إلجام العوام عن علم الكلام - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد

قسم العقيدة و التوحيد تعرض فيه مواضيع الإيمان و التوحيد على منهج أهل السنة و الجماعة ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

إلجام العوام عن علم الكلام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-11-06, 16:59   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
كلمات مبعثرة
عضو محترف
 
الصورة الرمزية كلمات مبعثرة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي إلجام العوام عن علم الكلام

إلجام العوام عن علم الكلام للامام الغزالي رحمه الله

خطبة الرسالة

الحمد لله الذي تجلى لكآفة عباده بصفاته و أسمائه و تاهت[عقول] الطالبين في بيداء كبريائه ، و قص أجنحة [الأفكار] دون حمى عزته و تعالى بجلاله عن أن تدرك الأفهام كنه حقيقته ، و [استوفى] قلوب أوليائه و خاصته و استغرق أرواحهم حتى احترقوا بنار محبته و بهتوا فى اشراق أنوار عظمته ، و خرست ألسنتهم عن الثناء على جمال حضرته إلا بما أسمعهم من أسمائه و صفاته و أنبأهم على لسان رسوله محمد، صلى الله عليه و سلم، خير خلقيته و على أصحابه و عترته.

أما بعد :

فقد سألتني أرشدك الله عن الأخبار الموهمة للتشبيه عند الرعاع و الجهال من الحشوية الضلال حيث اعتقدوا فى الله ، وصفاته ما يتعالى و يتقدس عنه من الصورة و اليد و القدم و النزول و الإنتقال و الجلوس على العرش و الإستقرار ، و ما يجري مجراه مما أخذوه من ظواهر الأخبار و صورها ، و أنهم زعموا أن معتقدهم فيه معتقد السلف ، و أردت أن أشرح لك اعتقاد السلف ، و أن أبين ما يجب على عموم الخلق أن يعتقدوه فى هذه الأخبار ، و أكشف فيه الغطاء عن الحق ، و أميز ما يجب البحث عنه عما يجب الإمساك و الكف عن الخوض فيه ، فأجبتك إلى طلبتك متقربا إلى الله سبحانه و تعالى بإظهار الحق الصريح من غير مداهنة و مراقبة جانب و محافظة على تعصب لمذهب دون مذهب ، فالحق أولى بالمراقبة ، و الصدق و الإنصاف أولى بالمحافظة عليه ، و أسأل الله التسديد و التوفيق و هو بإجابة داعية حقيق ،


و ها أنا أرتب الكتاب على ثلاثة أبواب :

باب : فى بيان حقيقة مذهب السلف فى هذه الأخبار.
باب : فى البرهان على أن الحق فى مذهب السلف وأن من خالفهم فهو مبتدع.
باب : فى فصول متفرقة نافعة فى هذا الفن.


الباب الأول

فى شرح اعتقاد السلف فى هذه الأخبار .

إعلم : أن الحق الصريح الذى لا مراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف أعني مذهب الصحابة و التابعين و ها أنا أورد بيانه و بيان برهانه .

فأقول :-

حقيقة مذهب السلف و هو الحق عندنا أن كل من بلغه حديث من هذه الأحاديث من عوام الخلق يجب عليه فيه سبعة أمور : التقديس ، ثم التصديق ، ثم الإعتراف بالعجز ، ثم السكوت ، ثم الإمساك ، ثم الكف ، ثم التسليم لأهل المعرفة .

أما التقديس : فأعني به تنزيه الرب تعالى عن الجسمية و توابعها .
وأما التصديق : فهو الإيمان بما قاله صلى الله عليه و سلم و أن ما ذكره حق وهو فيما قاله صادق و أنه حق على الوجه الذى قاله و أراده .
و أما الاعتراف بالعجز : فهو أن يقر بأن معرفة مراده ليست على قدر طاقته وأ ن ذلك ليس من شأنه وحرفته .
و أما السكوت: فأن لا يسأل عن معناه و لا يخوض فيه و يعلم أن سؤاله عنه بدعة ، و أنه فى خوضه فيه مخاطر بدينه ، و أنه يوشك أن يكفر لو خاض فيه من حيث لا يشعر .
و أما الإمساك: فأن لا يتصرف فى تلك الألفاظ بالتصريف والتبديل بلغة أخرى و الزيادة فيه و النقصان منه و الجمع و التفريق بل لا ينطق إلا بذلك اللفظ وعلى ذلك الوجه من الإيراد و الإعراب و التصرف و الصيغة .
و أما الكف : فأن يكف باطنه عن البحث عنه و التفكر فيه .
و أما التسليم لأهله : فأن لا يعتقد أن ذلك إن خفي عليه لعجزه فقد خفي على رسول الله صلى الله عليه و سلم أو على الأنبياء أو على الصديقين و الأولياء .

فهذه سبع وظائف اعتقد كافة السلف وجوبها على كل العوام لا ينبغي أن يظن بالسلف الخلاف فى شىء منها ، فلنشرحها وظيفة وظيفة إن شاء الله تعالى :




الوظيفة الأولى

التقديس

و معناه أنه إذا سمع اليد و الإصبع و قوله صلى الله عليه و سلم "إن الله خمر طينة آدم بيديه" و "إن قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن" ، فينبغي أن يعلم أن اليد تطلق لمعنيين أحدهما و هو الموضع الأصلي و هو مركب من لحم و عصب و اللحم و العظم و العصب جسم مخصوص و صفات مخصوصة أعني بالجسم عبارة عن مقدار له طول و عرض و عمق يمنع غيره من أن يوجد بحيث هو إلا بأن يتنحى عن ذلك المكان ، ( و قد يستعار هذا اللفظ ) أعني اليد لمعنى آخر ليس ذلك المعني بجسم أصلا كما يقال : البلدة فى يد الأمير و إن كان الأمير مقطوع اليد مثلا فعلى العامي و غير العامي أن يتحقق قطعا أن الرسول صلى الله عليه و سلم لم يرد بذلك جسما هو عضو مركب من لحم و دم و عظم ، و أن ذلك فى حق الله تعالى محال و هو عنه مقدس ، فإن خطر بباله أن الله جسم مركب من أعضائه فهو عابد صنم فإن كل جسم فهو مخلوق ، و عبادة المخلوق كفر ، و عبادة الصنم كانت كفرا لأنه مخلوق ، و كان مخلوقا لأنه جسم .. فمن عبد جسما فهو كافر بإجماع الأئمة السلف منهم و الخلف ، سواء كان ذلك الجسم كثيفا كالجبال الصم الصلاب أو لطيفا كالهواء و الماء ، و سواء كان [مظلما] كالأرض أو مشرقا كالشمس و القمر و الكواكب . أو مشفا لا لون له كالهواء ، أو عظيما كالعرش و الكرسي و السماء أو صغيرا كالذرة و الهباء أو جمادا كالحجارة أو حيوانا كالإنسان . فالجسم صنم فإن يقدر حسنه و جماله أو عظمه أو صغره أو صلابته و بقاؤه لا يخرج عن كونه صنما ، و من نفى الجسمية عنه و عن يده و إصبعه فقد نفى العضوية و اللحم و العصب و قدس الرب جل جلاله عما يوجب الحدوث ، و ليعتقد بعده أنه عبارة عن معنى من المعاني ليس بجسم و لا عرض فى جسم .. يليق ذلك المعنى بالله ، فإن كان لا يدري ذلك المعنى و لا يفهم كنه حقيقته فليس عليه فى ذلك تكليف أصلا فمعرفة تأويله و معناه ليس بواجب عليه بل واجب عليه أن لايخوض فيه كما سيأتي .
مثال آخر :

إذا سمع الصورة فى قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله خلق آدم على صورته ) (إني رأيت ربي فى أحسن صورة ) فينبغي أن يعلم أن الصورة اسم مشترك قد يطلق و يراد به الهيئة الحاصلة فى أجسام مؤلفة مرتبة ترتيبا مخصوصا مثل الأنف و العين و الفم و الخد التى هى أجسام و هي لحوم و عظام ، و قد يطلق و يراد به ما ليس بجسم و لا هيئة فى جسم و لا هي ترتيب فى أجسام . كقولك عرف صورته و ما يجرى مجراه ، فليتحقق كل مؤمن أن الصورة فى حق الله لم تطلق لإرادة المعنى الأول الذى هو جسم لحمي و عظمي مركب من أنف و فم و خد ، فإن جميع ذلك أجسام و هيئات فى أجسام ، و خالق الأجسام و الهيئات كلها منزه عن مشابهتها و صفاتها ، و إذا علم هذا يقينا فهو مؤمن .. فإن خطر له أنه لم يرد هذا المعنى .. فمالذى أراده فينبغي أن يعلم أن ذلك لم يؤمر به بل أمر بأن لا يخوض فيه فإنه ليس على قدر طآقته ، لكن ينبغي أن يعتقد أنه أريد به معنى يليق بجلال الله و عظمته بما ليس بجسم و لا عرض فى جسم .



مثال آخر :

إذا قرع سمعه النزول فى قوله صلى الله عليه وسلم : (( وينزل فى كل ليلة إلى السماء الدنيا )) : فالواجب عليه أن يعلم أن النزول اسم مشترك قد يطلق إطلاقا يفتقر فيه إلى ثلاثة أجسام : جسم عال هو مكان لساكنه ، و جسم سافل كذلك ، و جسم متنقل من السافل إلى العالي و من العالي [إلى] السافل ، فإن كان من أسفل إلى علو سمي صعودا و عروجا و رقيا ، و إن كان من علو إلى أسفل سمي نزولا و هبوطا ، و قد يطلق على معنى آخر و لا يفتقر فيه [إلى] تقدير انتقال و حركة فى جسم ، كما قال تعالى (( و أنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ) (الزمر 6) و ما رئي البعير و البقر نازلا من السماء بالإنتقال بل هى مخلوقه فى الأرحام و لإنزالها معنى لا محالة ، كما قال الشافعي رضي الله عنه : "دخلت مصر فلم يقيموا كلامي ، فنزلت ثم نزلت ثم نزلت" فلم يرد به انتقال جسده إلى أسفل فتحقق [المؤمن] قطعا أن النزول فى حق الله تعالى ليس بالمعنى الأول و هو انتقال شخص و جسد من علو إلى أسفل ، فإن الشخص وا لجسد أجسام و الرب جل جلاله ليس بجسم فإن خطر له أنه لم يرد هذا المعنى [فما] الذى أراد فيقال له : "أنت إذا عجزت عن فهم نزول البعير من السماء فأنت عن فهم نزول الله تعالى أعجز ، فليس هذا بعشك فادرجي ، و اشتغل بعبادتك أو حرفتك و اسكت ، و اعلم أنه أريد به معنى من المعاني التى يجوز أن يراد بالنزول فى لغة العرب ، ويليق ذلك المعنى بجلال الله تعالى عظمته وإن كنت لاتعلم حقيقته و كيفيته .

و مثال آخر :

إذا سمع لفظ الفوق فى قوله تعالى : ( وهو القاهر فوق عباده ) الأنعام 18 و فى قوله تعالى (يخافون ربهم من فوقهم ) النحل 50 فليعلم أن الفوق اسم مشترك يطلق لمعنيين:

أحدهما : نسبة جسم إلى جسم بأن يكون أحدهما أعلى و الآخر أسفل يعني أن الأعلى من جانب رأس الأسفل ، وقد يطلق لفوقية الرتبة ، و يقال : الخليفة فوق السلطان و السلطان فوق الوزير ، و كما يقال العلم فوق العلم ، و الأول يستدعي جسما ينسب [إلى] جسيم .

و الثاني : لا يستدعيه فليعتقد المؤمن قطعا أن الأول غير مراد و أنه على الله تعالى محال ، فإنه من لوازم الأجسام أو لوازم أعراض الأجسام ، و إذا عرف نفى هذا المحال فلا عليه إن لم يعرف أنه لماذا أطلق وماذا أريد فقس على ما ذكرناه مالم نذكره .



الوظيفة الثانية

الإيمان و التصديق

و هو أنه يعلم قطعا أن هذه الألفاظ أريد بها معنى يليق بجلال الله وعظمته ، و أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صادق فى وصف الله تعالى به ، فليؤمن بذلك و ليوقن بأن ما قاله صدق و ما أخبر عنه حق لا ريب فيه ، و ليقل آمنا و صدقنا و أن ما وصف الله تعالى به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو كما وصفه و حق بالمعنى الذي أراده و على الوجه الذى قاله ، و إن كنت لا تقف على حقيقته

فإن قلت التصديق إنما يكون بعد التصور ، و الإيمان إنما يكون بعد التفهم ، فهذه الألفاظ إذا لم يفهم معانيها كيف يعتقد صدق قائلها فيها ؟

