الجاهل يشكو الله إلى الناس , و هذا غاية الجهل بالمشكو و المشكو إليه , فإنه لو عرف ربه لما شكاه و لو عرف الناس لما شكا إليهم . و رأى بعض السلف رجلا يشكو إلى رجل فاقته و ضرورته , فقال : " يا هذا ,و الله ما زدت على أن شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك", و في ذلك قيل :
و إذا شكوت إلى إبن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
و العارف إنما يشكو إلى الله وحده . و أعرف العارفين من جعل شكواه إلى الله من نفسه لا من الناس , فهو يشكو من موجبات تسليط الناس عليه , فهو ناظر إلى قوله تعالى :{ و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } , و قوله : {و ما أصابك من سيئة فمن نفسك } و قوله :{ أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم }.
فالمراتب ثلاثة : أخسها أن تشكو الله إلى خلقه , و أعلاها أن تشكو نفسك إليه , و أوسطها أن تشكو خلقه إليه .