من حجرة منزلي الضيقة، رحت أنظر إلى رحابة الدنيا الفسيحة، فاستهواني سحرها وبهاؤها، ونضارة عيشها، ثم تفكرت في أهلها المقربين، كيف حالهم معها ؟؟
نظرت فرأيت عجبا.....، ماعساه أن يرى الرائي :
من تلك الحُلَل التي تَكسو بها أحبابها من الأغنياء،وتلك المسْحَة التي أضفتها حياة النعيم علي وجوههم، ثم تأملت حالهم مع الناس، كأنهم هم الأمراء والناس خدم، كأنهم وحدهم فوق ظهر الحياة، والناس كلهم تحت اسم العدم، فالغَنيُ بماله يجلب ماأحب، ويشتري مايشتهي، فاستهواني عيش الغني، واستشعرت حال الغنى وأخذت نفسي تحدثني بالدنيا وزينتها، وراح خاطري يجول بي في معالم الغنى، وحياة المترفين، حتى أحسست أني منهم، فهرعت إلى مرآتي عَلَنِي أرى مسْحَة الأغنياء مصقولةً على وجهي، لكن لما نظرت رأيت وجهاً لا يحمل ذرةً من مسحة الأغنياء، فانتابني الحزن، وعدت أحس بضيق الحجرة التي أنا فيها،ثم لبثت برهة في صمت وحزن...، إنها لصعبة حياة الفقر.
بعدها رحت أغوص في مرآتي عساني أنتشل منها صدفات ودرر، وأنا كذاك تذكرت أن الرازق هوالله ، فانشرح صدري وأخذت أنظر إلى الدنيا من باب قلب القناعة الكبير، فأخذت الدنيا تتقزم في ناظري شيئا فشيئا، ثم رأيت حال أهلها وخلانها، في كل يوم يلهثون ، ولايزال لهثُهم، في كل يوم يجرون وراء شيء لم يكتب لهم الضفر به، وقد يموتون دون الوصول إليه، لا حدّ لشهوتهم الجامحة، بخلهم تنضح به مُقَلُهم، وجوههم كالحة، حياتهم –على كثرة مالهم- بائسة، يوهموننا أنهم سعداء، لكنَّ الشقاء قد سكن قلوبهم،وتعلق بتلابيب أيامهم، يظهرون الصبر والجلد، حتى لا نراهم في ضنك، وهم في الحقيقة –إلا من كان راضيا- منغمسون في مستنقع النكد....
آآ الآن عرفت الحقيقة إن هؤلاء رغم غناهم المادي، لم يضفروا بالغنى الحقيقي: "غنى الروح"، ذاك الغنى الذي له خزينة ملئت بكنز "القناعة" ، إنه الكنز الذي كان ينقصني، فانتشلت كنزي من مرآتي، و أخذت تبدو على وجهي مسحة الأغنياء التي لا تنمحي وإن قلَّ مالي، ولاتزول وإن عركتني إحن الحياة، وبنات الدهر،وانفرجت أسارير وجهي، وعادت ليَ البسمةُ الصادقة، حينها أهدتني المرآة المعنى الحقيقي للغنى، وقالت بهمسة سحرية: الغنى هو أن تكون في غنى عن أشياء كثيرة، وإن قلَّ ماعندك، والفقر هو أن تطمع في كل شيء وإن ملكت الدنيا.
فالقناعة مفتاح الغنى، وهي أوله ومنتهاه .