فجوابك أن التصديق بالأمور الجمليه ليس بمحال و كل عاقل يعلم أنه أريد بهذه الألفاظ معان ، و أن كل اسم فله مسمى إذا نطق به من اراد مخاطبة قوم قصد ذلك المسمى فيمكنه أن يعتقد كونه صادقا مخبرا عنه على ما هو عليه ، فهذا معقول على سبيل الإجمال ، بل يمكن أن يفهم من هذه الألفاظ أمور جملية غير مفصلة ، و يمكن التصديق كما إذا قال فى البيت حيوان أمكن أن يصدق دون أن يعرف أنه انسان أو فرس أو غيره ، بل لو قال فيه شىء أمكن تصديقه و إن لم يعرف ما ذلك الشىء ، فكذلك من سمع الإستواء على العرش فهم على الجملة أنه أريد بذلك نسبة خاصه إلى العرش فيمكنه التصديق قبل أن يعرف أن تلك النسبة هى نسبة الإستقرار عليه أو الإقبال على خلقه أو الإستيلاء عليه بالقهر أو معنى آخر من معاني النسبة فأمكن التصديق به

و إن قلت فأي فائدة فى مخاطبة الخلق بما لا يفهمونه ؟؟
و جوابك أنه قصد بهذا الخطاب تفهيم أهله و هم الأولياء و الراسخون فى العلم و قد فهموما ، و ليس من شرط من خاطب العقلاء بكلام أن يخاطبهم بما يفهم الصبيان و العوام بالإضافة إلى العارفين كالصبيان بالإضافة إلى البالغين ، و لكن على الصبيان أن يسألوا البالغين عما يفهمونه ، و على البالغين أن يجيبوا الصبيان بأن هذا ليس من شأنكم و لستم من أهله فخوضوا فى حديث غيره فقد قيل للجاهل ( فاسألوا أهل الذكر ) النحل 43 فإن كانوا يطيقون فهموهم و إلا قالوا لهم ( و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) الإسراء 85 فلا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم و لهذا السؤال هذه معان الإيمان بها واجب وا لكيفية مجهولة أى لكم ، و السؤال عنها بدعة كما قال مالك : الإستواء معلوم و الكيفية مجهولة و الإيمان به واجب.

فإذن الإيمان بالجمليات التى ليست مفصلة فى الذهن ممكن و لكن تقديسه الذى هو نفي للمحال عنه ينبغي أن يكون مفصلا فإن المنفي هى الجسمية و لوازمها و نعني بالجسم ههنا الشخص المقدر الطويل العريض العميق الذى يمنع غيره من أن يوجد بحيث هو الذى يدفع ما يطلب مكانه إن كان قويا و يندفع و يتنحى عن مكانه بقوة دافعة إن كام ضعيفا و إنما شرحنا هذا اللفظ مع ظهوره لأن العامي ربما لا يفهم المراد به .


الوظيفة الثالثة

الإعتراف بالعجز

و يجب على كل من لا يقف على كنه هذه المعاني و حقيقتها و لم يعرف تأويلها و المعنى المراد به أن يقر بالعجز ، فإن التصديق واجب وهو عن دركه عاجز ، فإن ادعى المعرفة فقد كذب و هذا معنى قول مالك : الكيفية مجهولة يعنى تفصيل المراد به غير معلوم ، بل الراسخون فى العلم و العارفون من الأولياء إن جاوزوا فى المعرفة حدود العوام و جالوا فى ميدان المعرفة و قطعوا من بواديها أميالا كثيرة فما بقي لهم مما لم يبلغوه بين أيديهم أكثر بل لا نسبة لما طوي عنهم إلى ماكشف لهم لكثرة المطوي و قلة المكشوف بالإضافة إليه و الإضافة إلى المطوي المستور ، قال سيد االأنبياء صلوات الله عليه : (لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) و بالإضافة إلى المكشوف ، قال صلوات الله عليه : (أعرفكم بالله أخوفكم وأنا أعرفكم بالله) .. و لأجل كون العجز و القصور ضروريا فى آخر الأمر بالإضافة إلى منتهى الحال قال سيد الصديقين أبو بكر : ( العجز عن درك الإدراك إدراك ) فأوائل حقائق هذه المعاني بالإضافة إلى عوام الخلق كأواخرها بالإضافة إلى خواص الخلق ، فكيف لا يجب عليه الإعتراف بالعجز .


الوظيفة الرابعة :

السكوت عن السؤال

و ذلك واجب على العوام لأنه بالسؤال متعرض لما لا يطيقه و خائض فيما ليس أهلا له ، فإن سأل جاهلا زاده جوابه جهلا و ربما ورطه فى الكفر من حيث لا يشعر ، و إن سأل عارفا عجز العارف عن تفهيمه بل عجز ( الوالد ) عن تفهيم ولده مصلحته فى خروجه إلى المكتب ، بل عجز ( الصائغ ) عن تفهيم ( النجار ) دقائق صناعته ، فإن النجار وإن كان بصيرا بصناعته فهو عاجز عن دقائق [الصِّيَّاغة] لأنه إنما يعلم دقائق النجر لإستغراقه العمر فى تعلمه و ممارسته ، فكذلك يفهم الصائغ الصياغة أيضا لصرف العمر إلى تعلمه و ممارسته و قبل ذلك لا يفهمه .. فالمشغولون بالدنيا و بالعلوم التى ليست من قبيل معرفة الله عاجزون عن معرفة الأمور الأهية عجز كافة المعرضين عن الصناعات عن فهمها ، بل عجز الصبي الرضيع عن الإعتذار بالخبز و اللحم لقصور فى فطرته لا لعدم الخبز و [اللحم] و لا لأنه قاصر على تغذية الأقوياء ، لكن طبع الضعفاء قاصر عن التغذي به فمن أطعم الصبي الضعيف اللحم و الخبز و أمكنه من تناوله فقد أهلكه ، و كذلك العوام إذا طلبوا بالسؤال هذه المعاني يجب زجرهم و منعهم و ضربهم بالدرة كما كان يفعله عمر رضى الله عنه بكل من سأل عن الآيات المتشابهات ، و كما فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم فى الإنكار على قوم خاضوا فى مسألة القدر و سألوا عنه ، فقال صلى الله عليه وسلم : "فبهذا أمرتم" و قال:" إنما هلك من كان قبلكم بكثرة السؤال" أو لفظ هذا معناه كما اشتهر فى الخبر ، و لهذا أقول يحرم على الوعاظ على رؤوس المنابر الجواب عن هذه الأسئلة بالخوض فى التأويل و التفصيل ، بل الواجب عليهم الإقتصار على ما ذكرناه و ذكره السلف ، و هو المبالغة فى التقديس و نفي التشبيه و أنه تعالى منزه عن الجسمية و عوارضها و له المبالغة فى هذا بما أراد حتى يقول : "كل ماخطر ببالكم وهجس فى ضميركم و تصور فى خاطركم فإنه تعالى خالقها وهو منزه عنها وعن مشابهتها وأن ليس المراد بالأخبار شيئا من ذلك ، وأما حقيقة المراد فلستم من أهل معرفتها والسؤال عنها ، فاشتغلوا بالتقوى فما أمركم الله تعالى به فافعلوه وما نهاكم عنه فاجتنبوه و هذا قد نهيتم عنه فلا تسألوا عنه و مهما سمعتم شيئا من ذلك فاسكتوا و قولوا آمنا و صدقنا و ما أوتينا من العلم إلا قليلا و ليس هذا من جملة ما أوتيناه .



الوظيفة الخامسة :

الإمساك عن التصرف فى ألفاظ واردة

يجب على عموم الخلق الجمود على ألفاظ هذه الأخبار و الإمساك عن التصرف فيها من ستة أوجه :
التفسير و التأويل و التصريف و التفريع و الجمع و التفريق .

الأول : التفسير

و أعني به تبديل اللفظ بلغة أخرى يقوم مقامها فى العربية أو معناها بالفارسية أو التركية بل لا يجوز النطق إلا باللفظ الوارد لأن من ألفاظ اللغة العربية ما لا يوجد لها فارسية تطابقها .

و منها ما يوجد لها فارسية تطابقها لكن ما جرت عادة الفرس باستعاراتها للمعاني التى جرت عادة العرب باستعاراتها منها .

ومنها ما يكون مشتركا فى العربية ولا يكون فى العجمية كذلك .

