بسم الله الرحمن الرحيم
(مقدمة)
الحمد لله ربِّ العالمين, والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, ولا إله إلا الله, إلهُ الأولين والآخرين, وقيومُ السماوات والأرضين, ومالكُ يوم الدين, الذي لا فوزَ إلا في طاعته, ولا عزَّ إلا بالتذلل لعظمته, ولا غنى إلا في الافتقار إلى رحمته, ولا حياةَ إلا في رضاه, ولا نعيمَ إلا في قربه, ولا صلاحَ للقلب ولا فلاح إلا في الإخلاص له وتوحيده وحبه, الذي إذا أُطيعَ شكر, وإذا عُصيَ تابَ وغفر, وإذا دُعِيَ أجاب, الحمد لله الذي شهدتْ له بالربوبية جميعُ مخلوقاته, وأقرتْ له بالإلهية جميعُ مصنوعاته, فلا إله إلا الله, لا إله إلا الله وحده لا شريك له في إلهيته, ولا سَمِيَّ له ولا كفوَ له ولا نِدَّ, أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, كلمةٌ قامت بها السماوات والأرضين, وبها أرسل اللهُ رسلَه, وأنزلَ كتبَه, وشرعَ شرائعَه, ولأجلها نُصِبَتْ الموازين, ووُضِعَتْ الدواوين, وقامَ سوقُ الجنة والنار, وبها انقسمَتْ الخليقة إلى مسلمين وكفار, وأبرار وفجار, وعليها نُصِبَتْ القبلةُ وأُسِسَتْ الملةُ, ولأجلها جُهِّزَتْ سيوفُ الجهاد, وهي حقُّ الله على جميع العباد, فهي كلمةُ الإسلام, ومفتاحُ دار السلام, فلا إله إلا اللهُ عددَ خلقه, ورضى نفسه, وزِنةَ عرشه, ومِدادَ كلماته, وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه, وأمينُه على وحيه, وخيرتُه من خلقه, أرسله اللهُ رحمةً للعالمين, وإماماً للمتقين, وحجةً على الخلائقِ أجمعين, أرسله على حين فترةٍ من الرسل, فهدى به إلى أقومِ الطرقِ وأوضحِ السُّبل, وافترضَ الله على العبادِ طاعتَه ومحبتَه وتوقيرَه, وسدَّ دون جنته الطرق, فلم يفتح لأحد إلا من طريقه, وشرحَ له صدرَه, ورفعَ له ذكرَه, ووضعَ عنه وزرَه, وجعلَ الذِّلةَ والصَغارَ على من خالفَ أمرَه, فتحَ اللهُ برسالته أعيناً عمياً, وآذاناً صماً, وقلوباًَ غلفاً, فبلَّغَ الرسالةَ, وأدَّى الأمانةَ, ونصحَ الأمةَ, وجاهدَ في اللهِ حقَّ جهادِه, فأشرقَتْ برسالته الأرضُ بعدَ ظلماتِها, وتألفَتْ به القلوبُ بعدَ شتاتِها, فصلواتُ الله وسلامُه عليه ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ.