11-26, 23:43   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
ابو الفداء الجلفي
محظور
 
إحصائية العضو










456ty

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو الفداء الجلفي مشاهدة المشاركة
-جميع ما نقلت من كتبكم لا غير
-هل هو على العرش بذاته كما تقول الكرامية المجسمة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
-

الكرامية

أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام، وإنما عددناه من الصفاتية، لأنه كان ممن يثبت الصفات إلا أنه ينتهي فيها إلى التجسيم والتشبيه‏.‏وقد ذكرنا‏:‏ كيفية خروجه وانتسابه إلى أهل السنة فيما قدمناه ذكره‏.‏
وهم طوائف بلغ عددهم إلى اثنتي عشرة فرقة ،وأصولها ستة‏:‏ العابدية، والتونية ،والزرينية ،والإسحاقية، والواحدية، وأقربهم‏:‏ الهيصمية‏.‏ ولكل واحدة منهم رأي، إلا أنه لما يصدر ذلك من علماء معتبرين بل عن سفهاء أغتام جاهلين لم نفردها مذهباً، وأوردنا مذهب صاحب المقالة،وأشرنا إلى ما يتفرع منه .
نص أبو عبد الله على أن معبوده على العرش استقراراً وعلى أنه بجهة فوق ذاتاً‏.‏وأطلق عليه اسم الجوهر فقال في كتابه المسمى عذاب القبر‏:‏ إنه إحدى الذات إحدى الجوهر وإنه مماس للعرش من الصفحة العليا‏.‏ وجوز‏ الانتقال،والتحول،والنزول،ومنهم من قال: إنه على بعض أجزاء العرش،
‏ وقال بعضهم‏:‏ امتلأ العرش به‏.وصار المتأخر ون منهم‏:‏ إلى أنه تعالى بجهة فوق وأنه محاذ للعرش‏.‏
كتاب ” فتاوى العقيدة ” للعثيمين طبع ما يسمى ” مكتبة السنة ” صحيفة / 50 يقول:[ لا يوصف الله بالمكر إلا مقيدا ، فإن قيل كيف يوصف الله بالمكر مع أن ظاهره أنه مذموم قيل إن المكر في محله محمود.]

و في صحيفة / 51 يقول:[ إن الله له ملل و أما ملل الله فإنه ملل يليق به عز و جل.]

و في صحيفة / 52 يقول:[ و أما خداع فهو كالمكر يوصف الله به حين يكون مدحا.]

و في صحيفة / 75 يقول:[ أولئك الذين يتعمقون في الصفات و يحاولون أن يسألوا حتى عن الأظفار.] هذا في حق الله.

و في صحيفة / 120 يقول:[ قال ابن تيمية: و الذين يثبتون تقريبه العباد إلى ذاته هو القول المعروف للسلف و الأئمة.] و أقره على ذلك بسكوته عن هذا النقل ، و هذا يلزم منه أن الله يمس و يحس و يجس ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

و في صحيفة / 49 يقول:[ إن نفي التمثيل هو الذي ورد في القرءان الكريم و لم يرد في القرءان نفي التشبيه.]

و في كتاب ” شرح حديث النـزول ” طبع دار العاصمة ، صحيفة 198 نسب ابن تيمية إلى الرسول أنه قال:[ إن الرب يتدلى في جوف الليل إلى السماء الدنيا.]

و في صحيفة / 238 يسمي الله جسما فيقول:[ قد يراد بلفظ الجسم و المتحيز: ما يشار إليه ، بمعنى أن الأيدي ترفع إليه في الدعاء.]









قديم 2013-11-26, 23:56   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
اسماعيل 03
مشرف منتديات الدين الإسلامي الحنيف
 
الصورة الرمزية اسماعيل 03
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو الفداء الجلفي مشاهدة المشاركة
كتاب ” فتاوى العقيدة ” للعثيمين طبع ما يسمى ” مكتبة السنة ” صحيفة / 50 يقول:[ لا يوصف الله بالمكر إلا مقيدا ، فإن قيل كيف يوصف الله بالمكر مع أن ظاهره أنه مذموم قيل إن المكر في محله محمود.]

و في صحيفة / 51 يقول:[ إن الله له ملل و أما ملل الله فإنه ملل يليق به عز و جل.]