أما الأول : مثاله لفظ الإستواء فإنه ليس له فى الفارسية لفظ مطابق يؤدي بين الفرس من المعنى الذى يؤدية لفظ الإستواء بين العرب بحيث لا يشتمل على مزيد إيهام .. إذ فارسيته أن يقال راستا باستان وهذان لفظان : الأول ينبىء عن انتصاب و استقامة فيما يتصور أن ينحني و يعوج .

الثاني : ينبىء عن سكون و ثبات فيما يتصور أن يتحرك و يضطرب و إشعاره بهذه االمعاني و إشارته إليها فى العجمية أظهر من إشعار لفظ الإٍستواء و إشارته إليها ، فإذا تفاوت فى الدلالة و الإشعار لم يكن هذا مثل الأول و إنما تجوز تبديل اللفظ بمثله المرادف له الذى لا يخالفه بوجه من الوجوه لا يباينه أو يخالفه و لو بأدنى شىء و أدقه و أخفاه .
ومثال الثاني : أن الأصبع يستعار فى لسان العرب للنعمة يقال لفلان عندي أصبع أى نعمة و معناها بالفارسية انكشفت و ما جرت عادة العجم بهذه الإستعارة ، و توسع العرب فى التجوز و الإستعارة أكثر من توسع العجم بل لا نسبة لتوسع العرب إلى جمود العجم فإذا أحسن إرادة المعنى المستعار له فى العرب و سمج ذلك فى العرب نفر القلب عما سمج ومج السمع و لم يمل إليه ، فإذا تفاوتا لم يكن التفسير تبديلا بالمثل بل بالخلاف و لا يجوز التبديل إلا بالمثل .

مثال الثالث : العين فإن من فسره فإنما يفسره بأظهر معانيه فيقول هو جسم وهو مشترك فى لغة العرب بين العضو الناصر و بين الماء و الذهب والفضة ، فليس اللفظ اسم وهو مشترك هذا الإشتراك ، و كذلك لفظ الجنب و الوجه يقرب منه ...
فلإجل هذا نرى المنع من التبديل و الإقتصار على العربية

فإن قيل : هذا التفاوت إن ادعيتموه فى جميع الألفاظ فهو غير صحيح إذ لا فرق بين قولك خبز و نان وبين قولك لحم و كوشت ، و إن اعترف بأن ذلك فى البعض فامنع من التبديل عند التفاوت لا عند التماثل ، فالجواب الحق أن التفاوت فى البعض لا فى الكل فلعل لفظ اليد و لفظ دست يتساويان فى اللغتين ، و فى الإشتراك و الإستعارة و سائر الأمور ، و لكن إذا انقسم إلى ما يجوز و إلى ما لا يجوز و ليس إدراك التمييز بينهما و الوقوف على دقائق التفاوت جليا و سهلا يسيرا على كافة الخلق بل يكثر فيه الإشكال و لا يتميز محل التفاوت عن محل التعادل ، فنحن بين أن نحسم الباب احتياطا إذ لا حاجه ولا ضرورة إلى التبديل و بين أن نفتح الباب و نقحم عموم الخلق ورطة الخطر ، فليت شعري أى الأمرين أعزم و أحوط و المنظور فيه ذات الإله و صفاته و ما عندي أى عاقلا متدينا لا يقر هذا الأمر مخطر ، فإن الخطر فى الصفات الألهية يجب اجتنابه .. كيف وقد أوجب الشرع على الموطوءة العدة لبراءة الرحم وللحذر من خلط [الأنساب] احتياطا لحكم الولاية و الوراثة وما يترتب على النسب ، فقالوا مع ذلك تجب العدة على العقيم و الآيسة و الصغيرة وعند العزل ، لأن باطن الأرحام إنما يطلع عليها علام الغيوب فإنه يعلم ما في الأرحام ، فلو فتحنا باب التفصيل كنا راكبين متن الخطر فإيجاب العدة حيث لا علوق أهون من ركوب هذا الخطر ، فكما أن إيجاب العدة حكم شرعي فتحريم تبديل العربية حكم شرعي عن ثبت الإجتهاد وترجيح طريق الأول ويعلم أن الإحتياط فى الخبر عن الله وصفاته وعما أراده بألفاظ القرآن أهم وأولى من الإحتياط فى العدة وكل مااحتاط الفقهاء من هذا القبيل .[/right]








 


 

الكلمات الدلالية (Tags)
الغناء, الكلام, إلجام


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 23:50

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc