بلهجة "تبسية" يجيبنا قائلا: .. كنت طيلة حياتي أحلم بالحصول على جهاز كمبيوتر.. ولم أكن أتصور نفسي نجما للعلوم ببراءة اختراع ستوصلني لأمريكا..." إنه نجم برنامج العلوم الجزائري محمد دومير الذي يكشف لـ"الشروق" رحلة شقائه في الجزائر وسفره إلى قطر والصين وكواليس برنامج "نجم العلوم" الذي حصل به على جائزة بـ 03 ملايير سنتيم، ترى كيف سينفقها؟ وماذا سيفعل بعد تتويجه؟ تابعوا معنا...
هل كنت تتوقع تتويج جزائري وسط منافسة قطرية- سعودية لاسيما وأن جل البرامج على قناة "آم بي سي" يحدث في كواليسها نوعٌ من الإقصاء للجزائريين لحساب جنسيات عربية أخرى؟
لم أكن أتوقع مطلقا فوزي وتتويجي، كنت دائما واثقا من نفسي في تفوّقي العلمي على المنافسين ضمن برنامج "نجم العلوم"، لكن لم أكن أتوقع مطلقا تتويجي وتفوقي بنسبة 50 بالمائة على بقية المنافسين .
لكن اتركيني أقول لك أنه يسعدني أن جزائرياً يتوّج بمسابقة "نجم العلوم" في مسابقة فكرية، وهذا أحسن لنا بكثير أن نتوّج في برامج الغناء والرقص، إنه لفخر لبلدي الجزائر أن تعود مسابقة علمية ضخمة وكبرى لجزائري وباعتراف من قبل لجنة علماء لها كفاءة عالية.
قبل سفرك إلى قطر ماذا كنت تعمل بالجزائر وما هي الأسباب التي جعلتك تهاجر إلى قطر؟
أذكر بداياتي الأولى بعد تخرّجي من الجامعة صرت كغيري من الشباب أبحث عن عمل من مؤسسة إلى أخرى إلى أن وصلت إلى إيداع ملف توظيفي لدى فروع "تشغيل الشباب"، وبقيت مدة وأنا ألهث لجمع الوثائق الضرورية للحصول على أي وظيفة مهما كانت.
وفي النهاية قبلت بوظيفة في إحدى الإدارات العمومية وكان أجري 12 ألف دينار، تصوري معي 12 ألف دينار أجر طبيب بيطري، وأنا أنحدر من عائلة بسيطة ومتواضعة في قرية "تقرين" بولاية تبسة، لم يكن لديّ حتى أنترنيت في البيت، لم أكن أملك حتى جهاز كمبيوتر محمولاً، وبطبعي كنت أميل إلى البحث العلمي، لكن حاجتي الماسة إلى عمل جعلتني أقبل بأي وظيفة.
وماذا عن دراستك الجامعية، هل كان أساتذتك في الجامعة يتنبأون لك بمستقبل علمي زاهر؟
لا، بالعكس، لقد ترشحت لمسابقة الماجستير بالجامعة في الطارف التي تخرجت منها عام 2008 ورغم ثقتي فوجئت بعدم قبولي. وفي عام 2010 تنقلت للموسم الثاني إلى الجزائر العاصمة، حيث تقدمت لمسابقة الماجستير في المدرسة العليا للبيطرة بالحراش وفشلت أيضا بالرغم من ثقتي من الإجابة الصحيحة وكنت متفائلا خيرا، وكل هذا أحبط معنوياتي وصرت أفكر في الهجرة، لا لشيء سوى لتحسين مستواي المادي.
وكيف جاءت فكرة الهجرة إلى الخارج هل جاءت نتيجة حتمية لما يعانيه شباب عقود ما قبل التشغيل؟
بحثي الدائم عن تحسين مستواي المادي جعلني أغرق في المنتديات بحثا عن عمل، ومرة وجدت في أحد المنتديات، شخصا قطريا يبحث عن بيطري فقمت بالاتصال به، بحثا عن عمل وفعلا جاءت الاستجابة سريعا، وذهبت إلى قطر، حيث وجدت الترحاب بالكفاءة الجزائرية، وهناك وجدت متنفساً لأفكر في تكوين نفسي بنفسي، ومرة وجدت دورة تكوينية في الصين عن "التشخيص لدى الحيوانات"، فأردت أن أسافر إلى الصين لتكوين نفسي، وطبعا وافق شريكي القطري، فانتقلت إلى الصين في دورة تكوينية قصيرة.
وماذا تعلمت في الصين؟
يسعدني أن جزائرياً يتوجه بمسابقة "نجم العلوم" في مسابقة فكرية، وهذا أحسن لنا بكثير أن نتوّج في برامج الغناء والرقص، إنه لفخر لبلدي الجزائر أن تعود مسابقة علمية ضخمة وكبرى لجزائري وباعتراف من قبل لجنة علماء لها كفاءة عالية.
سفري إلى الصين فتح عينيّ على دنيا العلوم أكثر وأصبحت أبحث عن كل ما يهمني وشعرت خلال الدورة التكوينية أنني أنمّي معارفي وصرت أدرس أكثر وعمقت معارفي في الطب البيطري أكثر، لقد عرفت كم نحن متأخرين بدرجات عن الطب البيطري، وهو ما حتم عليّ الدراسة والاعتماد على نفسي في تنمية معارفي. وبعد الدورة التكوينية عدت إلى قطر، وأصبح يهمني، أكثر، بحكم عملي، معرفة أماكن تشخيص العرج لدى الإبل حيث كنت أعمل في مكان خاص بالسباقات السريعة للإبل.
حسنا محمد هل عرضت اختراعك في قطر أو كنت تنوي المشاركة فيه ببراءة اختراع؟
في قطر حيث كنت أعمل كانت هناك سباقات للإبل وكانت هذه الحيوانات بحكم السباق، تشعر بعدها بآلام في أرجلها ولا نستطيع كبياطرة تحديد موقع الألم، أي أنه لم يكن هناك أي طريقة تستعمل لتشخيص مكان وجود "العرج" لدى حيوانات السباق بما فيها الأحصنة، وبالتالي نقص التشخيص يصعِّب العلاج، كل هذا كان يقودني يوميا للبحث عن دواء، إلى أن جاءت فكرة الاختراع.
حدثنا كيف جاءت فكرة توصلك للاختراع الذي تقدّمت به لبرنامج "نجم العلوم" وهل استعملته قبل المشاركة في البرنامج؟
أردت البحث عن مكان يكتشف حالات العرج والإصابات الحركية لدى الحيوان، وبالأخص لدى الإبل المستعملة في السباقات السريعة، وذلك عبر استخدام أجهزة استشعار متخصصة.
وأول تجربة قمت بها عبر الهاتف النقال باعتباره وسيلة تشخيص لاسلكية وتفاجأت عندما نجحت التجربة، لكن لحظتها لم أكن اعلم أن ما أقوم به هو ابتكار وكان علي أن اعمل أكثر، وصرت أدرس تخصصات أخرى لا علاقة لها بالبيطرة بحثا عن اختراع يوصلني إلى تشخيص المرض، وكل هذا قادني إلى دراسة الهندسة والخوارزمات والرياضيات.
لقد كنت أبحر يوميا في المعادلات إلى أن اكتشفت خوارزمية أتاحت لي تشخيص العرج لدى الإبل وحيوانات السباق وهي الأولى من نوعها، ما جعلني بعدها أدرك أن ما قمت به من اكتشاف بيطري وعلمي يعتبر ثورة علمية حقيقية.
وكيف جاءت فكرة المشاركة في البرنامج الأكبر من نوعه نجم العلوم على قناة أم بي سي 04؟
لقد كنت في قطر وكان يثير اهتمامي هذا النوع من البرامج لكن لم أكن أتوقع نفسي أفوز في البرنامج بحكم المشاركة الخليجية والدعم المالي لمترشحيهم، لقد شاركت وتم قبولي في "الكاستينغ" بقطر وكنت رفقة أحد الجزائريين الذي يدعى ياسر وشارك هو باختراعه "روبو" لكنه خرج من السباق باكرا ما جعلني في كل مرة أومن أني لن أصل إلى النهاية.
حدثنا عن المشاركة داخل البرنامج هل كانت هناك منافسة شرسة بين المترشحين؟
نعم لكني في "البرايم" الأول عن الهندسة تفوقت الأول وفي البرايم الثاني أيضا تفوقت الأول وفي البرايم الثالث عن الترويج للابتكار، قدمت أحسن برنامج ترويجي، وكان منتجي هو الأول لكن خوفي كان من المرحلة الأخيرة التي تعتمد على دعم الجمهور والتصويت عبر الهاتف النقال، وزاد خوفي وسط منافسين من دول الخليج على رأسهم القطري والسعودي وهو ما جعلني ألجأ لوسائل الإعلام وشركات الهواتف النقالة في وطني لدعمي لفوز بالمسابقة.
كيف ومع من اتصلت ولم يلب طلبكم وهل اتصلت بمسؤولين في الجزائر لدعمك في المسابقة ؟
أصدقك القول مع كل الجرائد الوطنية ومع شركات الهواتف النقالة لقد طلبت منهم أن يقوموا بإرسال رسالة قصيرة فقط كما تفعل كل الشركات مع مترشحيها، لكن لا أحد يرد علي ما جعلني ألجأ إلى إنشاء صفحة عبر الفايسبوك وهي الصفحة التي اتصلت فيها بمعارفي وأصدقائي في الدراسة ولم أكن أتصور أن ناس الفايسبوك نشروا وتبادلوا صفحتي ما جعلني معروف فايسبوكياً وكان أصدقائي والمعجبون بي في الفايسبوك يدعون للتصويت عليّ ولا أنسى ما نشرته "الشروق" في مقال يدعو للتصويت على محمد دومير وكل هذا جعلني في النهاية أفوز بالبرنامج "نجم العلوم".
وبعدها كيف كانت نسبة التصويت وبأي فارق بينك وبين السعودي والقطري؟
لقد فاجأتي التصويت من قبل الجزائريين؛ 50 بالمائة من المصوتين جزائريون وقد صوتوا على محمد دومير، واقتسم المترشحون الثلاث الآخرون نسبة 50 بالمائة، لكني علمت أن اغلب نسبة التصويت على محمد دومير هم من جزائريين مقيمين بالإمارات العربية المتحدة ولم تكن مفاجأة نسبة التصويت لصالحي من قبل لجنة التحكيم حيث كانت دائما تضعني الأول، والحمد لله كان خوفي من القطري والسعودي من حيث التصويت بحكم المستوى المعيشي المرتفع للقطريين والسعوديين ودفعهم للتصويت على أبناء وطنهم، لكن أبناء بلدي الجزائري لم يخذلوني في آخر مرحلة تعتمد على التصويت.
أريد أن أعرف كباقي الجزائريين الذين تابعوا الشوط الأخير من التصويت على المنصة ماذا كنت تفكر لحظتها؟
بصريح العبارة كنت أقول في نفسي إذا لم احصل على المرتبة الأولى سأحصل على مليارين وإذا لم احصل على المرتبة الثانية سأحصل على مليار وهذا يكفي لمساعدة عائلتي، لكن لم أكن مطلقا أعتقد أني سأكون الأول وأحصل على 03 ملايير... لقد بدأ شريط حياتي وتعبي أمام عينيّ لم أكن املك حاسوبا محمولا.. والآن بإمكاني تحقيق كل أحلامي.
بعد تتويجك كنجم للعلوم وبصفحة فايسبوكية ذات جماهيرية واسعة وباسم معروف من اتصل بك من الجزائريين المسؤولين؟
اتصل بي السفير الجزائري بقطر وهنأني بفوزي وأقول لك أن الاختراع الذي قدمته سأستلم به درجة دكتوراه من أمريكا إلى جانب حصولي على براءة الاختراع وهو ما سيخفف عني رسوبي بالماجستير في بلدي، لكن أعتقد أن عليهم أن يعتنوا بالمبدعين والمبتكرين وفوزي في مسابقة "نجم العلوم" فتح لي المجال واسعا حيث اتصل بي الكثير من رجال الأعمال من الإمارت وقطر لدعم اختراعي.
هل ستخبرنا بماذا ستفعل بـ 03 ملايير سنتيم؟ وهل ستعود إلى وطنك لتستقر أم ستبقى عالما مهاجرا؟.
سأعود إلى الجزائر بعد 20 يوماً وسأعود إلى قريتي في تبسة وبالضبط إلى بلدية "تقرين" سأعمل على إعادة ترميم منزل عائلتي وأكيد جدا سأتزوج وأشتري لنفسي بيتاً، لكن ما أريده تأسيس أكاديمية صغيرة تعتني بالمبدعين والمبتكرين، أريد أن اخصص جزءاً مما ربحته في المسابقة لأساهم في الأخذ بأيدي المبدعين في هذا الوطن، اعرف أن هناك الكثير مثلي بحاجة إلى من يُنمي في داخلهم حس الإبداع.
ربما برنامج نجم العلوم كان بالنسبة لك أحسن ذكرى في حياتك، فما هي أسوأ ذكرى أثرت فيك كثيرا؟
الشيء الذي ربما عندما أتذكره أتألم أني كنت أرغب في الهجرة إلى فرنسا بحثا عن عمل، فلم تُمنح لي التأشيرة، وبقيت أتساءل في نفسي لماذا رُفض منحي التأشيرة؟ لقد تأثرت كثيرا، اليوم الحمد لله براءة الاختراع التي تحصلت عليها ستمكنني حتى من الذهاب لأمريكا وليس إلى فرنسا.
باختصار محمد دومير ماهو اختراعك وما هي الإضافة التي يمكن أن يضيفها في الطب البيطري؟
يعتمد هذا الجهاز الأول من نوعه في العالم على تقنية اتصال لاسلكية لإرسال البيانات إلى جهاز الكومبيوتر، ويقوم بتحليلها بطريقة سريعة ودقيقة، كما يقوم هذا الابتكار بدمج أجهزة قياس التسارع وأجهزة استشعار الضغط وأجهزة إرسال الاتصالات اللاسلكية، ضمن أربع قطع مختلفة على شكل أحذية يمكن تثبيتها في القوائم الأربع للإبل أو الخيول.
ويعتبر هذا الابتكار الجديد الذي أطلق عليه اسم "الدكتور دومير"، حلا نهائيا للمشاكل التي تواجه الكثير من المربين والمدربين، وتتعلق بتحديد مكان وطبيعة الإصابات التي تعاني منها الخيول والإبل، وخاصة منها التي تشارك في السباقات السريعة، وذلك بطريقة ناجحة وبأقل تكلفة، وهي ثورة حقيقية في سابق الرياضات التي تعتمد على الخيول والإبل.
محمد دومير هل تريد أن تشكر أحدا معينا عبر جريدة "الشروق" لك حرية القول ما تشاء؟
أريد أن أشكر عائلتي وأبناء وطني وأريد ان أشكر "ناس الفايسبوك" الذين أمدوني بدعمهم المعنوي في التعريف بي ودعم حملات التصويت لصالحي، أريد أن أشكر كل الجزائريين بالإمارات العربية ممن اتصلوا بي وصوّتوا لصالحي وشكرا خاصا لأبناء تبسة.