و في صحيفة / 52 يقول:[ و أما خداع فهو كالمكر يوصف الله به حين يكون مدحا.]

و في صحيفة / 75 يقول:[ أولئك الذين يتعمقون في الصفات و يحاولون أن يسألوا حتى عن الأظفار.] هذا في حق الله.

و في صحيفة / 120 يقول:[ قال ابن تيمية: و الذين يثبتون تقريبه العباد إلى ذاته هو القول المعروف للسلف و الأئمة.] و أقره على ذلك بسكوته عن هذا النقل ، و هذا يلزم منه أن الله يمس و يحس و يجس ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

و في صحيفة / 49 يقول:[ إن نفي التمثيل هو الذي ورد في القرءان الكريم و لم يرد في القرءان نفي التشبيه.]

و في كتاب ” شرح حديث النـزول ” طبع دار العاصمة ، صحيفة 198 نسب ابن تيمية إلى الرسول أنه قال:[ إن الرب يتدلى في جوف الليل إلى السماء الدنيا.]

و في صحيفة / 238 يسمي الله جسما فيقول:[ قد يراد بلفظ الجسم و المتحيز: ما يشار إليه ، بمعنى أن الأيدي ترفع إليه في الدعاء.]
نصيحة أخرى
لا تنقل مالا تفهم وتحرى صحة ماتنقل خاصة عن شيخ الاسلام ابن تيمية فكثيرا ما تنقل أكاذيبا عليه سرعان ما يظهر بطلانها بفتاوى تُضاد ما تأتي به تماما









قديم 2013-11-27, 00:00   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
ابو الفداء الجلفي
محظور
 
إحصائية العضو










456ty

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اسماعيل 03 مشاهدة المشاركة
نصيحة
لا تنقل مالا تفهم وتحرى صحة ماتنقل خاصة عن شيخ الاسلام ابن تيمية فكثيرا ما تنقل أكاذيبا عليه
طبعا انت تفهم كثيرا ، اتحداك ان تنقل كذبة واحدة كذبتها على ابن تيمية واحدة فقط ، انه التعصب فقط









قديم 2013-11-27, 00:26   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
اسماعيل 03
مشرف منتديات الدين الإسلامي الحنيف
 
الصورة الرمزية اسماعيل 03
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو الفداء الجلفي مشاهدة المشاركة
طبعا انت تفهم كثيرا ، اتحداك ان تنقل كذبة واحدة كذبتها على ابن تيمية واحدة فقط ، انه التعصب فقط
أبشر
-فكل هدفك منذ عرفتك هو رمي ابن تيمية بالتجسيم مستندا على نقولات في أحسن أحوالها تحريف لكلام شيخ الإسلام رحمه الله وأنت أيضا في أحسن أحوالك لا أقول تكذب -حتى لا أرميك بالكذب- بل لا تعلم أنك تنقل الكذب. وكلام شيخ الإسلام مبسوط في كتبه ينقله الإخوة والأخوات يشهد على عقيدته.
وعليه فأنصحك بتعلم العقيدة السليمة ودع عنك أمورا أنت في غنى عنها فشيخ الإسلام رحمه الله مشهود له بالفضل وإن حاولت عبثا تشويه صورته في هذا العالم الإفتراضي.
قال صلى الله عليه وسلم:
"...اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ, وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ, وَلَا تَعْجَزْ.." أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .









قديم 2013-11-28, 02:13   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
صهيب رائع
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

صهيب الرائع: ماباله هذا المدعو ابا الفدا هاج كل هذا الهيجان بسبب ما نقله الاخ من اقوال السلف الصالح؟ عندما لا يجد امثاله ما يدفعون به الحجة يطعنون في النقل وهذا معروف عند كل الفرق الضالة وعلى رأسها الشيعة المجوس الذين يقولون بتحريف القران,مصادرنا معروفة وكتبنا موجودة منذ فجر الاسلام وعلمنا محفوظ بعناية وباسانيد متينة مضبوطة بعلم الجرح والتعديل وعلم الحديث و لكم دينكم ولي دين










 

الكلمات الدلالية (Tags)
الأشاعرة, طالب


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 00:21

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc