منذ سنوات وهاجس الفساد يؤرق الجزائريين، غير أن السلطة لم تقدم أي حلول وإجراءات رادعة لمكافحته، ولذلك استشرى وبلغ ما لا يمكن تخيّله، حتى صار يهدد كيان الدولة ومؤسساتها واستقرارها. لم يعد الفساد هو رشوة في بلدية أو أي إدارة أخرى بل عشعش في أعلى هرم الدولة، حتى صرنا نرى وزراء يغرقون في مستنقع الفساد وآخرون تلاحقهم التهم من كل جانب، غير أنهم لا يزالون يمارسون مهامهم وفي القطاعات التي أفسدوها كما يجري مع وزير الأشغال العمومية عمار غول وغيره. وحتى الوزراء الذين خرجوا من الحكومة بينهم من لا يتحرك ضده القضاء رغم أن ملفات فساده أخذت البعد الدولي، كما يحدث مع وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل، وقد فتحت تحقيقات قضائية حوله في دول أجنبية مما أجبر العدالة الجزائرية لحفظ ماء وجهها وأعلنت تحقيقا لم يظهر منه أي شيء، ورغم ذلك لا يزال شكيب خليل حرا طليقا ولم يصدر في حقه حتى أمر بإحضار أو استدعاء لسماعه.
في كل مرة تعلن السلطات عن إجراءات جديدة لمكافحة الفساد والحدّ من انتشاره غير أن تلك الإجراءات لا تتعدى الدعاية الإعلامية والمناسباتية ثم تركن إلى النوم العميق، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الفساد صار أكبر من ما تبقى من مؤسسات الدولة، لأن الذين يغرقون في مستنقعاته ويحركون شبكاته ويتحكمون بخيوطه لديهم نفوذهم وسطوتهم في أعلى هرم السلطة وصاروا يرون أنفسهم أكبر من الجزائر وشعبها وإقليمها وسلطاتها جميعا.
الحديث عن خطوات تتعلق بالتحقيق في ممتلكات المترشحين للرئاسيات القادمة هي خطوة يجب تفعيلها مع الجميع ووفق آليات قانونية واضحة وليس من أجل إقصاء فلان أو علان ممن لا يراد له عدم الظهور على ركح رئاسيات ظلت في كل مناسبة موسما للشعارات التي لم تتجاوز حناجر المترشحين وعلى رأسهم الرئيس بوتفليقة بحد ذاته، والذي إن كان وضعه الصحي يؤهله جدلا لعهدة رابعة فإن تفعيل الإجراءات المتعلقة بالفساد ستقصيه شخصيا لما عرف عهده من فساد لم يسبق له مثيل. وبغض النظر على ما حدث في نهاية السبعينيات فإن تورط شقيقه سعيد بوتفليقة في قضايا فساد لم يحقق فيها فضلا عن شخصيات ظلت على مدار حكمه منذ 1999 تحسب عليه وهو الذي يقف وراء تعيينهم ومنحهم كل السلطات والصلاحيات فكبّدوا البلاد ما لا يمكن تقديره من خسائر. فالمفسد ليس من ينهب فقط فحتى من يتيح له الفرصة ويساعده بالتعيين ويقربه من دوائر القرار ويمنحه الامتيازات يتحمل كامل المسؤولية أيضا.
مكافحة الفساد ليست شعارات للمناسبات والاستهلاك الإعلامي بل هي إجراءات فعليّة وردعية وصارمة من الصعب تجسيدها في الجزائر مادام الذين يتحكمون في صناعة القرار بينهم من يعتبرون من رؤوس الفساد ببلادنا للأسف الشديد.
بقلم : أنور مالك
المصدر: جريدتي
https://djaridati.com/ar/index.php/%D...%A7%D8%AF.html